ام نوران
30-04-2010, 03:57 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
فقد وضعت حرب الانتخابات أوزارها، وانتهت بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، وطارت الطيور بأرزاقها، وبقي أن أنبه على بعض الفوائد التي جناها المؤمنون من تلك التجربة؛ لئلا يعتقد الناس أنها شر محض أو غالب، بل إن فيها خيراً كثيراً إن شاء الله، ومن ذلك:
أولاً: أحدثت تلك التجربة حراكاً دعوياً وفكرياً حملت البعض على أن يعيدوا الحديث عن السياسة الشرعية، وهو باب أهمل كثيراً؛ لقلة من يطرقه أو يسأل عنه؛ إذ أغلب الناس يسألون عن العبادات ـ من طهارة وصلاة وصيام ـ أو المعاملات ـ من بيع ومداينة وإجارة ـ أو فقه الأسرة ـ من نكاح وطلاق ورضاعة وميراث، وقلَّ من يسأل عن شروط الحاكم وواجباته وعلاقته بالرعية؛ فكان ذلك الموسم فرصة لعرض فقه هذا الباب على الناس {ولا يهلك الناس حتى يكون العلم سراً} كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
ثانياً: أعادت إلى أذهان المسلمين في السودان أنه لا سبيل لفصل الدين عن الحياة، وأن دعاة العلمانية واهمون حين يصيحون: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. أو حين يقولون: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. أو حين يدندون: الدين لله والوطن للجميع. وتارة يحاولون خداع الناس بدعوى أن الدين مقدَّس والسياسة ليست كذلك؛ والحلُّ عندهم: أبعدوا الدين عن السياسة؛ حتى تبقى كما هي دنسة وسخة!! وقد أثبتت التجربة أن هذا الكلام هراء؛ حيث كان الدين وتعاليمه قاسماً مشتركاً بين المرشَّحين بين داعٍ له ومعرضٍ عنه، ومبشرٍ به ومنفِّر منه، ومتمسِّح بأعتابه وكافر بتعاليمه، وتبعاً لذلك كان الدين هو المحرِّك لأنصار هذا وذاك؛ والخلاصة أنه قد امتطى جواد الدين محبُّه وشانئُه( والله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
ثالثاً: ردت تلك التجربة الناس إلى الأصل الذي ينبغي أن يستمسكوا به، وهو حقهم في اختيار من يحكمهم، وأن أمر المسلمين شورى بينهم، وأن الحاكم ينبغي أن يؤسِّس حكمه على رغبة من الرعية، لا عن إكراه لهم وتجبُّر عليهم، ووجدها أهل العلم فرصة ليذكِّروا الناس بسيرة الراشدين الذين ما تسوَّر أحدهم على الحكم بليل، ولا انتزعه قسراً، بل كلهم رضي الله عنهم جاؤوا عن شورى من المسلمين ورضا؛ فكانت فترات حكمهم عزة وخصباً ورخاء ونعمة؛ حتى تبدَّلت تلك السنة فصار الحكم ملكاً عضوضاً يرثه الولد عن الوالد؛ فتبدلت النعمة نقمة، وحلت البغضاء ووقعت الحروب بين المسلمين
رابعاً: أحيت التجربة فقه الولاء والبراء، وبيَّن أهل العلم معالمه وحدوده وضوابطه، وشرعوا يُسقطون النصوص على الواقع ـ مضطرين ـ بعدما انبعث أشقاها يبشِّر الناس بعودة الخمور والفجور، والردة إلى عصور التيه وعهود الظلام؛ حين كان المؤمنون يغدون إلى صلاة الصبح، ومكبِّرات الصوت تنقل للناس حفلات المجون وآهات السكارى، وحين كان سبُّ الدين يُسمع في المواصلات بكرة وعشيا من غير نكير، والحانات وبيوت البغاء تجاور بيوت الله؛ فاشمئز الناس ممن يذكِّرهم بتلك العهود الغابرة والسيرة الداثرة؛ فلفظوه ومجُّوه، ونبذوه وطرحوه؛ (كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا) (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وفوجئ الناس بشيخ طاعن في السن يريد أن يحكمهم وهو يعلن على الملأ أنه لا يركع لرب العالمين!! فقال قائلهم:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
خامساً: شَهِدتِ الولايات والأقاليم اهتماماً بأمر الانتخابات وإقبالاً على ندواتها يفوق ما كان في العاصمة، فدلَّ ذلك على أن إنسان هذه البلاد مسكونٌ بحب السياسة والرغبة في تتبع مساراتها، والشغف بالمشاركة في صنع أحداثها، ومثل هذا الصنيع ينبغي أن يرشَّد من قبل أولي الألباب لئلا يتحول إلى مرض مُقْعد عن القيام بمهمات الأمور؛ فيصير هم الواحد قراءة الصحف وسماع النشرات، وفي الوقت نفسه هو مقصِّر فيما نيط به من طلب العلم ـ إن كان طالباً ـ أو إتقان الحرفة ـ إن كان محترفاً ـ أو أداء الأمانة وقضاء حوائج الناس إن كان ذا وظيفة، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
ولا أجد لهذا الصنف في حياتنا شبيهاً إلا أولئك النفر الذين يتقنون الحديث عن كرة القدم والمخاصمة عليها، والواحد منهم ما لعب كرة في حياته قط، بل لا يستطيع أن يركض خطوات!!
