العاقب مصباح
22-04-2011, 01:13 PM
الناشر الوحيد الذى تعرفت عليه لم يكن سيئاً على الأقل هو الوحيد الذى ساومنى فى شراء القصص التى قمت بتأليفها ليطبعها فى كتاب , بملامحه غير المرتبة ورأسه الأصلع وكرشه البارز للأمام بصورة كبيرة وعيونه الصغيرة الحمراء من أثر التدخين جلست إليه فى مكتبه بشارع السيد عبد الرحمن , الطاولة التى جلسنا إليها خالية من الأوراق يشعرك بأن شيئاً ما مرتب فيها فقط إضافة للصور على الجدران صورة تجمعه بالطيب صالح وأخرى بجمال الغيطانى وصور أخرى زعم أنهم لكتاب ومؤلفى قصص لم أرهم من قبل ولكنى صدقته لعدم إلمامى الكاف بالكتاب وصورهم, فقط اعرف قصصهم وليس حياتهم الخاصة إيمانى بأن حياتهم الخاصة ملكاً لهم هو ما ذهب بكثير من العنت عنى .
اشعل سيجارة من النوع الردئ ومد إلى بعلبة سجائره , ورغم اننى لا ادخن ذلك النوع إلا اننى قبلتها منه وأولعتها مصيباً صدرى المتهالك بمزيد من السعال وواثق ان صدرى يصب لعناته عليه وعلى وعلى السجائر الرخيصة .
نفث هواء على وجهى وكأنه لا يهتم ثم بدأ فى سرد قصصه مع الكتاب والأدباء الرائعين واصفاً إياهم بأنهم من افضل وأعظم الشخصيات فى التاريخ , وافقته إيماءاً برأسى ولم يتوقف ثم عرج على بعضهم ووصفهم بأنهم مُدٌعى ثقافة لأنهم لم يأتوا بكتبهم إليه ليقوم بنشرها هو ووفق سياسته الخرقاء فِد وأستفد .
بعد ذلك أخرج قصصى من درج خزانته وأوقع فيها رماد سيجارته كاد يجن جنونى لولا تملكى غضبي فى آخر اللحظات عذراً فهو لم يدرى أن بعض الشخصيات والأبطال فى قصتى يتأففون حتى من كلمة سيجارة دعك من دخانها المتطاير فوق رؤوسهم ورمادها المتناثر على صدورهم حتى وإن كانوا موتى .
أخبرنى أن قصصى لا بأس بها ويمكن أن يطبعها فى مطبعته الخاصة ولكن لأن إسمى مجهول لدى الجميع فقد لا يكلف الناس نفسهم وسعاً لشراءها , لذا ستكون مغامرة إن قام بطبعها كأى كتاب آخر يتلهف الناس لقراءته , فى اللحظة تلك مرت على أنفي رائحة ذكاءه الرأسمالى فى أنه لن يدفع لى كثيراً ثمناً لقصص إجتهدت فى تأليفها لسنوات عشر وحقاً حدث ما توقعه , إذ قال لى إنه سيدفع لى فى كتابى هذا الف جنيه , قابلة للرد فى حال لم يحقق بيع كتابى تكلفته , حدثنى عن العمال الذين يسهرون فى مطبعته , عن الماكينات التى استجلبها خصيصاً للإرتقاء بالثقافة , وبعدها أخرج العقد أمامى , عقد طباعة قصصى فى كتاب , كانت حاجتى للمال ماسة جداً , والمبلغ ضئيل , ولكن لا أحد غيره وافق على نشر قصصى حتى لو لم يعطنى شيئاً ,وقعت العقد مسرعاً خوف تراجعه وفى حلقي غصة سنوات من الجلوس للكتابة تروح هكذا , فى لحظة رغبة , يا لهذا العالم الغبي ويا لفرط أنانيته .
بعد شهر وأنا أمر بإحدى المكتبات رأيت قصصى مطبوعة وهى بأعلى الرف , طلبتها من البائع فباعنى إياها بجنيهات عشر , أخذتها منه وهرولت مسرعاً نحو بيتى قرأتها مرة وأثنان وثلاث , وعشر مرات , كانت جميلة لدرجة أعتقدت فى بادئ الأمر أنها ليست لى بل لكاتب آخر .
تذكرت إحدى الفقرات فى العقد الذى بينى وبين الناشر ذاك , ( فى حالة لم تسدد مبيعات روايتى تكلفتها فإن للناشر الحق فى إسترداد المبلغ الذى دفعه لى فهرولت ناحية المكتبة وأشتريت عشرون رواية من النوع نفسه , ودعوت الله أن يتكفل المثقفون بالبقية , غبت إسبوعاً وزرت المكتبة مرة أخرى فوجدتها كما كانت وكأن أحداً لم يشترى قصتى فقررت أن أشترى عشرون قصة أخرى وأشتريتها بنفس السعر , غبت إسبوعان آخران وخوفى يلاحقنى من أن يأتى الناشر ليسترد المبلغ الذى دفعه لى , وذهبت ناحية المكتبة , واشتريت خمسون رواية أخرى لى , وهاجس ملاحقتى من الناشر يراودنى عن نفسى لم أنم لحظتها, فقط تسعة مثقفين سيكفونن
ى شر مطاردته لى , أتلصص على المكتبة طيلة النهار لم يأتى أحد ليشترى روايتى ونهار آخر يمر وضربات الشمس فوق رأسى يأكل الخوف منه , وشعورى بأننى كاتب ردئ أكثر تآكلاً لما تبقى منى , اخرج آخر ورقات من جيبى , ورقات تسع وأكمل العدد الكافى لكى يسترد الناشر تكلفة طباعته , ودعت صاحب المكتبة وكأننى لن أعود إليه أبداً , طارق لباب بيتى فى المساء , إنه صاحب دار النشر نفسه تتقدمه رائحة التبغ وكرشه البارزة , وإبتسامة لم أفهمها , مد يده إلى مصافحاً , وفى هدوء قال لى :- أتمنى أن تكتب مرة أخرى قصصاً جميلة , لقد أسترددت ثمن طباعتى لروايتك فى شهر واحد , ومن مكتبة واحدة , ومن قارئ واحد , أظنه يحبك لدرجة الجنون .
