النور محمد يوسف
23-11-2009, 10:58 PM
أنا والآخر... وحدة أو انفصال
أن أكون سودانيا فقد منَّ الله عليَّ بنصف الجهد الذي يفترض أن أبذله من أجل الملاءمة والعيش مع الآخر وتقبل الآخر.... فقد وفَّر الخالق لي الآخر لأتعايش معه وأتعلم منه واعلمه فتصفو لي الحياة هانئة هادئة استمتع فيها بجميع الخيرات المتاحة....وأن أكون قد تحصلت على تعليمي وفقا للمنهج السوداني بالمنظور السوداني أكون قد استوفيت معظم عوامل التعايش مع الآخر أو على اقل تقدير أصبحت النفس مهيأة للعيش معه والاستفادة من طرحه في إكمال الناقص في شخصي ومكوني الحياتي.....
والآخر عندي هو كل طارئ غير متوقع حدوثه أو وجوده أو أن وجوده محدود بفترة وجيزة أو محددة أو أن وجوده كان لمهمة مقرونة بزمن ما وبشخص أو أشخاص ما وله هدف محدد احتاجه في حياتي ومعاشي أو يحتاجه غيري ممن يتمتعون بنفس درجة المواطنة أو الإقامة المكفولة لي ويشاركونني نفس الواجبات والحقوق ونفس المصير ويتطلب وجود ذلك (الآخر) مقاسمة لي إما في معاشي أو في معاشه بكل مكوناته أو في ثقافتي أو ثقافته بكل مدلولاتها أو في الرأي بكل تشعيباته أو في بقائه أو بقائي محايدا بلا تداخل بيننا أو متداخلين سلبا أو إيجابا في شأن يخصنا. ....
فبهذا الفهم يشمل الآخر عندي العديد من العناصر والمكونات ...الحية والجامدة، المتحركة والثابتة ... المتغيرة وغير المتغيرة ...مثل المرأة، والزميل أو الزميلة ومثل المعتقد، الثقافة، الانتماء، الولاء، الثروة، العمر والوقت..فجميع ذلك يتطلب مني نوعا معينا من التعامل أسعى إلى التقيد به والتحلي بجميع مستلزماته فمن خلال هذا التعامل يمكن أن تقاس شخصية الفرد وسلوكه وتحديد مكانته بين المجتمع وتقاس كذلك حنكته وحكمته وسعادته وراحته أو شقاؤه.
من المفترض قبل الدخول في تشكيل الإطار الذي يتم من خلاله تحديد الآخر وهل هو آخر أم غير ذلك وقبل التعامل مع ذلك الآخر من المفترض فهم الوضع الذي يكون عليه الفرد بكل أحواله وظروفه ومؤثراته والمتاح له منها حتى يكون غير الآخر، واقصد بذلك الإطار الذي بين يديك تمتلكه اكتسابا أو هبة ودرجة تأثيرك فيه والمدى الذي يمكنك التحرك من خلاله، وفهم كل العوامل التي يتطلب توفرها لتسندك وتعضد منطقية وشرعية تحركك وتعاملك مما يجعل ذلك التحرك مقبولا ومتلائما نسبيا مع المتوقع قياسا من مواقف ومبادرات أو مقترحات أو مساهمات مع التسلح بجميع ما يلزم من ضروريات يمكن اكتسابها وتتطلبها فترة التعامل مع مراعاة طول ووقت تلك الفترة التي يجب أن تظل فيها تلك الضروريات ثابتة على حالها آنذاك أو القدر الذي يجب تطويرها إليه لمجابهة كل مستجد قد يحدث.
قد يكون ذلك الإطار مرحليا ولكن كان بالإمكان تجهيزه والإعداد له، وقد يكون إطارا دائما ولكنه يتطلب صيانة باستمرار. فعلينا التزام قدر وافر من المصادر المغذية الثابتة والراسخة والدائمة مع استصحاب متغيراتها وآلية تطويعها مع ضمان استمرارية تغذيته كشيء ملازم يجد عندنا باستمرار ما يمكنه ويمكنك من استيعاب كل آخر بالقدر الذي تحصل فيه الفائدة للطرفين
فابتداء بالمرأة ... فهي تمثل الأم والعمة والخالة والأخت وبنت العم وبنت الخال وبنت الأخ وبنت الأخت، من خلال إطار المكوِّن الاجتماعي والثقافي فهي تمثل الآخر الدائم والثابت بالنسبة للرجل، فدوره في إيجادها وتكوينها غائب هنا تماما، ولكن المرأة الزوجة هي الآخر المتغير بالنسبة له، فهي المتغير الطارئ منبثقا من الثابت وهكذا تمثل الآخر بكل أبعاده بالنسبة له ابتداءً من مرحلة معينة والى فترة معينة بعدها يصبح ذلك الآخر دائما وثابتا وجزءا لا يتجزأ منه وليس آخرَ، هذا إذا استطاع الشخص التعامل معها بإستراتيجية من خلالها تحكم تصرفاته وتضبط سلوكه.
تلك الإستراتيجية يجب أن تأخذ في الحسبان كل المكون الثقافي عنها من موروث ومكتسب مع إفراد المجال لاستيعاب ما يطرأ من مفاهيم ومعتقدات تدعيما لما يتطلب منه التصرف الفوري حيالها والتعايش معها بدون المساس بالثوابت التي على ضوئها بنيت كل الإستراتيجية في التعامل مع ذلك المتغير الخاص –المرأة- كزوجة ويجب أن تبنى الاستراتيجيات لمثل تلك المتغيرات على أسس يكون أهمها استبعاد الرفض منذ الوهلة الأولى وتثمين كل إمكانياته واحترام كل قدراته وتهيئة المناخ للاستفادة منها جميعا لخير المجتمع والعمل على بلورة الأطر التي يمكن من خلالها تفعيل ذلك ومحاربة كل القيود التي تضطهد وتحد من بروز قدراته حتى لا يصبح المجتمع مشلولا نصفيا ...لذلك يجب التحسب لذلك الآخر وحجز الحيز الكبير له في الحياة، فيجب أن تكون أولى الخطوات هي محاولة استيضاح جميع نقاط الالتقاء ومعرفة معظم نقاط الاختلاف والإلمام بها ومن ثم تحديد المنطقة الوسط ليتم التعايش بموجبها بدون إلغاء له أو حتى مجرد محاولة الإلغاء، حتى تتغلب معظم القناعات على الأخرى فتذوب أو تتلاشى أو تتواءم ...مع بعضها لمجابهة أي متغير غيرهما قد يطرأ عليهما سويا مما يستوجب المجابهة ، وأدق كلمة للتعبير في هذه المرحلة هو التفاعل ...تتفاعل تلك القناعات والمكونات والقدرات لنحصل في الآخر على مركَّب يجمع بين كلا الشخصيتين المتعايشتين ويجب أن يكون في ذلك إضافة ينشدها الطرفان تسهم في سلاسة الحياة وإتمام الملاءمة ، ويجب أن يعرف الطرفان بان هناك خصوصيات لكل منهما يجب احترامها ولو من غير كتابة ...لا يجوز المساس بها أو محاولة تذويبها مع الاتفاق الكامل بينهما على آلية يتم الرجوع إليها تلقائيا للفصل في أي تنازع قد ينشا عند محاولة تغلب طرف على الآخر إذا تم من غير إتباع المتفق عليه من طرق ومسارات...
