ياسر ود النعمة
19-10-2011, 09:26 PM
قصة (شمسات) عاشقة الفتيات وحبها لزميلتها (ذكريات)!!
* هي في الحقيقة قصةً واقعيةً وليست من نسج الخيال.. ولنؤكد للقارئ الكريم ذلك فقد شهدنا بعض فصول هذه القصة في أوائل السبعينيات بمدينة مدني ونتذكرها جيداً وقد وقعت هذه القصة بأحد أحياء مدني التي تعج بالطلاب والطالبات حيث تجمع المدارس الذي كان قد اشتهر به ذاك الحي وقت ذاك ولا زال.
* كنا طلاب بحي آخر كان أيضاً قد عرف بتجمّع المدارس من مختلف المراحل التعليمية.. كنا توّنا في بداية سلالم الحب تأخذ عقلنا النظرات الساحرة لبنات تلك الحقبة من الزمان واللائي يتحينّ الفرص بصعوبةٍ بالغةٍ لمثل تلك اللقاءات فتقع بيننا وبينهن قصص الحب في حدودٍ ضيقةٍ ولا يسمح لنا الوقت والظرف بلقائهن غير ثوانٍ معدوداتٍ وهن في أتوبيسات الترحيل (أيام مجانية التعليم ومجانية الترحيل) ونقاوة القلوب والحب الصادق الذي يظل في الذاكرة لفترةٍ طويلةٍ حتى لو تزوجت الحبيبة بآخر تفضل نيران تلك الفترة في حالة اشتعال ولا أريد أن أقول.. ولا زالت!! فقط نكتفي بهيجان الذكرى عند اللقاء... والإبحار في هذا الشيء يسبب بعض الإحراجات!! لذا دعونا نبحر في قصتنا..
* كانت (شمسات) فتاةً ذات حولٍ وطول تحلم بأشياءٍ غريبةٍ لا يفكر فيها الإنسان العادي... كانت تدرس بإحدى مدارس الحي الذي ذكرناه أعلاه وهي مدرسةٌ شهيرةٌ لا زال اسمها باقٍ رغم تغيّر الأحوال وتغيّر الأزمان وتغيّر الإنسان.. كانت (شمسات) في طور المراهقة مثلها مثل نظيراتها من الفتيات الطالبات بالمرحلة الثانوية في تلك الفترة... لكنها تختلف عنهن من خلال تصرفاتها الغريبة التي لفتت أنظار كل المدرسة من طالبات وأساتذة وغيرهم.. كانت (شمسات) قد تعلّقت بإحدى بنات فصلها تعلقاً غريباً جداً تُلازمها طيلة فترة اليوم الدراسي ولا تدع لها فرصةً لإقامة علاقةٍ أخرى مع زميلاتها الأخريات إلى أن إنتاب تلك الطالبة شيءٌ من الخوف.. وعندما تحاول مجرد محاولة لإنهاء هذه العلاقة أو الإبتعاد عنها تجد منها تهديداً ووعيداً بأشياءٍ خطيرةٍ لم تفكر تلك الطالبة في الخوض فيها فتتراجع وتعود الأمور لطبيعتها وتظل العلاقة الغريبة في حال تطورٍ وحبٍ يصل مبلغ درجات الوله والولع... ربما لا يصدق القارئ الكريم ما سنسرده له من وقائع وحقائق هذه القصة التي كنّا نستغرب جداً لأحداثها ونعرف (شمسات) جيداً بمسحتها الجمالية ولونها الأسمر الفاتح وخفة دمها ومهارتها في الحديث... كانت (شمسات) لا تأبه لما يقال عنها ولا تتجرأ طالبة بالحديث معها في هذه القصة مهما بلغت جرأتها وقوتها.
أغرب ما في الطالبة (شمسات) إنها كانت تتمتع بحضورٍ غير مسبوقٍ وسط الطالبات.. وكانت محبوبة واجتماعية من الدرجة الممتازة وقد تصل بها درجة اجتماعياتها لتلبية أي دعوة مناسبة تخص زميلاتها وحتى مدرّساتها أو مدرسيها سواءاً كان ذلك بمنازلهم أو في أي مكان تقع فيه المناسبة.. ومن أدهى الغرائب إن (شمسات) لا زالت موجودة بمدينة مدني وتقطن في (حي عريقٍ ومعروفٍ) حتى عائلتها معروفة لدى الكثير من سكان (مدني) وياليت هذه القصة تقع بين يديها لتعيدها لماضٍ مليءٍ بالدهشة!! ولتحرّك فيها تلك الذكرى وتلك القصة التي أذهلت الناس في السبعينيات وكانت الأولى من نوعها حيث لم نسمع أو يخطر على بالنا بأن هناك فتاة تتعلق بحب زميلتها بدرجة تعلّق شمسات بـ(ذكريات)..
