مشاهدة النسخة كاملة : العاشر من يناير1982
osamafadl
12-12-2009, 03:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي وأخواتي الكرام, أحيكم
تطل بعد أيام ذكرى شخص عزيز جداً علي. أحتسبه عند الله من الشهداء ومع الصديقين في الفردوس الأعلى. بعد نشر روايتي الأولى بعنوان (مذكرات لاجئ) والتي نشرت في عمان عن دار ورد للنشر وشارك بها الناشر في مهرجان القاهرة للكتاب جاءت الرواية الثانية بعنوان بين طه والمدينة. بعض الأسماء التي أقرأ لها في هذا المنبر تعرف طه شخصياً وزاملته في سنوات الدراسة والبعض من أبناء مدينة ودمدني الجميلة وحاضرتها الأجمل بركات ربما عرفوه من على البعد أما أنا فمنذ أن ولدت وحتى لحظات عمره الأخيرة رافقته يوماً بيوم وعشنا معاً أجمل اللحظات منذ الطفولة. حاولت أن أنقل في هذه الرواية بعض الأحداث والذكريات وقد تعيد هذه الكلمات لبعض من الأصدقاء الجميل من الأيام. في بعض من أحداث تلك الرواية بعض الأسماء منها صديقي العزيز نزار حسن محمد عثمان والذي كانت علاقته بطه أكثر من أخوة وصداقة وكذلك لأنهما كانا معاً في الأيام الأخيرة يزورانني في عنبر الطلبة بعد أن أجريت عملية وبعد خروجي من المستشفى بيومين كانت أحداث العاشر من يناير82. فاستشهد طه. هذه مقدمة وسأقوم بنقل بعض من أجزاء الرواية. أستسمح أخوتي وأحبتي في ذكر أسماءهم التي وردت بكل عفوية ومحبة
osamafadl
12-12-2009, 03:52 PM
المقدمة
هذه قصة فتى كتب سيرته الذاتية بأحرف من دم. رغم سنوات عمره التي لم تتجاوز الاثنتين وعشرين أعطى بسخاء. أحب أهله وأصدقاءه وأحبوه. تفاعل مع كل ما حوله ومن حوله بشفافية فنان. دخل إلى حياتنا وقلوبنا دونما استئذان وكذلك رحل.
عندما تهب الرياح منبئة بقدوم المطر يتجمع السحاب ليكون غمامة ظليلة فتبرق السّماء متوهجة ثم ترعد ثم يهبط المطر غيثا. هكذا كانت حياته القصيرة بأيامها والطويلة بأحداثها.
هذه هي القصة من قبل البداية وإلى ما لا نهاية تروي الأحداث وتوثق الحقائق في سرد روائي أشبه بالحكايات القديمة. رغم أنّها في بعض أحداثها قد تبدو كالخيال أو التّأليف إلا أنّها حقائق مجردة. بطلها وكل الشخصيات التي ورد ذكرها أحياء يحملون شهادات ميلاد موثقة وعلى بطاقاتهم الشخصية بيانات حقيقية. قد تقابل أحدهم يوما ما أو يأتيك واحد منهم في المنام فلا تخاطبه بضمير الغائب. تذكر أنّ الشهداء أحياء يرزقون.
osamafadl
12-12-2009, 03:54 PM
الفصل الثاني
الجزء الأول
بركات تلك القرية المدينة الساحرة. هي بقعة تجمع بين المدينة الحديثة من حيث النظام والتخطيط الدقيق والقرية الهادئة التي يعرف أهلها بعضهم البعض واحداً واحدا. الصباح فيها كصباحات مدينة صاخبة. تبدأ حافلات العمال القادمين من مدينة ود مدني وبعض القرى المجاورة في الوصول إليها قبل شروق الشمس. ثم تأتي دفعات الطلاب القادمين كذلك من الضواحي. منذ بدء اليوم الدراسي وحتى قرب منتصف النهار تعيش هدوءاً مؤقتاً فالطلاب في حجرات الدراسة والعمال والموظفون في أعمالهم وشوارعها خالية إلا من بضعة سيارات فارهة أو عمال مهمتهم العناية بأشجارها الظليلة وشوارعها المسفلتة النظيفة. فجأة وعندما تصفر صفارة العاشرة معلنة موعد ساعة الإفطار ينطلق الطلاب إلى الميادين الفسيحة أمام مجمع المدارس ويخرج العمال والموظفون إلى البوفيه الرئيسي في زاوية مكاتب الرئاسة أو إلى بعض المطاعم الشعبية الواقعة في سوق المدينة. لمدّة ساعة كاملة تعج بالحركة والضجيج لتعود بعدها إلى الهدوء لعدة ساعات أخرى. بانصراف آخر باص ينقل العمال بعد منتصف النهار تدخل تلك البقعة في هدوء رهيب وتتحول إلى شبه غابة أمازونية لا تسمع فيها إلا تغريد العصافير أو أصوات بعض الحيوانات الأليفة. في كل بيت من تلك البيوت الفارهة في أكبر حي يقطنه كبار الموظفين توجد عدّة حيوانات أليفة. البعض يهوى تربية الطيور الداجنة التي شيّد من أجلها الأقفاص في زاوية ما من زوايا الحدائق الشاسعة. بعض من الموظفين يمتلك عدداً من الأبقار التي بنى لها حظيرة صغيرة في زاوية أخرى من الفناء وفي كل منزل يوجد كلب أو اثنان من أجل الحراسة. في وسط تلك المنازل الضخمة يوجد منزل تفوق مساحته أضعاف مساحة أي منزل آخر حوله، فيه ميدان أخضر مترامي الأطراف تزينه الأزهار من كل الاتجاهات، ذلك هو منزل محافظ المشروع الذي يحظى بعناية خاصة. على بعد عدّة أمتار وعلى الطرف الآخر من الشارع المجاور لذلك المنزل إسطبل به حصانان من فصيلة جيدة من الجياد العربية الأصيلة التي توجد قطعان منها في غرب الوطن. مساء كل يوم يخرج (السايس) المشرف على ذلك الإسطبل في جولة في شوارع المدينة. يمسك بيمينه لجام أحد الجياد الذي اعتلى ظهره ابن المحافظ وباليسرى لجام الآخر الذي يمشي متمخطراً.
