المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل من (سارتر) آخر؟!



madaniboy
06-12-2004, 12:08 AM
ما شغلني أديب ومفكر ــ مُذ كنت في العشرين من العمر ــ كما شغلني جان بول سارتر .. حتي إنني في أول رحلة الي باريس عام 1983 طلبت رؤية المقهي التي يسكن اليها ويحتسي القهوة فيها الي جانب رفيقة دربه الشائك سيمون ديبفوار

وكان لي أن رأيت نفسي في المكان الذي جاءه سارتر مئات المرات وربما ابدع فيه كثيراً من أعماله التي عرفناها منذ صبانا حتي وفاته عام 1980 بعد إصابته بسرطان الرئة، ذلك الداء الخبيث الذي أجهز علي واحدة من ابرز عبقريات القرن العشرين. قرأتُ جان بول سارتر بحب ممزوج بالخوف ، وكان لثلاثيته المسماة دروب الحرية ــ سن الرشد ، وقف التنفيذ ، الحزن العميق ، أثرها الكبير في كتاباتي حتي يومنا هذا ، لكنني وقفت كما التلاميذ أمام بوابة (الوجود والعدم) كثيراً ما حاولت ان اصل حتي نهايتها ولم افلح! كل شيء في سارتر العظيم لا يشبه ما لدي غيره من أقرانه الأدباء مهما كانت منزلتهم ، فهو الوحيد في قارة أوروبا من رفض جائزة نوبل التي منحوها له سنة 1964 مع تهمة جد قاسية سمعتها وقرأتها أكاديمية السويد بصمت موجع ومؤلم، إذ قال لهم جان بول سارتر: ان هذه الجائزة إنما تعمل علي تكريس قيم المجتمعات البورجوازية، والذين يمنحونها إنما يشترطون منحها لطبقة بعينها من الناس دون سواهم .وبهذا فهو يتذكر بهذا الشأن قول برنارد شو الذي قال عن الجائزة نفسها إنها طوق نجاة عظيم يمنح للغريق، ولكن بعد خروجه من بين أمواج الموت ! كما أن جان بول سارتر لم يقف عند حدود الكتابة الإبداعية والفلسفية والاكتفاء بها سلاحاً يحارب به الرجعية الفكرية (آنذاك) بل شارك في ابرز مظاهرات الشبيبة، وكان له دوره الفاعل المتميز في ثورة الطلبة عام 1968 واصدر مجلة (سياسية، فكرية ، فلسفية) علي جانب كبير من الأهمية والانتشار هي (الأزمنة الحديثة) التي يعاد طبعها اليوم في مجلدات خاصة. والذي شغلني في هذا الرجل الكبير علاجه لمفهوم الحرية حيث طغت علي كتاباته فكرة أن الإنسان يولد حُراً وينبغي أن يبقي كذلك بشرط أن لا تكون حريته علي حساب حرية غيره من البشر، ولم يكن اختياره (دروب الحرية) عنواناً لثلاثيته إلا تذكيراً بفلسفته وإعلانا شخصياً عن الطريق التي يسلكها مهما كان حجم الأسلاك الشائكة التي حاولت جرح كرامته وإنسانيته، ولعل كلمة الرئيس الفرنسي (شارل ديغول) التي قال فيها ان سارتر هو فرنسا هي واحدة من تيجان هذه الشخصية، التي أثارت الدهشة في قلوب وعقول المثقفين والمبدعين في كل أقطاب العالم، فقد حاول بعض الغاضبين علي فكر وفلسفة جان بول سارتر محاكمته والطلب من الرئيس ديغول الموافقة علي تلك المحاكمة، لكن المفاجأة كانت اكبر مما يحتمله أولئك الغاضبون عندما أطلق شارل ديغول تلك العبارة الخالدة: ان سارتر هو فرنسا، والذي يريد ان يحاكم جان بول سارتر عليه ــ قبل ذلك ــ ان يحاكم فرنسا وسلوكها وأفكارها .. انه واحد من أغلي ما أنجبت الطبيعة سارتر ابن فرنسا ، ابصر النور في مدينة باريس عام 1905 كان لموت والده اثر كبير في نفسه، إذ فارقه ولم يزل بعد في السنة الأولي من عمره، وبرغم إن سارتر جاء الدنيا قصير القامة وبعاهة لا شفاء منها هي انحراف عينيه بشكل يشبه ارتطام جدارين علي باب واحد لكنه تجاوز عاهته وقصر قامته أيضاً، وراح الي غابات الأفكار يعوم بين عام وعام في بحور حريته التي صنعها دون إرث من أحد تشاركه في نزهة الوجود سيمون ديبفوار التي رفض فكرة الزواج منها حيث يري في الزواج ــ كمشروع دائم ــ محض قيد لا ضرورة له، ومن المهم هنا قراءة ما كتبته (سيمون) في كتابها الرائع أنا وسارتر والحياة فهو تاج من نوع مختلف رسمته تلك الانسانة المبدعة علي رأس حبيبها الوحيد جان بول سارتر، والذي بقي علي رأسه حتي بعد مماته، إذ رحل (الملك) السعيد وما يزال الكتاب يطبع في كل عام حتي يتذكر الناس ذاك الرجل القصير الذي لا يثير الشبهات برغم ارتطام عينيه علي أنف ما كان يناسب إلا نظارتيه وهما تمشيان معه طوال النهار وشطراً من الليل. ذهب أسيراً الي ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب ترك مهنة التعليم التي مارسها في جامعات باريس وصار كل وقته للكتابة في الرواية والمسرح إلي جانب الكتابة في القصة القصيرة والسياسة والفلسفة كان يعالج البشرية بطريقته المتميزة، وأظنه كان افضل طبيب لأصعب أمراض الإنسان في القرن الذي انقطعنا عنه منذ عامين. اجل، ما شغلني كاتب كبير كما هو الحال مع (جان بول سارتر) فقد أنقذني من عبودية الرتابة وأرغمني علي نيل حريتي، وعلّمني متي وكيف افصل نفسي عن (الغوي) و(الغرور) و(أمراض الوجاهة) وكيف أتحرك باتجاه الحرية قبل ان يلّفني (العدم) ولا يبقي من اثر للوجود وجودي أنا. تري، هل من سارتر آخر يمكنه أن يأتي في زمن الفوضي الذي نحن فيه!؟http://www.aljazerah.net/images/topics/eye.jpg

زيكو منيب
27-12-2004, 10:23 PM
يديك العافية يا حمادة

أبوريلان
28-12-2004, 02:14 AM
تسلم يا فاقد حنان .

خالد حمد موسى
28-12-2004, 02:32 AM
تسلم يا فاقد حنان .