سادساً: حبذا لو توبع الأمر من قبل طلاب العلم وقادة الرأي ـ في مجالسهم وحلقاتهم ـ ليذكِّروا الناس بهدي النبوة والخلافة الراشدة في اختيار القادة ومحاسبة الولاة، وليبسطوا للناس فقه الإسلام في الحقوق والواجبات، وليعطِّروا المجالس بسيرة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي ومحمود بن سبكتكين رحمهم الله جميعاً، ومن بعد ذلك الجواب على شبهة يرددها كثيرون ـ جهلاً ـ حين يقولون: إن الإسلام ما طبق إلا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!!
سابعاً: لا بد من تذكير من فازوا في الرئاسة والولاية والبرلمان بقول ربنا الرحمن (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وأن البرامج التي صوَّت الناس على أساسها لا بد من جهد في إنفاذها (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) وعما قريب سيزول مُلْكُ من مَلَكَ ولا يبقى إلا الله الواحد القهار
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء
منقول شبكة معتز الاسلاميه
فقد وضعت حرب الانتخابات أوزارها، وانتهت بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، وطارت الطيور بأرزاقها، وبقي أن أنبه على بعض الفوائد التي جناها المؤمنون من تلك التجربة؛ لئلا يعتقد الناس أنها شر محض أو غالب، بل إن فيها خيراً كثيراً إن شاء الله، ومن ذلك:
أولاً: أحدثت تلك التجربة حراكاً دعوياً وفكرياً حملت البعض على أن يعيدوا الحديث عن السياسة الشرعية، وهو باب أهمل كثيراً؛ لقلة من يطرقه أو يسأل عنه؛ إذ أغلب الناس يسألون عن العبادات ـ من طهارة وصلاة وصيام ـ أو المعاملات ـ من بيع ومداينة وإجارة ـ أو فقه الأسرة ـ من نكاح وطلاق ورضاعة وميراث، وقلَّ من يسأل عن شروط الحاكم وواجباته وعلاقته بالرعية؛ فكان ذلك الموسم فرصة لعرض فقه هذا الباب على الناس {ولا يهلك الناس حتى يكون العلم سراً} كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
ثانياً: أعادت إلى أذهان المسلمين في السودان أنه لا سبيل لفصل الدين عن الحياة، وأن دعاة العلمانية واهمون حين يصيحون: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. أو حين يقولون: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. أو حين يدندون: الدين لله والوطن للجميع. وتارة يحاولون خداع الناس بدعوى أن الدين مقدَّس والسياسة ليست كذلك؛ والحلُّ عندهم: أبعدوا الدين عن السياسة؛ حتى تبقى كما هي دنسة وسخة!! وقد أثبتت التجربة أن هذا الكلام هراء؛ حيث كان الدين وتعاليمه قاسماً مشتركاً بين المرشَّحين بين داعٍ له ومعرضٍ عنه، ومبشرٍ به ومنفِّر منه، ومتمسِّح بأعتابه وكافر بتعاليمه، وتبعاً لذلك كان الدين هو المحرِّك لأنصار هذا وذاك؛ والخلاصة أنه قد امتطى جواد الدين محبُّه وشانئُه( والله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
ثالثاً: ردت تلك التجربة الناس إلى الأصل الذي ينبغي أن يستمسكوا به، وهو حقهم في اختيار من يحكمهم، وأن أمر المسلمين شورى بينهم، وأن الحاكم ينبغي أن يؤسِّس حكمه على رغبة من الرعية، لا عن إكراه لهم وتجبُّر عليهم، ووجدها أهل العلم فرصة ليذكِّروا الناس بسيرة الراشدين الذين ما تسوَّر أحدهم على الحكم بليل، ولا انتزعه قسراً، بل كلهم رضي الله عنهم جاؤوا عن شورى من المسلمين ورضا؛ فكانت فترات حكمهم عزة وخصباً ورخاء ونعمة؛ حتى تبدَّلت تلك السنة فصار الحكم ملكاً عضوضاً يرثه الولد عن الوالد؛ فتبدلت النعمة نقمة، وحلت البغضاء ووقعت الحروب بين المسلمين