من تلك البقعة الخضراء الجميلة وأجواء الأمسيات الحالمة بدأ (طه) ينظر للوطن. كان يراه بأقاليمه المختلفة ومساحاته الشاسعة وتركيبته الثقافية الغنية والمتداخلة والمعقدة أحياناً من ذلك المنظار المظلل الذي يكسر شدّة تناقضات استطاعت لسنوات التناغم والتعايش. أحبه من كلمات أغاني فنان الشعب الذي تغنى به وله بأساليب عديدة فصوره أحياناً بعيون الطائر من السماء حين عبوره في عتمة الظلام والنيل العظيم يجري من أقصى جنوبه إلى أقصي شماله عاكساً ضوء القمر فيبدو كسيف فضي يلمع وسط النجوم المبعثرة التي تتلألأ من حوله. كانت بركات واحدة من تلك النجمات ذات الأضواء المبهرة المنبعثة من كشافات إضاءة شوارعها التي امتدت في شبكة تصلها بمراكز قريبة حتى تصل إلى عاصمة الإقليم. هكذا كانت مدن أخرى ومصانع تشع في عتمة الظلام. وفي صورة أخرى غنى ذلك الفنان للوطن فخاطبه كمحبوبة جميلة وعصية في ذات الوقت فشبهها بسحابة عجلت الريح برحيلها وعيونها وحيلة في الدمع. تلك الأغاني الغرامية الوطنية فعلت بطه فعلها. بالإضافة لوصول رسالتها ودغدغة مشاعره كباقي أفراد الشعب خلقت بينه وبين ذلك الفنان علاقة نمت وتحولت من علاقة المتلقي المعجب بفنان لتعبيره عن أحاسيس ومشاعر ونبض شعبه إلى علاقة وصلت ذروتها الإنسانية إلى حد الصداقة الشخصية واللقاءات في بعض المناسبات وتبادل الرسائل. كانت تلك الغرفة النائية تضم عدّة لوحات زيتية لبورتريه ذلك الفنان العظيم قبل أول لقاء للتعارف. تلك اللوحات تصور وجه الفنان من زوايا مختلفة وفي خلفيتها بعض المناظر الطبيعية فكانت تصلح أن تكون واجهة لاسطوانة غنائية لذلك الفنان أو غلاف لألبوماته الغنائية المتعددة التي كان يتبادلها معجبوه في كل مكان ويدوي رنينها في المحلات التجارية والمقاهي الشعبية. حين قابل (طه) ذلك الهرم الفني (محمد وردي) كان قد أعدّ له مفاجأة دليل محبته له. وردي ذلك العملاق القادم من أرض الشمال حيث القبائل النوبية بكل طوائفها من حلفاويين ومحس وبرابرة جاب الوطن بطوله وعرضه، وأينما حلّ كان له من ذوي القربى نصيب. في بركات كانت أحدى العوائل تنتمي لذلك الجزء من الوطن. تواصلاً للود والعلاقات الأزلية بأهل بطانته جاء من عاصمة البلاد ليشارك تلك العائلة فرحتهم بعرس أحد أفرادها ولمّا كان الكل في بركات يعرف الكل كان (طه) أحد المعازيم فخطط ودبّر على ألا تمضي تلك الليلة وينتهي العرس إلا ويكون قد حقق حلمه. مجرد مصافحة الفنان له والتعرف عليه سيجعله كباقي آلاف المعجبين لكنه أراد أن يكون مختلفاً عنهم. في تلك الليلة وبعد انتهاء الفنان من أداء أول فاصل غنائي أشجى به الحاضرين ورقص الكل بهجة وفرحاً في جو شبه عائلي، تسلل (طه) مع صديقه نزار من أبناء أهل الفرح إلى غرفة الفنانين. صافح (وردي) بحرارة قابلها وردي بنفس الحرارة وبترحاب كعادته كما كان يفعل مع عامة المعجبين. تلك المقابلة بحرارة خلقت جواً دافئاً للشابين المعجبين الذين لبسا بذلتي جينز من نفس اللون الأزرق الداكن في تلك الليلة الباردة في أواخر شهر ديسمبر. قبل أن يدورا ليكشفا عن المفاجأة قال له (طه) " أنت في قلوبنا كما في قلوب الآلاف من معجبيك وكذلك على ظهورنا" ثم دارا إلى ناحية أخرى ليرى وردي صورته مطبوعة على بذلتي الجينز كما كانت تظهر في بعض الإعلانات التلفزيونية. لقد أمضى (طه) أياماً يصمم تلك الرسمة وبعد أن تدرب على طباعتها عدّة مرات طبعها على قطعتي قماش بيضاء ثم ألصقهما على بذلتي الجينز.
فرح فنان الشعب كثيراً بتلك اللفتة. انتهى الحفل وأهداه (طه) لوحة زيتية عربون محبة بينهما.
تميزت علاقة (طه) بأفراد أسرته بشفافية، خصوصاً مع والدته التي كان قريباً منها قرب صديقين بينهما أسرار وأحاديث وكثير من المزح والقفشات. اعتادت العائلة أن تجتمع كل يوم على مائدة الغداء كما كانت تفعل معظم الأسر. على تلك المائدة يتناقش الجميع في أمور حياتهم اليومية ويطرح كل واحد مشكلته أو طلباته سواء كانت تتعلق بأدوات مدرسية أو غرض ترفيهي تمنى امتلاكه لأنّ أحد الأصدقاء يمتلكه. رغم بساطة الطلبات كان الوالدان يوليانها اهتماماً بالغاً، وفي جو ديموقراطي عائلي صافي تحل كل المشاكل. بعد ذلك الاجتماع على سفرة الغداء أو انتهاء الوليمة على طاولة الاجتماعات يخلد الوالد للنوم في غرفة منزوية في أقصى ركن من المنزل وتنتقل الأم والفرقة إلى غرفة واسعة. تأتي واحدة من البنات بالشاي المعطر بالنعناع والذي كانت له طقوس بعد وجبة الغداء، فهو خلاف الشاي بالحليب يصب في أكواب زجاجية شفافة وليست بها مقابض، توضع فارغة على صينية معدنية في وسطها الإبريق الصيني وبجانبه سكرية من الألمونيوم بها ملعقتان صغيرتان. رغم أنّ المعتاد عليه أن تصب إحدى البنات الشاي وتقدمه للباقين كان (طه) في بعض الأحيان يتولى تلك المهمة لغاية في نفسه، فيصب الشاي في كوبين أحدهما لوالدته والآخر لسمر التي تشك في الأمر فتضع الكوب جانباً حتى تتحرى في الأمر. يناول والدته الكوب وبابتسامة صفراء يقول لها " تفضلي يا أحلى أم، أحلى كوب شاي" فتتناوله مثنية علية. أمّا هو فيدير ظهره ويغمز لأخواته وفي صعوبة يكتم ضحكته. ما أن ترشف الأم رشفة حتى تنفجر ضاحكة " خذ الشاي. إنّه في حلاوتك أمّا أنا فأفضله أقل حلاوة". لقد أعطاها شاياً بلا سكر. عندما يهم بمعالجة الأمر بعد أن يضحك الجميع تنهض سمر التي تظن أنّها اكتشفت لعبته. " خذ الشاي وأصلح ما أفسدته" ظانة أنّه فعل معها نفس الشيء، فيقسم لها أنّه وضع في كوبها سكراً، وهو صادق في قسمه، فتطمئن وتتناول الكوب وترشف رشفة بمزاج عال ثم تصرخ " عسل. هذا عسل. قطر... ليس شاي" وينفجر هو بالضحك. لقد وضع لها في كوبها ست أو سبع ملاعق من السكر. يعيد الشاي إلى الإبريق الصيني ثم يصبه مرّة أخرى في جميع الأكواب ويتولى كل فرد أمر السكر على حسب ذوقه.
إلى ألحان أجمل أغاني الغرام بصوت الرائع وردي يجلس الجميع للاستماع. يهيم كل واحد في عالم آخر مع تلك الكلمات الصادقة في التعبير عن شيء ما جواه وبين فترة وأخرى يقف (طه) في وسط الغرفة متشنجاً ثم يبدأ في حركة بهلوانية تتحرك فيها كل أطراف جسده مقلداً المايسترو الموسيقي وهو يقود الفرقة الموسيقية ليخرج الجميع من ذلك الهيام إلى فصل آخر من مسرحياته الكوميدية.
