حسن سادة
25-10-2011, 03:04 AM
إنتفضت مذعوراً وقد كادت الصخرة التي كنت أجلس فوقها وأنا أتأمل النيل المسافر بلا هوادة إلى الشمال وقد صحت الورود في كل روض في الجروف وتبسمت الأزاهير وقد تحلى الكون بمنظر الطبيعة الخلابة حينما باغتني الورل الذي كان يختبئ بين سيقان نباتات القرع التي حضنت الجروف الخضراء ونامت في تكاسل وكأنها ترمق الضفة الأخرى وقفزت مذعوراً وأنا أتابعه وهو يغطس في الماء مخلفاً وراءه فقاقيع الماء وقد تلاشت رويداً رويداً مما أفزع الأسماك الصغيرة التي أخذت تقفز فوق لجة الماء وجلة ولكنني سرعان ما هدأت من روعي حينما لاح أمام ناظري قارباً شراعياً كان يتهادى فوق صفحة الماء وهو يمخر عباب الأمواج وتتبعه أسراب البط والأوز وهي ترفرف أجنحتها وكأنها كانت تظلله وتقيه من أشعة الشمس اللافحة ولكنني دققت النظر كرتين لكي أتبين من على متنه ولكن بصري كان ينقلب إلي خاسئاً وهو حسير وفتاة لقيتها ثم تجني ثمر السنط في إنفراد الغزال تمنح الغصن أسفلي قدميها ويداها في غصن آخر عال تماماً كما قال الشاعر قريب الله ولكنها تركت الشجر ولملمت ثمارها ثم مضت في حال سبيلها بمحاذاة النيل وكأن النيل قد تبعها ومضى خلفها
وظللت أنا أناجيها بأبيات رائعة شاعرنا عبد العال السيد:
" شايلاهو وين النيل معاك؟
عصفورة جنحيها النجوم
وأنا بي وراك
بسأل عليك مدن مدن
وأعصر سلافة الليل حزن
بسأل عليك في الملتقى
في مرافئ السفن
يمكن طيوفك آخريات الليل تمر
تملأ الجراحات للحزين طول العمر
ما نحن بينا الأمنيات والتضحية "
وبغتة وجدت أحدهم وقد إعتلى قمة النخلة الهرمة
يبتغي رطباً جنياً فأخذت أناجيه ملياً مردداً كلمات
رائعة الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد:
" لو هز نخلك يا شبزق
ما فارق التمر السبيط
وما ساور الطورية شك
إنو الأرض أنثى وبتحمل بالحلال مين اللي قال إنو المسافة البينا بين الشمس طاقة
أو مياه النيل بتدخل
في عروق السنبلة
المسقية بي عرق
الجعانين والمساهرين بالبطاقة "
ثم أردفت أقول له وأعناقي تشرئب إليه:
" لما الفرح الفينا معشعش
يبقى مواسم صيف ويجافـى
لمـا الكلمـة الطيبـة تسافـر
ترحـل تسكـن جـوة منافـي
لما الروح العشقـت وحبـت
حلمهـا أصبـح أمـلاً خافـي
لما الصدى يرجعلـك تانـي
بـى ألحـان مـا فيهـا قوافي
لما أحزانا تشيلها البسمـة
وجـوة الـروح تلقـالها مرافـيْ
لما غرامك يهزم صبري
وينحل جسمي الكان متعافـي
لمـا الليـل الساهـر ليلـو يطـول
يمتـد ويبـقـي خـرافـي "
نلملم شوقنا ونرحل ليك"
ولملمت الخطى المتثاقلة ودنوت من شط النيل وتلفتُ يمنة ويسرى
ولكنني لم أجد الساقية وكنت في زمن مضى اعشق صوت السواقي
الحاني فقلت وأنا أتمتم في سري:
" يا سواقي بلدنا
وينو صوتك مالو؟
وينو قارع مويتك؟
غنّى باسم حالو
وين غسيل النيل؟
وشر هدوم في رمالو
وينو ماضي الحلة؟
وين ومين الشالو؟
ولكنني ووسط هذه الحيرة التي كانت تلفني بلا هوادة جثوت باسماً في ضفة النيل
فكادت الجوى أن تهزمني جهراً وكادت أن تكتبني في زمان المد وجداً ساكناً
