Ehab.G
15-09-2010, 12:30 AM
الحكم المحلي... هل من عوده؟؟ (2)
قسم الله محمد إبراهيم
الضابط الإداري كان يعمل بنظريتين هما نظرية العلاقات الاجتماعية ونظرية (الديوان)، وهاتان النظريتان أكاديميتان، ولكن مهارات الضابط الإداري أحالتاهما واقعاً إدارياً ملموساً. وفي كثير من الأحايين نعتمد عليهما لإيجاد حلول للمشكلات والصراعات التي تعترض عملنا بالمناطق المختلفة. القانون الرسمي لم يكن غائباً بطبيعة الحال هنالك ولكننا نطوِّعه لخدمة المواطن المحلي وتلمُّس رغباته، وعند وصولك لموقعك الجديد أنت مُطالب بقراءة مذكرات التسليم والتسلم التي يُعدها لك زميلك وقد يمكث معك مدةً من الزمن للتعرف على طبيعة العمل وعلى بعض الشخصيات المهمة بالمنطقة حتى لا تقع فريسةً لبعض جماعات المصالح التي قد تُوثِّر على أدائك وقد ذكرتُ سابقاً أنّ الحياد في الخدمة المدنية هو أحد أهم الركائز التي تدعمها الحكومات خشية أن ينحرف الموظف العام والإداري هو موظف عام لكنه ذو خصوصية كما هو معلوم. الفيلسوف الألماني ماكس فيبر (Max Weber) هو الذي وضع مبادئ الخدمة المدنية ولكنها عندما لم تعمل صحيحاً عند تطبيقها في الدول النامية جاء أحد علماء الإدارة ويُدعي (Riggs) ومكث سنتين في بعض الدول الإفريقية والآسيوية وخرج بنظرية سمَّاها نظرية الديوان إذْ إنّ هذه الشعوب نامية ومن الظلم أن تطبق عليها نظريه انطلقت من واقع أوروبي صرف. وقد استفدنا من هذه النظرية في تعاملنا مع جمهور المحليات على اختلاف أفهامهم ومشاربهم في تلبية الحاجات الأساسية من البنى التحتية وغير ذلك. أنت في جولاتك الميدانية تصطحب معك الإدارة الأهلية ممثلة في العمدة أو الشيخ للقاء المواطنين بمنطقته لمعرفة المشكلات وحلها تلك التي تطرأ من وقت لآخر، وقد كانت إدارة رخيصة وغير مكلفة ولكن الاستعجال الذي صاحب قرار حلها وأعني الإدارة الأهلية كان كارثة وكان يمكن الحفاظ عليها وتطويرها لتتماشى مع مستجدات الزمن لكن أن تُقتلع من جذورها فنحن نجني ثمار هذا الفعل الآن من انفراط في الأمن... وندمنا.. ولات ساعة مندم. كانت السلطة أيامذاك تُستعمل استعمالاً راشداً ولم يكن هنالك تسلُّط وفرق كبير بين السلطة والتسلُّط، فالسلطة تخدم المواطن وأهداف الحكم المحلي التي تضعها المجالس ولا مكان للتخويف، ولهذا يألفك المواطن ويحضر إليك طواعيةً يتفاعل معك وتتفاعل معه ..(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الآيه. النظرية الثانية التي كنا نعمل بها هي نظرية العلاقات الاجتماعية وهي مدرسة قائمة بذاتها توصل إليها علماء الإدارة بعد بحوث وتجارب اجتماعية عديدة بعدما كانوا يعتمدون على المدرسة السلفية في الإدارة التي تقوم على الانضباط في الخدمة دون اعتبار لسلوك المواطن وأعرافه وتقاليده الموجودة لديه وهذه المدرسة السلفية (Classical) كان يتزعمها العالم فريدريك تيلر(Frederick Taylor) صاحب النظرية العلمية للإدارة (scientific management) ولكنه هوجم بشدة من قبل كثير من المدارس ومنها مدرسة العلاقات الاجتماعية التي انتصرتْ أخيراً بعد تجارب عديدة في المجتمعات وخصوصاً المتخلفة منها كما في إفريقيا وآسيا. وقبل أن يلج الخريجون الجامعيون إلى وزارة الحكم المحلي كان النمط السائد في التدريب هو الخطأ والصواب (Trial and error) ولكن هذا النوع من التدريب غير علمي مع أنه مفيد في بعض المواقف الإدارية ولعلم القارئ فإنه عندما جاءت السودنة لم