في عطلة صيفية اصحبه واحد من أقارب والدته إلى منطقة الروصيرص لزيارة أجداد ذلك القريب، الذين يعملون في التجارة ويملكون جنائن لزراعة البرتقال والليمون. قضى وقتاً شيقاً هناك برفقة ذلك القريب الصديق الذي كان من سنه. عاد ومعه بعض آثار تلك المنطقة من حجارة النهر التي تتجمع عند الخزان. كانت تلك الحجارة بألوان وأحجام مختلفة لكنها ناعمة الملمس والبعض منها له أكثر من لون ونقوش بأشكال مختلفة وجميلة تدل على عظمة الخالق. مع تلك الحجارة جاء بقرد صغير أضافه إلى مجموعة الحيوانات الأليفة الموجودة في حديقة المنزل. ثم بدأ اهتمامه بعد ذلك يزداد بالحيوانات. كانت الكلاب الشرسة الخمسة في المنزل تطيعه كما يحدث في السيرك تماماً وتلبي أوامره بشكل مذهل. ألأم (ليزا) ومنذ أن كانت جرواً صغيرا دربها على الجلوس أو القفز وهز الذيل وإحضار كرة التنس بعد أن يقذف بها بين الأشجار. وهكذا روّض بقية الكلاب لذلك نشبت علاقة خاصة بينه وبين الحيوانات بدأت تزداد باهتمامه بحيوانات أخرى غير أليفة واستطاع أن يجمع بعضاً منها حياً. اصطاد قطاً برياً وبعض الخفافيش وثلاثة أفاعي. كان اصطياده للقط البري محض صدفة إذ دخل القط إلى فناء منزل صديقه الواقع في أطراف بركات وعندما اقترب من قفص الدجاج فتحا له الباب فدخل ليغلقا عليه الباب ومن فتحة صغيرة استطاعا أن يخرجا الدجاجات ليبقى القط حبيساً. الخفافيش كبيرة الحجم كنت تتعلق على أسلاك الكهرباء وعندما تتدلى برأسها تلامس الأسلاك أسفلها فتصعقها الصدمة الكهربائية وتقع على الأرض مغما عليها لفترة. في تلك الأثناء يلتقطها (طه) بملقط خشبي ويضعها في قفص. أمّا الأفاعي فرغم أنّها كانت من أحجام كبيرة ومخيفة لم تكن سامّة وكانت تظهر أحياناً بين الأشجار خصوصاً في ساعات الهدوء فترصدها (طه) واصطادها بعصا حديدية بها مشبك في طرفها. ما أن يلامس ذلك المشبك عنق الأفعى يكبس (طه) كبسة على الطرف الآخر من العصا فيطبق المشبك على الأفعى التي تقاوم باللطم بذيلها في كل الاتجاهات. هنا يلتقطها في هدوء ويضعها في جراب من القماش السميك حتى يوصلها إلى القفص. جعل (طه) من الصالة الخلفية في المنزل متحفاً للحيوانات غير الأليفة. رغم خوف والدته عليه من تلك الهواية الغريبة شجعه والده واشترى له كتباً عن الحيوانات وطباعها. في فاترينة زجاجية في زاوية في ذلك المتحف الصغير جمع بعض الهياكل العظمية لبعض الحيوانات التي ماتت في العراء و تحللت. كانت تلك الصالة مقصد الكثير من الأهل والأصدقاء. كان (طه) يقف يشرح للزوار بفخر عن قصة كل حيوان بين تلك الحيوانات بينما يتنقل الزوار من زاوية لأخرى.
لم يستمر الحال هكذا طويلاً ،ففي مرّة في غياب (طه) عن المنزل تفاجأت الوالدة وأخواته بأفعى صغيرة في أحدى غرف النوم. ورغم علمهن بأن تلك الأفاعي غير سامة إلا أنّهن فزعن وركضن إلى خارج المنزل وبعد الاستعانة بأحد الجيران الذي قضى على الأفعى الهاربة هدأن وعدن إلى داخل المنزل. عندما عاد (طه) لم يصدق ما حدث إذ أنّه كان متأكدا من إحكامه لقفل القفص الخشبي ذي الواجهة الشبكية السميكة. لكن ما أن ألقى نظرة متفحصاً كيفية هروب تلك الأفعى الصغيرة حتى أدرك ما حدث. كان قد أتى بفأر صغير كوجبة للأفاعي في ذلك اليوم لكن قبل أن تلتهم الأفاعي فريستها استطاع الفأر أن يحدث ثقباً في الصندوق الخشبي وهذا ما لم يحسب حسابه (طه) فاستطاعت الأفعى الصغيرة الهرب بينما لم تتمكن الأخريان لكبر حجماهما. بعد تلك الحادثة قرر (طه) التخلص من كل تلك الحيوانات غير الأليفة فأطلق الخفافيش في الهواء وأعاد القط البري إلى العراء من حيث أتى ورمى الأفاعي وسط أشجار غابة قريبة. جمع كل العظام التي كانت في الفاترينة في صندوق ثم دفنه في حفرة في ركن من الحديقة وبنى في ذلك الركن هرماً بالطوب الأحمر.
لم يكن (طه) مهتماً ببعض الأمور التي يهتم بها بقية الشباب كلعب كرة القدم لكنه أحب فنون الألعاب القتالية كالكاراتيه والجودو. أعجب ببطل الكاراتيه (بروس لي) والتحق بمركز تدريب الشباب ليكمل عدّة دورات تدريبية. كان لسمر وأسامة اهتماماً خاصاً بلعبة الكرة الطائرة وعندما أهداهما صديق كان يعمل مدرباً لتلك اللعبة شبكة نصباها في وسط الميدان الأمامي ودعيا أبناء الجيران لمشاركتهم اللعب كل خميس. في ذلك الوقت تعرفت الأسرة على أسرة وليام الأمريكي المندوب من هيئة الصحة العالمية ليعمل في مشروع النيل الأزرق الصحي. زوجة وليام البورتوريكية كانت تبحث عن وسيلة للترفيه وعندما علمت بأمر الكرة الطائرة انضمت هي وزوجها كلاعبين أساسيين. كذلك بنات وليام اللاتي أتين لزيارته. واظب وليام وزوجته على المشاركة كل خميس ثم انضم لهم عدد من الأجانب العاملين في شركات أجنبية عندما قدم لهم وليام الدعوة بعد أن أذن له أصحاب الشأن في ذلك.
