المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما ألذ شاي الطريقة البرهانية ..



حاتم مرزوق
15-11-2009, 10:40 AM
لا زلت أذكر أيام الطفولة وأيام كنا نذهب لزيارة خِيّم الطرق الصوفية بميدان بانت او( ميدان المولد) كما يحلو تسميته.

لا زالت بعض المواقف عالقة بالذاكرة وكنا حين ننظر للطريقة التي يذكُر بها المريدين ويصيحون ويخرجون عن نسق الأيقاع ويصرخون وبعضهم يسقط علي الأرض في شبه إغماءة ، وهي حالة (الجذب) و (الفناء). كنا نحن الأطفال نحاول تقليدهم وكان بعضنا يريد ان يثبت وصوله الي حالة (الجذب) كالمريدين.

نكبر ونتعلم ونتزود بالمعرفة ، لكن تظل جذور تجربة الطفولة كامنة في اعماقنا وتترائي امامنا بعض المشاهد الطاغية التي لا تنسي.

كنا نتجول في ساحة المولد من خيمة الي أخري، لكننا خصصنا خيمة الطريقة البرهانية متكأ لنا، لا لشئ سوي الشاي!! للشاي عندهم نكهة مميزة.

كان ميدان المولد وجنباته ملعبا لنا وعندما تسكنه الطرق الصوفية ولا نجد مكانا نلعب فيه ننخرط في تلك الأجواء الصاخبة ،متناسين مذاكرة دروسنا إذ لا مجال لها مع مكبرات الصوت و قرع النوبة والآلات المصاحبة ، كان ذلك يعطينا مبررا كافيا نقارع به كل من يطلب منا المذاكرة.

شكلت تلك الثقافات والممارسات تفاصيل حياتنا ، كنا نعيش في تلك الأوساط لم يمر اسبوع حتي نسمع صوت حولية او مديح ، كنا نحترم كل من يمشط شعره ويرتدي جلبابا اخضر ، كان يطلق علية (الفقير) وهو دائما يحتاج الي مساعدة لم اره غير ذلك ، يده سفلي.

كان لوالدي موقفا واضحا تجاه الطرق الصوفية ، يعتبرها محدثة اتت بما لم يأتي به الأوائل ، كنا ذات يوم نجلس امام منزلنا ثم اتي (فقير) يحمل طارا وكان يريد مساعدة ولكنه يريد ان يقدم مقابلها ثمن ،رفع الفقير الطار وقال ( بسم الله ابتديت) قال له والدي ( والله ما تبدأ من هنا)...

استوقفتني تلك التفاصيل وبدأت افكر وأتساءل ،هل الأسلام هو المديح واللبس الأخضر والحوليات ام هناك أشياء أخري بالطبع الصلاة والصيام والحج الخ .. كانت تشكل الأساسيات ولكن كان ينتابني احساس بالتقصيرفأردت ان افعل شيئا اضافيا يقربني الي ربي.

في مرة من المرات دخلنا خيمة الطريقة القادرية ورأينا رجلا نحيفا يتوافد اليه المريدون من كل حدب وصوب يقبلون يده ويجلونه ويعظمونه تعظيما شديدا ، جرني احد المريدين لأقبل يد الشيخ ...تلقائيا لم استسيق ذلك واكتفيت بمد يدي اليه مصافحاً.

نواصل ..

عبدالله محمد العقاد
15-11-2009, 11:07 PM
الحبيب حتومة

عشان خاطرنا ما تواصل

محب
15-11-2009, 11:17 PM
بتين البقية
دمت لنا اخي حتومة

حاتم مرزوق
15-11-2009, 11:20 PM
الحبيب حتومة

عشان خاطرنا ما تواصل


يا عبدالله انا سأسرد بعض من ذكريات الطفولة و لم افتح موضوعاً للحوار ، إ نما هي أشياء استوقفتني بحكم النشأة فأردت أن اذكرها وسأنتقل بعد العرض الأولي الي دكاكين الحلوي والمراجيح ....

حاتم مرزوق
15-11-2009, 11:22 PM
بتين البفية
دمت لنا اخي حتومة


البقية آتية ... كن متابعاً أحبك الله.

عوض الكريم الخواض
15-11-2009, 11:26 PM
واصل يا حاتم مرزوق ...
ففى ذكريات الطفولة جمال وعبر .

أشرف صلاح السعيد
15-11-2009, 11:53 PM
سلام ود مرزوق..
الطفولة والمولد وحصان الحلاوة الاحمر ..مشاهد علقت بالذهن رغم غرابة شكل الاحتفائية بالموالد ليس حينها..
لم تكن عائلتى تقطن بالقرب من ميدان المولد ولكن كان عرفا عائليا الذهاب ولو ليوم واحد إليه..كل العائلة تذهب رغم الزنقة والحشود والزحمة!!
والطريف فى الأمر كل الخيام بها مكبرات صوت "مكرفونات الساون على ايامنا ديك كان لسة ما دخل المولد" ولا مسافات بين الخيام!!والواحد لما يرجع البيت تكون اضنينو التقول نازل ليك من طيارة كانت بضغط جوى منفجر "يكون تقل إضنينى ديل من بسبب مكرفونات المولد؟؟"..
ومن أطرف المواقف موقف الحرامى فى المولد "حقيقة وليست كالمثل" ..اتخيل حرامى فى مولد الناس معظما بتفتكر مسكتو ساهلة ولكن هيهات هيهات..لغاية ما الواحد يعرف الحرامى ياتو فى الناس بيكون الحرامى وصل بيتم قبييييل..
واصل خلينا نتذكر أيام الجهل فنأخذ منها العبر ونجنب أبائنا أخطائها ونقوى فيهم صواباتها..

حاتم مرزوق
16-11-2009, 12:10 AM
-2-

سحبت يدي بعد ان تم السلام علي الشيخ ، أستدرت راجعاً ورفعت رأسي فإذا بالمريدين ينظرون اليّ شذراً وبالأخص حامل الراية.

خرجت من الخيمة وقررت أن اعود الي المنزل، حاول رفاقي إقناعي بالبقاء معهم ولكني رغبت في العودة، وبينما انا في طريقي استرجعت نظرة حامل الراية دون غيره لأن عيناه كانتا محمرتين.

استلقيت في فراشي وآضعاً كلتا يدي خلف رأسي وبدأت افكر ، هل كنت صائبا عندما رفضت تقبيل يد الشيخ ام لا ، خطرت ببالي فكرة وهي مراجعة درس العبادات حتي اتأكد من حسن تصرفي، انتفضت باحثاً عن حقيبتي المدرسية.

أخرجت كتاب الصف الخامس أبتدائي ولم اجد شيئاً يسد رمقي ارجعت الكتاب مكانه ولم تكن لدي رغبة في سؤال اي شخص، بينما انا في حيرة من أمري استغرقت في النوم ولكنني حين استيغظت فجراً كان الموضوع عالقاً بذهني.

ذهبت الي المدرسة الأهلية وفي فسحة الفطور وجدت تلميذا في الصف السادس جالساً يتناول إفطاره، توسمت فيه الخير ، تقدمت نحوه بخطوات مريبة ، لا حظ انني احتاجه في شئ، قسم (الساندويتش) الذي بيده وناولني نصفه ظناً منه ان ليس معي فطور ، قلت له ان جدي ينتظرني بالفطور واسترسلت قائلا اريد ان أسألك سؤال فقال لي أسأل حكيت له ما دار ليلة الأمس فقال لي: ليس هناك ما يستوجب الأنحناء لغير الله تعالي وتقبيل اليد والرأس يمكن للوالدين. كانت تلك الأجابة مريحة ووافية انطلقت علي اثرها فرحاً.

كان لتلك الواقعة اثرا كبيرا ، لم ادخل بعدها خيمة تفادياً لحرج الأنحناء، الا خيمة الطريقة البرهانية لأجل شايهم الذي لا يقاوم.

عبد المنعم فتحي
16-11-2009, 04:49 AM
في إنتظار (( حيدر قطامة والبريمو ))

حاتم مرزوق
16-11-2009, 05:06 AM
في إنتظار (( حيدر قطامة والبريمو ))


رحمة الله عليه كان من اعلام مدينة ود مدني وكان طيباً مسالماً

اللهم ارحمه واحسن اليه واجعل قبره رومن رياض الجنة.

حاتم مرزوق
16-11-2009, 09:50 PM
-3-

في ذات يوم من الأيام الختامية للمولد، حضر رفاقي كعادتهم وكنت قد اوجست في نفسي خيفة من المرور عبر خيمة الطريقة القادرية وطلبت منهم ان نبدأ من المراجيح ثم الي دكاكين حلاوة المولد، تحركنا حسب الخطة الموضوعة.

كانت المراجيح تخلف حوادث أليمة كل عام، فهي رديئة الصنع وفيها إخلال واضح من حيث المقاسات والتصميم ، وصلنا الي ساحة المراجيح وهي امام نادي المريخ القديم ووجدنا زحاماً شديداً وجلبة، إستفسرنا عن الذي حدث، فإذا هو ولد قفذ من المرجيحة التي تدور الي أعلي وقد نُقل الي المستشفي، معظم الذين شاهدوا المنظر كانوا في حالة يرثي لها من الحزن والألم ، أخذنا وقتاً في هذا المكان ولكننا تحركنا بعد ذلك الي دكاكين الحلوي.


دكان أبو لبدة ، من أشهر دكاكين الحلوي ويتميز بجودة الحمصية والفولية، لا تجد فيها حجر إطلاقاً، لم تكن صناعة الحلاوة السمسمية في ذلك الزمن جيدة في كل تلك المحلات، شخص وآحد في مدني يجيد صناعتها هو (باردبس) وإشتهر بها، كنا لا نشتري السمسمية الا منه شخصياً ، كثيراً ما نسمع ان اجود حلاوة المولد في مدينة امدرمان و قد تذوقت حلاوة امدرمان فهي اقل جودة مما يصنع باردبس.