وحرفاً من حروف الإعتلال ولكن نفس المناد دنا مني قليلاً وقال لي هامساً:
" أيها الرجل الخرافي الجمال
البحر منذ الأزل باق
فقط يجدده التمدد إذ أناب
ويمنحه شروق الشمس ألوان التبرّج كلها
فلا الأيام تخفيه ولا حجاب "
ولكنني سألته مجدداً في إلحاح بالغ:
" وينو صوت الساقية؟
الكان يشق الليل
وين نخيلنا الرامى؟
الظلال فى النيل
وين ووين دفيقها؟
الكُنَا منو نشيل
وين جداول الموية؟
الجارية زى السيل؟
فتركته وشأنه ومضيت إلى حال سبيلي
وأنا أدير ظهري للنيل وفي صدري متسع
ومستقر للعشق تنضح بمدرار من عتق وحسبت للحظة أن قلبي ومشاعري قد شاخت
وبلغت أرذل العمر ولكنني تذكرت فجأة كلمات الشاعر وقد لاحت أمام خيالي كومضة عجلى:
" القلب لا يجدب وإن تاهت مسارات الشعوب
والشوق لا يفتر وإن بعدت مسافات الدروب"
ولكنني توقفت بغتة وأنا أنظر إلى النيل مجدداً وقد تمردت أمواجها
ولم تكف عن عويل أشبه بزمجرة الرياح وهوجها ثم نظرت إلى نفسي وأنا أردد:
" زولاً مِتل نسم الجروف من بِذرة الكتّان مَرَق
والزاد عشان يبقالو زاد لازم يِجرتقو بالعَرَق "
ثم واصلت المسير مجدداًُ وأنا ألوك هذه الكلمات وأجترها:
يا بحر حلتنا"
فى رمالك ذكرى
لا بتشيل الموجة
ولا بتفارق الفكرة
الجريـف واللوبيـا "
ويحي ما بال النيل قد تغير وتنكر
" النيل أصبح يا زول رحراح
الضل قَصّر ما غَتى رويس
ولداً ساكب عرق الكتاح "
صدق شاعرنا عمر الطيب الدوش رحمه الله حينما ردد:
" أحمد حكى
وسد الراس الضراع
والشوف نواحي النيل تكا
وصاني ابوي
الموج بيهدم
كل رخوة على الجروف
شد الضراع
والنيل بقاوم من زمن
كل وقوف شد الضراع
زي المراكب مع الشراع "
أو لعل النيل
كان في الرمق الأخير
يُصَارعُ المَجْرَى
الذي قد صار قَبْراً بالذي يجري
وليس الماءُ ما يجرِي
لهذا صار هذا النيلُ
قبراً أزْرق يتوسَّطُ المجرى فينتحبُ النّخيلْ
وتسلّلوا كالنّمْلِ فوق الرَّمْلِ
صار النيلُ يبصقُ ضفَّتَيْهِ تِقَيُّأً
في المقرن المجدور "
وينو صوت الساقية الكان بيشق النيل؟؟؟
http://i19.servimg.com/u/f19/11/54/08/30/sagia10.jpg
صوت السواقي الحاني ذكّرني ماضي بعيد
وظللت أنا أناجيها بأبيات رائعة شاعرنا عبد العال السيد:
" شايلاهو وين النيل معاك؟
عصفورة جنحيها النجوم
وأنا بي وراك
بسأل عليك مدن مدن
وأعصر سلافة الليل حزن
بسأل عليك في الملتقى
في مرافئ السفن
يمكن طيوفك آخريات الليل تمر
تملأ الجراحات للحزين طول العمر
ما نحن بينا الأمنيات والتضحية "
وبغتة وجدت أحدهم وقد إعتلى قمة النخلة الهرمة
يبتغي رطباً جنياً فأخذت أناجيه ملياً مردداً كلمات
رائعة الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد:
" لو هز نخلك يا شبزق
ما فارق التمر السبيط
وما ساور الطورية شك
إنو الأرض أنثى وبتحمل بالحلال مين اللي قال إنو المسافة البينا بين الشمس طاقة
أو مياه النيل بتدخل
في عروق السنبلة
المسقية بي عرق
الجعانين والمساهرين بالبطاقة "
ثم أردفت أقول له وأعناقي تشرئب إليه:
" لما الفرح الفينا معشعش
يبقى مواسم صيف ويجافـى
