المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدراما العربية تتحمل نصيباً من المسؤولية



abdgina
21-09-2009, 04:14 AM
الدراما العربية تتحمل نصيباً من المسؤولية

بقلم: سري سمور ـ جنين ـ فلسطين المحتلة



امرأة تُشعل النار في خيمة عرس وتتسبب بقتل عشرات الأبرياء، وأب يُمارس الرذيلة مع ابنتيه ويقوم بتصوير فعلته المشينة، وولد عاق يطعن والديه بسكين، وآخر يُمارس النصب والاحتيال على أهله وذويه، وطبيب تجرّد من كل المعاني السامية التي تحملها مهنته وارتكب جرائم وفظائع بحق مرضاه الذين استأمنوه على أنفسهم، وأم خالفت قانون الأمومة الذي فطره الله فيها وتخلت عن أولادها لهدف خبيث، وتدنٍ واضح في السلوك والأخلاق، وتحوّل المروءة والشهامة إلى عملة نادرة، بل إلى سبب للتندر والسخرية.

هذا ما نقرأ ونسمع عنه وما نشاهده في بلادنا العربية، وليس كل ما يجري من جرائم وجنايات، بالضرورة، يصل إلى وسائل الإعلام، ولا فضل لقُطر على آخر، ولا لشعب على شقيقه، فالكل سواء في انتشار المظاهر التي تدفع للأسى والخوف من المستقبل القادم، وتبث شعوراً عاماً بأن مجتمعاتنا تتجه نحو الهاوية!

أعلم أن هناك تفسيرات دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، ومع تقديري لكل هذه التفسيرات والاستنتاجات، إلا أني أجد من الضروري التحدث عن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار واتساع مظاهر انحدار الأخلاق وتراجع حالة السلم الاجتماعي، وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وتردي وضع الأسرة العربية؛ وأعني تحديداً «الدراما العربية» فهي تتحمل نصيباً لن أُحدد نسبته المئوية عمّا يجري سواء من حيث تسببها في انتشار النماذج السلبية في المجتمع آنفة الذكر من خلال ما تقدمه من شخصيات وأدوار، أو من حيث فشل الدراما العربية في الحد من انتشار هذه النماذج والمسلكيات وعجز وقصور الدراما العربية في التحول إلى رأس حربة تربوية في الحرب على الجرائم والمنكرات.

مع حلول شهر رمضان المبارك في كل عام يبدأ العرض المكثف لمنتجات الدراما ويجري الحديث هذا العام عن وجود حوالي 90 مسلسلاً تلفزيونياً على شاشات الفضائيات ـ الفضائحيات ـ العربية.

تكثيف وتنويع وتخصيص ما تعرضه الشاشة الصغيرة خلال الشهر الفضيل قديم يعود إلى أيام البث التلفزيوني الأرضي بالأبيض والأسود، حين كان المشاهد يستطيع أن يلتقط بث عدد محدود قد لا يتجاوز الأربع محطات تلفزيونية كحد أقصى، ولكن مع وصول ثورة الاتصالات العالمية، ومع غزو الصحون اللاقطة لأسطح بيوتنا على اختلاف فئاتنا ومستوياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووجود مئات القنوات الفضائية العربية جعل ساعات وعدد المواد المعروضة يتضاعف مرات عدة عما كان عليه الحال قبل دخولنا عصر الـ "ديجيتال"، حتى في بقية شهور السنة، وهناك تضاعف فوق التضاعف في شهر رمضان المبارك للمواد الدرامية المعروضة.

لنتفق على أن الدراما هي نوع من النصوص الأدبية التي تؤدى تمثيلاً في المسرح أو السينما أو التلفزيون أو الإذاعة والكلمة إغريقية الأصل، وما يهمنا هنا بالتحديد هو الدراما التلفزيونية.

التلفزيون هذا الجهاز العجيب هو من أهم وسائل بلورة الفكر وتكوين الرأي وتأثيره على طريقة التفكير والتصرف واتخاذ القرار كبير جداً، كما أن هذا الجهاز يستطيع برضانا وكامل إرادتنا أن يستهلك وقتنا الذي هو عمرنا برغبة ومحبة وقبول منا، فلو افترضنا أن الواحد منا يجلس أمام الشاشة الصغيرة أو "الفضية" كما يُسمونها ساعتين يومياً لكان مجموع ما يجلسه في العام شهراً، فما بالك بمن يجلس أمام التلفزيون خمس أو ست ساعات يومياً؟!

غني عن القول أن ما يُعرض في شهر رمضان من مواد درامية عربية يتناقض بمجمله مع القيم الروحانية الخاصة بهذا الشهر، ومن غير المنطقي، أو أصبح من غير الواقعي أن نسمع نصائح بأن يقتصر المرء في مشاهداته على الأخبار والبرامج الدينية والثقافية، وهناك حتى من ذهب بعيداً ودعا إلى عدم اقتناء هذا الجهاز وبالغ البعض وأسماه «مفسديون» بحجة أنه يُفسد الأخلاق وما إلى ذلك، لا ينبغي التفكير بذلك لأن القلوب تمل ولا مانع أن نُروّح عنها، ولكن بما لا يُخرِّب الفكر ويُبلّد حركة العقل ويتسبب بظهور نماذج منحرفة أخلاقياً وسلوكياً في مجتمعنا.