* قصة الحب أو التعلق الذي كان من طرف (شمسات) فقط لبراءة ذكريات ودهشتها واستغرابها!! بدأت وهنّ بالصف الثاني بتلك المدرسة وعندما عمّ الخبر كل أساتذة وطالبات المدرسة وعرفت (ذكريات) إن (شمسات) مولعةً بحبها جنّ جنونها وأصيبت برهبةٍ شديدةٍ وخوف جعلاها تفكر جادة في ترك الدراسة بتلك المدرسة.. وعندما يتناقل الحديث ويصل لمسامع (شمسات) تلاحقها بالتهديد والوعيد على إنها ستفتضح أمرها بأنها كذا وكذا!! فتتراجع (ذكريات) خوفاً من تهديدات شمسات الزائفة التي تستسلم لها (ذكريات) حفاظاً على سمعتها وأنوثتها وأهلها... وتمضي أيام الدراسة وتشتد العلاقة حتى في عطلات المدرسة الرسمية تلاحقها بدارها تحت ستار إنها صديقتها وزميلتها بالمدرسة وتعترف (ذكريات) لأهلها بذلك وهي خائفة من أشياء كثيرة في مقدمتها التهديد الذي تتلقاه بصفةٍ دائمةٍ خاصةً عندما تفكر في التخلي عن (شمسات) وتحدّث زميلاتها بذلك فيتناقل الحديث إلى أن يصل لمسامع (شمسات) وتعاد كرة التهديد والوعيد التي تتخذها كرتاً رابحاً!!
* ذات مرةٍ بلغ بها الحب مبلغاً كبيراً وفي غمرة هذا الحب الذي ولّع في دواخل شمسات التي كانت بمعمل المدرسة في حصة العلوم تناولت مشرَطاً من المعمل وجرحت به يدها إلى أن سال الدم فتناولت قلمها الذي كانت قد جهزته لذلك فقامت بسحب الدم من يدها داخل القلم ثم أخرجت ورقةً ناصعة البياض وبدأت تسطر في خطاب غرامي لعشيقتها (ذكريات) وقد كان ذلك أن كتبت لها بالدم في إشارةٍ واضحةٍ لحبٍ كبيرٍ تكنّه لها... هذا الخطاب الذي سطرته (شمسات) بدمها لتؤكد حبها السامي لـ(ذكريات) كان حديث المدرسة بل حديث مدينة مدني وسط دهشة الناس!! لم نسمع بأن هناك من استنكر أو أدان هذا المسلك الغريب.. مع ملاحظة إن هذه القصة وقعت بالسبعينيات أي أن ما حدث يقع في دائرة (الشذوذ) فكيف لا نستنكر قصة حب من فتاةٍ طالبة لأخرى تدرس معها بذات المدرسة وبذات الفصل.. لكن وبأمانةٍ مطلقةٍ كنا نراغب عن كثب عما ستنتهي عليه هذه القصة غريبة الأطوار.. وكنا شغوفين بذلك...
* عموماً شغلتنا هذه القصة لدرجةٍ كبيرةٍ خاصةً وإننا لم نبلغ من المعرفة وقتذاك أكثر من أن قصص الحب دائماً ما تقع بين فتاةٍ وشاب، أما أن تقع قصة حب بين فتاةٍ وأخرى كان هذا مصدر الدهشة والاستغراب ولم نفكر مجرد تفكير بأن نستنكر ما حدث لأننا كنا قد صبّينا جل اهتمامنا في شخصية (شمسات) تلك الفتاة التي وصفت بالمسترجلة من نظيراتها حتى ساورتهن شكوك بأن الطالبة (شمسات) تحتاج لمقابلة اختصاصي المسالك البولية لمعرفة حقيقة أنوثتها من عدمها أو على أقل تقدير أن تعرض على اختصاصي الأمراض النفسية... لكنهن وفي ذات الوقت على قناعة تامة بأنها سليمة العقل واجتماعية ومشاركة بكل النشاطات الطلابية بالإضافة إلى تميز علاقاتها بزميلاتها بالمدرسة وفرايحيتها التي عرفت بها داخل حوش المدرسة زائداً علاقاتها المتميزة مع أساتذتها... كل هذا الذي ذكرناه لا يسمح لأي إنسان بالمدرسة أن يعكر صفو قصة حبها لـ(ذكريات) ولا تقبل ذلك وقد تنقلب إلى (نمر هائج) إن تدّخل أحد يوبّخها بأن ما تفعله يقع في دائرة الشذوذ.. كانت شمسات لا تعرف غير (ذكريات) فقد تولّعت بحبها لدرجةٍ كبيرةٍ جعلتها تسطر خطابها الغرامي بدمها لتؤكد لـ(ذكريات) عن حبها لها والذي كان قد شاع وسط الطالبات بصورةٍ واسعةٍ حتى خطابها الذي سطرته بدمها قد عرفه القاصي والداني وصار حديثاً لزميلاتها ولأساتذة المدرسة وهي ظاهرة شاذة مقارنة بأخلاق الناس في تلك الحقبة من الزمان الشيء الذي دعا ذكريات تتعمق في التفكير إلى أن جاءت بخاطرها عدة أسئلة كانت قد وجهتها لـ(شمسات) في صباحٍ باكرٍ فقالت لها:
* كنت أريد أن أعرف منك يا شمسات عن نهاية هذه القصة وما هو المرمى الذي ترمين إليه فأنا أعرف بأن هناك قصص حب تقع بين (شاب وفتاة) قد تصل بهما تتويج قصة حبهما بالزواج وهذا شيء طبيعي جداً لكن ما يثير حفيظتي ودهشتي ويدعوني للحيرة أنت يا شمسات.. ماذا تريدين أن تحققيه؟... ثم أردفت لها بأنها فتاة تبحث عن مستقبل أكاديمي وأيضاً لها أحلامها في حياتها الخاصة أي إنها مثلها مثل نظيراتها مصيرها أن تتزوج وتبني لها بيتاً وأسرة وهكذا... ثم قالت لزميلتها أو عشيقتها شمسات: ماذا تريدين مني وإلى أي هدفٍ تسعين؟
- تلعثمت شمسات لفترةٍ ثم بدأت تتمتم بكلمات غير مرتبة في إشارةٍ واضحةٍ تؤكد عدم قدرتها على رد السؤال الذي وجّهته لها ذكريات.. لكنها أرادت أن تؤكد أيضاً بأنها قادرة على الإجابة وإنها لن تتزحزح عن هذا الحب الذي وقع فيه اختيارها على زميلتها الطالبة (ذكريات).
