فتح الرحمن عبد الباقي
29-04-2012, 02:27 AM
ما بين أنانية الدور المصري وسذاجة الدور السوداني ( 2 )
تناولت في الحلقة الماضية ، بعضا من صور التعامل بين السودان ومصر ، وركزت على الفترة السابقة لعهد الثورة المصرية ، والتي تميزت بأنها فترة غامضة المعالم ، ولكنها مثلها مثل علاقة السودان ببقية الدول العربية والمحيطة به ، كثيرا ما تميزت بالتذبذب والتأرجح ، ولكن الأمر مختلف تماما ، فلمصر مصالح جوهرية ومهمة ، ومصر معروفة بأنها تركض ركضا ، وراء مصالحها ، إلا أن قوة السند الأمريكي ، جعلها تتجاهل هذه المصالح ، ولا تخشى عليها من السودان . الذي لا يساوي جناح بعوضة في نظرها ، وأن المصالح الأمريكية ، أو هكذا أوهمها الأمريكان ، بأن مصالحها مع أمريكا ، أهم بكثير من مصالحها مع السودان .
انتقلت حمى الربيع العربي إلى مصر وتجمهر الشباب الثائر ، وانتهت حقبة الرئيس السابق حسني مبارك ، وجاءت حكومة جديدة ، تغلب عليها الصبغة الإسلامية المتشددة ، واستبشر السودان خيراً ، بقدوم هذه الحكومة ، وزوال حكم الرئيس حسني مبارك ، الذي يتهم حكومة السودان بأنها قد حاولت اغتياله ، خصوصاً وأن من أهداف الثورة ، فك ارتباط مصر بأمريكا، وإنهاء فرض الهيمنة الأمريكية ، وهنا طار السياسيون السودانيون ، إلى جارتهم مصر يشكون إليها ، جور الجار السابق ، ويشكون إليها ما لاقونه من مرارات ، وهي تعلم بالحال ، ويتمنون منها ، ألا تحذو حذوه ، في سوء الجوار ، وهي تتعشم أكثر من ذلك . طاروا إليها ، وهم يتعشمون بحل ملف حلايب ، الذي توقع بعض السياسيين ، أن تقوم مصر مبادرة منها ، بإنهاء الخلاف ، لإبداء حسن النوايا ، حتى يتم التكامل بين شعبي وادي النيل مصر والسودان .
مرت الأيام وجاءت الأحداث ساخنة وكفيلة بإظهار الموقف المصري ، لمعاونة أشقائه كما يقول دائما ، ولكن مصر أصبحت منشغلة بنفسها ، منكفئة في دواخلها ، ومشغولة بأمور كثيرة ، لا تجعلها تهتم بأي شيء تجاه هذه الجارة المسكينة المهمومة التي ترجو من جارتها فعل المستحيلات ، وبدلا من قيام مصر بمبادرات لإظهار حسن النوايا ، أصبح السودان من يقوم بمبادرات حسن النوايا ، والرشاوى السياسية من أبقار مزرعة المتعافي .
كنا نتوقع ، أن تقوم مصر بعد الثورة بوضع خطة موحدة في كل المجالات التي تخدم الأمن القومي السوداني المصري ، ابتداء بتوحيد وجهات النظر حول ملف المياه ، على أمل تامين حصة البلدين من المياه ، في حال هددت دول المنبع ، دول المصب ، ولكن حتى في هذا الملف فان مصلحة السودان أن يكون مع دول المنبع ، وليس مع دول المصب ، وهو من رجال الأعراف لوقوعه في المنطقة الوسطى ، بين دول المنبع ودول المصب ، وليس لديه نفس مشكلة مصر ، فكمية الأمطار التي تهطل داخل الأراضي السودانية ، أكثر بكثير من الأمطار التي تهطل في مصر ، وإذا ما تم تخزينها في فترة الخريف ، فان السودان غير معني ، بأي شكل من أشكال الاتفاقيات بما يخص مياه النيل ورغما عن ذلك ، وافق ولم يضع السودان نفسه مع القوي الأمين ، ووضعها مع جارته مصر المسلمة العربية .