من ضمن المتغيرات التي قد تطرأ على ذلك المتغير المرحلي ( المرأة كزوجة) وتجعل منه أخرَ بنوع جديد هو نفس ذلك الآخر فقط مستصحبا معه الأطفال وما تتطلبه تربيتهم وتنشئتهم من متغير تعايشهم مع وسطهم الذي يعيشون فيه. فهذا الآخر (المرأة ) بعد وجود (الأطفال) يصبح آخرَ متغيرا مركبا بالإضافة إلى شخصك بصفتك الجديدة والتي يجب عليك تقبلها والتأقلم معها في دواخلك... فهذا يوجب عليك استصحاب مفاهيم عديدة وقناعات مختلفة حتى تستطيع المواءمة والعيش مع جميع ذلك الآخر المتغير ...الآخر الجديد (الثلاثي) ... وهنا يحصل نوع من التنازل من بعض القناعات التي تعود عليها الفرد قبل مجيء هذا الآخر والآخر المركب فلا عدد ساعات النوم يكون كما كان ولا العلاقات الاجتماعية ستكون كما كانت وحتى الإحساس بالوقت سوف يتغير.... ويجب أن يستغل ذلك في سعادتهما وزيادة نكهة العيش الجديد وإضافة ايجابية جديدة للمجتمع وحركته ... فقد تتبدل أحيانا كثيرة حتى الواجبات الأسرية حسب توفير الممكن منها لزوم الأخر الجديد ...فالتزاماتك نحو الأخ سوف تتغير وكذلك نحو الأخت وتحل محلها التزامات جديدة بمجهود جديد وبمردود مختلف ...وهذا قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى ضمور في الإحساس بتلك العلاقات والروابط بالمفهوم القديم ولكنه يبقي على الحد المعقول الذي يرتضيه المجتمع إيجابا والذي يقره الدين، ومن هنا يبدأ التقييم الصحيح من الناس لشخصية الفرد قياسا على تلك المعايير التي برزت نتيجة لتعايشه بمتغيراته الثلاث مع المجتمع المُقيس، وتظهر بالتالي قناعة الشخص نحو دوره في الحياة نتيجة تعامله على ضوء تلك المتغيرات وتأرجح مكانته سلبا أوايجابا إلى حين درجة التوازن فعندها تكون الراحة النفسية والذهنية والتصالح مع الأشياء ومع الآخر، فالعاقل من اخذ بكل الأسباب وبكل المتغيرات وحاول توظيفها لتحسين درجة القياس المتحصل عليها إلى حين بلوغ تلك الدرجة المتعادلة والمحاولة باستمرار أن يبقى فيها أطول وقت ممكن بمكونه المركَّب.
وهذه القاعدة التي ذكرتها أعلاه يمكن أن تنطبق على كل آخر غير المرأة ، فالآخر قد يكون معتقدا أو عرقا وقد يكون ثقافة أو عادة أو تقليدا وقد يكون وضعا اقتصاديا أو سياسيا كما أن الآخر قد يكون صحة أو عافية وقد يكون مرضا أو كارثة وقد يكون جيلا أو أجيالا...فمبدأ الرفض لا يجوز خاصة إذا كان ليس من بين الخيارات خيار الرفض...
في وضعنا الحالي الذي حتم على كثير منا العيش بعيدا في مجتمعات أخرى الغالب فيها اختلاف المكونات في القناعات والتفكير وفي المسلَّمات والضروريات وكذلك الأولويات...يتوجب علينا التركيز على المنطقة الوسط في دواخلنا وتنميتها وتطويرها مع الأخذ في الاعتبار كما ذكرنا ضرورة تحديدها بدقة حتى لا يتم الخروج من إطارها بطريقة قد تمس واحدة من مسلمات الآخر ومن غير الإخلال بها أو بمسلماتها ...وذكرنا انه يجب أولا الاعتراف للآخر بوجوده وحقه في الوجود قبل أي خطوة ومن ثم معرفة الحدود التي بإمكانك التحرك فيها بموجب الموروث لديك من قناعات ومن ثم محاولة تطوير ذلك الموجود نحو استيعاب غير المتوافق من ذلك الآخر لتضيفه إلى قناعاتك ولو من باب العلم، ومحاولة إيجاد مكان لحركتك في المنطقة الوسطى التي سمحت بها ثقافتك وتكوينك ومن ثم يبدأ التعايش ...وذكرنا أن رفضك للآخر من الوهلة الأولى سوف يمنع عنك استكشاف جوانبه ويبدأ الصراع من اجل بقائه من ناحيته ومن أجل بقائك من ناحيتك أنت وتبدأ الخسارة من الطرفين فالنتيجة في الآخر هي وجوده أو فناؤه إذا كان مبدأ التعايش مرفوضا... فوعيك وتهيئتك لتقبل الآخر تمنع حدوث أي صراع معه...خاصة وأن مثل هذه المعارك سوف تستخدم بآخر ما وصلت إليه تقنية تصنيع السلاح...لان المعركة هنا سيدها مبدأ أكون أو تكون ...سوف نأخذ على ذلك أمثلة مختلفة للتوضيح من خلال السرد التالي:
صديقي الدكتور بونو جون، من زائير، كان هو المحطة الأولى بالنسبة لي لاكتشف ما معنى الآخر ، فقد كان بونو يمثل ثقافة تختلف عن ثقافتي سواء السودانية أو العربية، أو الدينية... رأيت من خلال عيونه كيف أن الأشياء لها مدلولها ...كل حسب ما يراه لا بالعيون ولكن من منطلق الموروث فيه من ثقافة وقناعات... من خلال عيشي مع الدكتور بونو تساقطت عندي كثير من القناعات التي بنيتها معتمدا على ما اكتسبه بعيون مبصرة فيزيائيا وعلى بعض النصوص الدينية الظاهرية ... فتغيرت عندي معه مؤشرات ومدلولات الكثير من القيم وعلى سبيل المثال قيمة الجمال ... في الأشخاص وفي الطبيعة وفي السلوك وفي الأخلاق وفي كل الأشياء...فالثقافة تحكم المعايير وبالمعايير نحكم على الثقافة ... يرى بعيونه الجمال مجردا من كل إضافات ...يراه متكاملا بلا رتوش ... يرى في الشجرة متكاملة بجذورها مدفونة تحت الأرض وليس فقط على ما يراه من أوراق وغصون يرى فيها جمالا متناهي الإبداع ... يراه في المرأة إرثا أخلاقيا وقيما وكائنا مهما في الوجود ودورا لا يقوم به كائن غيرها فيراها كذلك بكل تلك المكونات مجردة من كل شعر أو مكياج فلا يهمه براعة الصانع للباروكة بقدر إعجابه بذوق الشخص وبراعته في الاختيار بل يكون شديد الإعجاب والوله بحبيبته وهي بلا شعر وبلا باروكة إلا من حلقات مثبتة على الأذنين ...
