بين الغسالة والشغالة

[درديري كباشي]

اشرت في قصة ثرثرة في عالم الصراصير الى استعانتنا بشغالة اندونسية (قوات حفظ السلام الاندونسية ) لتغطية فترة استقبال المولوده الجديدة كفتره مؤقته .. وهي عادة اصبحت منتشره هنا في الغربة اذ انه لا حجم البيت ولا الدخل المادي يتيحان الاستعانة بشغالة لفترة مستديمة ... ولكن ولله الحمد بعض اهلنا السودانيون استطاعوا ذلك اذا تفاجا في المطار بان الخادمه نازلة السودان اجازة مع مخدميها .. المهم بعد ما انقضت الفتره المؤقتة تركت الشغالة فراغا كبيرا في البيت اذ عودتنا على القيام ببعض الاعمال منها غسيل الملابس لتعود هذه الملابس الى كفالة ربة البيت ام محمد مضافا اليها ملابس الطفلة الجديدة .. وزاد الامر سوء تعطلت غسالة الكهرباء اذ اصبحت تغسل فقط وقسم التجفيف لا يعمل وبما اننا هنا في الشقق لانملك حوشا لنشد عليه حبل الغسيل اذا تجفيف الملابس اصبح مشكلة قائمة بذاتها .. مما دعى ام محمد وباصرار شديد جدا وبتذكية من صديقاتها الا مخرج من هذه الازمة الا بغسالة اتوماتك ...
انا طبعا تفاجات بالطلب لاننا نملك غسالة تغسل كونها لاتجفف هي ليست مشكلتها ولكنها في الاخر مشكلة ليس لها حل ... وبما اني ولله الحمد امتلك صفة اني لا اتعامل برد الفعل والا كان ردي كاي سوداني في الغربة ( شونو الترف دا انتو فيه دا خلاص نسيتوا الطشت مره واحده والغسالة عندك دي ما شغالة وانتو فاكرين الغربة دايمه ) ولكن شئ من هذا لم يحدث وفي ذات الوقت لم ارد بالاجاب اذ صمت ورغما عن المثل الذي يقول ان السكات من علامات الرضا .. ولكن في كل الاحوال السكات فيه ثقرة للزوغان ..قلبت الفكره في راسي وعملت مقارنة سريعة بين الشغالة البشرية المستديمة والغسالة الاتوماتك ووجدت كل النقاط في صالح الغسالة الاتوماتك
اولا الغسالة الاتوماتك ستدفع فيها الف ريال مره واحده هي ثمنها .. بينما الخادم تحتاج للالف ريال كل شهر كراتب
ثانيا الغسالة الاتوماتك توصلها بالكهرباء وترمي عليها ملابسك وتصغط زر التشغيل لتسلمك ملابس نظيفة وجافة بعد ساعة فقط دون اي اعتراض منها ... اما الخادم لها راي في الملابس ( بابا انت ليه في جيب ملابس نظيف تغسل مره ثانية انت في يريد يتعب انا باص ) وفي ذات الوقت تحتاج لغداء وفطور وعشاء غير العصائر والمشروبات ..
ثالثا ربما تاتيك الشغالة في نصف الشهر تطالب براتبها مقدما ( بابا في الماما مال انا في سوي عمليه وانا يبقى راتب حق شهر عشان يحول فلوس ) بينما الغسالة الاتوماتك لا عندها بابا ولا ماما وحتى لو عندها فهي لاتتذكرهم ولا تطالب باي شئ مقدم سوى صيانة دورية لو تعطلت من الاستهلاك وهذا ستضمن انها خدمتك عام كامل مجانا والصيانة تحت فترة الضمان على حساب المورد ... اما الخدامة فهي تمرض وانت مطالب بعلاجها او على الاقل بالكشف عليها للتاكد انها غير مصابة بمرض معدي سيصيب الاطفال الصغار .
رابعا الغسالة الاتوماتك ممكن ان تضع بها الملابس وانت معزوم مع اسرتك ستعود من العزومة لتجدها غسلت الملابس وجففتهم وفصلت الكهرباء من نفسها وانتظرتك بكل احترام وادب ... اما الخدامة لوتركتها في البيت لوحدها .. ستجدها اتصلت بصديقاتها وتحول بيتك الى نادي الخدامات (بعض الاحيان اصدقاؤها والعياذ بالله) بينما الغسالة الاتوماتك ليس لها صديقات وثق انه بيتك لن يمتلئ بالغسالات الاوتماتك .
قلبت هذه الامور كلها في دماغي تماما وثانيا جئت لام محمد وبشرتها بموافقتي على الغسالة الاتوماتك ولكن بعد صرف الراتب ساعود لاحكي لكم حكايتي مع الغسالة الاتوماتك ...نشات بيني وبينها وبينكم علاقة غرامية بدات كاعجاب اولا بالعقل البشري او العقل الصيني وساعود للتفاصيل