تتوفر الكوادر المؤهلة التي تستطيع أن تتسلم المواقع القيادية في الخدمة المدنية ولكن حنكة السياسيين وبوقفة إخوانهم المدنيين وقتها هي التي حفظت البلاد من شرور وأخطار كان يمكن أن تنتاشها إبان عملية الاستقلال تماماً كما حدث في الكنغو البلجيكي مباشرةً بعد خروج البلجيك الذين لم يُدربوا الكنغوليين بما يكفي لإدارة الدولة مما ترك فراغاً لدى الساسة والإداريين معاً. أما هذه المدرسة الجديدة وأعني بها مدرسة العلاقات الاجتماعية فقد درسناها وطبقناها تطبيقاً عملياً في المجالات الإدارية المختلفة والغريب في الأمر أنها تتسم بالمرونة وتجدها أمامك متى ما استدعيتها تسعفك في كثير من المواقف الحرجة، فالإدارة فن قبل أن تكون علماً، ولا زلنا نحتاج إليها في زماننا الحاضر وخاصةً وقد إزدادت الحركات المطلبية وازدادت كذلك طموحات المواطن وضغطه على الحكومات والانفجار السكاني ماثل أمامنا لذلك فإنّ التسلُّح بهذه النظرية يوفر الجهد ويترك زمناً واسعاً لأهل القرار ليتفرغوا للمشكلات الكبرى التي تواجه البلد بدل الانصراف إلى المشكلات الإدارية اليومية وهذه الأخيرة من أوجب واجبات الحكم المحلي والفئات المؤهلة العاملة فيه ، وإلا فإنّ القبضة المركزية لا بد منها وفي هذا هزيمة للامركزية والنظام الفيدرالي القائم الآن في السودان، ونحن لا نُحبذ هذه الانتكاسة والرجوع إلى الخلف، ولكن المواطن ومن واقع تجاربنا يتذمر من عدم توفر الخدمات وجودتها وخاصةً في مواسم الأمطار حيث توالد الذباب والبعوض وتفشي الملاريا وأمراض التخلف الأخرى، ولو أنّ أجهزة الحكم المحلي كانت فاعلة وقوية بما يكفي لما كانت هنالك فوضى في الأسواق وفي الأسعار وفوضى في البيئة وتفشي الأمراض وتدني الخدمات ..إلخ نواصل ..
قسم الله محمد إبراهيم
الضابط الإداري كان يعمل بنظريتين هما نظرية العلاقات الاجتماعية ونظرية (الديوان)، وهاتان النظريتان أكاديميتان، ولكن مهارات الضابط الإداري أحالتاهما واقعاً إدارياً ملموساً. وفي كثير من الأحايين نعتمد عليهما لإيجاد حلول للمشكلات والصراعات التي تعترض عملنا بالمناطق المختلفة. القانون الرسمي لم يكن غائباً بطبيعة الحال هنالك ولكننا نطوِّعه لخدمة المواطن المحلي وتلمُّس رغباته، وعند وصولك لموقعك الجديد أنت مُطالب بقراءة مذكرات التسليم والتسلم التي يُعدها لك زميلك وقد يمكث معك مدةً من الزمن للتعرف على طبيعة العمل وعلى بعض الشخصيات المهمة بالمنطقة حتى لا تقع فريسةً لبعض جماعات المصالح التي قد تُوثِّر على أدائك وقد ذكرتُ سابقاً أنّ الحياد في الخدمة المدنية هو أحد أهم الركائز التي تدعمها الحكومات خشية أن ينحرف الموظف العام والإداري هو موظف عام لكنه ذو خصوصية كما هو معلوم. الفيلسوف الألماني ماكس فيبر (Max Weber) هو الذي وضع مبادئ الخدمة المدنية ولكنها عندما لم تعمل صحيحاً عند تطبيقها في الدول النامية جاء أحد علماء الإدارة ويُدعي (Riggs) ومكث سنتين في بعض الدول الإفريقية والآسيوية وخرج بنظرية سمَّاها نظرية الديوان إذْ إنّ هذه الشعوب نامية ومن الظلم أن تطبق عليها نظريه انطلقت من واقع أوروبي صرف. وقد استفدنا من هذه النظرية في تعاملنا مع جمهور المحليات على اختلاف أفهامهم ومشاربهم في تلبية الحاجات الأساسية من البنى التحتية وغير ذلك. أنت في جولاتك الميدانية تصطحب معك الإدارة الأهلية ممثلة في العمدة أو الشيخ للقاء المواطنين بمنطقته لمعرفة المشكلات وحلها تلك التي