وصديقي الدكتور روجير الكندي (شديد بياض البشرة) حيرني في معاييره في الحكم على الأشياء فهو متزوج بجوليا (شديدة سواد البشرة) امرأة من جنوب أفريقيا...كيف أنهما سعيدان يقضيان كل أوقاتهما مبتسمين فرحين كأنما الجنة هنا في دارهما دون سواهما هانئين ... وكانت تدور بيننا كثير من النقاشات بعمق ... وأتذكر انه في مرة من المرات وقد امتد النقاش بيننا فترة طويلة حاول أن ينهيه بطريقة لا تغضب أي فريق ... قال لنتفق على أننا اتفقنا أن أبانا واحد وأمنا واحدة ، وأننا عاجزون عن معرفة ما يفيدنا مستقبلا... لذلك أرسل خالقنا إلينا الرسل لتعيننا بقصد توطيد علاقتنا بخالقنا, نعم متفقون ... وان خالقنا هو خالق واحد هو نفس الخالق الذي خلقني والذي خلقك... نعم هو كذلك هو نفسه الخالق لي ولك ... أنا أؤمن بذلك وأنت كذلك ....ثم قال : لك الحق في تسميته بما تشاء ولي الحق بتسميته ما أشاء فقط من اجل تحديد وجهة مسار احترامي له وتقديري له....نعم إذاً نحن متفقون على كل ذلك وعلى وحدانية الخالق...كما أننا متفقون على انك تحترمه وأنا كذلك احترمه ... نعم متفقون ... فقط نختلف في الطريقة التي نعبر فيها عن احترامنا له ...فأنت ومن خلال اطلاعي على قناعاتك ومعتقدك توجه هذا الاحترام إليه في ملكوته من خلال الصلوات وتنفيذ أوامر معينة فرضها عليك لتكون معه باستمرار ...وأنا كذلك لدي طريقتي التي أسعى من خلالها إلى أن أكون معه باستمرار ... أنت واثق من سلامة وصحة الطريق الذي تسلكه وصولا إليه ... وأنا كذلك واثق من أن الطريقة التي أتوصل بها إليه هي صحيحة مع اقتناعي بأنك تعتقد جازما أن طريقتي محرفة وأصابها الكثير من التحريف وهنا أقول لك هذا ليس ذنبي أنا ولكن ذنب من حرَّف... ومبدؤكم يمنع أخذ الآخرين بجريرة غيرهم ...أنا لا ألزمك بطريقتي وبالمثل لا يحق لك أن تلزمني بطريقتك للوصول إليه ... أكون مسرورا لو مشيت معي نفس الطريق ولكني لا أغضب إذا مشيت أنت على طريقتك وهذا يفترض أن يكون هو نفس شعورك معي...يمكنك أن تحترمني لأني هنا أقريت بما أقررت به أنت وكلانا يسير في طريق يرى انه صحيحا يوصلنا بخالقنا الواحد....فهذه مساحة للاتفاق بيننا يمكن أن نستغلها من اجل منفعتنا كلينا .... ثم إنني لا أتضرر من طريقتك واعرف تماما انك لا تتضرر من طريقتي ...ونقاط الاختلاف بيننا غير المكتسب التاريخي المرحلي في مرحلة ما ومن قبل أناس منا كانت لديهم نظرة خاطئة للأشياء، تكمن في أنكم كونتم من أنفسكم ممثلا للخالق مطلقا على مدى الدهور يعاقب من سار على غير طريقكم وهذا دور ليس مفروضا عليكم بل صنعتموه لأنفسكم ولم يكن لديكم تفويض من الخالق بذلك فصرتم سلطة تنفيذية وكان الأجدر بكم أن تكونوا سلطة إشرافية فقط تحدد وتوضح دون إلزام للغير (الدعوة) كما نفعل نحن نبين طريقتنا ولكننا لا نقاتل من لم يلتزمها ولا نجبره على إتباعها مع علمنا التام بأنه في نهاية الاعتقاد يحترم خالقي وهو نفس خالقك، فقط يعجز عن توصيل ذلك الاحترام ليعود إليه العائد منفعة وسعادة في حياته...أما إذا كان لا يؤمن إطلاقا بان خالقي هو نفس خالقك أو أن الخالق غير موجود ابتداءً فدوري هنا أن أتعامل معه على انه ينتمي لامي ولأبي ولجيلي وقد ينتمي لنفس عشيرتي أو قبيلتي أو لبلدي ...فمن المؤكد أن خالقي لم يخلقه عبثا فهو يعلم حاجتي لكل مواردي في هذا الوقت ولكنه خلقه ليكون معي فهل أنا من سعى لإيجاده ؟؟؟ بالطبع لا ...إذاً أنا لست مسئولا عن ذلك... فلا يجب أن أكون تنفيذيا واحدد بمعاييري أنا بقاءه أو فناءه في/من هذه الحياة ... ويواصل : أنا افترض في خالقي كل الحكمة والعلم والدهاء والقوة والغنى وأؤمن بأنه لا يحتاج إلى عبادتي تقوية له ولا إلى أموالي أوزعها على المساكين بسبب أنه عجز عن إعطائهم أو عن معيشتهم بل إن طلب مني ذلك فانه يقصد ترويضي وتعليمي العمل من اجل الغير لتستقيم حياتي مع غيري.....ويستقيم في النهاية المجتمع فنعيش جميعنا وفقا لنواميسه هو ...