[درديري كباشي]

طبعا بعد الاقتناع بوجهة النظر التي سردتها ومتعلقة بايجابيات الغسالة الاتوماتك وتفوقها على الخادمة البشريه صرت مصمما على شرائها اكثر من اهل البيت ولله الحمد اشتريناها فعلا واحضرت سباك قام بتوصيلها بشبكة المياه ... وبها بالفعل ازرار كثيرة ... قرات الكتلوج وعرفت طريقة تشغيلها ودربت عليها ناس البيت ... ولكن بعد اول التجربة بما ان الغسالة بها غطاء شفاف مما اغراني بالتفرج عليها كيف تعمل هذه المصيبة والتي للعجب مصنوعة في الصين (كل يوم يتضخم اعجابي بهذا الشعب والذين لولاهم لما كانت مثل هذه الاجهزة في متناول يدنا حتى تحدث معجزة وتتحول حنفيات بيوتنا الى محطات بنزين )..
المهم قفلت نفسي في الحمام لاشاهد عملية الغسيل من طقطق للسلام عليكم ... وبعد ما عبيتها بالملابس وضغط كل ازرار الخدمة المطلوبة منها اذا بها ازرار تحدد نوع الخدمة المطلوبة منها وهي تبدا بغسيل بالصابون وغسيل من الصابون نفسه (مصمصة ) ومن ثم تجفيف .. بالاضافة لازرار تحدد نوع الملابس اذا كانت حريرية خفيفة او صوف ثقيل او بطانية .. وتحدد هل تريد غسيل بالماء الحار ام بالبارد .. بعد اخترت كل هذه الاشياء ظهرت لي الساعة انه العملية ستستغرق خمسة واربعين دقيقة ... تخيلوا انا مقفول في الحمام خمسة واربعين دقيقة اشاهد في الغسالة لو حكيت هذا الموضوع لاحد الاصدقاء في السودان لافتكر الغسالة هذه تعني مسرحية او اسم فلم .
المهم بعد ما عبيت الصندوق الخاص بالصابون ضغط على زر التشغيل وجلست اتفرج كيف ستتصرف هذه التحفة البشرية واكيد شخص ثاني من اهل العقد سيقول لي (فضحتنا يا ابو الدر انت مندهش من الغسالة الاتوماتك ) نعم مندهش ومتعجب من العقل البشري وغير مستحي من ذلك لاننا لازالت تفصلنا قرون عن هذه الشعوب المتقدمة ونحن لابسين ثياب الوهم و التكبر والتعجرف ولا نريد ان نعرف كيف تعمل الة تم اكتشافها قبل عشرين عاما ... انا تحملت القفلة في الحمام خمس واربعون دقيقة لاتفرج في الغسالة ولا مستحي ولاندمان على ذلك .
بدات الغسالة بتعبئة نفسها بالماء اليا بدون ما افتح اي صنبور ... كان الماء يخرج مارا بصندوق الصابون مما يجعل الصابون يرغي ويذبد ... بعد خمسة دقائق بدات تدور بالملابس نصف دائرة في الاتجاه ونصف اخر في اتجاه عكسي هكذا لمدة عشر دقائق اخرى ثم توقفت من نفسها ايضا وفتحت صنبور الماء وخرجت مياه الصابون . ثم بدات تعبئ الماء من جديد وتدور هذه المره من غير صابون (مصمصة) ثم تتوقف لتفرق ماء المصمصة ثم تتعباء بالماء مرة اخرى تدور وتفرغ الماء من اثر الصابون ثم تبدا بعد ذلك عملية التجفيف . واكتشفت ان عملية التجفيف تتم بما يعرف في الفيزياء بعملية الضرد المركزي . مثال لو اخذت قطعة ملابس مبلولة وصرت تدور بها حول نفسك تدريجيا ستتجمع المياه في اطراف القطعة مبتعدة من المركز ثم بعد ذلك يصبع من السهر عصر الطرف واخراج الماء منه . وهذا ما فعلته الغسالة تماما دارت بالملابس بسرعة كبيرة حول مركزها ثم بدات تقف بالتدريج ووقفت فعلا .. وعندما خلصت اول شئ فصلت الكهرباء من نفسها وانطفات كل اللمبات وفتحتها لاجد الملابس شبه جافة ..
بدون مبالغة انا جلست خمس واربعين دقيقة اراقب في هذه العملية دون ملل او كلل او احساس بالتعب . والاعجب ان الخمس واربعين دقيقة مقسمة تقسيم يحير اذا ان كل عملية اخذت جزء من الوقت يتناسب معها تماما بعضها عشر دقائق وبعضها سبع وهكذا ...
بعد ذلك سؤال هل معي حق لاعجب بهذه الالة واعشقها ام لا ؟ اعتقد اني محق .. فاليقف اي منا امام اي الة ويتامل فيها ويحاول يفهم كيف تعمل ستحيرك .. وتجدنا نحن لا نملك الا ان نلهوا بهذه الالات ونتفاخر بها ونتكبر على اظهار اعجابنا بها مع عجزنا التام في تقليد صناعتها .....وووووووو سلام