اشعل سيجارة من النوع الردئ ومد إلى بعلبة سجائره , ورغم اننى لا ادخن ذلك النوع إلا اننى قبلتها منه وأولعتها مصيباً صدرى المتهالك بمزيد من السعال وواثق ان صدرى يصب لعناته عليه وعلى وعلى السجائر الرخيصة .
نفث هواء على وجهى وكأنه لا يهتم ثم بدأ فى سرد قصصه مع الكتاب والأدباء الرائعين واصفاً إياهم بأنهم من افضل وأعظم الشخصيات فى التاريخ , وافقته إيماءاً برأسى ولم يتوقف ثم عرج على بعضهم ووصفهم بأنهم مُدٌعى ثقافة لأنهم لم يأتوا بكتبهم إليه ليقوم بنشرها هو ووفق سياسته الخرقاء فِد وأستفد .
بعد ذلك أخرج قصصى من درج خزانته وأوقع فيها رماد سيجارته كاد يجن جنونى لولا تملكى غضبي فى آخر اللحظات عذراً فهو لم يدرى أن بعض الشخصيات والأبطال فى قصتى يتأففون حتى من كلمة سيجارة دعك من دخانها المتطاير فوق رؤوسهم ورمادها المتناثر على صدورهم حتى وإن كانوا موتى .
أخبرنى أن قصصى لا بأس بها ويمكن أن يطبعها فى مطبعته الخاصة ولكن لأن إسمى مجهول لدى الجميع فقد لا يكلف الناس نفسهم وسعاً لشراءها , لذا ستكون مغامرة إن قام بطبعها كأى كتاب آخر يتلهف الناس لقراءته , فى اللحظة تلك مرت على أنفي رائحة ذكاءه الرأسمالى فى أنه لن يدفع لى كثيراً ثمناً لقصص إجتهدت فى تأليفها لسنوات عشر وحقاً حدث ما توقعه , إذ قال لى إنه سيدفع لى فى كتابى هذا الف جنيه , قابلة للرد فى حال لم يحقق بيع كتابى تكلفته , حدثنى عن العمال الذين يسهرون فى مطبعته , عن الماكينات التى استجلبها خصيصاً للإرتقاء بالثقافة , وبعدها أخرج العقد أمامى , عقد طباعة قصصى فى كتاب , كانت حاجتى للمال ماسة جداً , والمبلغ ضئيل , ولكن لا أحد غيره وافق على نشر قصصى حتى لو لم يعطنى شيئاً ,وقعت العقد مسرعاً خوف تراجعه وفى حلقي غصة سنوات من الجلوس للكتابة تروح هكذا , فى لحظة رغبة , يا لهذا العالم الغبي ويا لفرط أنانيته .
بعد شهر وأنا أمر بإحدى المكتبات رأيت قصصى مطبوعة وهى بأعلى الرف , طلبتها من البائع فباعنى إياها بجنيهات عشر , أخذتها منه وهرولت مسرعاً نحو بيتى قرأتها مرة وأثنان وثلاث , وعشر مرات , كانت جميلة لدرجة أعتقدت فى بادئ الأمر أنها ليست لى بل لكاتب آخر .
تذكرت إحدى الفقرات فى العقد الذى بينى وبين الناشر ذاك , ( فى حالة لم تسدد مبيعات روايتى تكلفتها فإن للناشر الحق فى إسترداد المبلغ الذى دفعه لى فهرولت ناحية المكتبة وأشتريت عشرون رواية من النوع نفسه , ودعوت الله أن يتكفل المثقفون بالبقية , غبت إسبوعاً وزرت المكتبة مرة أخرى فوجدتها كما كانت وكأن أحداً لم يشترى قصتى فقررت أن أشترى عشرون قصة أخرى وأشتريتها بنفس السعر , غبت إسبوعان آخران وخوفى يلاحقنى من أن يأتى الناشر ليسترد المبلغ الذى دفعه لى , وذهبت ناحية المكتبة , واشتريت خمسون رواية أخرى لى , وهاجس ملاحقتى من الناشر يراودنى عن نفسى لم أنم لحظتها, فقط تسعة مثقفين سيكفونن
ى شر مطاردته لى , أتلصص على المكتبة طيلة النهار لم يأتى أحد ليشترى روايتى ونهار آخر يمر وضربات الشمس فوق رأسى يأكل الخوف منه , وشعورى بأننى كاتب ردئ أكثر تآكلاً لما تبقى منى , اخرج آخر ورقات من جيبى , ورقات تسع وأكمل العدد الكافى لكى يسترد الناشر تكلفة طباعته , ودعت صاحب المكتبة وكأننى لن أعود إليه أبداً , طارق لباب بيتى فى المساء , إنه صاحب دار النشر نفسه تتقدمه رائحة التبغ وكرشه البارزة , وإبتسامة لم أفهمها , مد يده إلى مصافحاً , وفى هدوء قال لى :- أتمنى أن تكتب مرة أخرى قصصاً جميلة , لقد أسترددت ثمن طباعتى لروايتك فى شهر واحد , ومن مكتبة واحدة , ومن قارئ واحد , أظنه يحبك لدرجة الجنون .