تعلمت من معايشتي للآخر عدم الخوض في مثل هذه المواضيع إلا في نطاق محدود اعرف أن فيه متسع من الطرف الآخر لحياة الآخر ... وأحس بان هنالك رغبة في التعايش لا للإلغاء ....
ومن باب التنوير أورد هنا تلك المجالات التي نختلف فيها ولا يمانع في مناقشتها باستمرار ...فقد كانت هناك مساحات كبيرة للاختلاف يحاول هو توسيعها في كل مرة ليجد كل منا راحته في التعبير(ذلك منطقه نحو الآخر ..أعطه راحته وأطلق له العنان في التفكير والنقاش ...يجادل وحتما سوف يصل إلى الطريق الصحيح )...
واحدة من تلك الاختلافات أن احترامنا حسب رؤيته نوجهها للخالق الذي خلقنا كلنا مسلمين وغير مسلمين ... هو خالق واحد وهو يقول ذلك ... لكن ذلك الخالق حسب وجهة نظره هو ثلاثي الوجود فتوجيهه لذلك الاحترام يكون للواحد في ثلاثة ...الثالوث الله المسيح وروح القدس (جبريل) ... وهذا كلام ذكره ربنا سبحانه وتعالى بأنهم قالوا أن الله ثالث ثلاثة... فيقول روجير ذلك الاحترام إلى ثلاثتهم احترامنا كله لهم الثلاثة في الواحد وهو خالقنا وهو نفس خالقكم وليس هناك خالق لنا ولكم غيره...ويقول انه قوي وغني وعالم وبصير في واحديته الثلاثية تلك ووو...الخ ويردد باستمرار أنكم لستم الأوصياء ولا التنفيذيين لتقويم الأشياء إن كان هناك خطا في الاعتقاد، يجب أن تعلموا أن دور كل البشر هو التوضيح والإشراف تجاه أي تجاوزات ليتم تنبيه المتجاوز إليها وليس العقاب نيابة عن الخالق فكأننا بذلك قد حكمنا على خالقنا بالعجز وبالعوز وقفلنا بجهلنا بابا هو فتحه ...باب التوبة لكل المخلوقات ....
كان لزاما علي هنا أن أتعمق في دراسة المسيحية والإلمام بأدق التفاصيل عنها حتى أجد مزيدا من السعة لتقبله صديقا ورفيقا فرضت ظروف الحياة أن أعيش وأتعايش معه فكلانا مربوط بعقد عمل، فيه نفس الشروط والحقوق والواجبات ويعامل كل منا على ضوئه، فاقبلت على كتب ومحاضرات الشيخ الداعية احمد ديدات يرحمه الله فساعدني ذلك كثيرا في توضيح الكثير مما استشكل علي فهمه وازددت تعلقا بالاطلاع على أدق التفاصيل في بحور ديننا الحنيف فركزت جل وقتي على الفقه بأنواعه المختلفة وركزت أكثر ما ركزت على فقه السيرة لفهم الواقع ومتابعة الفتاوى التي تهتم بشأننا اليومي المعاصر ... وخلصت إلى أن الإسلام هذا دين واسع يسع الجميع ولا يحتم على الداخل فيه تغيير اسمه أو عادات أهله إن كانت لا تتعارض مع حكم مبني على نص صريح في الدين وان الغرض الأساسي لكل الدين هو الاستسلام لله، التعايش مع نواميس الله فلا نتعدى عليها سواء كان ذلك التعدي تعديا على فرد أو مجموعة أو جنس أو نوع أو صناعة أو مشروع صناعة... وصرت أكثر قناعة بأننا امة وسطا لنكون على الناس شهداء وصرت موقنا جدا بان الدين عند الله هو الإسلام وان الموت حق ولا يتبع الميت إلى قبره وفي قبره إلا العمل الصالح وان السؤال سيكون فرديا لا مجال أبدا فيه إلى التبريرات... أضلني فلان أو خذلني فلان أو اتبعت فلانا... وان في كل كبد رطب اجر فما بالك فيمن هو أخ لك من ادم ومن حواء وفي الإنسانية... وان الله خلق كل هذا الخلق ليس عبثا فلا يحق لي اختيار من سيبقى ومن سيغادر...وصرت أكثر اقتناعا بان الغرب يعيش الإسلام واقعا وعملا وسلوكا فقط تنقصه الشهادة ألا لا اله إلا الله محمد رسول الله مع قليل من الترميمات، ونحن ننطق الشهادة لكننا ودعنا الدين عملا وسلوكا ومجتمعا وان الحديث "الدين المعاملة" يجب أن يصبح شعار كل مسلم وكل دولة وأيقنت تماما أن الله يخلق ما لا نعلم ومازال يخلق فيجب علينا أن نكون أكثر انفتاحا مع المخلوق اليوم ومع كل ما سيخلقه ربنا غدا لنستقيم معه سلوكا وحياة، وأيقنت أن الأسرة في الإسلام شيء مقدس فلا نحاول لأتفه الأسباب تفكيكها أو تشتيت أفرادها وليت قومي يجتهدون أكثر في هذا المجال فلا يكون هناك أي مبرر لانفصال أو اختلال في الأسرة.
وأيقنت أن السودان بلد وهبه الله من الثروات والخير الكثير فيمكن لجميع أهله العيش فيه والكل يحترم سلوك الآخر وتقاليده ومعتقده وأننا نحن الآن أمام معضلة وامتحان عسير ... وحدة طوعية أو انفصال...والحياة جميلة وحلوة مع امثال صديقي الدكتور بونو جون ودكتور روجير هنا بالسودان.