[moh_alnour]

بدون ملل قرأت هذا البوست حرف حرف فإيقنت بأنك تخلق من المواقف موضوعات جديرة بالقراءة
نعم أخي أبو الدر حوجة الأنسان جعلته يوظف عبقريتة و عقله في إبتكار اشياء ساعدت في تسهيل أمور كثيرة في الحياة
نعم نحن شعوب مستهلكة و مستوردة للتقنية و الأختراعات و لم تتفتق عبقريتنا إلا في تؤليف أسبيرات في بعض الأحيان لهذه الالات
مثل خرط التروس و غيرها من العمليات البسيطة و أيضا ً ولجنا مجال التجميع من أوسع أبوابه عبر مصنع جياد
لتجميع السيارات و الجرارات و أخيرا ً تجميع الطائرات و من قبلهم مصنع الذخيرة السوداني العتيق
همسة : ما يعجبني في الشعوب الأسيوية أنها توظف أختراعاتها في خدمة البشرية بعكس العالم الغربي و الذي يوظفها في التسلح و تلوث البيئة

[درديري كباشي]

بدون ملل قرأت هذا البوست حرف حرف فإيقنت بأنك تخلق من المواقف موضوعات جديرة بالقراءة
نعم أخي أبو الدر حوجة الأنسان جعلته يوظف عبقريتة و عقله في إبتكار اشياء ساعدت في تسهيل أمور كثيرة في الحياة
نعم نحن شعوب مستهلكة و مستوردة للتقنية و الأختراعات و لم تتفتق عبقريتنا إلا في تؤليف أسبيرات في بعض الأحيان لهذه الالات
مثل خرط التروس و غيرها من العمليات البسيطة و أيضا ً ولجنا مجال التجميع من أوسع أبوابه عبر مصنع جياد
لتجميع السيارات و الجرارات و أخيرا ً تجميع الطائرات و من قبلهم مصنع الذخيرة السوداني العتيق
همسة : ما يعجبني في الشعوب الأسيوية أنها توظف أختراعاتها في خدمة البشرية بعكس العالم الغربي و الذي يوظفها في التسلح و تلوث البيئة

فعلا يا ابو النور والله انا آخر اجازة لي في السودان عندما شاهدت السيارات السودانية اندهشت فعلا .. ونعم التقدم ... ونحن بس لو نستقر شوية