في مرّة من المرات جاءت بريطانية تدعى (ديانا غيبسون) تبحث عن وليام الذي كان وزوجته في عز اللعب واللهو مع الآخرين. أوقف السائق السيارة ثم سأل عن السيد (وليام جوبن). تقدم له وليام وعرفه بنفسه. في تلك اللحظة نزلت السيدة الأنيقة ذات الشعر الطويل المسدل على ظهرها وكتفيها وكاميرا تصوير فوتوغرافي تتدلى على صدرها. ألقت التحية على وليام ثم قالت " أنا ديانا غيبسون. جئت من جنيف لإجراء بحث ميداني في مستشفيات العيون في ثلاث مدن سودانية ذلك حسب ما كلفني به رئيسي في العمل في هيئة الصحة العالمية، وقد طلب مني مقابلتك لترتيب إقامتي وتنقلاتي بين المستشفيات. تفضل هذه رسالة منه". كانت الشمس قد أوشكت على المغيب فتفرق الجميع. استأذن وليام السيدة (ديانا) في السماح له بالذهاب لإحضار بعض الأوراق من منزله لإكمال إجراءات إقامتها في استراحة الزوار، وطلب منها الانتظار ريثما يعود. في تلك الأثناء عرّفت زوجة وليام ديانا بأصدقائها الودودين سمر وأسامة ثم بقية الأخوات والوالدين. رحب بها (طه) ودعاها لزيارة معرضه الصغير للوحات الزيتية. كان بعد الانتهاء من رسم كل مجموعة من اللوحات يعرضها في الصالة في المنزل ليشاهدها الأصدقاء المقربون قبل أن يشارك بها في معرض من معارض المدينة مع فنانين آخرين. جالت ديانا بين اللوحات بإعجاب واختارت واحدة أصرت على دفع ثمنها وأصر (طه) على إهداءها إياها دون مقابل. فأخذت واحدة ثانية بعد أن تركت له على صينية الشاي ورقة من فئة الخمسين دولار مع كرت تذكاري عليه صورة النافورة الشهيرة في بحيرة ليمان في جنيف، ثم التقطت صورة تذكارية مع العائلة وغادرت.
قضى وليام وزوجته وابنها الصغير في بركات فترة خمسة أعوام. كانت بناته الثلاثة وابنه الوحيد يأتون لزيارتهم في العطلات. بنتان منهما كنّ تدرسان في جامعة هارفارد ويعمل الشاب في أحد المصانع في مدينة بوسطن بينما تقيم البنت الصغرى مع والدتها التي انفصلت عن وليام منذ فترة. وليام الذي تزوج من سكرتيرته عندما كان يعمل في أحد المشاريع في جزيرة (بورتو ريكو) كان أباً مثالياً. ظلت علاقته ببناته وابنه علاقة قوية لا تشبه علاقة غالبية الأميركيين بأبنائهم لذلك كان أبناؤه يحبونه حباً كثيراً.
في تلك الخمس سنوات توطدت العلاقة بين أسرة وليام وأسرة يوسف عبيد الذي وجد فيه وليام صديقاً ودليلاً أعانه كثيراً على فهم عادات وتقاليد ذلك المجتمع الذي بدا له غريباً في أول أيامه وعاطفياً لدرجة أثارت شكوكه ثم قليلاً قليلا استطاع أن يفهمه ويتقبله ثم ينخرط ويتعايش بين أفراده. (إنيد) زوجة وليام البورتوريكية وجدت تشابهاً كبيراً بين بيئتها وذلك المجتمع الجديد فاستطاعت في فترة وجيزة الدخول إلى بيوت وقلوب من حولها. وجدت في عفاف الأم الروحية التي تسدي لها النصائح الغالية أمّا البنات فقد حضنّها وغمرنها بحبهن حتى باتت تعرف بين الأصدقاء بالأخت السادسة لهنّ.
في نهاية سبعينات القرن الماضي حدثت تغيرات جذرية في إدارة مشروع الجزيرة فأحيل السيد يوسف عبيد مع سبعة وعشرين من كبار الموظفين إلى المعاش قبل بلوغهم سن المعاش الإجباري بحوالي أربعة سنوات. كان قراراً جمهورياً بلّغوا به برسالة شكر على سنوات خدمتهم في المشروع مع مكافئة مالية متواضعة. بعض من هؤلاء الموظفين تلقفتهم دول خليجية للاستفادة من خبراتهم. يوسف عبيد والعدد المتبقي فضّلوا العطاء داخل الوطن. انتقلت الأسرة إلى مدينة ود مدني ليعمل الوالد في شركة للتأمينات الاجتماعية يملكها أحد أصدقائه.
osamafadl
12-12-2009, 04:19 PM
الفصل الثاني
الجزء الثاني
حي المزاد، جوار مدرسة السني ذات المباني الصفراء القديمة. ذلك الحي الشعبي البائس لا يمكن التفكير في المقارنة بينه وبين بركات، فالفرق بينهما كحديقة غنّاء وارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار،تغرد العصافير على أغصانها، وخرابة مهجورة تنبعث منها رائحة الأشباح. أمّا مباني مدرسة السني القديمة فقد بدأت تتصدع لدرجة يمكنك أن تدخل يدك في أحد الجحور على جدرانها لتخرجها من الناحية الأخرى دون الخوف من الفئران التي هجرتها ووجدت مرتعاً لها في دورات مياهها المهدمة. كانت تلك المباني القديمة مسكناً للمئات عندما كانت داخلية طلاب منذ أن كانت المدرسة معهداً لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم ثم تحولت إلى مدرسة ثانوية وبعدها بعدّة سنوات أغلقت الداخلية التي استولى عليها الجيش ليقسمها إلى قسمين، قسم جعله ثكنات لجنوده والقسم الأخر مخزناً للغلال. في الساحة التي كانت بين تلك المباني والشارع الرئيسي شيّدت مباني المدرسة الجديدة المرتفعة على أحدث طراز وطليت باللونين الأبيض والأزرق.
في تلك الأجواء الفقيرة بين تلك البيوت قديمة البناء وشاحبة المظهر وبين مباني مدرسة السني الأثرية المتهالكة وجدت أسرة يوسف عبيد نفسها في منزل صغير لا تتعدّى غرفه الاثنتين مع فناء صغير ليس فيه ذرة روح. لم يحسب رب الأسرة حساب لتلك المرحلة، مرحلة التقاعد والانتقال من ذلك القصر ذي الحدائق الخضراء إلى سكن آخر. بعد أن باع منزله في أحد أفضل أحياء المدينة لم يدخر قرشاً لشراء آخر. منذ قبوله بتلك الوظيفة المتواضعة في شركة التأمينات لم يجد طريقة لقضاء الأمسيات في حبور كما كان يفعل في السابق فعمد للهروب إلى نادي رياضي في حي بعيد على شارع النيل. يجتمع في ذلك النادي أرباب المعاشات وشخصيات تعتبر ديناصورات ذلك الزمن، يمضون الأمسيات في لعب الورق وشرب الشاي بالحليب وتدخين شتى أصناف التبغ المحلي والمستورد فيملئون سماء ذلك المكان برائحة كئيبة يشتمها المار بالشارع فيدرك أنّ هناك ثمة كائنات حيّة تبحث عن السعادة بشكل ما.
رغم ذلك الجو المزري استطاع (طه) بروح الفنان التعايش مع ما حوله. كوّن صداقات هنا وهناك مع الجيران وانخرط في عمل طلابي منظم شارك من خلاله في المهرجانات والندوات السياسية والاجتماعية، كما انضم لرابطة الجزيرة للآداب والفنون. وجد في تلك الرابطة متنفساً لإبداعاته. مساء كل خميس تقيم الرابطة أمسية شعرية تستضيف فيها شعراء محليين وآخرين من مدن أخرى كما كانت تعرض أحياناً بعض الأفلام القصيرة التي تتناول مواضيعاً إنسانية وعقب العرض تعقد ندوة تناقش موضوع الفلم ويشارك فيها الحضور بالحوار الثري. خلق (طه) علاقة طيبة مع أعضاء الرابطة من كتاب وشعراء وفنانين وشارك معهم في معظم النشاطات وبشكل خاص في كل المعارض الفنية التي عرض من خلالها أجمل اللوحات المعبرة. بعيداً عن الرابطة ومن خلال علاقة سرية ربطت بين إتحادات طلاب المدارس الثانوية التي كانت محظورة في ظل حكومة النميري الدكتاتورية واتحاد طلاب جامعة الجزيرة شارك في تنظيم عدّة ندوات سياسية تناولت أوضاع البلاد وفضحت النظام المستبد.
