monim
03-08-2009, 10:46 PM
هرطقات وذكريات في حب الطرب والحفلات
monim_hasan@hotmail.com
هل نحن أمة تحب الطرب بشكل عام وتصل في ذلك إلى حد الشغف و( الثمالة ) فتجدنا شيبا وشبابا داخل( الربّة ) تبشيرا ورقصا و( هجيجا ) حتى تتفطر قلوبنا وينهدّ ( حيلنا ) ونحن نعيش نشوة الطرب ( الغير أصيل ) في معظم حفلاتنا ،هل هذا ناتج عن بحثنا عن ما ينسينا ولو مؤقتا ضغوطنا وظروفنا ومشاكلنا .هل حب الحفلات والغناء والطرب ناتج عن حالة البؤس التي نعيشها نهارا وعدم الموضوع وتراجيدية الحياة الخالية من مظاهر السلوى والرفاهية فلنجأ للحفلات لنسيان وغسل تراكمات يومنا الرتيب . وهل هي بقصد ( الملهاة ) المباحة والفسحة للترويح عن النفس ، لم لا وكم من الأغاني أثرت الوجدان وألهمت العشاق والمحبين وساهمت في ترقية الذوق العام وخلدت وخلّدت من نظموها شعرا ومن صاغوها لحنا وموسيقى .
وكم من الأغاني الأصيلة في الزمن الجميل رسّخت معاني راقية ومبادئي سامية ومثل تدعو للحب والخير والجمال، وقد خلدت ورسخت في وجدان كل سوداني " و(هبشت) وتر حساس فيه "، فمن منا لم تلامس وجدانه على سبيل المثال أغنية " عزيز دنياي " لإبراهيم عوض ، و" شجن " لعثمان حسين و" بعد إيه " لوردي ، وليلة السبت لابن البادية والكثير من الروائع التي لا يسع المجال لحصرها. وكم ألهمتنا وأشعلت أحاسيسنا رنات ( الطمبور) وإيقاعات الدليب والمردوم ، ولكن هل انتهى عهد العمالقة وعقرت حواء السودان عن إنجاب مبدعين بقامة هؤلاء الكبار والخالدين في وجدان الشعب السوداني ، وهل نحن نمر بفترة باهتة من حياتنا الفنية انتشر فيها المقلدون وما يعرف بأغاني الشباب السريعة والخاوية من المعاني ، هل الفن والثقافة والإبداع شأن شخصي يخص المبدع نفسه دون اهتمام ورعاية من جهة ، أم هو تدني في الذوق العام واضمحلال عام بسبب ضغوط الحياة التي لا تشجع على نمو الإبداع ، ولماذا ليس من أولويات وهواجس السياسيين والمسئولين الاهتمام بهذه الجانب الهام .
ففي هذا الزمن الحديث والعجيب، ما أن تضع رأسك على السرير بعد يوم مجهد من أيام صيف السودان ألا وتسمع الوتر( دقّ ) وتعالت أصوات ( الاورغن ) الصاخبة وبدأ أحد ( زماري )الحي بالنعيق وقبل أن تستجلي الوضع وتعرف الفنان وتركّز لسماع بعض أغانيه وهي بطبيعة الحال تقليد للفنانين الكبار وليست من بنات إبداعه ، إلا و( يدق ) عبر الأثير الذي تحمله نسمات ليل الصيف الهادئة وتراً آخراً وتتعالى موسيقى ( أورغن ) أكثر صخبا وإزعاجاً ، وما هي إلا لحظات حتى يدخل الشبكة ثالث ، فتتشابك أصواتهم وتتلاطم موسيقاهم ، هذا يقلد عملاق وذاك يغني أغنية حقيبة ، والثالث ( يلتق في القحف مع القرعة ) وشغال من إنتاجه الخاص ، فيحدث النشاز فلا تستطيع تمييز شيء ولكن بحكم تعود أذنك على ذلك يوميا ما هي إلا أغنية واحدة حتى تروح في ثبات عميق .
هل أصبحنا فعلا نفتعل الحفلات ونسعى لإقامتها بشتى السبل ، وهل الناس أصبحوا على درجة من( الهيافة ) والفقر الروحي والخواء المعنوي لدرجة أنهم يقيمون الحفلات بدون مناسبة أو سبب واضح أم أنهم يقيمونها غالبا بمناسبة عدم وجود مناسبة فيفبركونها بأسهل الطرق واقل التكاليف ( قدر ظروفك ) من منطلق أنها حفلة والسلام ، وأنها تؤدي الغرض وتجلب الطرب ، فحفلة للناجحين في الامتحان، وحفلة للغنماية التي تولد( تيمان )، وحفلة لي سيد الدكان عشان بقى يدين النسوان ، وحفلة (للأربعين) وحفلة لي بانت وحفلة للموردة ، وحفلة للناس البقولوا عربي عربي عربي ، وحفلة للناس البقولوا ثورة خليفة ، وحفلة للبنت الشوكشت خطيبها بدون سبب ولمجرد أنها سخيفة .
ذات إجازة تجشمت وعائلتي عناء مشواراً غاية في الضنى والرهق والبعد ، قذفت بنا مناسبة احد الأقرباء لقرية خارج دائرة العاصمة لحضور زواج أحد أقرباء المدام ، وبعد أن وصلنا ونحن في غاية الإنهاك والتعب لم نجد ( زحمة ) ولا ( كفاية مدورة) ولا يحزنون ، ولكن وجدنا حفلة أو إرهاصات تدل على أن حفلة ستقام بعدد قليل من الناس هنا ، وما أن ادلهّم الليل ووصل العريس حتى أقيمت ( ربّة ) ضخمة تجمع فيها جميع أهل القرية والقرى المجاورة و( العميان شايل المكسر ) ، حفلة ( كاربة ) لم أر مثلها في سنوات حياتي الأخيرة ، وبما أن المكان قرية لا توجد بها ضوابط مواعيد الحفلات استمرت حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الليل دون أن يكل أو يمل الحضور الكريم من الهجيج والرقيص والطرب الرخيص. وبما أنني كنت مرهقا من المشوار ولا تشدني مثل هذه الحفلات ذهبت مبكراً إلى بيت غير بعيد عن مكان الحفلة كي أنام وكان بصحبتي رجل كبير في السن ويبدو عليه الوقار، فتم تهيئة (سراير ) لنا وخلدنا أنا والرجل الوقور في نوم عميق وما أن " دقّ " صوت الموسيقى حتى رأيت رفيقي متسللا إلى حيث الحفلة وشارك فيها حتى الصباح " شفتوا حب حفلات ذي ده ).
أحد ظرفاء العائلة قال لزوجته ساخراً وممازحاً : "والله أنتوا بتحبوا العرس حب " لدرجة انك لو دعيتي لحضور" عرس في كوستي " الليلة حا تسافري وذكر كوستي لصيغة المبالغة في بعد المسافة ، وغضبت من ذلك واعتبرته استهزاء و"هظار" جارح وما أن مضى أسبوعين على هذه الطرفة حتى جاء أخوها من البلد وذكر لها أن قريبهم سيتزوج بمدينة كوستي وهو مسافر إلى للحضور والمشاركة ويود أن ترافقه ، ولما كان زوجها الساخر غير موجودا ولم يسمع أن لزوجته أقرباء بكوستي أصلا ، تركت وصية لدى أطفالها وانطلقت مع شقيقها إلى كوستي ، وعندما حضر الزوج وتلفت يمنة ويسرة ودخل وخرج ثم دخل ونادى ( يا ولد وين أمك ) أجابه الولد ببراءة ( أمي مشت كوستي ) ففقر الزوج فاهه وهو محتارا ومرتابا وغير مصدق وقال : كوووووووستي ( كوستي شنو يا ولد)، أنا بهظر معاها هي أخدت الموضوع جد والله شنو .
إلى متى سنكون على هذا الوضع الارتجالي الركيك والبعيد عن الإبداع ، ومتى سيكون الإبداع والفن الراقي هم رئيسي من هموم الجهات المسئولة عن الثقافة ورعاية الإبداع والمبدعين ، أم سنظل نعيش على ارثنا الماضي ونقف عاجزين عن إنتاج منظومة إبداعية في كافة مجالات الفن من مسرح وغناء وغيرها .
مع بالغ أسفي على هذه الحالة البائسة .
عبد المنعم الحسن محمد
المملكة العربية السعودية
توضيح : ( الكفاية : هي اسم الوجبة في المناسبات وهي ناتجة عن الاكتفاء
monim_hasan@hotmail.com
هل نحن أمة تحب الطرب بشكل عام وتصل في ذلك إلى حد الشغف و( الثمالة ) فتجدنا شيبا وشبابا داخل( الربّة ) تبشيرا ورقصا و( هجيجا ) حتى تتفطر قلوبنا وينهدّ ( حيلنا ) ونحن نعيش نشوة الطرب ( الغير أصيل ) في معظم حفلاتنا ،هل هذا ناتج عن بحثنا عن ما ينسينا ولو مؤقتا ضغوطنا وظروفنا ومشاكلنا .هل حب الحفلات والغناء والطرب ناتج عن حالة البؤس التي نعيشها نهارا وعدم الموضوع وتراجيدية الحياة الخالية من مظاهر السلوى والرفاهية فلنجأ للحفلات لنسيان وغسل تراكمات يومنا الرتيب . وهل هي بقصد ( الملهاة ) المباحة والفسحة للترويح عن النفس ، لم لا وكم من الأغاني أثرت الوجدان وألهمت العشاق والمحبين وساهمت في ترقية الذوق العام وخلدت وخلّدت من نظموها شعرا ومن صاغوها لحنا وموسيقى .
وكم من الأغاني الأصيلة في الزمن الجميل رسّخت معاني راقية ومبادئي سامية ومثل تدعو للحب والخير والجمال، وقد خلدت ورسخت في وجدان كل سوداني " و(هبشت) وتر حساس فيه "، فمن منا لم تلامس وجدانه على سبيل المثال أغنية " عزيز دنياي " لإبراهيم عوض ، و" شجن " لعثمان حسين و" بعد إيه " لوردي ، وليلة السبت لابن البادية والكثير من الروائع التي لا يسع المجال لحصرها. وكم ألهمتنا وأشعلت أحاسيسنا رنات ( الطمبور) وإيقاعات الدليب والمردوم ، ولكن هل انتهى عهد العمالقة وعقرت حواء السودان عن إنجاب مبدعين بقامة هؤلاء الكبار والخالدين في وجدان الشعب السوداني ، وهل نحن نمر بفترة باهتة من حياتنا الفنية انتشر فيها المقلدون وما يعرف بأغاني الشباب السريعة والخاوية من المعاني ، هل الفن والثقافة والإبداع شأن شخصي يخص المبدع نفسه دون اهتمام ورعاية من جهة ، أم هو تدني في الذوق العام واضمحلال عام بسبب ضغوط الحياة التي لا تشجع على نمو الإبداع ، ولماذا ليس من أولويات وهواجس السياسيين والمسئولين الاهتمام بهذه الجانب الهام .
ففي هذا الزمن الحديث والعجيب، ما أن تضع رأسك على السرير بعد يوم مجهد من أيام صيف السودان ألا وتسمع الوتر( دقّ ) وتعالت أصوات ( الاورغن ) الصاخبة وبدأ أحد ( زماري )الحي بالنعيق وقبل أن تستجلي الوضع وتعرف الفنان وتركّز لسماع بعض أغانيه وهي بطبيعة الحال تقليد للفنانين الكبار وليست من بنات إبداعه ، إلا و( يدق ) عبر الأثير الذي تحمله نسمات ليل الصيف الهادئة وتراً آخراً وتتعالى موسيقى ( أورغن ) أكثر صخبا وإزعاجاً ، وما هي إلا لحظات حتى يدخل الشبكة ثالث ، فتتشابك أصواتهم وتتلاطم موسيقاهم ، هذا يقلد عملاق وذاك يغني أغنية حقيبة ، والثالث ( يلتق في القحف مع القرعة ) وشغال من إنتاجه الخاص ، فيحدث النشاز فلا تستطيع تمييز شيء ولكن بحكم تعود أذنك على ذلك يوميا ما هي إلا أغنية واحدة حتى تروح في ثبات عميق .
هل أصبحنا فعلا نفتعل الحفلات ونسعى لإقامتها بشتى السبل ، وهل الناس أصبحوا على درجة من( الهيافة ) والفقر الروحي والخواء المعنوي لدرجة أنهم يقيمون الحفلات بدون مناسبة أو سبب واضح أم أنهم يقيمونها غالبا بمناسبة عدم وجود مناسبة فيفبركونها بأسهل الطرق واقل التكاليف ( قدر ظروفك ) من منطلق أنها حفلة والسلام ، وأنها تؤدي الغرض وتجلب الطرب ، فحفلة للناجحين في الامتحان، وحفلة للغنماية التي تولد( تيمان )، وحفلة لي سيد الدكان عشان بقى يدين النسوان ، وحفلة (للأربعين) وحفلة لي بانت وحفلة للموردة ، وحفلة للناس البقولوا عربي عربي عربي ، وحفلة للناس البقولوا ثورة خليفة ، وحفلة للبنت الشوكشت خطيبها بدون سبب ولمجرد أنها سخيفة .
ذات إجازة تجشمت وعائلتي عناء مشواراً غاية في الضنى والرهق والبعد ، قذفت بنا مناسبة احد الأقرباء لقرية خارج دائرة العاصمة لحضور زواج أحد أقرباء المدام ، وبعد أن وصلنا ونحن في غاية الإنهاك والتعب لم نجد ( زحمة ) ولا ( كفاية مدورة) ولا يحزنون ، ولكن وجدنا حفلة أو إرهاصات تدل على أن حفلة ستقام بعدد قليل من الناس هنا ، وما أن ادلهّم الليل ووصل العريس حتى أقيمت ( ربّة ) ضخمة تجمع فيها جميع أهل القرية والقرى المجاورة و( العميان شايل المكسر ) ، حفلة ( كاربة ) لم أر مثلها في سنوات حياتي الأخيرة ، وبما أن المكان قرية لا توجد بها ضوابط مواعيد الحفلات استمرت حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الليل دون أن يكل أو يمل الحضور الكريم من الهجيج والرقيص والطرب الرخيص. وبما أنني كنت مرهقا من المشوار ولا تشدني مثل هذه الحفلات ذهبت مبكراً إلى بيت غير بعيد عن مكان الحفلة كي أنام وكان بصحبتي رجل كبير في السن ويبدو عليه الوقار، فتم تهيئة (سراير ) لنا وخلدنا أنا والرجل الوقور في نوم عميق وما أن " دقّ " صوت الموسيقى حتى رأيت رفيقي متسللا إلى حيث الحفلة وشارك فيها حتى الصباح " شفتوا حب حفلات ذي ده ).
أحد ظرفاء العائلة قال لزوجته ساخراً وممازحاً : "والله أنتوا بتحبوا العرس حب " لدرجة انك لو دعيتي لحضور" عرس في كوستي " الليلة حا تسافري وذكر كوستي لصيغة المبالغة في بعد المسافة ، وغضبت من ذلك واعتبرته استهزاء و"هظار" جارح وما أن مضى أسبوعين على هذه الطرفة حتى جاء أخوها من البلد وذكر لها أن قريبهم سيتزوج بمدينة كوستي وهو مسافر إلى للحضور والمشاركة ويود أن ترافقه ، ولما كان زوجها الساخر غير موجودا ولم يسمع أن لزوجته أقرباء بكوستي أصلا ، تركت وصية لدى أطفالها وانطلقت مع شقيقها إلى كوستي ، وعندما حضر الزوج وتلفت يمنة ويسرة ودخل وخرج ثم دخل ونادى ( يا ولد وين أمك ) أجابه الولد ببراءة ( أمي مشت كوستي ) ففقر الزوج فاهه وهو محتارا ومرتابا وغير مصدق وقال : كوووووووستي ( كوستي شنو يا ولد)، أنا بهظر معاها هي أخدت الموضوع جد والله شنو .
إلى متى سنكون على هذا الوضع الارتجالي الركيك والبعيد عن الإبداع ، ومتى سيكون الإبداع والفن الراقي هم رئيسي من هموم الجهات المسئولة عن الثقافة ورعاية الإبداع والمبدعين ، أم سنظل نعيش على ارثنا الماضي ونقف عاجزين عن إنتاج منظومة إبداعية في كافة مجالات الفن من مسرح وغناء وغيرها .
مع بالغ أسفي على هذه الحالة البائسة .
عبد المنعم الحسن محمد
المملكة العربية السعودية
توضيح : ( الكفاية : هي اسم الوجبة في المناسبات وهي ناتجة عن الاكتفاء