* فأردفتها ذكريات بسؤالٍ ثانٍ وهي تجهش بالبكاء وقالت لها: ويحك يا (شمسات) من لعنة الله عليك وأنت تعلمين جيداً بأن ما تفعلينه تجاهي يقع في دائرتي (الممنوع والشذوذ)؟! وكذلك دائرة الحرج الذي أحاطني من كل جانب وزميلاتنا وكل المدرسة أصبحت تتحدث عن هذا الشيء إلى أن انعكس هذا الأمر على مستوانا الأكاديمي وقد تفشل قصة حبك لي لا محالة وقد نفشل في الدراسة الإثنين معاً !!
- قالت شمسات لذكريات: إن حديثك وسؤالك لا يهماني كثيراً والإجابة على السؤال من عدمها لن تؤثر بأي شكلٍ كان على علاقتي بحبك وأحسب إنك تجيدين فنون المراوغة لأنها قصة لا أتنازل عنها مهما كانت الأمور ودعيني في حالي (فالحب سلطانٌ له الغلبُ) وأنا مغرمةً بحبك وسأفعل المستحيل لاستمرارية هذا الحب.. أما فيما يختص عن شكل نهاية هذا الحب فأعتقد بأن قصص الحب ستظل خالدة في الوجدان ولنترك هذا الأمر لمقبل الأيام والأعوام فهي كفيلة بأن توضح لنا كيفية هذه القصة التي وفي تقديري لا مناص منها فلا تستدعيني أن أعود مرةً أخرى لذاك المربع!! تقصد التهديد والوعيد الذي كانت تتخذه مع حبيبتها ذكريات!!.
أصابت (ذكريات) الحيرة والدهشة معاً في مقدرات (شمسات) على إدارة هذا الحوار وفنياتها في التهرب من الإجابة على كل سؤال منطقي تطرحه لها فتحاول أن تلفت انتباه (شمسات) بكلمات شديدة اللهجة وتبدو لها كالنمر الشرس محاولة منها أن تثنيها عن هذه الفكرة وعن هذا الحب غير المنطقي الذي لا يقبله العقل إن قبله القلب.
* ترمقها (شمسات) بنظرةٍ شرسةٍ تذكّرها من خلال هذه النظرة بشريط التهديد إن أقبلت على ترديد مثل تلك العبارات ثم ترميها بكلمات الدمار الشامل وتؤكد لها بأن أمرها سوف يفتضح على نطاق الأسرة والمدرسة إن لم يكن على مستوى المدينة عبر إعلاميٍ شعبيٍ حدثتها بأنها ستتخذه إن لم تخضع لحبها لها ولعواطفها تجاهها... تفضل (ذكريات) في مزيدٍ من التفكير وعندما تريد الاستعانة بإحدى زميلاتها تتذكر بأن (شمسات) مثل الموساد تعرف كل تفكيرها وحيلها للهروب من هذا الواقع الذي تراه (شمسات) لا مناص منه!!
* تبكي ذكريات بكاءاً شديداً لدرجة إنها تفقد وعيها وقد غلبها التفكير وأصابها التبلّد إلى أن فكرت ذات مرة في الانتحار لتسدل الستار على هذه القصة الغرامية الدرامية غير المتكافئة التي لا يسندها منطق.. فقد سببّت لها الكثير من الحرج أمام زميلاتها الطالبات.. فكرت ملياً على أن الإقدام على هذه الخطوة ربما يثني (شمسات) عن فكرتها وتتخلى عن هذا الحب الغريب الذي يُعد من طرف واحد.. غير أنه من غرائب الأحوال!!.