كانت حكومة النميري الدكتاتورية قد بلغت ذروة التحكم والاستبداد فضيقت الخناق على الطلاب وحظرت التجمعات وممارسة أي نشاط كانت ترى فيه خطراً على بقائها. لم ترق لطه تلك الأجواء التي خلقتها الدولة بزرع جواسيس بين الطلاب لكشف المعارضين وبث روح اليأس بين الطلبة للاستسلام لذلك الواقع المرير في ظل حكومة فقدت كل المقومات الشرعية للبقاء فظلت تتعالى وتتظاهر بالقوة والجبروت بعد أن زجت بالآلاف من الشرفاء المناضلين في سجونها المنفية في أطراف الوطن ظانّة أنّها بذلك قد حققت الأمان. كانت ثورة الشعب تتأجج يوماً بعد يوم وكبركان ثائر تحت الأرض يغلي كانت كل فئات الشعب تناضل كل من موقعه.
في أواخر العام واحد وثمانين أقيمت الدورة المدرسية التي كانت تعد أكبر الأنشطة الطلابية التي تقدم من خلالها المدارس أجود ما أنتجت من إبداع رياضي وفني. بعد نشاط دام لفترة شهر كامل في جميع الأقاليم اختيرت أحسن الفرق الرياضية والأعمال الدرامية والفنية من غناء وشعر للمشاركة في المراحل النهائية التي ستقام في مدينة الأبيض عاصمة إقليم كردفان وعروس الرمال.
الشاعر محمد محي الدين، شاعر مدينة ود مدني وكاتبها المتمرد ألّف نصاً مسرحياً بعنوان "العيش" يحكي قصة الزاهد فرح ود تكتوك حكيم زمانه الذي تمرد على السلطان ورفض تسليم محصوله الزراعي. ذلك السلطان عميل الاستعمار الذي كان يتحكم في توزيع المحاصيل الزراعية بعد أن يستولي عليها من الفلاحين نهاية كل موسم زراعي واجه معارضة قوية من الشيخ فرح الذي بحكمته حرّض عليه الفقراء والمساكين فثاروا عليه وأطاحوا بسلطنته لينتصر الخير على الشر، الحق على الباطل.
أبدع الشاعر في كتابة نص مسرحي به كثير من التورية وعدم المباشرة ليوجه لنظام النميري الدكتاتوري أسهماً نارية. ثم أضاف الأستاذ بشير عبد الرحيم ذمبة لمسته الإخراجية الخاصة ومع خلفية ديكور فني رائع صممها (طه) خرجت المسرحية كقنبلة تنفجر على خشبة مسرح عروس الرمال في حضور الدّجال نفسه، فيثور الطلاب ومعهم جموع المتفرجين من عامة الشعب ليوقف العرض. وينتشر العشرات من قوى الاحتياطي المركزي لقمع الثائرين بعد أن أمّنت مخرجاً للسلطان الذي فرّ هارباً.
لم يكن في حسبان المخرج المبدع الأستاذ بشير عبد الرحيم ذمبة أن يحدث ما حدث. كان المشهد قبل الأخير من المسرحية حوار بين الشيخ فرح والسلطان الذي يتوعد بالانتقام ويجاوبه الشيخ بحكمة وهدوء ثم يلتفت إلى الفقراء الجوعى النائمين في الجزء الخلفي من خشبة المسرح أي وراء القصر حيث مجلس السلطان وحاشيته. عندما يستلهمهم الشيخ فرح يبدأون في النهوض قليلاً قليلا حتى يقفون على أقدامهم ثم يندفعون بحماس ويثورون في وجه السلطان وتتحول خشبة المسرح إلى بركان بسبب ثورة الجياع المظلومين وتنتهي المسرحية بالمشهد الأخير لفرح الذي يخاطب الحضور من الشعب بكلمات تشبه الشعر مفادها أنّه مهما طال الظلم فلا بد أن ينتصر الحق على الباطل ومهما كانت ظلمة الليل فلا بد أن يطلع فجر الحرية على الشعب الذي لا يرضى بالهوان.
في كل العروض السابقة التي قدمتها مجموعة من الممثلين الموهوبين في جمعية الموسيقى والمسرح بمدرسة ود مدني السني، في كل تلك العروض كان الجياع الفقراء يخرجون من خلف مجلس السلطان، من بين لوحات الديكور التي تصور قصر السلطان. في العرض الأخير في ختام الدورة المدرسية وفي الليلة الختامية التي حضرها رئيس الجمهورية أجرى ذمبة بعض التعديل، فالمسرح الذي شيّد في خلال شهر واحد كانت خشبة عرضه صغيرة رغم كبر مساحة مدرجاته التي تسع للآلاف من الجمهور. قرر ذمبة أن تكون مجاميع الممثلين الذين يؤدون دور الفقراء الجياع بين المشاهدين وعندما يستنهضهم الشيخ فرح يخرجوا من بين الحضور ويسيروا حتى الوصول لخشبة المسرح وهم يهتفون. استمر العرض والجمهور في هدوء وصمت يتابع ما يجري على خشبة المسرح بإصغاء. عندما التفت الشيخ فرح إلى تلك الجموع من الجياع شبه العراة المندسين بين المتفرجين ظنّ البعض أنّ الحديث موجه إليهم وعندما وقف الممثلون وبدأوا بالهتافات انضم إليهم العشرات من الجمهور. لم يتمكن الممثلون من الوصول إلى خشبة المسرح. تدافع المئات نحو الصف الأول حيث يجلس الرئيس وزمرته. ارتبك جنود الاحتياطي المركزي في الوهلة الأولى ثم انقضوا على المشاهدين بعصيهم الغليظة فأوقعوا جرحى وحدثت فوضى عارمة. أفهم القائمون على إدارة المسرح الضابط المسئول بأن المشهد كان يتطلب وجود ممثلين بين الجمهور فأسرع في إصدار أوامره لهؤلاء الجنود الذين بدوا وكأنهم يتحركون بجهاز تحكم من على البعد. لم يعيروا أحداً من ضباط الشرطة أي اهتمام وبإشارة واحدة من ضابطهم العسكري تراجعوا وأغمدوا هراواتهم خلف الدروع التي كانوا يحملونها. كان النميري قد فرّ مرعوباً تحت حماية خاصة بعد أن أدرك أنّ الثورة قادمة لا محالة. ما شاهده من غضب الجمهور في مسرح طلابي تحقق على الواقع. نفس تلك الجموع الغاضبة أطاحت به وبنظامه البائد حين هبّ الشعب من غفواته ومشى يسخر من جلاده وهتافاً عمّ أرجاء الفضاء... هلل الشعب... هلل الشعب... سقط الطاقية.
أمام ضغط الجماهير لم تجد اللجنة المنظمة مفراً من السماح بمواصلة العرض حتى النهاية ليشاهده الشعب بأكمله من خلال البث التلفزيوني المباشر. في ختام تلك الليلة الثقافية يكرم الفائزون. تنال تلك المسرحية جائزة أحسن نص وأحسن إخراج وأحسن ديكور. ثم تلاحق السلطات كل من ساهم في إخراجها حتى أصغر ممثل اقتصر دوره على جملتين على خشبة المسرح. أسدل الستار على تلك الدورة بعد أن أعلنت بداية الثورة الحقيقية ضد الظلم والاستبداد فألغت الحكومة تلك الدورات المدرسية على مستوى القطر واختصرتها على دورات شكلية تكون على مستوى الأقاليم فقط.