أن أكون سودانيا فقد منَّ الله عليَّ بنصف الجهد الذي يفترض أن أبذله من أجل الملاءمة والعيش مع الآخر وتقبل الآخر.... فقد وفَّر الخالق لي الآخر لأتعايش معه وأتعلم منه واعلمه فتصفو لي الحياة هانئة هادئة استمتع فيها بجميع الخيرات المتاحة....وأن أكون قد تحصلت على تعليمي وفقا للمنهج السوداني بالمنظور السوداني أكون قد استوفيت معظم عوامل التعايش مع الآخر أو على اقل تقدير أصبحت النفس مهيأة للعيش معه والاستفادة من طرحه في إكمال الناقص في شخصي ومكوني الحياتي.....
والآخر عندي هو كل طارئ غير متوقع حدوثه أو وجوده أو أن وجوده محدود بفترة وجيزة أو محددة أو أن وجوده كان لمهمة مقرونة بزمن ما وبشخص أو أشخاص ما وله هدف محدد احتاجه في حياتي ومعاشي أو يحتاجه غيري ممن يتمتعون بنفس درجة المواطنة أو الإقامة المكفولة لي ويشاركونني نفس الواجبات والحقوق ونفس المصير ويتطلب وجود ذلك (الآخر) مقاسمة لي إما في معاشي أو في معاشه بكل مكوناته أو في ثقافتي أو ثقافته بكل مدلولاتها أو في الرأي بكل تشعيباته أو في بقائه أو بقائي محايدا بلا تداخل بيننا أو متداخلين سلبا أو إيجابا في شأن يخصنا. ....
فبهذا الفهم يشمل الآخر عندي العديد من العناصر والمكونات ...الحية والجامدة، المتحركة والثابتة ... المتغيرة وغير المتغيرة ...مثل المرأة، والزميل أو الزميلة ومثل المعتقد، الثقافة، الانتماء، الولاء، الثروة، العمر والوقت..فجميع ذلك يتطلب مني نوعا معينا من التعامل أسعى إلى التقيد به والتحلي بجميع مستلزماته فمن خلال هذا التعامل يمكن أن تقاس شخصية الفرد وسلوكه وتحديد مكانته بين المجتمع وتقاس كذلك حنكته وحكمته وسعادته وراحته أو شقاؤه.
من المفترض قبل الدخول في تشكيل الإطار الذي يتم من خلاله تحديد الآخر وهل هو آخر أم غير ذلك وقبل التعامل مع ذلك الآخر من المفترض فهم الوضع الذي يكون عليه الفرد بكل أحواله وظروفه ومؤثراته والمتاح له منها حتى يكون غير الآخر، واقصد بذلك الإطار الذي بين يديك تمتلكه اكتسابا أو هبة ودرجة تأثيرك فيه والمدى الذي يمكنك التحرك من خلاله، وفهم كل العوامل التي يتطلب توفرها لتسندك وتعضد منطقية وشرعية تحركك وتعاملك مما يجعل ذلك التحرك مقبولا ومتلائما نسبيا مع المتوقع قياسا من مواقف ومبادرات أو مقترحات أو مساهمات مع التسلح بجميع ما يلزم من ضروريات يمكن اكتسابها وتتطلبها فترة التعامل مع مراعاة طول ووقت تلك الفترة التي يجب أن تظل فيها تلك الضروريات ثابتة على حالها آنذاك أو القدر الذي يجب تطويرها إليه لمجابهة كل مستجد قد يحدث.
قد يكون ذلك الإطار مرحليا ولكن كان بالإمكان تجهيزه والإعداد له، وقد يكون إطارا دائما ولكنه يتطلب صيانة باستمرار. فعلينا التزام قدر وافر من المصادر المغذية الثابتة والراسخة والدائمة مع استصحاب متغيراتها وآلية تطويعها مع ضمان استمرارية تغذيته كشيء ملازم يجد عندنا باستمرار ما يمكنه ويمكنك من استيعاب كل آخر بالقدر الذي تحصل فيه الفائدة للطرفين
فابتداء بالمرأة ... فهي تمثل الأم والعمة والخالة والأخت وبنت العم وبنت الخال وبنت الأخ وبنت الأخت، من خلال إطار المكوِّن الاجتماعي والثقافي فهي تمثل الآخر الدائم والثابت بالنسبة للرجل، فدوره في إيجادها وتكوينها غائب هنا تماما، ولكن المرأة الزوجة هي الآخر المتغير بالنسبة له، فهي المتغير الطارئ منبثقا من الثابت وهكذا تمثل الآخر بكل أبعاده بالنسبة له ابتداءً من مرحلة معينة والى فترة معينة بعدها يصبح ذلك الآخر دائما وثابتا وجزءا لا يتجزأ منه وليس آخرَ، هذا إذا استطاع الشخص التعامل معها بإستراتيجية من خلالها تحكم تصرفاته وتضبط سلوكه.
تلك الإستراتيجية يجب أن تأخذ في الحسبان كل المكون الثقافي عنها من موروث ومكتسب مع إفراد المجال لاستيعاب ما يطرأ من مفاهيم ومعتقدات تدعيما لما يتطلب منه التصرف الفوري حيالها والتعايش معها بدون المساس بالثوابت التي على ضوئها بنيت كل الإستراتيجية في التعامل مع ذلك المتغير الخاص –المرأة- كزوجة ويجب أن تبنى الاستراتيجيات لمثل تلك المتغيرات على أسس يكون أهمها استبعاد الرفض منذ الوهلة الأولى وتثمين كل إمكانياته واحترام كل قدراته وتهيئة المناخ للاستفادة منها جميعا لخير المجتمع والعمل على بلورة الأطر التي يمكن من خلالها تفعيل ذلك ومحاربة كل القيود التي تضطهد وتحد من بروز قدراته حتى لا يصبح المجتمع مشلولا نصفيا ...لذلك يجب التحسب لذلك الآخر وحجز الحيز الكبير له في الحياة، فيجب أن تكون أولى الخطوات هي محاولة استيضاح جميع نقاط الالتقاء ومعرفة معظم نقاط الاختلاف والإلمام بها ومن ثم تحديد المنطقة الوسط ليتم التعايش بموجبها بدون إلغاء له أو حتى مجرد محاولة الإلغاء، حتى تتغلب معظم القناعات على الأخرى فتذوب أو تتلاشى أو تتواءم ...مع بعضها لمجابهة أي متغير غيرهما قد يطرأ عليهما سويا مما يستوجب المجابهة ، وأدق كلمة للتعبير في هذه المرحلة هو التفاعل ...تتفاعل تلك القناعات والمكونات والقدرات لنحصل في الآخر على مركَّب يجمع بين كلا الشخصيتين المتعايشتين ويجب أن يكون في ذلك إضافة ينشدها الطرفان تسهم في سلاسة الحياة وإتمام الملاءمة ، ويجب أن يعرف الطرفان بان هناك خصوصيات لكل منهما يجب احترامها ولو من غير كتابة ...لا يجوز المساس بها أو محاولة تذويبها مع الاتفاق الكامل بينهما على آلية يتم الرجوع إليها تلقائيا للفصل في أي تنازع قد ينشا عند محاولة تغلب طرف على الآخر إذا تم من غير إتباع المتفق عليه من طرق ومسارات...
