عمران حسن
14-07-2009, 03:16 AM
لم يكن حراك رمال إيران الساخنة في يونيو الملتهب في الخليج المسارَ الأول لتداعيات الأوضاع في مياهه الدافئة، وإنما العكس؛ حيث أثارت حركة الاحتجاجات الضخمة وتضافر الأدلة على تصفيتها بذلك المشهد الدموي ملفًا جديدًا من تسخين المشهد على ضفتي الخليج، خاصة أنَّ انتفاضة يونيو وإن أُخمدت فسيبقى وهج الجمر المستتر فاعلًا محتملاً في أي رياح تهب من جديد على وقْع المواجهات التي يدرك كل المراقبين أن طَمْرَها من شاشات الإعلام لا يمكن أن يُخفي جروح الصدر الغائرة في البيت والضمير الإيراني، فهي إضافة إلى عصف الخليج ودوائره المتجددة وليست تهدئة له.
ولعل من أهم الدوافع التي جعلت وزراء خارجية مجلس التعاون منذ الثلاثاء الماضي يعلنون موقفهم، حيث بدأت تطفو على السطح نتائج حسم المرشد الإيراني لمسرح الأحداث وبتكليف (شرعي) للحرس الثوري فقرأت الدبلوماسية الخليجية المشهد مع استشرافها بأن الخليج في الأصل هو في حالة اضطراب , لا يدري إلى أي مسار تهدي الأمور إلى استقراره، خصوصًا بعد أن وضَحت رسالة الأمريكيين بأنه لا خيار بديل عن إنجاز الصفقة مع طهران، وأنَّ حماسَ واشنطن ثابت في هذا الاتجاه، ومعالمه بارزة في لبنان ودمشق، والتحضيرات الكبرى لحرب الأفغان مع بقاء شعرة معاوية لضمير واشنطن (المنافق) ـ كما قال ماكين الخاسر الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية ـ دافئًا إعلاميًّا مع قبور الإصلاحيين.
الخليج المُسيَّر!!
وعليه فقد بادر الخليج يُعبّر عن رفضه للتدخل في إيران تجاوبًا مع إرهاصات المرحلة القادمة التي وإن تبلورت بين القطبين إلا أنَّ ضمان استقرارها لا يزال بعيدًا عن المتابع الدقيق للمشهد الإقليمي , وفي أصل تشكُّل الدولة الوطنية في مجلس التعاون فقد كان مسارها متكررًا بعدد نسخها من أن الأصل هو اعتماد ما تقرره الإدارة الدولية من توقع للمجهول أو ما تباشره من عمل ميداني في سياستها الإقليمية أو الإستراتيجية , ففي أصل الخطاب الخليجي، وخاصة بعد أحداث الثاني من أغسطس1990 كانت دبلوماسيته تُقدّم المنطقة على أنها محمية دولية، وليست إقليمًا قوميًّا له هويته ومصالحه ورؤيته المستقلة التي يَعبر بها بين ضفتي الخليج وضفتي القطبين المتصارعين أو المتوافقين على إعدادات صناعة المستقبل.
غير أنَّ هذه المبادرة لاسترضاء طهران تبقى محفوفة بستار غليظ مما يخبِّئه المجهول، وكيف ستعمل طهران على تجنُّب تَكرار ما حدث؛ بمعنى: هل ستقرأ طهران حالة الاحتقان بأنها جزءٌ من خلل داخلي تحتاج إلى مساحة تفاهم معه ؟.. وأنَّ من ضمن مسببات هذا الخلل انصراف ساسة إيران إلى توسيع برنامج التمدد والنفوذ في العراق وفي الخليج وَتَبَنِّيهِم إنشاءَ حركات طائفية تقوم على مُفاصلة بين أبناء الوطن على أسس مذهبية وولاء قومي لها ودفعهم للتنسيق مع المنظمات الأمريكية لتجسيد مشاريع متنقلة للمحاصة الطائفية؟.. هل ستدرك طهران وفريقها المحافظ أنَّ ذلك كان من ضمن أخطائها، وعليه فيجب أن تُصحِّح ذلك؟.. لا أعتقد ذلك، وهو بالنسبة لي ـ كمراقب ـ أمرٌ مستبعد، فلماذا؟
إن دراسة حركة الصعود الإيراني ببُعدها الطائفي الممهِّد للهيمنة الإستراتيجية كان ولا زال هدفًا قوميًّا للنظام الجمهوري الإيراني، كما هو في حقبة الشاه، وإن اختلفت الوسائط، وهي قضية مشتركة بين المحافظين والإصلاحيين، بغض النظر عن تضحيات وطموح أبناء الشعب الإيراني للخلاص من الاستبداد الداخلي.