عادت قوافل الطلاب المشاركين في دورة عروس الرمال إلى أقاليمهم. في الأول من يناير أقام إتحاد طلاب جامعة الجزيرة حفلاً بمناسبة ذكرى الاستقلال. على خشبة مسرح الجامعة علا صوت المغني يردد الأغاني الوطنية وسط حماس الجماهير. على الجهة اليمنى من المسرح لوحة ضخمة للشهيد أحمد القرشي، شهيد ثورة أكتوبر المجيدة التي أطاحت بحكم عبود في الستينات. على يسار المسرح لوحة أخرى بنفس الحجم للشهيد بابكر عبد الحفيظ رفيق الشهيد أحمد القرشي. كلتا اللوحتين كانتا بريشة طه يوسف عبيد.
لم تمض تسعة أيام حتى خرجت جماهير المدينة الثائرة. بالتنسيق مع نقابة الأطباء والمهندسين واتحاد الطلاب خرجت الآلاف في مظاهرة حاشدة يتقدمها رئيس النقابة يحمل عريضة إلى حاكم الإقليم باسم الشعب للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين ورفع المعاناة عن المواطنين. كانت لوحتا أحمد القرشي وبابكر عبد الحفيظ عاليتين في المقدمة. مرّت الآلاف بشارع الإدارة المركزية للكهرباء التي طوّقها عشرات من الجنود المدججين بالرشاشات. عندما اقتربت الجماهير الغاضبة من بوابة الإدارة المركزية في طريقها لمكتب حاكم الإقليم أطلق أحد الجنود عدّة رصاصات. سقط طه يوسف عبيد بعد أن أصابته عدّة طلقات في عنقه واستقرت أخرى على خاصرته. مزّق الرصاص صورة بابكر عبد الحفيظ وسقط أحمد القرش عندما اخترقت طلقة صدره. تشتت الجموع الغاضبة. حضر ضابط على الفور إلى مكان الحدث وثار غاضباً في وجه ذلك الجندي المرعوب الذي ضغط على زناد رشاشه في لحظة خوف دون إذن المسئول عنه. أمره الضابط بتسليم سلاحه وزج به في عربة عسكرية أقلته إلى مكان مجهول.
تجمعت الجماهير مرّة أخرى وانضم إليهم بضعة آلاف آخرين أهالهم صوت الرصاص. حملوا جثمان الشهيد إلى الدار حيث لف بعلم البلاد وحمله المشيعون وسط عويل النساء ونحيب الأطفال وصرخات آلاف المتظاهرين. مرّ الموكب من ذات الطريق للوصول إلى المقابر وفي نفس مكان الحدث الأول أطلق جندي آخر العنان لرشاشه المصوب على جموع المشيعين فسقط خمسة آخرون لم يهنئوا بوداع شهيد المدينة حتى ودّعهم أهلها بعده بلحظات.
في صباح ذلك اليوم العاشر من يناير لعام اثنين وثمانين رسم (طه) آخر لوحاته بالدم الأحمر. خطّ على أحد شوارع المدينة التي أحبها وأحبته سطراً بريشة فنان أراد أن يلوّن سماء المدينة طهراً وحباً ونقاء. ودّعها في الصباح لكنه وعدها بأنه سوف يأتي.
توشحت المدينة بالسواد. سواد كعتمة الكسوف الكلي. أفل عن سماءها نجم سطع لسنوات قليلة لكن حبه لها يفوق الأحجام والقياسات.
moh_alnour
12-12-2009, 04:40 PM
قام إتقدم طه
تقدم تب ما تاها
رسم اللوحة الأجمل
شعبنا ما بينساها
قام تقدم غنى
تقدم تب ما أستنى
رسم اللوحة تمنى
لكل حمامة جناها
لكل حبيبة مُناها
الرحمة و المغفرة للشهيد طه يوسف عبيد
سائلين المولى عز و جل أن يُسكنه فسيح جناته مع الصديقين و الشهداء
تعيش و تفتكر أخي أسامة فضل
أبو جودي
12-12-2009, 08:45 PM
أخينا الفاضل أسامة
لك مني كل التحية والود والتجلة على ما قدمت من سيرة عطرة لأخينا وابن منطقتنا وزميلنا بالدراسة وعزيزنا الغالي الشهيد طه يوسف عبيد ،،، نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يسكنه الجنان والفردوس الأعلى
ولقد أوفيت أخي أسامة ولم تترك لنا غير أن نتقدم لك بالشكر الجزيل على ما قدمت وما خط قلمك ،،،
ونحن من شهود تلك المرحلة ومن الذين كانوا في نفس المظاهرة ونشهد الله على أن كل ما كتبته حقيقة يعلمها الكثير والعزاء موصول لأسرة المرحوم طه وأخواته العزيزات ولكل أبناء مدني
فهذا هو رمز من رموز وادمدني في الفداء والتضحية نأمل من الأجيال القادمة أن تتعلم كيفية النضال والمدافعة عن الحقوق ،،، وأكرر شكري لك أخي لما قدمت من سرد فيه كثير من الدروس والعبر والوفاء
osamafadl
13-12-2009, 02:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي محمد نور, أشكرك على الكلمات الطيبة. تحياتي لكل الناس الطيبين الجميلين من مدني وما حولها. كم هو منبع للسعادة التواصل معكم بعد غياب عن الوطن لفترة تناهز العشرين عام.
أخي أبو جودي. أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الطيبة. لا أشك أبداً في أن ذاكرة أبناء وطني عموماً ومدني خصوصاً مخلصة دائماً وتحفظ الجميل. سأتواصل معكم جميعاً إن شاء الله.