من ضمن المتغيرات التي قد تطرأ على ذلك المتغير المرحلي ( المرأة كزوجة) وتجعل منه أخرَ بنوع جديد هو نفس ذلك الآخر فقط مستصحبا معه الأطفال وما تتطلبه تربيتهم وتنشئتهم من متغير تعايشهم مع وسطهم الذي يعيشون فيه. فهذا الآخر (المرأة ) بعد وجود (الأطفال) يصبح آخرَ متغيرا مركبا بالإضافة إلى شخصك بصفتك الجديدة والتي يجب عليك تقبلها والتأقلم معها في دواخلك... فهذا يوجب عليك استصحاب مفاهيم عديدة وقناعات مختلفة حتى تستطيع المواءمة والعيش مع جميع ذلك الآخر المتغير ...الآخر الجديد (الثلاثي) ... وهنا يحصل نوع من التنازل من بعض القناعات التي تعود عليها الفرد قبل مجيء هذا الآخر والآخر المركب فلا عدد ساعات النوم يكون كما كان ولا العلاقات الاجتماعية ستكون كما كانت وحتى الإحساس بالوقت سوف يتغير.... ويجب أن يستغل ذلك في سعادتهما وزيادة نكهة العيش الجديد وإضافة ايجابية جديدة للمجتمع وحركته ... فقد تتبدل أحيانا كثيرة حتى الواجبات الأسرية حسب توفير الممكن منها لزوم الأخر الجديد ...فالتزاماتك نحو الأخ سوف تتغير وكذلك نحو الأخت وتحل محلها التزامات جديدة بمجهود جديد وبمردود مختلف ...وهذا قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى ضمور في الإحساس بتلك العلاقات والروابط بالمفهوم القديم ولكنه يبقي على الحد المعقول الذي يرتضيه المجتمع إيجابا والذي يقره الدين، ومن هنا يبدأ التقييم الصحيح من الناس لشخصية الفرد قياسا على تلك المعايير التي برزت نتيجة لتعايشه بمتغيراته الثلاث مع المجتمع المُقيس، وتظهر بالتالي قناعة الشخص نحو دوره في الحياة نتيجة تعامله على ضوء تلك المتغيرات وتأرجح مكانته سلبا أوايجابا إلى حين درجة التوازن فعندها تكون الراحة النفسية والذهنية والتصالح مع الأشياء ومع الآخر، فالعاقل من اخذ بكل الأسباب وبكل المتغيرات وحاول توظيفها لتحسين درجة القياس المتحصل عليها إلى حين بلوغ تلك الدرجة المتعادلة والمحاولة باستمرار أن يبقى فيها أطول وقت ممكن بمكونه المركَّب.
وهذه القاعدة التي ذكرتها أعلاه يمكن أن تنطبق على كل آخر غير المرأة ، فالآخر قد يكون معتقدا أو عرقا وقد يكون ثقافة أو عادة أو تقليدا وقد يكون وضعا اقتصاديا أو سياسيا كما أن الآخر قد يكون صحة أو عافية وقد يكون مرضا أو كارثة وقد يكون جيلا أو أجيالا...فمبدأ الرفض لا يجوز خاصة إذا كان ليس من بين الخيارات خيار الرفض...
في وضعنا الحالي الذي حتم على كثير منا العيش بعيدا في مجتمعات أخرى الغالب فيها اختلاف المكونات في القناعات والتفكير وفي المسلَّمات والضروريات وكذلك الأولويات...يتوجب علينا التركيز على المنطقة الوسط في دواخلنا وتنميتها وتطويرها مع الأخذ في الاعتبار كما ذكرنا ضرورة تحديدها بدقة حتى لا يتم الخروج من إطارها بطريقة قد تمس واحدة من مسلمات الآخر ومن غير الإخلال بها أو بمسلماتها ...وذكرنا انه يجب أولا الاعتراف للآخر بوجوده وحقه في الوجود قبل أي خطوة ومن ثم معرفة الحدود التي بإمكانك التحرك فيها بموجب الموروث لديك من قناعات ومن ثم محاولة تطوير ذلك الموجود نحو استيعاب غير المتوافق من ذلك الآخر لتضيفه إلى قناعاتك ولو من باب العلم، ومحاولة إيجاد مكان لحركتك في المنطقة الوسطى التي سمحت بها ثقافتك وتكوينك ومن ثم يبدأ التعايش ...وذكرنا أن رفضك للآخر من الوهلة الأولى سوف يمنع عنك استكشاف جوانبه ويبدأ الصراع من اجل بقائه من ناحيته ومن أجل بقائك من ناحيتك أنت وتبدأ الخسارة من الطرفين فالنتيجة في الآخر هي وجوده أو فناؤه إذا كان مبدأ التعايش مرفوضا... فوعيك وتهيئتك لتقبل الآخر تمنع حدوث أي صراع معه...خاصة وأن مثل هذه المعارك سوف تستخدم بآخر ما وصلت إليه تقنية تصنيع السلاح...لان المعركة هنا سيدها مبدأ أكون أو تكون ...سوف نأخذ على ذلك أمثلة مختلفة للتوضيح من خلال السرد التالي:
صديقي الدكتور بونو جون، من زائير، كان هو المحطة الأولى بالنسبة لي لاكتشف ما معنى الآخر ، فقد كان بونو يمثل ثقافة تختلف عن ثقافتي سواء السودانية أو العربية، أو الدينية... رأيت من خلال عيونه كيف أن الأشياء لها مدلولها ...كل حسب ما يراه لا بالعيون ولكن من منطلق الموروث فيه من ثقافة وقناعات... من خلال عيشي مع الدكتور بونو تساقطت عندي كثير من القناعات التي بنيتها معتمدا على ما اكتسبه بعيون مبصرة فيزيائيا وعلى بعض النصوص الدينية الظاهرية ... فتغيرت عندي معه مؤشرات ومدلولات الكثير من القيم وعلى سبيل المثال قيمة الجمال ... في الأشخاص وفي الطبيعة وفي السلوك وفي الأخلاق وفي كل الأشياء...فالثقافة تحكم المعايير وبالمعايير نحكم على الثقافة ... يرى بعيونه الجمال مجردا من كل إضافات ...يراه متكاملا بلا رتوش ... يرى في الشجرة متكاملة بجذورها مدفونة تحت الأرض وليس فقط على ما يراه من أوراق وغصون يرى فيها جمالا متناهي الإبداع ... يراه في المرأة إرثا أخلاقيا وقيما وكائنا مهما في الوجود ودورا لا يقوم به كائن غيرها فيراها كذلك بكل تلك المكونات مجردة من كل شعر أو مكياج فلا يهمه براعة الصانع للباروكة بقدر إعجابه بذوق الشخص وبراعته في الاختيار بل يكون شديد الإعجاب والوله بحبيبته وهي بلا شعر وبلا باروكة إلا من حلقات مثبتة على الأذنين ...