أما المجال الاقتصادي والزراعي فقد قام السودان إبان زيارة الرئيس البشير لمصر في مارس من العام المنصرم بتقديم هدية للشعب المصري قيمتها 5000 رأس من الأبقار ، وكما تم الاتفاق على مد مصر بـ 450 رأس من الأبقار يوميا ، وبأسعار مخفضة ، وقد أشيع بان السودان قد منح مصر مليون فدان بمشروع الجزيرة ، إلا أنها اصطدمت بملاك الأراضي ، وأصحاب مشروع الجزيرة . وكان هذا الخبر قد نشر بجريدة الأهرام حول الاتفاق بين وزير الزراعة المصري والسوداني . إلا أن السودان قد نفى الخبر .
في نهاية العام 2011م ، وبعد انفصال الجنوب عن الشمال ، وفقدان السودان للنفط والغاز ، قام السودان رسميا بتقديم طلب إلى جارته مصر لمده بالغاز الطبيعي ، واضعا في اعتباره ، العلاقات الأزلية ، خصوصا بعد زوال حكم الطاغية حسني مبارك ، وبعد كل المبادرات والسبوت ( جمع سبت ) التي قدمها ليجني الأحد ، ولقد أجرى وزير السدود أسامة عبد الله مع وزير النفط المصري عبد الله غراب مباحثات في هذا الصدد ووعده خيرا بأنه سوف يقوم بدراسة هذا الملف . وأخيرا أعلن السفير السوداني ، أن مصر قد اعتذرت رسميا ، ورفضت الطلب بحجة النقص في الاحتياطي من الغاز الطبيعي ، في حين أنها تقوم بتصديره لكل من إسرائيل والأردن ، فلم تضع في الاعتبار ، ما قدمه السودان ، ولم تراع أن السودان يمثل عمقا إستراتيجيا لها .
هكذا هي الأحداث ، مصر لا يهمها شيء في السودان ، فقد قدم السودان عددا مهولا من أيام السبت ليجد أحدا واحدا ، ولكن مصر هي مصر قبل الثورة وبعد الثورة ، والمصري هو المصري ، مصلحجي انتهازي لا يعرف إلا نفسه ، والإنقاذ هي الإنقاذ لا تعرف إلا مرمطة السودانيين داخل بلدهم أو خارجها ، فمتى تثور كرامة الخارجية السودانية وتنتفض ، وتستخدم المتاح من أوراقها ، وتقوم بمبادرة لتعديل اتفاقية مياه النيل ، لتأخذ حقها ، أو على الأقل لترعوي مصر .
فتح الرحمن عبد الباقي
مكة المكرمة
29-4-2012
Fathiii555@gmail.com
تناولت في الحلقة الماضية ، بعضا من صور التعامل بين السودان ومصر ، وركزت على الفترة السابقة لعهد الثورة المصرية ، والتي تميزت بأنها فترة غامضة المعالم ، ولكنها مثلها مثل علاقة السودان ببقية الدول العربية والمحيطة به ، كثيرا ما تميزت بالتذبذب والتأرجح ، ولكن الأمر مختلف تماما ، فلمصر مصالح جوهرية ومهمة ، ومصر معروفة بأنها تركض ركضا ، وراء مصالحها ، إلا أن قوة السند الأمريكي ، جعلها تتجاهل هذه المصالح ، ولا تخشى عليها من السودان . الذي لا يساوي جناح بعوضة في نظرها ، وأن المصالح الأمريكية ، أو هكذا أوهمها الأمريكان ، بأن مصالحها مع أمريكا ، أهم بكثير من مصالحها مع السودان .
انتقلت حمى الربيع العربي إلى مصر وتجمهر الشباب الثائر ، وانتهت حقبة الرئيس السابق حسني مبارك ، وجاءت حكومة جديدة ، تغلب عليها الصبغة الإسلامية المتشددة ، واستبشر السودان خيراً ، بقدوم هذه الحكومة ، وزوال حكم الرئيس حسني مبارك ، الذي يتهم حكومة السودان بأنها قد حاولت اغتياله ، خصوصاً وأن من أهداف الثورة ، فك ارتباط مصر بأمريكا، وإنهاء فرض الهيمنة الأمريكية ، وهنا طار السياسيون السودانيون ، إلى جارتهم مصر يشكون إليها ، جور الجار السابق ، ويشكون إليها ما لاقونه من مرارات ، وهي تعلم بالحال ، ويتمنون منها ، ألا تحذو حذوه ، في سوء الجوار ، وهي تتعشم أكثر من ذلك . طاروا إليها ، وهم يتعشمون بحل ملف حلايب ، الذي توقع بعض السياسيين ، أن تقوم مصر مبادرة منها ، بإنهاء الخلاف ، لإبداء حسن النوايا ، حتى يتم التكامل بين شعبي وادي النيل مصر والسودان .