لمـا الكلمـة الطيبـة تسافـر
ترحـل تسكـن جـوة منافـي
لما الروح العشقـت وحبـت
حلمهـا أصبـح أمـلاً خافـي
لما الصدى يرجعلـك تانـي
بـى ألحـان مـا فيهـا قوافي
لما أحزانا تشيلها البسمـة
وجـوة الـروح تلقـالها مرافـيْ
لما غرامك يهزم صبري
وينحل جسمي الكان متعافـي
لمـا الليـل الساهـر ليلـو يطـول
يمتـد ويبـقـي خـرافـي "
نلملم شوقنا ونرحل ليك"
ولملمت الخطى المتثاقلة ودنوت من شط النيل وتلفتُ يمنة ويسرى
ولكنني لم أجد الساقية وكنت في زمن مضى اعشق صوت السواقي
الحاني فقلت وأنا أتمتم في سري:
" يا سواقي بلدنا
وينو صوتك مالو؟
وينو قارع مويتك؟
غنّى باسم حالو
وين غسيل النيل؟
وشر هدوم في رمالو
وينو ماضي الحلة؟
وين ومين الشالو؟
ولكنني ووسط هذه الحيرة التي كانت تلفني بلا هوادة جثوت باسماً في ضفة النيل
فكادت الجوى أن تهزمني جهراً وكادت أن تكتبني في زمان المد وجداً ساكناً
وحرفاً من حروف الإعتلال ولكن نفس المناد دنا مني قليلاً وقال لي هامساً:
" أيها الرجل الخرافي الجمال
البحر منذ الأزل باق
فقط يجدده التمدد إذ أناب
ويمنحه شروق الشمس ألوان التبرّج كلها
فلا الأيام تخفيه ولا حجاب "
ولكنني سألته مجدداً في إلحاح بالغ:
" وينو صوت الساقية؟
الكان يشق الليل
وين نخيلنا الرامى؟
الظلال فى النيل
وين ووين دفيقها؟
الكُنَا منو نشيل
وين جداول الموية؟
الجارية زى السيل؟
فتركته وشأنه ومضيت إلى حال سبيلي
وأنا أدير ظهري للنيل وفي صدري متسع
ومستقر للعشق تنضح بمدرار من عتق وحسبت للحظة أن قلبي ومشاعري قد شاخت
وبلغت أرذل العمر ولكنني تذكرت فجأة كلمات الشاعر وقد لاحت أمام خيالي كومضة عجلى:
" القلب لا يجدب وإن تاهت مسارات الشعوب
والشوق لا يفتر وإن بعدت مسافات الدروب"
ولكنني توقفت بغتة وأنا أنظر إلى النيل مجدداً وقد تمردت أمواجها
ولم تكف عن عويل أشبه بزمجرة الرياح وهوجها ثم نظرت إلى نفسي وأنا أردد:
" زولاً مِتل نسم الجروف من بِذرة الكتّان مَرَق
والزاد عشان يبقالو زاد لازم يِجرتقو بالعَرَق "
ثم واصلت المسير مجدداًُ وأنا ألوك هذه الكلمات وأجترها:
يا بحر حلتنا"
فى رمالك ذكرى
لا بتشيل الموجة
ولا بتفارق الفكرة
الجريـف واللوبيـا "
ويحي ما بال النيل قد تغير وتنكر
" النيل أصبح يا زول رحراح
الضل قَصّر ما غَتى رويس
ولداً ساكب عرق الكتاح "
صدق شاعرنا عمر الطيب الدوش رحمه الله حينما ردد:
" أحمد حكى
وسد الراس الضراع
والشوف نواحي النيل تكا
وصاني ابوي
الموج بيهدم
كل رخوة على الجروف
شد الضراع
والنيل بقاوم من زمن
كل وقوف شد الضراع
زي المراكب مع الشراع "
أو لعل النيل
كان في الرمق الأخير
يُصَارعُ المَجْرَى
الذي قد صار قَبْراً بالذي يجري
وليس الماءُ ما يجرِي
لهذا صار هذا النيلُ
قبراً أزْرق يتوسَّطُ المجرى فينتحبُ النّخيلْ
وتسلّلوا كالنّمْلِ فوق الرَّمْلِ
صار النيلُ يبصقُ ضفَّتَيْهِ تِقَيُّأً
في المقرن المجدور "
وينو صوت الساقية الكان بيشق النيل؟؟؟
http://i19.servimg.com/u/f19/11/54/08/30/sagia10.jpg
صوت السواقي الحاني ذكّرني ماضي بعيد