وصديقي الدكتور روجير الكندي (شديد بياض البشرة) حيرني في معاييره في الحكم على الأشياء فهو متزوج بجوليا (شديدة سواد البشرة) امرأة من جنوب أفريقيا...كيف أنهما سعيدان يقضيان كل أوقاتهما مبتسمين فرحين كأنما الجنة هنا في دارهما دون سواهما هانئين ... وكانت تدور بيننا كثير من النقاشات بعمق ... وأتذكر انه في مرة من المرات وقد امتد النقاش بيننا فترة طويلة حاول أن ينهيه بطريقة لا تغضب أي فريق ... قال لنتفق على أننا اتفقنا أن أبانا واحد وأمنا واحدة ، وأننا عاجزون عن معرفة ما يفيدنا مستقبلا... لذلك أرسل خالقنا إلينا الرسل لتعيننا بقصد توطيد علاقتنا بخالقنا, نعم متفقون ... وان خالقنا هو خالق واحد هو نفس الخالق الذي خلقني والذي خلقك... نعم هو كذلك هو نفسه الخالق لي ولك ... أنا أؤمن بذلك وأنت كذلك ....ثم قال : لك الحق في تسميته بما تشاء ولي الحق بتسميته ما أشاء فقط من اجل تحديد وجهة مسار احترامي له وتقديري له....نعم إذاً نحن متفقون على كل ذلك وعلى وحدانية الخالق...كما أننا متفقون على انك تحترمه وأنا كذلك احترمه ... نعم متفقون ... فقط نختلف في الطريقة التي نعبر فيها عن احترامنا له ...فأنت ومن خلال اطلاعي على قناعاتك ومعتقدك توجه هذا الاحترام إليه في ملكوته من خلال الصلوات وتنفيذ أوامر معينة فرضها عليك لتكون معه باستمرار ...وأنا كذلك لدي طريقتي التي أسعى من خلالها إلى أن أكون معه باستمرار ... أنت واثق من سلامة وصحة الطريق الذي تسلكه وصولا إليه ... وأنا كذلك واثق من أن الطريقة التي أتوصل بها إليه هي صحيحة مع اقتناعي بأنك تعتقد جازما أن طريقتي محرفة وأصابها الكثير من التحريف وهنا أقول لك هذا ليس ذنبي أنا ولكن ذنب من حرَّف... ومبدؤكم يمنع أخذ الآخرين بجريرة غيرهم ...أنا لا ألزمك بطريقتي وبالمثل لا يحق لك أن تلزمني بطريقتك للوصول إليه ... أكون مسرورا لو مشيت معي نفس الطريق ولكني لا أغضب إذا مشيت أنت على طريقتك وهذا يفترض أن يكون هو نفس شعورك معي...يمكنك أن تحترمني لأني هنا أقريت بما أقررت به أنت وكلانا يسير في طريق يرى انه صحيحا يوصلنا بخالقنا الواحد....فهذه مساحة للاتفاق بيننا يمكن أن نستغلها من اجل منفعتنا كلينا .... ثم إنني لا أتضرر من طريقتك واعرف تماما انك لا تتضرر من طريقتي ...ونقاط الاختلاف بيننا غير المكتسب التاريخي المرحلي في مرحلة ما ومن قبل أناس منا كانت لديهم نظرة خاطئة للأشياء، تكمن في أنكم كونتم من أنفسكم ممثلا للخالق مطلقا على مدى الدهور يعاقب من سار على غير طريقكم وهذا دور ليس مفروضا عليكم بل صنعتموه لأنفسكم ولم يكن لديكم تفويض من الخالق بذلك فصرتم سلطة تنفيذية وكان الأجدر بكم أن تكونوا سلطة إشرافية فقط تحدد وتوضح دون إلزام للغير (الدعوة) كما نفعل نحن نبين طريقتنا ولكننا لا نقاتل من لم يلتزمها ولا نجبره على إتباعها مع علمنا التام بأنه في نهاية الاعتقاد يحترم خالقي وهو نفس خالقك، فقط يعجز عن توصيل ذلك الاحترام ليعود إليه العائد منفعة وسعادة في حياته...أما إذا كان لا يؤمن إطلاقا بان خالقي هو نفس خالقك أو أن الخالق غير موجود ابتداءً فدوري هنا أن أتعامل معه على انه ينتمي لامي ولأبي ولجيلي وقد ينتمي لنفس عشيرتي أو قبيلتي أو لبلدي ...فمن المؤكد أن خالقي لم يخلقه عبثا فهو يعلم حاجتي لكل مواردي في هذا الوقت ولكنه خلقه ليكون معي فهل أنا من سعى لإيجاده ؟؟؟ بالطبع لا ...إذاً أنا لست مسئولا عن ذلك... فلا يجب أن أكون تنفيذيا واحدد بمعاييري أنا بقاءه أو فناءه في/من هذه الحياة ... ويواصل : أنا افترض في خالقي كل الحكمة والعلم والدهاء والقوة والغنى وأؤمن بأنه لا يحتاج إلى عبادتي تقوية له ولا إلى أموالي أوزعها على المساكين بسبب أنه عجز عن إعطائهم أو عن معيشتهم بل إن طلب مني ذلك فانه يقصد ترويضي وتعليمي العمل من اجل الغير لتستقيم حياتي مع غيري.....ويستقيم في النهاية المجتمع فنعيش جميعنا وفقا لنواميسه هو ...
