المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السكر الابيض فى السوق الاسود



الصحفى
23-11-2011, 01:42 AM
بقلم الصحفى : مصطفى خواجه - جريدة ( السودانى )

السكر الابيض لم و لن يخرج من السوق الاسود الا بعودة مؤسسة توزيع السكر

أذكر إنني كتبت مقالاً تحت عنوان (اندلاع الحرب السكرية بين حلفاء الأمس) نشر بصحيفة آخر لحظة الغراء في فبراير 2008م أشرت فيه إلي التصريحات والتحقيقات الصحفية والبيانات التي تكشف عن الاتهامات المتبادلة بين شركات السكر من جهة وغرف الصناعات الغذائية من الجهة الأخرى فيما يتعلق بتسرب سكر الصناعات إلي الأسواق ودوره مع السكر التجاري المستورد الذي حال دون توزيع كميات كبيرة من السكر المحلي مكدسة بالمخازن أكثر من 250 ألف طن من أنتاج الموسم السابق أي موسم 2007م مضافاً إلي ذلك أنتاج موسم 2008م وقد وصف السيد / رئيس نقابة عمال السكر ذلك الوضع بالكارثي قائلاً (الحقوا ما تبقي من مؤسسات إنتاجية ناجحة قبل الدمار والفشل ..) صحيفة ألوان الغراء 15/12/2007م وقلت عن هذا بأن التاريخ يعيد نفسه إذ أن خصوم اليوم ـ أن جاز التعبير ـ وهم أنفسهم حلفاء الأمس الذين قادوا المعارك الشرسة مستخدمين كافة الأسلحة لإبعاد المؤسسة العامة لتجارة السكر وهي الجهاز المركزي القومي المكلف بضبط وتنظيم وتوزيع سلعة السكر في البلاد وتأمين احتياجات المواطنين والقطاعات الأخرى من مصانع غذائية وغيرها علي مدار العام مع الاحتفاظ بمخزون استراتيجي للطوارئ وذلك باستلام وترحيل كل أنتاج المصانع المحلية ، سكر كنانة والمصانع التابعة لشركة السكر السودانية (الجنيد ، حلفا، عسلاية ، وغرب سنار) وتخزينه بمخازنها المنتشرة علي نطاق البلاد كافة مع سد الفجوة باستيراد أجود أنواع السكر من دول المنشأ ـ كوبا والبرازيل وغيرها وذلك وفقاً لخطه قومية سنوية تعدها وفقاً لمعدلات الاستهلاك المرتبطة بالنمو السكاني والعادات والمؤشرات الاقتصادية ويشهد التاريخ للمؤسسة بأنها قد أفلحت في أداء رسالتها المهمة والخطيرة تجاه مصانع السكر باستلام وتوزيع كل السكر المنتج لان التوزيع حلقة مهمة من حلقات الإنتاج وتوفير احتياجات المواطنين والقطاعات الأخرى من السكر الصالح لاستهلاك الإنسان لان السكر سلعة غذائية مهمة ويستخدم استخداماً مباشراً وليس كالدقيق الذي تعالجه النار !!
بحيث لم يعد يشكل السكر هما من هموم المواطن والدولة معاً لمدي أكثر من ثلاثين عاماً من الزمان منذ إنشاء المؤسسة في مطلع السبعينات باستثناء الفترات القصيرة التي أعقبت حلها المؤسسة عام 1984م وتجميدها خلال عام 1987م وأخيراً تصفيتها عام 2003م وللتدليل علي صحة وصدق ما أشرت إليه من هجوم ومعارك شنتها مصانع السكر أدارة ونقابة عمال إلي جانب اتحاد غرف الصناعات الغذائية الذي أدلي رئيسه آنذاك بتصريح عنيف لأحدي الصحف الكبرى مطلع عام 2001 مطالباً بتصفية المؤسسة العامة لتجارة السكر في الحال لأنها قد أذاقتهم الآمرين علي حد تعبيره !! وهو يعني بذلك الضوابط الصارمة التي تضعها المؤسسة لضمان استخدام السكر في الصناعة وعدم تسريبه إلي الأسواق ومن تلك الإجراءات أبراز شهادة من الجهات المختصة بالمنتج وأن يكون الصرف شهرياً وليس لعدد من الأشهر !!! كما أن احد كبار المسؤولين بأحدي شركتي السكر كتب مقالاً نشر بصحيفة الرأي العام الغراء في حوالي منتصف عام 2001م واصفاً المؤسسة بأنها مجرد وسيط (سمسار) يجب أبعادها حتى تتذوق المصانع حلاوة سكرها حسب تعبيره ومطالباً أيضاً بتحرير سلعة السكر أنتاجاً وتوزيعاً وليس ذلك فحسب وإنما طالب أيضاً بحماية مصانع السكر المحلية من السكر المستورد أي أن سيادته يريد الاستفادة من كفتي الميزان (التحرير والحماية) رغم انف المواطن المسحوق !! وقديماً قيل انك لا تستطيع أن تستفيد من كفتي الميزان ولا أن تكيل بمكيالين !! أما السيد / رئيس نقابة عمال مصانع السكر فقد اصدر بياناً مطولاً وعلي صفحة كاملة نشر في عدة صحف آنذاك مسانداً رؤية إدارات المصانع بأحقيتها في توزيع أنتاجها كما أن إدارات المصانع هي الأخرى نشرت بياناً مطولاً في عدة صحف رداً علي مجرد عبارة وردت في ثنايا حوار أجرته صحيفة ألوان مع نائب مدير عام المؤسسة العامة لتجارة السكر يفهم منه بأن المصانع لا تستطيع توزيع أنتاجها وهو بالطبع لا يقصد العجز الفني أو لإداري أنما يقصد عجز المصانع من منافسة السكر المستورد في ظل سياسة التحرير وأبعاد المؤسسة لكونها الآلية الوحيدة التي تشكل الحماية لمصانع السكر لأنه في ظل قانون المؤسسة لا تستطيع أية جهة استيراد سكر من الخارج وما ذهب إليه نائب مدير المؤسسة قد تحقق بالفعل لان المصانع عجزت عن توزيع كميات كبيرة من أنتاج موسم 2007م كما أشرت إلي ذلك آنفاً ولما كان قرار فك احتكار سلعة الصمغ العربي والسكر الذي صدر في مطلع عام 2002م لا يعني إلغاء دور ومهام المؤسسة العامة لتجارة السكر حيث صرح مهندس القرار الأستاذ / عبد الرحيم حمدي وزير المالية والاقتصاد آنذاك بأن القرار لن يؤثر سلباً علي كل من شركة الصمغ العربي والمؤسسة العامة لتجارة السكر وذلك عبر تصريح أدلي به لصحيفة الرأي العام الغراء نشر بتاريخ 27/2/2002م قائلاً : في الواقع لم يكن هنالك احتكار لسلعة السكر صحيح أن القانون استخدم كلمة (فك احتكار) وأوضح بأن القصد من القرار السماح لجهات أخري باستيراد السكر !!ولما علم المتربصون بالمؤسسة بأن هذا القرار لا يمكنهم من أبعاد المؤسسة لجأوا إلي حيلة من حيل الدهاء والمكر باستصدار قرار من اللجنة الفنية للسكر بأن تتسلم الولايات حصصها من المصانع مباشرة كآلية قليلة التكلفة وهم يعلمون علم اليقين بأن هذا الأسلوب لن يقلل تكاليف أدارة السلعة إلاّ إذا طلب من المواطنين السكن بالقرب من المصانع لكن طالماً إن هنالك عمليات استلام وترحيل وتخزين تقوم بها الولايات فمن ناحية اقتصادية بحته بصرف النظر عن الجوانب المهمة الأخرى فأن المؤسسة كجهة واحدة تمتلك مواعين تخزينية بكافة مناطق البلاد وأسطولاً من الشاحنات وقوي عامله مؤهله ومدربة بخبرات تراكمية وعلاقات متميزة مع قطاع النقل لا شك أنها الأجدر والأقل تكلفة والأكثر طمأنينة حيث فشلت الولايات في استلام السكر من المصانع واضطرت كل واحده من شركة السكر السودانية وكنانة بالقيام بعملية الترحيل والتخزين ببعض المناطق بالولايات وسرعان ما انسحبت من معظم الولايات !! أن اللجنة الفنية للسكر والتي تمثل فيها شركات السكر بعضوية فاعلة قد أغفلت عمداً وليس سهواً المهام الأخرى للمؤسسة والمتمثلة في استيراد السكر لسد الفجوة في الاستهلاك والاحتفاظ بمخزون استراتيجي ، الإحصاء والبحوث فضلاً عن ضبط حركة السكر ومنع احتكاره أو تهريبه إلي خارج الحدود وتوفير احتياجات المواطنين في كل الأوقات وعلي مدار العام وبالسعر القانوني المحدد من قبل الدولة علماً بأن أنتاج المصانع يغطي حوالي (50%) من استهلاك البلاد ، وهنالك أمر مهم للغاية يجدر الإشارة إليه وهو أن المؤسسة لا تستطيع التصرف في أوقية واحدة من السكر ولا أن تزيد سعره وأن كل هذه الضوابط المحكمة قد انهارت مع تعدد الجهات التي تعمل في ترحيل وتخزين وتوزيع السكر ، وفي الأعوام الأخيرة فقد دخلت سلعة السكر السوق الأسود من أوسع أبوابه وبدرجة لم تعهدها البلاد من قبل !! ولجأت وزارة الصناعة إلي اتخاذ العديد من الإجراءات في سبيل ضبط حركة السكر وتوفيره للمواطن بالسعر القانوني ومن ضمن الحلول اللجوء إلي أسلوب العبوات الصغيرة والتي يتحمل تكاليفها المواطن المسحوق هذا إذا ما توفرت السلعة أصلاً وبالسعر المحدد وفي الواقع فإن أسعار السكر قد خرجت من سيطرة الدولة والأن يتراوح سعر الجوال ما بين (210ـ 240) في كافة الولايات في حين أن السعر الرسمي للجوال وبعد الزيادة الأخيرة (160) جنيهاً !! لا شك أن احتكار سلعة السكر أنتاجاً واستيراداً وتوزيعاً حصرياً علي شركات السكر يجعل من سيناريو اختفاء السلعة ودخولها السوق الأسود يتكرر كل عام جديد من جراء هذا الاحتكار المخل كما وأن فتح باب الاستيراد لكافة الجهات كما حدث في عام 2007م سيضر ضرر بليغاً بالمصانع المحلية ويغرق الأسواق بالسكر المستورد بما في ذلك الصالح والطالح المشكوك في صلاحيته و اذكر اننى كتبت مقالاً نشرته صحيفة الوطن انذاك تحت عنوان ( وزارة التجارة غائبة او مغيبة و من المسؤل عن استيراد سكر مشكوك فى صلاحيته ) لان الاسواق فى ذلك الوقت غمرت بكميات كبيرة من السكر مشكوك فى صلاحيته و تفوح منه رائحة نتنه تدل على تشبعه بالرطوبة و البكتيريا و التاريخ يعيد نفسه فقد نشرت صحف الاسبوع المنصرم دخول سكر مشكوك فى قابليته للاستخدام و السؤال الذى يفرض نفسه لماذا كل هذا الجهد والتعب وانشغال بعض الجهات بمهام خصماً علي واجباتها وعذاب المواطن والتضييق علي التجار فأن الأمر في غاية البساطة ويحتاج إلي قرار رئاسي عاجل بعودة المؤسسة العامة لتجارة السكر لإيقاف هذه الفوضى والعبث في أهم سلعة حياتية ولكونها الفاكهة المشتركة بين الغني والفقير ،لاشك أن عودة المؤسسة العامة لتجارة السكر من شأنه ضبط حركة توزيع السكر ووصوله لمستحقيه في كافة الولايات بالاعتماد علي الإنتاج المحلي فقط والذي يكفي لاستهلاك المواطنين بمعدل أوقية واحدة للمواطن يومياً مع تخصيص حوالي (200) ألف طن للصناعات لان من مهام المؤسسة العامة لتجارة السكر وفائدتها ضبط حركة السكر وترشيد الاستهلاك ،، أن الداني والقاصي يعلم أسباب اختفاء سلعة السكر ودخولها السوق الأسود والجهات المستفيدة من هذا الوضع و من الحقائق التى لا تغيب على باحث متعجل فان المعالجات التى يقال انها تحد من تسريب السكر للسوق الاسود و هى اشاعة العبوات الصغيرة فان السكر لم تعبئته لا قل من كيلو واحد فان مثل هذا الاجراء لم و لن يمنع الاحتكار و دخول السكر السوق الاسود كما هو حادث الان !! و من الحقائق ايضاً التى لا تخفى على احد فانه كلما زادت اسعار السكر رسمياً فان السوق الاسود يحتفظ بنفس النسبة من الزيادة لتتضاعف الاسعار على المستهلك !!ومن الجدير بالذكر أن السيد وزير المالية الأستاذ/ علي محمود وفي تصريحٍ نشرته بعض الصحف قبل حوالى الشهرين المنصرمين وموكداً توفر سلعة السكر قائلاً بأن المشكلة تكمن في التوزيع والرقابة ، وهذا أكبر دليل واعتراف بأصل المشكلة والتي لا يمكن حلها إلا بالرجوع لآلية المؤسسة العامة لتجارة السكر .

والله من وراء القصد ،،،

مصطفي الجيلي خواجه