اشترينا بعض الحلوي من محلات أبولبدة وانطلقنا الي حيث خيم الطرق الصوفية وقررنا أن نبدأ من الناحية الشمالية الغربية حيث خيمة الطريقة الأحمدية وقد جذبنا اليها صوت منشدها وقد كان يردد قصيدة مشهورة مطلعها:


نسمات هواكَ لها أرجُ .. تحيا وتعيشُ بها المهجُ

ما الناس سوى قوم عرفوك .. وغيرهم همجٌ همجُ

دخلوا فقراء إلى الدنيا .. وكما دخلوا منها خرجوا

قوم فعلوا خيراً فَعَلَوا .. وعلى درج العليا درجوا

وقفنا خارج الخيمة عند السياج نشاهد ونستمع لتلك الأنشودة و نراقب حركة المريدين وهم يتمايلون يمنة ويسري عندما اشتد الهيام وانطلقت حنجرة الشيخ وأبرز محاسن صوته الشجي، كانت تلك اللحظات مؤثرة .

قررنا ان نرابط عند خيمة الطريقة الأحمدية، شجعنا علي ذلك حفيد الشيخ الذي كنا نعرفه كما كنا علي معرفة بالشيخ نفسه ومعظم المتواجدين في تلك الخيمة.

استأذن حفيد الشيخ وطلب منا الدخول الي الخيمة سمحنا له وطالبناه ان يتركنا ولا يهتم لأمرنا.

عبد المنعم فتحي
17-11-2009, 07:59 AM
عمك حسين باردبس
أجود سمسمية على نطاق العالم
والرجل خفيف الظل وصاحب دُعابة

أسأل الله تعالى أن يمد في عمره

حاتم مرزوق
27-03-2010, 05:39 AM
إستمتعنا بالإنشودة وحركة الرجال .. عبرنا عن إعجابنا لأحد المريدين عن عذوبة صوت الشيخ فقال إن مولده طنطا بمصر و طبقات صوته شبيهة بطبقات صوت أم كلثوم وقد شهدنا له بذلك .

قررنا الإنصراف فقد تأخر الوقت وكان لا بد من النوم مبكراً لضمان الإستيغاظ في الوقت المعتاد ، تناولت العشاء و ذهبت الي فراشي استلقيت و بدأت في إسترجاع بعض المشاهد التي إستوقفتني .. كانت أمسية الأحمدية ألطف جواً من ليلة القادرية، ذلك ما نمت عليه.

تبقت أيام قلائل لأمسيات المولد وبعدها سينتقل الي حي القبة حيث يفقد جميع التنظيمات الكبيرة ويتقلص عدد الزوار .. لا استطيع ان اقول غير ان هذا البرنامج اليومي كان جميلاً وقد أحدث تغييراً كبيراً في حياتي بالرغم من إنشغال المساحتين التين كنا نلعب فيهما الكرة وسوف تحتاجان وقتاً طويلاً حتي تعودا كما الأول ..

وفي اليوم التالي ذهبت مساءاً برفقة جارنا لجلب بعض الثلج من مصنع حسين عوض لتجهيز المياه للزوار حيث كنا نهتم كل مولد بهذا الأمر لا سيما ان سقاية الناس فيها من الأجر الكثير .. سرعان ما عدنا ومعنا الواح الثلج حيث شرعنا فوراً في تعبئة البراميل بالماء ، كان الحضور كثيفاً في ذلك اليوم !! يبدو ان عدداً كبيراً من الناس قد أتوا من القري المجاورة للإستمتاع بليالي المولد وكان امام منزلنا حشد كبير من أهل الحي كما جرت العادة فهم يجلسون في هذا المكان منذ زمن بعيد وحتي يومنا هذا يزيد عددهم في الليلة الختامية ويحضرون عصراً لينتظروا الزفة التي تمر من أمام البيت ثم تتوغل تدريجياً الي خيام الطرق الصوفية تتقدمها موسيقي البوليس عازفةً للمارشات ومصحوبةً بالعديد من الآلات الموسيقية مثل القِرب وآلات النفخ والدرمز .. كانت تحدث أجواءاً ترفيهيةً فريدة .. بعد هذا الموكب يأتي المحافظ ومعه بعض المسئولين للقاء بعض الشيوخ والمريدين و بمجرد خروج هذا الوفد يضيق الخناق ويزيد الإزدحام ولولا أن قوات المطافي تقوم برش الميدان لعلق الغبار وأحدث إصابات عديدة في صفوف الناس.

محمد الجزولى
27-03-2010, 08:18 PM
الاستاذ حاتم
بوست ممتع وهو اشبه بادب كتابة السير الذاتيه او المذكرات
واصل ومعك جلوس متابعة و استمتاع

ام نوران
30-03-2010, 12:06 PM
سرد لطيف وكتابه سلسه رائعه
تسلم اخي حاتم

اكثر مااحزني هو مداخله الاخ عبد المنعم رد الله غربته فقد افتقدنا قلمه