أسامة يوسف عبيد فضل _ ويتبي _ كندا
هذه قصيدة كتبنها بعد طول غياب
كان لي وطن
كان لي وطن
يحده ثمانية أصدقاء
ونيل يجري بطوله
وفي شماله صحراء
الغابة في جنوبه تمتد
في بهاء
يزين شرقه البحر والجبال
وزرقة السماء
أمّا غربه الحبيب
قد كانت فيه واحة خضراء
عاش حولها الزنج والعرب في إخاء
كانت لنا أيام
كانت لنا أحلام
أن نعيش في سلام
في وئام
في رخاء
في رياضه لعبنا
أنا وأحمد وجوزيف
لعبة الأصدقاء
في مدرسته تعلمنا
ألف باء المحبة
قبل حروف الهجاء
في مسرحه غنينا سوياً
في المساء
وفي الليل علت
تراتيل الصلاة
*****
لأبي ألف من الأصدقاء
الأوفياء
وجيش من النساء
حول أمي تجمعن
يوم العزاء
وملاين جاءت تهنئ
فالموت عرس الشهداء
*****
كان لي وطن
مليون ميل مربع
في كل شبر من أرضه
حكاية
في كل يوم قضيته
هناك قصة بدأتها
بلا نهاية
قد عشت في ذاك الوطن
وعاش ذاك الوطن جواي
*****
كان لي في ذاك الوطن حبيبة
اسمها مدني
لونها أسمر
من لوني
خدها يانع زهري
شعرها بطول النيل
أسود برائحة الياسمين
حبها الأزلي قتلني
أنّ يحيني
*****
في ليلةٍ ذهبنا جميعاً للنام
الشعب والشجر والأنعام
أوصدنا الباب خوفاً من اللئام
ثم رحنا في سبات
ننسج أجمل الأحلام
لكن كابوساً من النوم أفاقنا
فوجدنا لصاً في عباءة تخبأ
من الشباك تسلل
واستباح دماءنا
ثم تمطى وتمشى
وادعى أنه جاء لإنقاذنا
لكنه الأرعن تمكن وتفرعن
ثم تفنن
في تقطيع أوصالنا
مزّق أجسادنا
شرد أولادنا
وبعد أن نهب خزينة أموالنا
أضرم النار ليحرق دارنا
*****
كان لي وطن
وشعب يحلم بالسلام
لم يعد لي وطن
أصبح كوم حطام
والشعب بقايا أشلاء في كل مكان
*****
لم نستوعب درس الروضة
جوزيف عاد إلى الغابة يحمل حربة
أحمد في سجن يبكي النكبة
وأنا في المنفى أتجرع سم الغربة
أمّ الباقون فبقايا روح
في جسد يدعو ربه
يستجدون غريباً
خلصنا من هذا الطاغوت
برب الكعبة
أسامة يوسف عبيد فضل
ويتبي - 2009
عاطف عولي
13-12-2009, 07:24 PM
كنت شاهد عصر. كنا في اجتماع حتي ساعة متاخرة من الليل. وعلي موعد بالالتقاءصباحآ. خرج طه في المقدمة يحمل هموم وطنه باكرآ وفي طريقه.............. عوي الرصاص.
وكان العرس.
سوف اعود للتفاصيل
عوض صقير
15-12-2009, 04:34 AM
أخى العزيز أسامه يوسف عبيد
لك تحية وتقدير بقدر وفاءك ونبلك
بغمضة عين فقدنا زميلنا الطالب المتنوع الثقافات الفنان الغير عادى
الشهيد / طه يوسف عبيد
نسأل الله أن يعوض شبابه الجنة
لى عودة
بت مارنجان
15-12-2009, 04:38 AM
استاذي اسامة لك التحية ...
والله موضوعك دة كل مااقراه بصل لي حد معين ويغلبني اكملو ....
رجاء منك ياريت تكبر الخط شوية عشان نتعرف علي " الشهيد طه " ...
وتحكو لينا اكتر عنه قبل ذكراه ماتجي ...
تقبل مروري ....
عاطف عولي
15-12-2009, 10:24 AM
كما تحدث اخي اسامة شقيق الشهيد طه يوسف عبيد عن الشهيد كان الشهيد طه متعدد المواهب والابداعات. كان له في كل شي. وفوق ذلك كان ودودآ خجولآ مهذبآ كانت علاقته الأجتماعية واسعة فقد أستطاعة تشكيل شبكة واسعة وممتدة من الصداقاتمن بركات ومارنجان ومدني وود الشافعي والقري المجاورة.
أعذروني ان اتت مداخلتي اشتات فانا اكتب وسيول دموعي تنهمر. ولكنها كلمات لابد منها في حق هذا القامة من قامات وطني الجميل.
وهناك نقطة لا ادري هل قصد اسامة عدم الحديث عنها ام غابت عن باله.
كان الشهيد طه يوسف عبيد هو طالب المرحلة الثانوية الذي تربطه اقوي العلاقات وامتنها بالوسط الجامعي في جامعة الجزيرة وأتحاد طلابها بل وكان بوابة طلاب المرحلة الثانوية في علاقاتهم بالوسط الجامعي.
كان طه متواجدآ بينهم في امسياتهم الثقافية وفي رحلاتهم العلمية والترفيهية كان متواجدآ في معارضهم واسابيعهم الثقافية.
وكما ذكر الاخ اسامة كان العمل السياسي محظورآ ابان الحقبة المايوية. وكانت أتحادات الطلاب تشكل بصورة سرية وكانت شعبة الطلاب بالاتحاد الأشتراكي هي التنظيم الوحيد المسموح به في المدارس الثانوية.
كان التيار القومي هو الاكبر قاعدةمن ناصرين وهي المدرسة الفكرية التي ينتمي اليها الشهيد طه يوسف عبيد. وكان ايضآ هناك البعثيين والاتحادين وكان هناك تحالف بين البعثيين والاتحادين الديمقراطين. بجانب الجبهة الديمقراطية وقلة من طلاب حزب الامة.
وكان التيار القومي هو المسيطر ويقود حركة الطلاب واتحاداتهم في المدارس الثانوية. ولعب الشهيد دورآ بارزآ في توطيد العلاقات بين اتحادات الطلاب بالمدارس الثانوية واتحاد طلاب جامعة الجزيرة.
وعندما كان الحراك السياسي بمدينة ودمدني في اوجه تم تشكيل اتحاد طلاب مدينة ودمدني ووسط الجزيرة. كان الشهيد طه يوسف عبيد احد الكوادر النشطة في ذلك الاتحاد السري.
كان مظهر الشهيد يوحي بانه بعيد كل البعد عن العمل السياسي والذي كان يحزقه وكان مكان احترام وتقدير زملائه في ذلك الاتحاد. كان يقع علي عاتق الشهيد (لا اريد ذكر أسماء فذلك يرجع لاصحابها في الافصاح عن أنفسهم وسوف اشير بالحروف فقط)ومعه الاخ م.ب مهمة تحضير مقار الاجتماعات وتامينها بعيدآ عن عيون الأجهزة الأمنية وعيونها.
كان الشهيد هو قناة الوصل بين اتحاد طلاب جامعة الجزيرة واتحاد طلاب منطقة مدني ووسط الجزيرة. كان هو قناة الاتصال بين قواعد الاتحاد في المدارس الثانوية بنات.
كان طه علي علاقة بالتنظيمات السياسية والنقابات في مدينة ودمدني.
لقد كان الشهيد شعلة من النشاط الذي لا يهدا.
كان هناك أجتماع انفض بعد منتصف الليل وكان ان تفرقنا علي الوعد بان نلتقي في تمام الساعة التاسعة بمباني مدرسة السني الثانوية. تم تبليغ الشهيد طه يوسف عبيد بعدم التحرك الامن منزلهم الي مدرسة السني بعد ان تم توزيع الاعباء والتكاليف علي .
اصحابها . تحركت من مارنجان صوب مدني. وبالقرب من مدرسة مدني القانوية بنات عرفت ان هناك موكب وتحرك فيه الشهيد وتصدت لهم الشرطة واطلقت عليهم الرصاص استشهد علي اثره الشهيد بجوار الهيئة المركزية للكهرباء والمياه.
وسوف اعود
moh_alnour
15-12-2009, 03:25 PM
أخى العزيز أسامه يوسف عبيد
لك تحية وتقدير بقدر وفاءك ونبلك
بغمضة عين فقدنا زميلنا الطالب المتنوع الثقافات الفنان الغير عادى
الشهيد / طه يوسف عبيد
نسأل الله أن يعوض شبابه الجنة
لى عودة
هذا البوست قام بنشره مستشارنا الخلوق ( عوض صقير ) بتأريخ 27-1-2008م في هذا المنتدى
أرجو قبوله مع الود
و لك و للأخت ( منى ) شقيقتكم كل الود و التقدير فهي زميلة سابقة بكلية الأقتصاد جامعة الجزيرة
في العام 1982 إستشهد طه يوسف عبيد فضل في إنتفاضة يناير 82 الشهيرة بمدينة وادمدنى.