* بدأت ذكريات التفكير في كيفية توصيل هذه المعلومة لـ(شمسات) ففاجأتها شمسات بأنها عرفت هذا الشيء وعانقتها عناقاً غريباً جداً وانهمرت دموعها مدراراً ثم قالت لها: ويحك يا ذكريات؟؟ لماذا تفكرين في الانتحار وأنا قد تتيمت بحبك الذي لا فكاك منه وأردفت لها بأن هذه الفكرة ستكون شاملة فإن أقبلتي على الانتحار أقبلت أنا عليه وقالت لها ما الفائدة للحياة بدونك فأنا قد تولّعت بحبك تعلقاً شديداً فلا تفكري في تنفيذ هذه الفكرة.. الحقيقة الحديث أحبط (ذكريات) لدرجةٍ كبيرةٍ فاستأذنتها على إنها تحتاج لراحةٍ ضروريةٍ ثم غادرت المكان وظلت (شمسات) تتابع خطواتها إلى إن اختفت عن نظرها.. ذهبت (ذكريات) إلى فكرة أخرى تنقذها من هذه المحنة التي عقّدتها كثيراً فحدّثت إحدى قريباتها بما خطر ببالها وصارحتها بقصة (شمسات) عاشقة الفتيات.. كانت أولى خطوات هذه الخطة أن تبدأ في العطلة السنوية الدراسية في سريةٍ تامةٍ بينها وبين قريبتها التي ساعدتها مساعدةً كبيرة.. وعندما أُعلنت العطلة الدراسية بعد امتحان الشهادة السودانية كانت (ذكريات) قد هيأت نفسها ورتبت أمورها جيداً بذات السرية التي اتخذتها هي وقريبتها بينما تخطط (شمسات) تخطيطاً كبيراً في كيفية قضاء هذه العطلة الطويلة مع حبيبتها وعشيقتها (ذكريات)... في هذا الأثناء لملمت (ذكريات) وقريبتها امتعتهن وغادرن في سريةٍ تامةٍ لزويهن بالعاصمة الخرطوم وسط تحذيرات مشددة لكل من حولهن بأن لا يدلن على مكان سفرهن.. بدأت رحلة النجاح لتنفيذ الفكرة من الخرطوم... ولحسن الطالع أن كانت هناك مناسبات أفراح كثيرة عند ذويهن وكانت (ذكريات) فارعة الطول بجمالها الآخاذ الذي يلفت أنظار الناس تجاهها فتولّع بحبها أحد أقاربها وسأل عنها وعن سكنها وعن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ... كان هذا الشاب عائداً لتوه من غربته بالخليج متأهب للزواج يبحث عن فتاةٍ بمواصفاتٍ محددةٍ وجدها في (ذكريات) فجنّ جنونه وسارع في خطوات إنهاء مراسم الزواج وقد كان ذلك فقد أكمل زواجه من (ذكريات) في أقل من شهر دون أن تبدي أي احتجاج على تأخيره وهي في حال فرحٍ غمرها منذ أن أعجب بها (أيمن) وهو شاب في مقتبل العمر له طلعةً بهيةً ويتمتع بوسامةٍ تحسدها البنات بفوزها وارتباطها بهذا الولد وسيم الطلعة... أُكملت المراسم على أجمل ما يكون وقضيا أجمل أيام حياتهما عسلاً وزيتوناً ونخلا بالعاصمة الأثيوبية (أديس أبابا) ثم عادا للوطن فاحتفل بهما الأحباب والأصحاب والأهل في نشوة وحبور إلى أن شارفت إجازته على النهاية.. لم يتمالك (أيمن) أعصابه وهو في طريقه للمطار لمغادرة البلاد وعندما أعلن موظف الخطوط الجوية القطرية عن موعد إقلاع الرحلة القاصدة (الدوحة) تعانق مع ذكريات في منظرٍ أبكى جميع الحضور من المودعين ثم أخذ جواز سفره لإكمال إجراءات السفر والدموع تنهمر من عينيه لمفارقته لشريكة حياته (ذكريات) التي كانت قد خبأت عنه قصتها مع (شمسات). كانت ذكريات هي الأخرى تجهش بالبكاء فوعدها وعداً قاطعاً بأن يكونا سوياً خلال أسابيع.. أقلعت طائرة (أيمن) محلقةً في عنان السماء وغادر المودعون المطار في صمت رهيب إلى أن وصلوا إلى الحي الذي يقطنونة.. ثم هدأوا قليلاً غير إن (ذكريات) ظلت سهرانة طوال الليل إلى أن رن جوالها بعد أن وصل (أيمن) إلى مكان سكنه بتلك العاصمة البديعة فتحدثا لفترة طويلة ثم خلدت ذكريات لنومٍ عميقٍ إلى أن طلع الفجر ودخل وقت الظهيرة وهي في حالة حلم تراقص (أيمن) إلى أن نهضت منخضة على بعضها ثم رويداً رويداً عادت الحياة إلى طبيعتها ومرت الأيام والأسابيع فأرسل لها (أيمن) فيزة الدخول وتذاكر السفر فأقاموا لها حفلات الوداع إلى أن غادرت لذات العاصمة وبدأت تعيش حياتها الطبيعية في غبطةٍ وسرورٍ مع وسيم الطلعة (أيمن) وأسدل الستار على هاجس أدخلها في محنٍ كثيرةٍ طيلة فترة دراستها مع نظيرتها شمسات التي أطلقوا عليها (عاشقة الفتيات).
* ومن أدهى الغرائب إن (شمسات) لم تسمع مجرد سمع بزواج (ذكريات) إلاّ بعد أن تمت المراسم وغادرت ذكريات لزوجها.. فعادت (شمسات) حزينة مغلوب على أمرها تبحث عن أخرى لكنها فشلت في ذلك فشلاً كبيراً وهي لا زالت تقطن أحد أحياء مدني العريقة ومن عائلة ليست ذائعة الصيت لكنها عائلة معروفة.
لكنني أتمنى من القراء الذين سيطالعون هذه القصة أتمنى أن لا يسألوني وأن لا يحرجوني و(شمسات) اسم اتخذناها بديلاً ليس إلاّ وكذلك (ذكريات) التي تقطن هي الأخرى في حيٍ عريقٍ ومعروف وهي فتاة جميلة وجذابة بل أخاذة يعرفنها جيداً بنات دفعتها في تلك المدرسة التي كانت تقع بالحي الذي يعج بالمدارس ولا زال اسم المدرسة موجود.
كانت هذه إحدى القصص الواقعية والشاذة التي بدأت في سبعينات القرن المنصرم أردنا أن نحكيها لكم بتفاصيلها التي حدثت عبر هذه الصفحات لأجل أن تعرفوا أهمية ذلك من خلال مثل هذه القصص الواقعية.
- انتهــت -
* هي في الحقيقة قصةً واقعيةً وليست من نسج الخيال.. ولنؤكد للقارئ الكريم ذلك فقد شهدنا بعض فصول هذه القصة في أوائل السبعينيات بمدينة مدني ونتذكرها جيداً وقد وقعت هذه القصة بأحد أحياء مدني التي تعج بالطلاب والطالبات حيث تجمع المدارس الذي كان قد اشتهر به ذاك الحي وقت ذاك ولا زال.
* كنا طلاب بحي آخر كان أيضاً قد عرف بتجمّع المدارس من مختلف المراحل التعليمية.. كنا توّنا في بداية سلالم الحب تأخذ عقلنا النظرات الساحرة لبنات تلك الحقبة من الزمان واللائي يتحينّ الفرص بصعوبةٍ بالغةٍ لمثل تلك اللقاءات فتقع بيننا وبينهن قصص الحب في حدودٍ ضيقةٍ ولا يسمح لنا الوقت والظرف بلقائهن غير ثوانٍ معدوداتٍ وهن في أتوبيسات الترحيل (أيام مجانية التعليم ومجانية الترحيل) ونقاوة القلوب والحب الصادق الذي يظل في الذاكرة لفترةٍ طويلةٍ حتى لو تزوجت الحبيبة بآخر تفضل نيران تلك الفترة في حالة اشتعال ولا أريد أن أقول.. ولا زالت!! فقط نكتفي بهيجان الذكرى عند اللقاء... والإبحار في هذا الشيء يسبب بعض الإحراجات!! لذا دعونا نبحر في قصتنا..
* كانت (شمسات) فتاةً ذات حولٍ وطول تحلم بأشياءٍ غريبةٍ لا يفكر فيها الإنسان العادي... كانت تدرس بإحدى مدارس الحي الذي ذكرناه أعلاه وهي مدرسةٌ شهيرةٌ لا زال اسمها باقٍ رغم تغيّر الأحوال وتغيّر الأزمان وتغيّر الإنسان.. كانت (شمسات) في طور المراهقة مثلها مثل نظيراتها من الفتيات الطالبات بالمرحلة الثانوية في تلك الفترة... لكنها تختلف عنهن من خلال تصرفاتها الغريبة التي لفتت أنظار كل المدرسة من طالبات وأساتذة وغيرهم.. كانت (شمسات) قد تعلّقت بإحدى بنات فصلها تعلقاً غريباً جداً تُلازمها طيلة فترة اليوم الدراسي ولا تدع لها فرصةً لإقامة علاقةٍ أخرى مع زميلاتها الأخريات إلى أن إنتاب تلك الطالبة شيءٌ من الخوف.. وعندما تحاول مجرد محاولة لإنهاء هذه العلاقة أو الإبتعاد عنها تجد منها تهديداً ووعيداً بأشياءٍ خطيرةٍ لم تفكر تلك الطالبة في الخوض فيها فتتراجع وتعود الأمور لطبيعتها وتظل العلاقة الغريبة في حال تطورٍ وحبٍ يصل مبلغ درجات الوله والولع... ربما لا يصدق القارئ الكريم ما سنسرده له من وقائع وحقائق هذه القصة التي كنّا نستغرب جداً لأحداثها ونعرف (شمسات) جيداً بمسحتها الجمالية ولونها الأسمر الفاتح وخفة دمها ومهارتها في الحديث... كانت (شمسات) لا تأبه لما يقال عنها ولا تتجرأ طالبة بالحديث معها في هذه القصة مهما بلغت جرأتها وقوتها.
أغرب ما في الطالبة (شمسات) إنها كانت تتمتع بحضورٍ غير مسبوقٍ وسط الطالبات.. وكانت محبوبة واجتماعية من الدرجة الممتازة وقد تصل بها درجة اجتماعياتها لتلبية أي دعوة مناسبة تخص زميلاتها وحتى مدرّساتها أو مدرسيها سواءاً كان ذلك بمنازلهم أو في أي مكان تقع فيه المناسبة.. ومن أدهى الغرائب إن (شمسات) لا زالت موجودة بمدينة مدني وتقطن في (حي عريقٍ ومعروفٍ) حتى عائلتها معروفة لدى الكثير من سكان (مدني) وياليت هذه القصة تقع بين يديها لتعيدها لماضٍ مليءٍ بالدهشة!! ولتحرّك فيها تلك الذكرى وتلك القصة التي أذهلت الناس في السبعينيات وكانت الأولى من نوعها حيث لم نسمع أو يخطر على بالنا بأن هناك فتاة تتعلق بحب زميلتها بدرجة تعلّق شمسات بـ(ذكريات)..