رابعاً: أحيت التجربة فقه الولاء والبراء، وبيَّن أهل العلم معالمه وحدوده وضوابطه، وشرعوا يُسقطون النصوص على الواقع ـ مضطرين ـ بعدما انبعث أشقاها يبشِّر الناس بعودة الخمور والفجور، والردة إلى عصور التيه وعهود الظلام؛ حين كان المؤمنون يغدون إلى صلاة الصبح، ومكبِّرات الصوت تنقل للناس حفلات المجون وآهات السكارى، وحين كان سبُّ الدين يُسمع في المواصلات بكرة وعشيا من غير نكير، والحانات وبيوت البغاء تجاور بيوت الله؛ فاشمئز الناس ممن يذكِّرهم بتلك العهود الغابرة والسيرة الداثرة؛ فلفظوه ومجُّوه، ونبذوه وطرحوه؛ (كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا) (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وفوجئ الناس بشيخ طاعن في السن يريد أن يحكمهم وهو يعلن على الملأ أنه لا يركع لرب العالمين!! فقال قائلهم:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
خامساً: شَهِدتِ الولايات والأقاليم اهتماماً بأمر الانتخابات وإقبالاً على ندواتها يفوق ما كان في العاصمة، فدلَّ ذلك على أن إنسان هذه البلاد مسكونٌ بحب السياسة والرغبة في تتبع مساراتها، والشغف بالمشاركة في صنع أحداثها، ومثل هذا الصنيع ينبغي أن يرشَّد من قبل أولي الألباب لئلا يتحول إلى مرض مُقْعد عن القيام بمهمات الأمور؛ فيصير هم الواحد قراءة الصحف وسماع النشرات، وفي الوقت نفسه هو مقصِّر فيما نيط به من طلب العلم ـ إن كان طالباً ـ أو إتقان الحرفة ـ إن كان محترفاً ـ أو أداء الأمانة وقضاء حوائج الناس إن كان ذا وظيفة، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
ولا أجد لهذا الصنف في حياتنا شبيهاً إلا أولئك النفر الذين يتقنون الحديث عن كرة القدم والمخاصمة عليها، والواحد منهم ما لعب كرة في حياته قط، بل لا يستطيع أن يركض خطوات!!
سادساً: حبذا لو توبع الأمر من قبل طلاب العلم وقادة الرأي ـ في مجالسهم وحلقاتهم ـ ليذكِّروا الناس بهدي النبوة والخلافة الراشدة في اختيار القادة ومحاسبة الولاة، وليبسطوا للناس فقه الإسلام في الحقوق والواجبات، وليعطِّروا المجالس بسيرة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي ومحمود بن سبكتكين رحمهم الله جميعاً، ومن بعد ذلك الجواب على شبهة يرددها كثيرون ـ جهلاً ـ حين يقولون: إن الإسلام ما طبق إلا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!!
سابعاً: لا بد من تذكير من فازوا في الرئاسة والولاية والبرلمان بقول ربنا الرحمن (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) وأن البرامج التي صوَّت الناس على أساسها لا بد من جهد في إنفاذها (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه) وعما قريب سيزول مُلْكُ من مَلَكَ ولا يبقى إلا الله الواحد القهار
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء
منقول شبكة معتز الاسلاميه