وعليه فإنَّ اندلاع الصراع بين الفريقين في طهران حتى لو سوِّي مؤقتًا من خلال الشيخ هاشمي رفسنجاني أو غيره لن يغيِّر من هذا التوجه , وهو يتعزز في منظور الطرفين باعتبار أن هذا التدخل الشامل وفرض قوى على الساحة الوطنية لدول مجلس التعاون تختطف قرار شريحة من الطائفة وتلتزم بتوجيهات الإرادة الإيرانية العليا، هو في ذاته بالنسبة لطهران موضع قوة في مفاوضاتها وحربها الباردة مع واشنطن، ولا يمكن أن تُفرط في هذه البطاقات أيٌّ من قوى ومدارس الثورة الإيرانية، وفي نهاية الأمر فإنَّ من يَحكم في المنظور المستقبلي طهران الخضراء هم أوصياء مؤمنون بعقيدة التوسع الاستراتيجي. وكما قال الشيخ مهدي كروبي: الخليج فارسي منذ أكثر من 3000 عام , ومن سيتولى الحكم ليس تلك الجموع من الشباب الثائرة للحريات الفردية وقيم الديمقراطية الحقيقية، اللهم إلاّ في حالات انقلاب اجتماعي ثوري تطيح بهيكل وروح النظام، وهو أمرٌ مستبعد.
التوازن الأوربي (الخبيث) يدعم المعادلة؟
وتَطَابَقَ ما قاله وزير الخارجية السوري السيد وليد المعلم مع الكثير من التصريحات والمقالات الغربية بأنَّ تهديد الاستقرار في طهران يؤدي إلى الإخلال ببرنامج الحوار وما توصَّل له القطبان من توافقات يُعزز هذه المعادلة التي تكفل نوعًا من الاستقرار المهم لطهران، وهذا لا يلغي تداول الطرفين على برنامج النفوذ , وعليه فإنَّ الخليج العربي مرة أخرى العاجز عن أي دور تَوَازُنِي إنما يكتفي بمناكفات إعلامية مع طهران , وبالتالي لن يترتب على برنامجه تغيُّر، ولكنه قد يزيد من هذا التوتر، فكيف ذلك؟.
تصدير الصراع إلى الخليج
مع استقرار الأمور في جعبة الثوريين المحافظين فإنَّ توجهاتهم قد تعود لتحريك المياه في الخليج كنوع من تصدير الأزمة أو الانتقام لبعض التغطيات الإعلامية والرد عليها من داخل الشارع الوطني , خاصة وأنَّ تعدد القوى في المحافظين وآثار ما جرى من أحداث يونيه ستفتح لهم اجتهادات مخابراتية جديدة، وإن توحدوا في قيادة السيد الخامنئي، لكن تناولهم لأوضاع الخليج ومسارات تصدير الثورة قد يتنوع من خارج الإطار الرسمي المركزي المعتاد، وهو ما سيُضَاعِف من أزمة الحالة الخليجية الوطنية التي تفتقر بشدة إلى آفاق إصلاحية حقيقة تشمل الغالبية السُّنية في عموم الإقليم والأقليات.
نزاعٌ داخل البيت الخليجي
في نفس الوقت فإنَّ تطور الخلاف بين دول المجلس الذي انعكس على الوَحدة النقدية وملفات أخرى شائكة واختلاف واضح في تقدير بعض التعاطي مع القضايا الخارجية، فضلاً عن ألغام عديدة لم تُنزع بعد , رغم مرور قرابة الثلاثة عقود على مسيرة المجلس، إلاّ أنها لا تزال مهيأة للتلغيم والتصعيد.
إن مواجهة أي أحداث محتملة على ضفاف الخليج تنطلق من دراسة استرتيجية تنتمي للعمق القومي للمنطقة بهويتها الإسلامية، ويدير بها أصحابُ الشأن مشروعهم المركزي، ويتعاطَوْن مع قوى التأثير المهمة في المنطقة خارج إطار القطبين، إضافةً إلى الالتفاف الحقيقي لإصلاح البيت الداخلي الذي لو انفجر كما جرى في طهران فإنَّ فلسفة تأسيسِهِ لا تملك ما يضمن لها لَمْلَمَةَ الأوضاع ومعالجتها، وإن انتظار فِرَق الإسعاف من الخارج دائمًا قد يفضي بالمنتظر إلى أن يَسْتَبْطِئَهَا حتى ينتهي غرضها وتحِلَّ به الكارثة , وحينها يدرك أن فرق الإسعاف قد وجهها الأجنبي إلى حدوده وترك حدود الآخرين رهينة لأحلام الطامحين.