تعلمت من معايشتي للآخر عدم الخوض في مثل هذه المواضيع إلا في نطاق محدود اعرف أن فيه متسع من الطرف الآخر لحياة الآخر ... وأحس بان هنالك رغبة في التعايش لا للإلغاء ....
ومن باب التنوير أورد هنا تلك المجالات التي نختلف فيها ولا يمانع في مناقشتها باستمرار ...فقد كانت هناك مساحات كبيرة للاختلاف يحاول هو توسيعها في كل مرة ليجد كل منا راحته في التعبير(ذلك منطقه نحو الآخر ..أعطه راحته وأطلق له العنان في التفكير والنقاش ...يجادل وحتما سوف يصل إلى الطريق الصحيح )...
واحدة من تلك الاختلافات أن احترامنا حسب رؤيته نوجهها للخالق الذي خلقنا كلنا مسلمين وغير مسلمين ... هو خالق واحد وهو يقول ذلك ... لكن ذلك الخالق حسب وجهة نظره هو ثلاثي الوجود فتوجيهه لذلك الاحترام يكون للواحد في ثلاثة ...الثالوث الله المسيح وروح القدس (جبريل) ... وهذا كلام ذكره ربنا سبحانه وتعالى بأنهم قالوا أن الله ثالث ثلاثة... فيقول روجير ذلك الاحترام إلى ثلاثتهم احترامنا كله لهم الثلاثة في الواحد وهو خالقنا وهو نفس خالقكم وليس هناك خالق لنا ولكم غيره...ويقول انه قوي وغني وعالم وبصير في واحديته الثلاثية تلك ووو...الخ ويردد باستمرار أنكم لستم الأوصياء ولا التنفيذيين لتقويم الأشياء إن كان هناك خطا في الاعتقاد، يجب أن تعلموا أن دور كل البشر هو التوضيح والإشراف تجاه أي تجاوزات ليتم تنبيه المتجاوز إليها وليس العقاب نيابة عن الخالق فكأننا بذلك قد حكمنا على خالقنا بالعجز وبالعوز وقفلنا بجهلنا بابا هو فتحه ...باب التوبة لكل المخلوقات ....
كان لزاما علي هنا أن أتعمق في دراسة المسيحية والإلمام بأدق التفاصيل عنها حتى أجد مزيدا من السعة لتقبله صديقا ورفيقا فرضت ظروف الحياة أن أعيش وأتعايش معه فكلانا مربوط بعقد عمل، فيه نفس الشروط والحقوق والواجبات ويعامل كل منا على ضوئه، فاقبلت على كتب ومحاضرات الشيخ الداعية احمد ديدات يرحمه الله فساعدني ذلك كثيرا في توضيح الكثير مما استشكل علي فهمه وازددت تعلقا بالاطلاع على أدق التفاصيل في بحور ديننا الحنيف فركزت جل وقتي على الفقه بأنواعه المختلفة وركزت أكثر ما ركزت على فقه السيرة لفهم الواقع ومتابعة الفتاوى التي تهتم بشأننا اليومي المعاصر ... وخلصت إلى أن الإسلام هذا دين واسع يسع الجميع ولا يحتم على الداخل فيه تغيير اسمه أو عادات أهله إن كانت لا تتعارض مع حكم مبني على نص صريح في الدين وان الغرض الأساسي لكل الدين هو الاستسلام لله، التعايش مع نواميس الله فلا نتعدى عليها سواء كان ذلك التعدي تعديا على فرد أو مجموعة أو جنس أو نوع أو صناعة أو مشروع صناعة... وصرت أكثر قناعة بأننا امة وسطا لنكون على الناس شهداء وصرت موقنا جدا بان الدين عند الله هو الإسلام وان الموت حق ولا يتبع الميت إلى قبره وفي قبره إلا العمل الصالح وان السؤال سيكون فرديا لا مجال أبدا فيه إلى التبريرات... أضلني فلان أو خذلني فلان أو اتبعت فلانا... وان في كل كبد رطب اجر فما بالك فيمن هو أخ لك من ادم ومن حواء وفي الإنسانية... وان الله خلق كل هذا الخلق ليس عبثا فلا يحق لي اختيار من سيبقى ومن سيغادر...وصرت أكثر اقتناعا بان الغرب يعيش الإسلام واقعا وعملا وسلوكا فقط تنقصه الشهادة ألا لا اله إلا الله محمد رسول الله مع قليل من الترميمات، ونحن ننطق الشهادة لكننا ودعنا الدين عملا وسلوكا ومجتمعا وان الحديث "الدين المعاملة" يجب أن يصبح شعار كل مسلم وكل دولة وأيقنت تماما أن الله يخلق ما لا نعلم ومازال يخلق فيجب علينا أن نكون أكثر انفتاحا مع المخلوق اليوم ومع كل ما سيخلقه ربنا غدا لنستقيم معه سلوكا وحياة، وأيقنت أن الأسرة في الإسلام شيء مقدس فلا نحاول لأتفه الأسباب تفكيكها أو تشتيت أفرادها وليت قومي يجتهدون أكثر في هذا المجال فلا يكون هناك أي مبرر لانفصال أو اختلال في الأسرة.
وأيقنت أن السودان بلد وهبه الله من الثروات والخير الكثير فيمكن لجميع أهله العيش فيه والكل يحترم سلوك الآخر وتقاليده ومعتقده وأننا نحن الآن أمام معضلة وامتحان عسير ... وحدة طوعية أو انفصال...والحياة جميلة وحلوة مع امثال صديقي الدكتور بونو جون ودكتور روجير هنا بالسودان.