وسواء في رمضان أو في غيره فإن حال الدراما التلفزيونية العربية، عموماً، لا يسر المشاهدين، وقد كنت أنوي الحديث عن الدراما خلال عشرات السنين من عمرها العربي المديد، ولكن لنؤجل ذلك ولنتحدث عن حالها حالياً، فيما بعد عصر الفضائيات، فإنه ورغم كل ما انتاب الفترة السابقة من سلبيات هذه الدراما فإنها تظل أفضل حالاً مما آل إليه حالها اليوم، ونلحظ أن الانحدار مستمر ومتواصل، ولا فضل لدراما عربية على أخرى سواء أكانت مصرية أو سورية أو خليجية أو مغاربية، فالحديث عام وليس بخاص.

بنظرة سريعة إلى ما وصلت إليه الدراما التلفزيونية العربية، وكيف أن ما وصلت إليه انعكس سلباً على المجتمع العربي وتصرفات أفراده نجد الحال مزرياً، ولكن قبل ذلك لا بد من دحض فكرتين أو مبررين باختصار؛ المبرر الأول أن هذه هي رغبة المشاهدين أو «الجمهور عاوز كدا»، ولأن أهل الفن يقولون أو يزعمون أنهم حملة رسالة سامية وتسعى للرقي بالأوطان والشعوب...إلخ، ومعروف أن حملة الرسالات سواء أكانوا مؤيدين بوحي السماء وهم الأنبياء المرسلين، عليهم السلام، أو حملة لواء الفكر والإصلاح جاءوا ليُغيروا أهواء مجتمعاتهم وما ألفته أقوامهم وما اعتادته شعوب أوطانهم، فحتى لو كانت هذه رغبة الجمهور يجب السعي لتغييرها، ثم من قال أن هذه رغبة معظم الجمهور؟ هل أُجري استفتاء حقيقي على أُسس علمية، أم أن هذه عبارة وتبرير اعتاد من يعرض علينا هذه المواد أن يُردده دون سند لحقيقة علمية إحصائية أو غيرها، أما المبرر الثاني فهو أن الدراما تعكس حال المجتمع وواقعه بوضوح، وهذا تبرير مرفوض كسابقه، لأن المجتمع فيه الصالح والطالح، فلمَ التركيز دوماً على الجانب الفاسد، ثم إن عرض هذه المواد يزيد من الظواهر السلبية، فالجاحظ حين كتب بأسلوب أدبي شيق جميل عن البخلاء واللصوص ازداد الناس بخلاً واللصوص احترافاً، ولم يكن يقصد هذا، ولكن هذا ما حدث، فلا يجوز إظهار الرذيلة بحجة أنها واقع موجود، وقد قرأنا عن قصة اللص المحتال الذي تظاهر بالمرض فاستولى بالغدر والمكر على فرس ومال من جاء لينقذه، فرجاه الأخير بالله ألا يُحدّث الناس بما فعل، وحين سأل اللص الماكر عن السبب أجابه: كي لا تضيع المروءة من الناس، فتراجع اللص عن فعلته، فحتى لو كان في المجتمع جرائم ومجرمين وأشرار فلا يجوز الإكثار من إظهارهم في المسلسلات على أنهم الأساس وما سواهم من الطيبين الأخيار ليسوا سوى استثناء!

وبنظرة عامة على الدراما التلفزيونية في عصر الفضائيات فإننا لا نعجز عن ملاحظة الأمور التالية:-

1) كان المسلسل في الماضي يوصف بأنه لعموم الأسرة كبيرها وصغيرها حيث أنه لا يوجد ما يخدش الحياء في مُجمل حلقاته، ولكن المسلسلات حالياً تخدش الحياء باللباس الفاضح ومظاهر التعري التي تعم كل حلقة تقريباً، ناهيك عن الألفاظ البذيئة والنابية والشتائم التي لم نكن نسمعها في المسلسلات فيما مضى، إضافة لظهور مشاهد شرب الخمر في المسلسلات وكأنه أمر طبيعي يُشبه شرب الشاي أو القهوة، وقد كان هذا المظهر يقتصر على الأفلام العربية سابقاً، أما عن التدخين فحدث ولا حرج في الوقت الذي تُسن قوانين لحظر مشاهد التدخين في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني.

2) عناوين المسلسلات تحمل إيحاءات عنيفة فالعديد من المسلسلات يكون «الدم» هو المضاف إليه، والمضاف قد يكون عرساً أو فنجاناً وربما (في المستقبل) بنطالاً أو قميصاً أو سيارة أو... فلم تعمُّد نشر ثقافة العنف بهذه الطريقة، وما الهدف "السامي" وما هي الفائدة من هذه العناوين الموحية بالقتل والعنف؟!