مرت الأيام وجاءت الأحداث ساخنة وكفيلة بإظهار الموقف المصري ، لمعاونة أشقائه كما يقول دائما ، ولكن مصر أصبحت منشغلة بنفسها ، منكفئة في دواخلها ، ومشغولة بأمور كثيرة ، لا تجعلها تهتم بأي شيء تجاه هذه الجارة المسكينة المهمومة التي ترجو من جارتها فعل المستحيلات ، وبدلا من قيام مصر بمبادرات لإظهار حسن النوايا ، أصبح السودان من يقوم بمبادرات حسن النوايا ، والرشاوى السياسية من أبقار مزرعة المتعافي .
كنا نتوقع ، أن تقوم مصر بعد الثورة بوضع خطة موحدة في كل المجالات التي تخدم الأمن القومي السوداني المصري ، ابتداء بتوحيد وجهات النظر حول ملف المياه ، على أمل تامين حصة البلدين من المياه ، في حال هددت دول المنبع ، دول المصب ، ولكن حتى في هذا الملف فان مصلحة السودان أن يكون مع دول المنبع ، وليس مع دول المصب ، وهو من رجال الأعراف لوقوعه في المنطقة الوسطى ، بين دول المنبع ودول المصب ، وليس لديه نفس مشكلة مصر ، فكمية الأمطار التي تهطل داخل الأراضي السودانية ، أكثر بكثير من الأمطار التي تهطل في مصر ، وإذا ما تم تخزينها في فترة الخريف ، فان السودان غير معني ، بأي شكل من أشكال الاتفاقيات بما يخص مياه النيل ورغما عن ذلك ، وافق ولم يضع السودان نفسه مع القوي الأمين ، ووضعها مع جارته مصر المسلمة العربية .
أما المجال الاقتصادي والزراعي فقد قام السودان إبان زيارة الرئيس البشير لمصر في مارس من العام المنصرم بتقديم هدية للشعب المصري قيمتها 5000 رأس من الأبقار ، وكما تم الاتفاق على مد مصر بـ 450 رأس من الأبقار يوميا ، وبأسعار مخفضة ، وقد أشيع بان السودان قد منح مصر مليون فدان بمشروع الجزيرة ، إلا أنها اصطدمت بملاك الأراضي ، وأصحاب مشروع الجزيرة . وكان هذا الخبر قد نشر بجريدة الأهرام حول الاتفاق بين وزير الزراعة المصري والسوداني . إلا أن السودان قد نفى الخبر .
في نهاية العام 2011م ، وبعد انفصال الجنوب عن الشمال ، وفقدان السودان للنفط والغاز ، قام السودان رسميا بتقديم طلب إلى جارته مصر لمده بالغاز الطبيعي ، واضعا في اعتباره ، العلاقات الأزلية ، خصوصا بعد زوال حكم الطاغية حسني مبارك ، وبعد كل المبادرات والسبوت ( جمع سبت ) التي قدمها ليجني الأحد ، ولقد أجرى وزير السدود أسامة عبد الله مع وزير النفط المصري عبد الله غراب مباحثات في هذا الصدد ووعده خيرا بأنه سوف يقوم بدراسة هذا الملف . وأخيرا أعلن السفير السوداني ، أن مصر قد اعتذرت رسميا ، ورفضت الطلب بحجة النقص في الاحتياطي من الغاز الطبيعي ، في حين أنها تقوم بتصديره لكل من إسرائيل والأردن ، فلم تضع في الاعتبار ، ما قدمه السودان ، ولم تراع أن السودان يمثل عمقا إستراتيجيا لها .
هكذا هي الأحداث ، مصر لا يهمها شيء في السودان ، فقد قدم السودان عددا مهولا من أيام السبت ليجد أحدا واحدا ، ولكن مصر هي مصر قبل الثورة وبعد الثورة ، والمصري هو المصري ، مصلحجي انتهازي لا يعرف إلا نفسه ، والإنقاذ هي الإنقاذ لا تعرف إلا مرمطة السودانيين داخل بلدهم أو خارجها ، فمتى تثور كرامة الخارجية السودانية وتنتفض ، وتستخدم المتاح من أوراقها ، وتقوم بمبادرة لتعديل اتفاقية مياه النيل ، لتأخذ حقها ، أو على الأقل لترعوي مصر .
فتح الرحمن عبد الباقي
مكة المكرمة
29-4-2012
Fathiii555@gmail.com