ولعل من أهم الدوافع التي جعلت وزراء خارجية مجلس التعاون منذ الثلاثاء الماضي يعلنون موقفهم، حيث بدأت تطفو على السطح نتائج حسم المرشد الإيراني لمسرح الأحداث وبتكليف (شرعي) للحرس الثوري فقرأت الدبلوماسية الخليجية المشهد مع استشرافها بأن الخليج في الأصل هو في حالة اضطراب , لا يدري إلى أي مسار تهدي الأمور إلى استقراره، خصوصًا بعد أن وضَحت رسالة الأمريكيين بأنه لا خيار بديل عن إنجاز الصفقة مع طهران، وأنَّ حماسَ واشنطن ثابت في هذا الاتجاه، ومعالمه بارزة في لبنان ودمشق، والتحضيرات الكبرى لحرب الأفغان مع بقاء شعرة معاوية لضمير واشنطن (المنافق) ـ كما قال ماكين الخاسر الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية ـ دافئًا إعلاميًّا مع قبور الإصلاحيين.
الخليج المُسيَّر!!
وعليه فقد بادر الخليج يُعبّر عن رفضه للتدخل في إيران تجاوبًا مع إرهاصات المرحلة القادمة التي وإن تبلورت بين القطبين إلا أنَّ ضمان استقرارها لا يزال بعيدًا عن المتابع الدقيق للمشهد الإقليمي , وفي أصل تشكُّل الدولة الوطنية في مجلس التعاون فقد كان مسارها متكررًا بعدد نسخها من أن الأصل هو اعتماد ما تقرره الإدارة الدولية من توقع للمجهول أو ما تباشره من عمل ميداني في سياستها الإقليمية أو الإستراتيجية , ففي أصل الخطاب الخليجي، وخاصة بعد أحداث الثاني من أغسطس1990 كانت دبلوماسيته تُقدّم المنطقة على أنها محمية دولية، وليست إقليمًا قوميًّا له هويته ومصالحه ورؤيته المستقلة التي يَعبر بها بين ضفتي الخليج وضفتي القطبين المتصارعين أو المتوافقين على إعدادات صناعة المستقبل.
غير أنَّ هذه المبادرة لاسترضاء طهران تبقى محفوفة بستار غليظ مما يخبِّئه المجهول، وكيف ستعمل طهران على تجنُّب تَكرار ما حدث؛ بمعنى: هل ستقرأ طهران حالة الاحتقان بأنها جزءٌ من خلل داخلي تحتاج إلى مساحة تفاهم معه ؟.. وأنَّ من ضمن مسببات هذا الخلل انصراف ساسة إيران إلى توسيع برنامج التمدد والنفوذ في العراق وفي الخليج وَتَبَنِّيهِم إنشاءَ حركات طائفية تقوم على مُفاصلة بين أبناء الوطن على أسس مذهبية وولاء قومي لها ودفعهم للتنسيق مع المنظمات الأمريكية لتجسيد مشاريع متنقلة للمحاصة الطائفية؟.. هل ستدرك طهران وفريقها المحافظ أنَّ ذلك كان من ضمن أخطائها، وعليه فيجب أن تُصحِّح ذلك؟.. لا أعتقد ذلك، وهو بالنسبة لي ـ كمراقب ـ أمرٌ مستبعد، فلماذا؟
إن دراسة حركة الصعود الإيراني ببُعدها الطائفي الممهِّد للهيمنة الإستراتيجية كان ولا زال هدفًا قوميًّا للنظام الجمهوري الإيراني، كما هو في حقبة الشاه، وإن اختلفت الوسائط، وهي قضية مشتركة بين المحافظين والإصلاحيين، بغض النظر عن تضحيات وطموح أبناء الشعب الإيراني للخلاص من الاستبداد الداخلي.