تطرأ من وقت لآخر، وقد كانت إدارة رخيصة وغير مكلفة ولكن الاستعجال الذي صاحب قرار حلها وأعني الإدارة الأهلية كان كارثة وكان يمكن الحفاظ عليها وتطويرها لتتماشى مع مستجدات الزمن لكن أن تُقتلع من جذورها فنحن نجني ثمار هذا الفعل الآن من انفراط في الأمن... وندمنا.. ولات ساعة مندم. كانت السلطة أيامذاك تُستعمل استعمالاً راشداً ولم يكن هنالك تسلُّط وفرق كبير بين السلطة والتسلُّط، فالسلطة تخدم المواطن وأهداف الحكم المحلي التي تضعها المجالس ولا مكان للتخويف، ولهذا يألفك المواطن ويحضر إليك طواعيةً يتفاعل معك وتتفاعل معه ..(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الآيه. النظرية الثانية التي كنا نعمل بها هي نظرية العلاقات الاجتماعية وهي مدرسة قائمة بذاتها توصل إليها علماء الإدارة بعد بحوث وتجارب اجتماعية عديدة بعدما كانوا يعتمدون على المدرسة السلفية في الإدارة التي تقوم على الانضباط في الخدمة دون اعتبار لسلوك المواطن وأعرافه وتقاليده الموجودة لديه وهذه المدرسة السلفية (Classical) كان يتزعمها العالم فريدريك تيلر(Frederick Taylor) صاحب النظرية العلمية للإدارة (scientific management) ولكنه هوجم بشدة من قبل كثير من المدارس ومنها مدرسة العلاقات الاجتماعية التي انتصرتْ أخيراً بعد تجارب عديدة في المجتمعات وخصوصاً المتخلفة منها كما في إفريقيا وآسيا. وقبل أن يلج الخريجون الجامعيون إلى وزارة الحكم المحلي كان النمط السائد في التدريب هو الخطأ والصواب (Trial and error) ولكن هذا النوع من التدريب غير علمي مع أنه مفيد في بعض المواقف الإدارية ولعلم القارئ فإنه عندما جاءت السودنة لم تتوفر الكوادر المؤهلة التي تستطيع أن تتسلم المواقع القيادية في الخدمة المدنية ولكن حنكة السياسيين وبوقفة إخوانهم المدنيين وقتها هي التي حفظت البلاد من شرور وأخطار كان يمكن أن تنتاشها إبان عملية الاستقلال تماماً كما حدث في الكنغو البلجيكي مباشرةً بعد خروج البلجيك الذين لم يُدربوا الكنغوليين بما يكفي لإدارة الدولة مما ترك فراغاً لدى الساسة والإداريين معاً. أما هذه المدرسة الجديدة وأعني بها مدرسة العلاقات الاجتماعية فقد درسناها وطبقناها تطبيقاً عملياً في المجالات الإدارية المختلفة والغريب في الأمر أنها تتسم بالمرونة وتجدها أمامك متى ما استدعيتها تسعفك في كثير من المواقف الحرجة، فالإدارة فن قبل أن تكون علماً، ولا زلنا نحتاج إليها في زماننا الحاضر وخاصةً وقد إزدادت الحركات المطلبية وازدادت كذلك طموحات المواطن وضغطه على الحكومات والانفجار السكاني ماثل أمامنا لذلك فإنّ التسلُّح بهذه النظرية يوفر الجهد ويترك زمناً واسعاً لأهل القرار ليتفرغوا للمشكلات الكبرى التي تواجه البلد بدل الانصراف إلى المشكلات الإدارية اليومية وهذه الأخيرة من أوجب واجبات الحكم المحلي والفئات المؤهلة العاملة فيه ، وإلا فإنّ القبضة المركزية لا بد منها وفي هذا هزيمة للامركزية والنظام الفيدرالي القائم الآن في السودان، ونحن لا نُحبذ هذه الانتكاسة والرجوع إلى الخلف، ولكن المواطن ومن واقع تجاربنا يتذمر من عدم توفر الخدمات وجودتها وخاصةً في مواسم الأمطار حيث توالد الذباب والبعوض وتفشي الملاريا وأمراض التخلف الأخرى، ولو أنّ أجهزة الحكم المحلي كانت فاعلة وقوية بما يكفي لما كانت هنالك فوضى في الأسواق وفي الأسعار وفوضى في البيئة وتفشي الأمراض وتدني الخدمات ..إلخ نواصل ..