ابان حكم جعفر نميرى قاوم الشرفاء من أبناء وبنات الشعب السودانى الدكتاتورية ، انتفاضة بعد الأخرى، وفى الأحد 10 يناير 1982 إنتفضت مدينة وادمدنى، فخرج أبناءها الشرفاء إلى الشوارع مقاومين للدكتاتورية التي لم يتأخر جلاديها عن إطلاق نيران بنادقهم على المتظاهرين المسلحين بحناجرهم ... والهتاف ، سقط طه يوسف عبيد برصاص العسكر ، وسقط في تشييعه آخرون. فقد خرجت المدينة عن بكرة أبيها مشيعة له، فما كان من العسكر إلا وأن أطلقوا الرصاص على الموكب الذي يشيع جسده، لتقدم المدينة مزيدا من الشهداء.
و طه يوسف عبيد فنان مرهف وعنيد، فتى طموح، مليء بالحب والجمال والحلم بوطن يعيش فيه أهله بكرامة.
التحية لروح الشهيد طه يوسف عبيد ، فذكراك ملهمة كما روحك أيها الفتى الرائع و الحالم، و الذي لم تغيبك الأيام طويلا عن ذاكرة مدينتنا الجميلة "مدني" رغم السنوات الحزينة والمسافات.
لم يغيبك الزمن عن أمسيات أصدقاءك النابضة بإيقاعات المدن الجديدة والغريبة و التي إلتهمتهم واحدا بعض الآخر
لم تغيب عنهم ، أصدقاءك - لم تغب عنهم تلك التعابير الساخرة ولا الألاعيب المدهشة كما الاكتشافات الجديدة، ومن ينساها، الدعابات الغير معقولة و التي يسيل تدفقا من إجترارها ذكاءك المتقد والنافذ، فتسقط كل بدايات المخاوف وتسقط كل جداريات ظنون الأشجان المعلنة والمخفية عن الحياة، وتسقط معها الإحتمالات بالخوف والتردد.
التحية لروح الفنان اليافع فيك ياصديقى الذي اختطفت منه مفردات الجمال الملون وطعم الأمنيات قبل أن نستنشقها أو تستنشقها مليء رئتيك التي بدأت التآلف على مضض مع تلك السيجارات المشاعة، والسرية...كما تلك الخلية البريئة ولا للتراجع .
فابتسم ياصديقى مليء شدقيك فكما لم تترك مدينتنا إلفتها الحميمة، لم تترك أي من الأسماك الملونة النهر بدورها، ولم يترك رفاقك الشعراء الفقر ونظم الكلمات وتبديل حبا بآخر...ولم يترك رفاقك الرسامون منافيهم البصرية ولازالوا يحدقون في عيون المنافي، ولازالوا يعيدون صياغاتها...معبرة ، كعيون إبنتى نوارة...هل حدثتك عن أبنتى نجوى نوارة؟
هل حدثتك عن "تحويصتها" الأخيرة بفعل عيون الحساد والناجهين...أعرف أن الأمر كان سيكون مدعاة للسخرية لديك فقد كنت "أحولا" عتيد....وتهوى القبض على السحالي المخططة بالأخضر و الضفادع والصفير في مقاعد الشعب بسينما “الخواجة"...عندما يتبادل البطل القبلات مع بطلة إحدى الأفلام المصرية قبل التلوين...هل تذكر تلك القبلات؟ قطعوها....فآه ياصديقى "فاتتك" الأصوات التى بدأت نوارة بإصدارها مؤخرا...
اليوم 10 يناير، فلك التحايا فها أنت تنسق الإشكال والمخلوقات في سماءك كما تهوى ، فذكراك دائما هنا كحضورك المحبب...و ها أنت تبنى عالما من الحب سرياليا فنبتسم كلما مررت كإحدى الخواطر الهائمة في ذكرى إفتتاح إحدى المعارض في صالة سيئة الإضاءة... فمنذ أن رحلت تركت مشاعرا لم يحن وقت التعبير عنها بعد...فذكراك إحدى التجارب الفذة والمتميزة والتى كاللوحة تقترب الكلمات من وصفها ولا يمكنها تقليد التعايش معها أبد.
خالد كودى ، بوسطن 10 يناير 2007
( من مكتبة صديقه ورفيق دربه خالد كودى )
osamafadl
16-12-2009, 05:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الشكر الجزيل لكل الأخوان المتداخلين على الكلمات الطيبة التي تثلج الصدور.
أختي بنت مارنجان آسف للخط الدقيق. لأنني نقلت الموضوع من ملف محفوظ في جهاز آخر كانت عملية النسخ بهذا الحجم. سأحاول تفادي هذه المسألة في المرات القادمة. يبدو أحد الأصدقاء قد قام بتكبير الخط له مني الشكر.
أخي عاطف عولي أشكرك وأقدر لك صدقك ونبل كلماتك. كما تلاحظ في بداية كتابتي للموضوع استهليت بالمقدمة وهي كما ذكرت سابقاً مقدمة رواية بعنوان (بين طه والمدينة) وهي تحت الطبع,ثم نقلت من الفصل التاني الجزئين الأول والثالث لذلك لمن عاصر تلك الفترة قد يظن أنني أغفلت بعض الأمور. لكن بالتأكيد لو قرأت الرواية كاملة ستجد تفاصيل دقيقة جداً لأحداث كثيرة وكذلك ذكرت أسماء كثيرة حتى منذ أيام الطفولة. على مدى السبع وعشرين سنة الماضية كنت دائماً أتجنب الكتابة في المنابر العامة عن أحداث العاشر من يناير خوفاً من أتهم بأنني مدفوع بالعواطف لذلك أثرت أن أفصل تلك المرحلة في رواية دون أن أقحم المتداخلين إلى هذه المنابر وبالطبع الرواية لمن يريد أن يقرأها بدون أن تفرض عليه. أقرأ وأتابع في كثير من المواقع السودانية والمنابر العامة وأفضل أن أقرأ هذه الأحداث بأقلام محايدة وصادقة ومنصفة للحقيقة. شكراً لك مرة أخرى
الأخ محمد النور شكراً لما نقلت من كلمات الأخ الفنان خالد كودي وهو بالمناسبة كتب مقدمة روايتي(مذكرات لاجئ) التي نشرت منذ عامين. نبادلكم الود والتقدير وسلامك للأخت منى وصل. هى في جدة بالسعودية.
أخي العزيز عوض. والله تعجز الكلمات عن مدى شوقي لكم. أقصد أصدقاء تلك المرحلة الجميلة في تاريخ بلدي ومدني بالذات. فعلت بنا الغربة مافعلت. كلما عرفت عنوان صديق قديم أهرول وأحاول الإتصال به وكم يؤلمني أننا أشلاء متفرقة في بلاد الله بالرغم من أنّ لنا وطن بمساحة مليون ميل مربع يمكن أن يسع الجميع. كن على اتصال من خلال البريد الإلكتروني
دمتم جميعاً أصدقاء أوفياء للوطن أخوك أسامة يوسف عبيد فضل
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir