المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هبة الله " بت السارة "



سيد البلد
29-07-2009, 02:58 AM
( 1 )

كان حاج احمد ضمن المتحلقين حول الإمام عقب أدائهم لفريضة الفجر كعادتهم كل صباح بغرض تلاوة القرآن ومدارسته وإمامهم حاج " التقي " .
ذلك الورع الذي تحس عند جلوسك عنده براحة محببه , تبعثها ملامح وجهه واضح القسمات , وصوته الحاني الخافت بسبب اصابته بداء في صغره اضعف حباله الصوتيه فإكتسى صوته تلك النبره المميزه التي يعشقها كل اهالي القرية .
وهو إمام المسجد ومأذون القريه ومفتيها ومرجعيتها الدينيه , وكان بيته لا يخلو من زائر طوال ساعات النهار وقطعاً من الليل .
خرج الخاج " احمد " من المسجد وعند وصوله لباب بيته ودع جاره " ود الرضي " الذي من حكم الخالق أنه يجاوره ويشابهه في جل الأشياء , فهو جاره إذ لا يفصل بينهما سوى سور من عيدان القصب وبضع قشات " هذا اذا جاز لنا أن نسمي ذلك فاصلاً " .
وود الرضي رجل جمع من النقائض ما يجعله متفرداً حتى في مشيته , التي كانت أشبه بالعدو منها إلى المشي , وكان من شدة عجلته في كل شئ كثيراً ما ينزل عن ظهر حماره ويمسك به من لجامه ويجره خلفه الشي الذي يدعو حاج احمد لممازحته قائلاً :
العجله ما من الشيطان , العجله من ود الرضي " .
ومن عجائب الأمور ومفارقاتها الغريبه ان ود الرضي تزوج من أكثر إمرأة متأنيه في القريه , مما يجعلك دائم التساؤل, كيف اجتمع الشتيتين ؟ وكيف يتفق النقيضين ؟
فالحاجه " زينب " - زوجة حاج ود الرضي - تراها متأنيه متثاقله في كل شئ , مما يغضب زوجها , خصوصا حين تقوم لإعداد وجبة العشاء له فيستعجلها بقوله :
الصبح أذن يا الممهوله " .
وهي أعز صديقة لجارتها " السارة بت الطيب " زوجة حاج احمد , فتراهما تقضيان جل وقتهما إما في بيت زينب أو في بيت الساره .
وكانت زينب عند فراغها من إعداد الشاي لزوجها وابنائها التوأم " مصطفى والطاهر " وخروج ود الرضي " للحواشه " وذهاب التوأم للخلوه , كانت دائماً تأخذ ما تنوي أن تطبخه هي وجارتها ليكون غداءً لأزواجهم .
السارة إمرأة في أخريات خريفها الثالث , مكتنزة الجسم , وبالرغم من ذلك لم يخفي جسدها الممتلئ جمالها القروي الواضح , ولم يثقل على روحها النقيه ولفظها الطيب .
فكانت حلوة المعشر , تجد سهولة في مجالستها وتقضية النهار معها .
وكان من السهل ملاحظة الحزن البادي في عينيها لعدم إنجابها رغماً عن انها تزوجت في سن صغيره ..
كانتا دائماً ما تقضيان النهار بين تجهيز الطعام لأزواجهما وتبادل الحديث الذي لا يخلو من من بعض الحسرة التي تتبينها في لهجة الساره وإحساسها بالوحده , فكانت حاجه زينب تسري عنها وتسليها وكثيراً ما تدعو لها سراً وإعلاناً بالذرية الصالحة , فتجاوبها السارة بالتامين على دعائها


************************************

esmat
29-07-2009, 03:39 AM
فهو جاره إذ لا يفصل بينهما سوى سور من عيدان القصب وبضع قشات

سيدا وخرجت انت من قوقعتك التي كنت تحيط بها هذا الجمال
شدني جمال هذا التعبير البسيط (سور من عيدان وبضع قشان)
فقلة العيدان والقشات ورغم ضعف السور إلا انه يقوى شيء آخر
العلاقة بينه وبين صديقة فكلما ضعف السور كلما قوية العلاقة
تصوير جميل وبعيد المعني - وهو ايضاً يوضح بساطة اهلي

وأأسف لقطع حبل افكارك ولكنك كما تعلم لا استطيع ان اقف والجمال
امامي الا انه اهديه بسيط من ما في نفسي Love you.

فراس
29-07-2009, 03:44 AM
اخي سيد البلد
قصة جميلةوسرد ممتع جدا وعطشتنا لباقي القصة
رجاء لاتطيل علينا ايها الرائع
تسلم

عثمان جلالة
29-07-2009, 04:00 AM
ونحن معك في إنتظار "الوليد" أقصد باقي القصة .. سيدا حارمنا الزمن ده كلو من الإبداعات دي مالك ؟؟ ولا كنت بتسخن .. كدي بسراع بسراع "شفقة ود الرضي" .. أدينا الجزء التاني .. الدوام قرب ينتهي ياخ :p

عبدالرحمن مدثر
29-07-2009, 04:09 AM
فى الانتظار يارائع

ابوالنور
29-07-2009, 04:45 AM
فى الانتظار يارائع
وانا كمان يا عثل

سيد البلد
29-07-2009, 04:50 AM
( 2 )

عند العصر والشمس تؤول إلى المغيب ينهي حاج ود الرضي اعمال زراعته وينادي على جاره حاج احمد حاج احمد ويذكره بأن الشمس تذهب للمغيب
فيلملم حاج احمد القصب الذي يجمعه ليكون غذاءاً للشاة التي ماتت أمها بعد ولادتها وعجلته الوحيده
فيضع القصب على ظهر حماره ويرتدي جلبابه ويلحق جاره الذي تقدمه فعلاً صوب الحلة ...
وكعادته دوماً يجده يمشى راجلاً وهو يجر حماره ويستعجله في المسير , فيضحك حاج أحمد ويقول له ممازحاً " براحة على الحمار ياخي ولا اربطلو مكنة ليلة تايوتا "
يصلون إلى القرية التي تبعد عن مكان زراعتهم مسافةً ليست بالطويلة والشمس ترتدي ثوب الليل إيذاناً بالمغيب , فيدخل حاج ود الرضي لبيته الذي هو أقرب لطريق عودتهما من الحواشات
فيدخل دون أن يتزكر السلام على جاره حاج احمد ...
حينها تسمع السارة صوت الشاة والعجله تدرك أن زوجها على الباب , فهنالك إرتباط عجيب بينه وبين تلك البهائم التي يعلو صوتها في وقت معين هو وقت وصوله للمنزل
بعد وصوله للبيت يربط حاج احمد الحمار وينزل مافي ظهره من احمال ويذهب لوضعها قرب المكان الذي توجد به الشاة وعجلته , ويأخذ بعضاً مما أتى به ويطعمهما إياه
فيجد زوجته قد اتته بالماء ليغتسل به ويزيل ما علق به من طين , ويتوضأ ويغير ما كان يلبسه ويهيئ نفسه للذهاب للمسجد لأداء المغرب في جماعة ...
ويطلع منادياً على جاره ود الرضي الذي لا يتأخر إلا عند خروجه للمسجد ...
وبعد الصلاة يعود كلاهما لمنزله ويقوم حاج احمد بتذكيره بأن لا يؤخره عن صلاة العشاء .

حاتم مرزوق
29-07-2009, 04:54 AM
سيد البلد ، صاحب الطرح المميز

سرعان ما اندمجت مع شخوص هذه القصة وكأني اعرفهم عن قرب وها نحن متشوقون للتعرف عليهم اكثر فلا تغب عنا طويلا.

عبدالرحمن مدثر
29-07-2009, 04:56 AM
تعجبنى دوما حتة الارتباط العجيب التى جعلتها

تتحدث بلغة مسموعة داخل النص .. ومااجملها

عندما تكون فى مساحات قلما يصل من خلالها

احساس مثل هذا



واااصل

ودالعمدة
01-08-2009, 05:32 AM
المبدع سيد البلد

أخيراً خرج المارد من القمقم
وأخذ يصيح ( وجدتها وجدتها )
وبدأت تطل (بركات ) زيارة المدينة
مازلت أبحث معك فى القصة
عن ( هبة الله بت السارة )
بين السطور وفى انتظار حضورها
عشان نعرف الفرق بين أحمد و حاج أحمد
أم نفذ المداد وجفت الصحف

moh_alnour
01-08-2009, 08:31 AM
سردك للحكاية يجعلنا نحس بأننا أحد المشاركين في هذه الحياة البسيطة بكل تفاصيلها
و بكل ما تحمل من معاني و قيم أجتماعية في طريقها للزوال إن لك تكن زالت أصلا ً
فالجار يعشق للجار من سبب و قد يحبهم جدا ً بلا سبب
الناس أروع ما فيهم بساطتهم لكن معدنهم اغلى من الذهب



فكلما ضعف السور كلما قوية العلاقة


هذا من أجمل ما قرأت من تعقيب في هذا البوست و هذه العلاقة العكسية حقيقة لا جدال عليها

هشام سلس
01-08-2009, 08:46 AM
اخي سيدا...
لا أنوي التفسير فروعة السرد والمعني تفسد إذا فسرت وهذا يحيلنا لقول الشاعر فيكتور هيجو " لا تتكلم كثيرا .. ان التفسير يقلل من روعة العمل الفني..
وايضا يحيلنا إلى الحرية في القراءات والي تعدد هذه القراءات من حيث أن النص ملك للمتلقي وليس للمبدع أو السارد متى ما نشره
ولا أروع من ذلك الا ما قاله الشاعر الفرنسي فاليري" إننا كلما قرأنا أكثر كلما وقفنا على الجديد"

فلا تحرمنا من هذا جديد

سيد البلد
02-08-2009, 11:13 PM
( 3 )

دخل حاج احمد على زوجته وسلم عليها , وكعادتها وجدها تنتظره بالطعام .
فهي لا تتذوق طعاماً ولا تستسيغه في غيابه عنها , ولا تأكل طوال اليوم حتى يأتي هو فتأكل معه وهما يتجاذبان اطراف الحديث , حين يجلس معها حينها يحس كم يحب هذه المرأة التي يدخر لها حباً عظيماً , بل كان يذوب فيها عشقاً وهوىً ,
رغم عدم قدرتها على الإنجاب , وكان يحس بغنى لا يضاهيه غنى , رغم خصاصته وعسر حاله وضيق ذات يده وحالة الكفاف والعوز التي يحياها هو وزوجته .
فكان قانعاً راضياً , صابراً محتسباً وكله ثقه أن ذلك الأمر ما هو إلا إمتحان من رب العباد , وانه رب رؤوف بعبيده رحيم بهم , كان سعيداً
وكان دائماً ما يقول لنفسه : " إن الله مع الصابرين " ...
ورغم الضنك الذي يحياه إلا أنه عندما يجلس بجوار زوجته في ذلك العنقريب الموسد بالجلد لتناول الطعام وينظر في عينيها ينسى كل ذلك , حتى أنه ينسى ما يضع في فمه من طعام .
يعشق النظر إليها , يغوص بعينيه في ملامحها , وكان يألم لعلمه بخوفها من أن يتزوج عليها طمعاً في الإنجاب
فكان دائم التطمين لها قائلاً : أنه لا يفكر في الإنجاب من سواها , وأنه راض كل الرضا بما قسمه له ربه ويذكرها بقوله تعالى :
" يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ " ...
وهي تلح عليه بلزوم الزواج بأخرى تستطيع أن تأتيه بمن يحمل اسمه ويكون عوناً له في كبره ...