3) وبغض النظر عن العناوين فإن محتويات المسلسلات مليئة بالعنف بكافة أشكاله؛ النفسي والجسدي والجنسي، فهناك مشاهد الضرب المبرح، وجرائم القتل واستخدام الأسلحة النارية أو البيضاء، والعنف يطال الجميع ضد الجميع، وأحياناً يكون في سياق غير مبرر في الكم والنوع، مع ما يحمله من أثر سيء على المتلقي والمشاهد، ففي إحدى اللقطات من دراما خليجية عُرض مشهد لشاب مراهق يقود سيارة جيب حديثة وجديدة ويُحاول أن يدهس بها شخصاً بهدف قتله عمداً، أين هذا مما عُرض قبل نحو ربع قرن من دراما خليجية تحمل الضحك والبكاء ولا تخلو من هدف، حيث جسدت "حياة الفهد" و"مريم الغضبان" و"عبد الحسين عبد الرضا" و"علي المفيدي" مشاهد كوميدية اجتماعية لا قتل فيها ولا تعذيب ولا مخدرات، وأين ما قدمه "حسن عابدين" و"نبيل الدسوقي" و"كريمة مختار" من دراما اجتماعية مصرية؟!

4) هناك تصوير للمجتمع على أنـه غابـة فيها مجموعـة فوق النظام والقانون يخطفون ويقتلون وينتهكون الأعراض بلا وازع ولا رادع، كم يُشـكل هذا الأمر من الواقع فعلاً؟ ولماذا نشـر هذه الفكرة وتعميمها بشـكل متواصل؟

5) هناك رسم صور نمطية للشخصيات، فرجل الأعمال يشترط أن يُدخن السيكار وله سكرتيرة بمواصفات خاصة من حيث اللباس والقوام، والشباب والطلبة يُرسم لهم صورة نمطية تتميز بالاستهتار والخواء، والتجار تُرسم لهم صورة الجهل والجشع... وهكذا.

6) العلاقات الجنسية غير المشروعة والزواج العُرفي، إذا كانت قد ازدادت في المجتمع كما تُشير العديد من المصادر فإن الدراما التلفزيونية العربية لعبت دوراً في ذلك، لأنها حين تُعالج هذا الأمر تلجأ للتبرير أو التهوين المبطن، ولا تعمل على تشنيع هذه الأفعال وتُبقي الاجتهاد مفتوحاً فيما لا مجال للاجتهاد والتبرير فيه، كما أن الأعمال الدرامية الحديثة تُكثر من عرض وتكرار هذه القصص بطريقة تجعلها تبدو وكأنها ليست مخالفة للشرع والعُرف والقانون.

7) لا تظهر هناك شـخصيـة القدوة المتوازن الطبيعي، بل هناك تغييب للنموذج المثالي، أو إظهار شخصية أسطورية يصعب الاقتداء بها في معظم المسلسلات، كما أن هناك إبرازا للطبقية المقيتة، من حيث إظهار مجتمعات معينة بأن أهلها يتسمون بالطيبة ولين المعشر، ومجتمعات وطبقات أخرى، في نفس العمل الدرامي، بأنهم يُجسدون الشر والخبث واللؤم.

تعزيز القيم الاستهلاكية وإظهار استيرادنا لكل شيء نأكله أو نلبسه أو نستخدمه في حياتنا اليومية على أنه أمر طبيعي، بل أمر جيد ومثالي، وليس هناك إلا أصوات خافتة لا تُذكر في الدراما العربية تدعو للتخلص من ثقافة الاستهلاك والاستيراد.

هذه الأمور وغيرها الكثير يلحظها المرء في المسلسلات العربية الحديثة، وهي تُشير إلى تردٍ كبير، والأثر على أرض الواقع واضح، ويجري الحديث عن مبالغ طائلة تصب في جيوب القائمين على هذه الأعمال، وإذا كانت الدراما تنشر الفضيلة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتُحقّر الجريمة وتُشجع الخلق النبيل وتُحافظ على الشرف، فبارك الله بالأموال التي تجنيها، أما إذا كانت غير ذلك فعلى أصحابها أن يُعيدوا النظر ويُراجعوا حساباتهم، وحسبنا أن الدراما العربية لم ترقَ إلى العالمية بمعظمها، ولا زالت في طور التقليد والاستنساخ في جزء كبير منها.

المجتمع يُعاني، والدراما العربية تتحمل نصيباً في معاناته، ومشاهد الجريمة والقتل والاغتصاب والضرب وتعاطي المخدرات وشرب المخمور والخيانة والفساد، تؤذينا كمشاهدين، وما يشذ عن هذه الخصائص لما يُعرض من أعمال يُعد على أصابع اليد الواحدة، ووقتنا أغلى ما نملك فأرونا ما يُفيدنا وما ينفعنا، وهو رجاء ونداء موجه لكل القائمين على الأعمال الدرامية التلفزيونية العربية.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

سري عبد الفتاح سمور

قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة

الجمعة 7 رمضان 1430هـ، 28/8/2009م

حالياً: جنين ـ فلسطين المحتلة


منقول