وعليه فإنَّ اندلاع الصراع بين الفريقين في طهران حتى لو سوِّي مؤقتًا من خلال الشيخ هاشمي رفسنجاني أو غيره لن يغيِّر من هذا التوجه , وهو يتعزز في منظور الطرفين باعتبار أن هذا التدخل الشامل وفرض قوى على الساحة الوطنية لدول مجلس التعاون تختطف قرار شريحة من الطائفة وتلتزم بتوجيهات الإرادة الإيرانية العليا، هو في ذاته بالنسبة لطهران موضع قوة في مفاوضاتها وحربها الباردة مع واشنطن، ولا يمكن أن تُفرط في هذه البطاقات أيٌّ من قوى ومدارس الثورة الإيرانية، وفي نهاية الأمر فإنَّ من يَحكم في المنظور المستقبلي طهران الخضراء هم أوصياء مؤمنون بعقيدة التوسع الاستراتيجي. وكما قال الشيخ مهدي كروبي: الخليج فارسي منذ أكثر من 3000 عام , ومن سيتولى الحكم ليس تلك الجموع من الشباب الثائرة للحريات الفردية وقيم الديمقراطية الحقيقية، اللهم إلاّ في حالات انقلاب اجتماعي ثوري تطيح بهيكل وروح النظام، وهو أمرٌ مستبعد.
التوازن الأوربي (الخبيث) يدعم المعادلة؟
وتَطَابَقَ ما قاله وزير الخارجية السوري السيد وليد المعلم مع الكثير من التصريحات والمقالات الغربية بأنَّ تهديد الاستقرار في طهران يؤدي إلى الإخلال ببرنامج الحوار وما توصَّل له القطبان من توافقات يُعزز هذه المعادلة التي تكفل نوعًا من الاستقرار المهم لطهران، وهذا لا يلغي تداول الطرفين على برنامج النفوذ , وعليه فإنَّ الخليج العربي مرة أخرى العاجز عن أي دور تَوَازُنِي إنما يكتفي بمناكفات إعلامية مع طهران , وبالتالي لن يترتب على برنامجه تغيُّر، ولكنه قد يزيد من هذا التوتر، فكيف ذلك؟.
تصدير الصراع إلى الخليج
مع استقرار الأمور في جعبة الثوريين المحافظين فإنَّ توجهاتهم قد تعود لتحريك المياه في الخليج كنوع من تصدير الأزمة أو الانتقام لبعض التغطيات الإعلامية والرد عليها من داخل الشارع الوطني , خاصة وأنَّ تعدد القوى في المحافظين وآثار ما جرى من أحداث يونيه ستفتح لهم اجتهادات مخابراتية جديدة، وإن توحدوا في قيادة السيد الخامنئي، لكن تناولهم لأوضاع الخليج ومسارات تصدير الثورة قد يتنوع من خارج الإطار الرسمي المركزي المعتاد، وهو ما سيُضَاعِف من أزمة الحالة الخليجية الوطنية التي تفتقر بشدة إلى آفاق إصلاحية حقيقة تشمل الغالبية السُّنية في عموم الإقليم والأقليات.
نزاعٌ داخل البيت الخليجي
في نفس الوقت فإنَّ تطور الخلاف بين دول المجلس الذي انعكس على الوَحدة النقدية وملفات أخرى شائكة واختلاف واضح في تقدير بعض التعاطي مع القضايا الخارجية، فضلاً عن ألغام عديدة لم تُنزع بعد , رغم مرور قرابة الثلاثة عقود على مسيرة المجلس، إلاّ أنها لا تزال مهيأة للتلغيم والتصعيد.
إن مواجهة أي أحداث محتملة على ضفاف الخليج تنطلق من دراسة استرتيجية تنتمي للعمق القومي للمنطقة بهويتها الإسلامية، ويدير بها أصحابُ الشأن مشروعهم المركزي، ويتعاطَوْن مع قوى التأثير المهمة في المنطقة خارج إطار القطبين، إضافةً إلى الالتفاف الحقيقي لإصلاح البيت الداخلي الذي لو انفجر كما جرى في طهران فإنَّ فلسفة تأسيسِهِ لا تملك ما يضمن لها لَمْلَمَةَ الأوضاع ومعالجتها، وإن انتظار فِرَق الإسعاف من الخارج دائمًا قد يفضي بالمنتظر إلى أن يَسْتَبْطِئَهَا حتى ينتهي غرضها وتحِلَّ به الكارثة , وحينها يدرك أن فرق الإسعاف قد وجهها الأجنبي إلى حدوده وترك حدود الآخرين رهينة لأحلام الطامحين.