* قصة الحب أو التعلق الذي كان من طرف (شمسات) فقط لبراءة ذكريات ودهشتها واستغرابها!! بدأت وهنّ بالصف الثاني بتلك المدرسة وعندما عمّ الخبر كل أساتذة وطالبات المدرسة وعرفت (ذكريات) إن (شمسات) مولعةً بحبها جنّ جنونها وأصيبت برهبةٍ شديدةٍ وخوف جعلاها تفكر جادة في ترك الدراسة بتلك المدرسة.. وعندما يتناقل الحديث ويصل لمسامع (شمسات) تلاحقها بالتهديد والوعيد على إنها ستفتضح أمرها بأنها كذا وكذا!! فتتراجع (ذكريات) خوفاً من تهديدات شمسات الزائفة التي تستسلم لها (ذكريات) حفاظاً على سمعتها وأنوثتها وأهلها... وتمضي أيام الدراسة وتشتد العلاقة حتى في عطلات المدرسة الرسمية تلاحقها بدارها تحت ستار إنها صديقتها وزميلتها بالمدرسة وتعترف (ذكريات) لأهلها بذلك وهي خائفة من أشياء كثيرة في مقدمتها التهديد الذي تتلقاه بصفةٍ دائمةٍ خاصةً عندما تفكر في التخلي عن (شمسات) وتحدّث زميلاتها بذلك فيتناقل الحديث إلى أن يصل لمسامع (شمسات) وتعاد كرة التهديد والوعيد التي تتخذها كرتاً رابحاً!!
* ذات مرةٍ بلغ بها الحب مبلغاً كبيراً وفي غمرة هذا الحب الذي ولّع في دواخل شمسات التي كانت بمعمل المدرسة في حصة العلوم تناولت مشرَطاً من المعمل وجرحت به يدها إلى أن سال الدم فتناولت قلمها الذي كانت قد جهزته لذلك فقامت بسحب الدم من يدها داخل القلم ثم أخرجت ورقةً ناصعة البياض وبدأت تسطر في خطاب غرامي لعشيقتها (ذكريات) وقد كان ذلك أن كتبت لها بالدم في إشارةٍ واضحةٍ لحبٍ كبيرٍ تكنّه لها... هذا الخطاب الذي سطرته (شمسات) بدمها لتؤكد حبها السامي لـ(ذكريات) كان حديث المدرسة بل حديث مدينة مدني وسط دهشة الناس!! لم نسمع بأن هناك من استنكر أو أدان هذا المسلك الغريب.. مع ملاحظة إن هذه القصة وقعت بالسبعينيات أي أن ما حدث يقع في دائرة (الشذوذ) فكيف لا نستنكر قصة حب من فتاةٍ طالبة لأخرى تدرس معها بذات المدرسة وبذات الفصل.. لكن وبأمانةٍ مطلقةٍ كنا نراغب عن كثب عما ستنتهي عليه هذه القصة غريبة الأطوار.. وكنا شغوفين بذلك...
* عموماً شغلتنا هذه القصة لدرجةٍ كبيرةٍ خاصةً وإننا لم نبلغ من المعرفة وقتذاك أكثر من أن قصص الحب دائماً ما تقع بين فتاةٍ وشاب، أما أن تقع قصة حب بين فتاةٍ وأخرى كان هذا مصدر الدهشة والاستغراب ولم نفكر مجرد تفكير بأن نستنكر ما حدث لأننا كنا قد صبّينا جل اهتمامنا في شخصية (شمسات) تلك الفتاة التي وصفت بالمسترجلة من نظيراتها حتى ساورتهن شكوك بأن الطالبة (شمسات) تحتاج لمقابلة اختصاصي المسالك البولية لمعرفة حقيقة أنوثتها من عدمها أو على أقل تقدير أن تعرض على اختصاصي الأمراض النفسية... لكنهن وفي ذات الوقت على قناعة تامة بأنها سليمة العقل واجتماعية ومشاركة بكل النشاطات الطلابية بالإضافة إلى تميز علاقاتها بزميلاتها بالمدرسة وفرايحيتها التي عرفت بها داخل حوش المدرسة زائداً علاقاتها المتميزة مع أساتذتها... كل هذا الذي ذكرناه لا يسمح لأي إنسان بالمدرسة أن يعكر صفو قصة حبها لـ(ذكريات) ولا تقبل ذلك وقد تنقلب إلى (نمر هائج) إن تدّخل أحد يوبّخها بأن ما تفعله يقع في دائرة الشذوذ.. كانت شمسات لا تعرف غير (ذكريات) فقد تولّعت بحبها لدرجةٍ كبيرةٍ جعلتها تسطر خطابها الغرامي بدمها لتؤكد لـ(ذكريات) عن حبها لها والذي كان قد شاع وسط الطالبات بصورةٍ واسعةٍ حتى خطابها الذي سطرته بدمها قد عرفه القاصي والداني وصار حديثاً لزميلاتها ولأساتذة المدرسة وهي ظاهرة شاذة مقارنة بأخلاق الناس في تلك الحقبة من الزمان الشيء الذي دعا ذكريات تتعمق في التفكير إلى أن جاءت بخاطرها عدة أسئلة كانت قد وجهتها لـ(شمسات) في صباحٍ باكرٍ فقالت لها:
* كنت أريد أن أعرف منك يا شمسات عن نهاية هذه القصة وما هو المرمى الذي ترمين إليه فأنا أعرف بأن هناك قصص حب تقع بين (شاب وفتاة) قد تصل بهما تتويج قصة حبهما بالزواج وهذا شيء طبيعي جداً لكن ما يثير حفيظتي ودهشتي ويدعوني للحيرة أنت يا شمسات.. ماذا تريدين أن تحققيه؟... ثم أردفت لها بأنها فتاة تبحث عن مستقبل أكاديمي وأيضاً لها أحلامها في حياتها الخاصة أي إنها مثلها مثل نظيراتها مصيرها أن تتزوج وتبني لها بيتاً وأسرة وهكذا... ثم قالت لزميلتها أو عشيقتها شمسات: ماذا تريدين مني وإلى أي هدفٍ تسعين؟
- تلعثمت شمسات لفترةٍ ثم بدأت تتمتم بكلمات غير مرتبة في إشارةٍ واضحةٍ تؤكد عدم قدرتها على رد السؤال الذي وجّهته لها ذكريات.. لكنها أرادت أن تؤكد أيضاً بأنها قادرة على الإجابة وإنها لن تتزحزح عن هذا الحب الذي وقع فيه اختيارها على زميلتها الطالبة (ذكريات).
* فأردفتها ذكريات بسؤالٍ ثانٍ وهي تجهش بالبكاء وقالت لها: ويحك يا (شمسات) من لعنة الله عليك وأنت تعلمين جيداً بأن ما تفعلينه تجاهي يقع في دائرتي (الممنوع والشذوذ)؟! وكذلك دائرة الحرج الذي أحاطني من كل جانب وزميلاتنا وكل المدرسة أصبحت تتحدث عن هذا الشيء إلى أن انعكس هذا الأمر على مستوانا الأكاديمي وقد تفشل قصة حبك لي لا محالة وقد نفشل في الدراسة الإثنين معاً !!
- قالت شمسات لذكريات: إن حديثك وسؤالك لا يهماني كثيراً والإجابة على السؤال من عدمها لن تؤثر بأي شكلٍ كان على علاقتي بحبك وأحسب إنك تجيدين فنون المراوغة لأنها قصة لا أتنازل عنها مهما كانت الأمور ودعيني في حالي (فالحب سلطانٌ له الغلبُ) وأنا مغرمةً بحبك وسأفعل المستحيل لاستمرارية هذا الحب.. أما فيما يختص عن شكل نهاية هذا الحب فأعتقد بأن قصص الحب ستظل خالدة في الوجدان ولنترك هذا الأمر لمقبل الأيام والأعوام فهي كفيلة بأن توضح لنا كيفية هذه القصة التي وفي تقديري لا مناص منها فلا تستدعيني أن أعود مرةً أخرى لذاك المربع!! تقصد التهديد والوعيد الذي كانت تتخذه مع حبيبتها ذكريات!!.
أصابت (ذكريات) الحيرة والدهشة معاً في مقدرات (شمسات) على إدارة هذا الحوار وفنياتها في التهرب من الإجابة على كل سؤال منطقي تطرحه لها فتحاول أن تلفت انتباه (شمسات) بكلمات شديدة اللهجة وتبدو لها كالنمر الشرس محاولة منها أن تثنيها عن هذه الفكرة وعن هذا الحب غير المنطقي الذي لا يقبله العقل إن قبله القلب.
* ترمقها (شمسات) بنظرةٍ شرسةٍ تذكّرها من خلال هذه النظرة بشريط التهديد إن أقبلت على ترديد مثل تلك العبارات ثم ترميها بكلمات الدمار الشامل وتؤكد لها بأن أمرها سوف يفتضح على نطاق الأسرة والمدرسة إن لم يكن على مستوى المدينة عبر إعلاميٍ شعبيٍ حدثتها بأنها ستتخذه إن لم تخضع لحبها لها ولعواطفها تجاهها... تفضل (ذكريات) في مزيدٍ من التفكير وعندما تريد الاستعانة بإحدى زميلاتها تتذكر بأن (شمسات) مثل الموساد تعرف كل تفكيرها وحيلها للهروب من هذا الواقع الذي تراه (شمسات) لا مناص منه!!
* تبكي ذكريات بكاءاً شديداً لدرجة إنها تفقد وعيها وقد غلبها التفكير وأصابها التبلّد إلى أن فكرت ذات مرة في الانتحار لتسدل الستار على هذه القصة الغرامية الدرامية غير المتكافئة التي لا يسندها منطق.. فقد سببّت لها الكثير من الحرج أمام زميلاتها الطالبات.. فكرت ملياً على أن الإقدام على هذه الخطوة ربما يثني (شمسات) عن فكرتها وتتخلى عن هذا الحب الغريب الذي يُعد من طرف واحد.. غير أنه من غرائب الأحوال!!.
* بدأت ذكريات التفكير في كيفية توصيل هذه المعلومة لـ(شمسات) ففاجأتها شمسات بأنها عرفت هذا الشيء وعانقتها عناقاً غريباً جداً وانهمرت دموعها مدراراً ثم قالت لها: ويحك يا ذكريات؟؟ لماذا تفكرين في الانتحار وأنا قد تتيمت بحبك الذي لا فكاك منه وأردفت لها بأن هذه الفكرة ستكون شاملة فإن أقبلتي على الانتحار أقبلت أنا عليه وقالت لها ما الفائدة للحياة بدونك فأنا قد تولّعت بحبك تعلقاً شديداً فلا تفكري في تنفيذ هذه الفكرة.. الحقيقة الحديث أحبط (ذكريات) لدرجةٍ كبيرةٍ فاستأذنتها على إنها تحتاج لراحةٍ ضروريةٍ ثم غادرت المكان وظلت (شمسات) تتابع خطواتها إلى إن اختفت عن نظرها.. ذهبت (ذكريات) إلى فكرة أخرى تنقذها من هذه المحنة التي عقّدتها كثيراً فحدّثت إحدى قريباتها بما خطر ببالها وصارحتها بقصة (شمسات) عاشقة الفتيات.. كانت أولى خطوات هذه الخطة أن تبدأ في العطلة السنوية الدراسية في سريةٍ تامةٍ بينها وبين قريبتها التي ساعدتها مساعدةً كبيرة.. وعندما أُعلنت العطلة الدراسية بعد امتحان الشهادة السودانية كانت (ذكريات) قد هيأت نفسها ورتبت أمورها جيداً بذات السرية التي اتخذتها هي وقريبتها بينما تخطط (شمسات) تخطيطاً كبيراً في كيفية قضاء هذه العطلة الطويلة مع حبيبتها وعشيقتها (ذكريات)... في هذا الأثناء لملمت (ذكريات) وقريبتها امتعتهن وغادرن في سريةٍ تامةٍ لزويهن بالعاصمة الخرطوم وسط تحذيرات مشددة لكل من حولهن بأن لا يدلن على مكان سفرهن.. بدأت رحلة النجاح لتنفيذ الفكرة من الخرطوم... ولحسن الطالع أن كانت هناك مناسبات أفراح كثيرة عند ذويهن وكانت (ذكريات) فارعة الطول بجمالها الآخاذ الذي يلفت أنظار الناس تجاهها فتولّع بحبها أحد أقاربها وسأل عنها وعن سكنها وعن كل صغيرةٍ وكبيرةٍ... كان هذا الشاب عائداً لتوه من غربته بالخليج متأهب للزواج يبحث عن فتاةٍ بمواصفاتٍ محددةٍ وجدها في (ذكريات) فجنّ جنونه وسارع في خطوات إنهاء مراسم الزواج وقد كان ذلك فقد أكمل زواجه من (ذكريات) في أقل من شهر دون أن تبدي أي احتجاج على تأخيره وهي في حال فرحٍ غمرها منذ أن أعجب بها (أيمن) وهو شاب في مقتبل العمر له طلعةً بهيةً ويتمتع بوسامةٍ تحسدها البنات بفوزها وارتباطها بهذا الولد وسيم الطلعة... أُكملت المراسم على أجمل ما يكون وقضيا أجمل أيام حياتهما عسلاً وزيتوناً ونخلا بالعاصمة الأثيوبية (أديس أبابا) ثم عادا للوطن فاحتفل بهما الأحباب والأصحاب والأهل في نشوة وحبور إلى أن شارفت إجازته على النهاية.. لم يتمالك (أيمن) أعصابه وهو في طريقه للمطار لمغادرة البلاد وعندما أعلن موظف الخطوط الجوية القطرية عن موعد إقلاع الرحلة القاصدة (الدوحة) تعانق مع ذكريات في منظرٍ أبكى جميع الحضور من المودعين ثم أخذ جواز سفره لإكمال إجراءات السفر والدموع تنهمر من عينيه لمفارقته لشريكة حياته (ذكريات) التي كانت قد خبأت عنه قصتها مع (شمسات). كانت ذكريات هي الأخرى تجهش بالبكاء فوعدها وعداً قاطعاً بأن يكونا سوياً خلال أسابيع.. أقلعت طائرة (أيمن) محلقةً في عنان السماء وغادر المودعون المطار في صمت رهيب إلى أن وصلوا إلى الحي الذي يقطنونة.. ثم هدأوا قليلاً غير إن (ذكريات) ظلت سهرانة طوال الليل إلى أن رن جوالها بعد أن وصل (أيمن) إلى مكان سكنه بتلك العاصمة البديعة فتحدثا لفترة طويلة ثم خلدت ذكريات لنومٍ عميقٍ إلى أن طلع الفجر ودخل وقت الظهيرة وهي في حالة حلم تراقص (أيمن) إلى أن نهضت منخضة على بعضها ثم رويداً رويداً عادت الحياة إلى طبيعتها ومرت الأيام والأسابيع فأرسل لها (أيمن) فيزة الدخول وتذاكر السفر فأقاموا لها حفلات الوداع إلى أن غادرت لذات العاصمة وبدأت تعيش حياتها الطبيعية في غبطةٍ وسرورٍ مع وسيم الطلعة (أيمن) وأسدل الستار على هاجس أدخلها في محنٍ كثيرةٍ طيلة فترة دراستها مع نظيرتها شمسات التي أطلقوا عليها (عاشقة الفتيات).
* ومن أدهى الغرائب إن (شمسات) لم تسمع مجرد سمع بزواج (ذكريات) إلاّ بعد أن تمت المراسم وغادرت ذكريات لزوجها.. فعادت (شمسات) حزينة مغلوب على أمرها تبحث عن أخرى لكنها فشلت في ذلك فشلاً كبيراً وهي لا زالت تقطن أحد أحياء مدني العريقة ومن عائلة ليست ذائعة الصيت لكنها عائلة معروفة.
لكنني أتمنى من القراء الذين سيطالعون هذه القصة أتمنى أن لا يسألوني وأن لا يحرجوني و(شمسات) اسم اتخذناها بديلاً ليس إلاّ وكذلك (ذكريات) التي تقطن هي الأخرى في حيٍ عريقٍ ومعروف وهي فتاة جميلة وجذابة بل أخاذة يعرفنها جيداً بنات دفعتها في تلك المدرسة التي كانت تقع بالحي الذي يعج بالمدارس ولا زال اسم المدرسة موجود.
كانت هذه إحدى القصص الواقعية والشاذة التي بدأت في سبعينات القرن المنصرم أردنا أن نحكيها لكم بتفاصيلها التي حدثت عبر هذه الصفحات لأجل أن تعرفوا أهمية ذلك من خلال مثل هذه القصص الواقعية.
- انتهــت -