المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات الاتحادي الأمين جميل- عن صحيفة الرأي العام



بت الشبارقه
22-06-2009, 01:16 AM
من الذاكرة ... ما توارى وراء الزمن

براءة سياسية نهضت على القوة والاخلاص

حين سمعت هتاف الله اكبر داخل السجن إطمأن قلبي تماما

بقلم : الامين جميل

صاحب هذا السجل هو الامين جميل أحد ابرز الشخصيات الفاعلة في نسيج الاتحادي الديمقراطي المعارض منذ سبعينات القرن الماضي أين في ظروف الغليان التي كانت تمور بها الحياة السياسية .. تمور صراعاً حتى حرب إمتشاق السلاح الى جانب القلم والكلمة أي ابان نضال الشريف حسين وهو نضال عرفه الناس أجمعين كيف كان مستعراً .. فقد كان الشريف في حراكه السياسي الديناميكي تكاد تتلاشى أمامه الجغرافيا والقارات الخمس التي يعدها غدواً ورواحاً بحثاً عن السند والدعم لكبح ديكتاتورية مايو الغشيمة التي أطبقت بليل على حكم شرعي جاءت به الجماهير ووفق أروع عملية إنتخابية شهد لها الجميع.

الامين جميل كان في قيادة شباب الاتحادي الديمقراطي منذ تلك الحقبة الملتهبة.. بدأ مشواره منذ أن كان طالباً بجامعة الخرطوم حيث طلب منه الشريف حسين الانتظام في العمل المعارض ومن ثم تنظيم العمل الشبابي ومنذ ذاك الحين بدأ نشاطه الى جوار الشريف حسين الهندي حيث رأى كثيراً من الاحداث أو شارك فيها.. وكثيراً مما رآه أو سمعه أو شارك فيه يحاول تسجيله كأضافة غير مسبوقة تتيح معرفة الكثير مما لم يكن قد عرف «م . ص»

توطئة :

أخذ على بعض الإخوة والأصدقاء عزوفي عن الكتابة لسنوات طوال ، أما بعض الذين يعرفون عني أكثر فقد كان لومهم يكاد يصل أحيانا حد التعنيف، وقولهم ان الحقبة التي إتصلت خلالها أسباب أنشطتي بالشريف حسين الهندي ،جديرة بالكتابة عنها وتوثيقها.

وكنت أعزو ذلك العزوف الى أسباب شخصية ، لكن جدل الأصدقاء تفوق على حجتي بأن أعتبر الكتابة عن تلك الحقبة أمراً يتخطى شخصي إلى لمس إهتمامات آلاف من الإتحاديين والكثير من طلاب الحقيقة. والحقيقة أنني لم أنج يوما من تداعيات ذلك الماضي ولئن كنت أفلحت لسنوات في تجنب الكتابة عنه إلا أنني ما أفلحت في إسكات نداءاته واسترجاع تفاصيله بكل شجونه، زخمه ودروسه الثمينة.

وعندما أزفت ساعة الكتابة وجدتني تائها في غابة من التفاصيل ، ذكرى تقود إلى عشرات الذكريات ، وحادثة تستدعي تحليلات أعمق وفقرة تستولد فقرات... وهكذا إتسع مدى الكتابة وتدفقت التفاصيل. وقد إحترت حقا وأشفقت على القاريء من طول القراءة ومن أن يملها فانحيت جانبا معظم تلك التفاصيل خصوصا تلك التي تهتم بتاريخ الحزب وتغوص عميقا في مسببات أزمته على أن تنشر متابعة في موقعي الالكتروني ، اما الحلقات المختارة التي قصدت نشرها في هذه الصحيفة فقد حرصت أن تجمع بين متعة القراءة وسرد الوقائع كما عايشتها. ولست أزعم أن كتابتي تؤرخ لتلك الحقبة، بل هي كتابة في هوامش تاريخها وإلتقاط لبعض رموزها وأحداثها الدالة التي عايشتها.

هذا ، فقد إتبعت تقليدا مختلفا حرصت فيه أن أتحرر قدر المستطاع من قيود الكتابة التقليدية ، محاولاً أن أضمن النص تصوراتي المباشرة ، نقلاً فورياً من الذاكرة الى الورق. وهذا الاسلوب وإن عده البعض سهلاً فهو على الأقل عفوي أملى أن يصل إلى ذهن القاريء مباشرة وبسهولة.

إن ما كتبته يحتمل الكثير من الإضافات والتفصيل ، وكم أود من القراء وأولئك الذين شكلوا جزءاً من تلك المرحلة أن تتسع صدورهم لما جاء في متن هذه الحلقات ، وأن يكتبوا إلى مذكرين بما فاتني أن أتذكر لعلني آتى على ذكره أو أضيفه إلى النصوص التي أنوى نشرها في موقعي الالكتروني.

الحلقة الأولى : -

بدأت أولى خطواتي السياسية في العام 1974م بجامعة الخرطوم وتحديداً في الطابق الخامس بأحد مخازن داخلية التاكا بالبركس ، حيث كنت مع لفيف من الطلاب الإتحاديين نقوم بإصدار صحيفة (البرلمان) . كنت حيئنذ طالبا بجامعة الخرطوم أتقد عنفوانا وحماسة كشأن المئات من الطلاب السودانيين بالجامعة في ذلك الحين ، وقد كانت الأحوال السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالسودان آخذه في التحلل والإنحدار ، وثمة تدهور آخر أشد سوءاً كان يحفر عميقا في بنى الدولة ومؤسساتها ، غير أن قصور الرؤية وكثافة الإهتمام باللحظة حجباه عن الوعي.

كان السودان يمور ويغلي ، وكانت كل الوقائع تؤرخ لمحنته التي ما زالت متسمرة حتى الآن ، وقلما وجدت حينئذ من ثقبت رؤيته فاستشف ما انجابت عنه الأيام اللاحقة من كروب ومصائب. والشاهد أن سدنة نظام مايو كانوا قد غرقوا في تضاعيف اللحظة وانهمكوا في حياكة تفاصيلها وما أظهروا إلا البراعة في نيل حصتهم من السودان الذي غدا غنيمة في أنظارهم بعد أن أتخموا أهله الطيبين بكواذب الآمال.

ولعلنا أيضاً أسهمنا ضمن عملية معقدة في صياغة ذلك الماضي وتالياً مآلاته، تغاضياً او حتى فتوراً في التصدي وقصوراً في القراءة والاستشفاف.

عندما استرجع ذلك التاريخ البعيد أشعر بالدهشة إذ مازلت أشعر بحرارته وكانما أنا على اتصال يومي حميم به ، وأحسب أنه لا عجب أن أميل إلى تلك العلاقة ذلك بإنني أجد فيها البراءة السياسية التي نهضت على القوة والاخلاص.

كنت أقوم بتحرير صحيفة (البرلمان) فيما كان صديقي عباس الجيلاني (شقيق الفنان النور الجيلاني) يقوم بتصميمها، بينما كان أمر الأخبار منوطا بيوسف ابو شامة وسيد هارون إذ كانا على إتصال بقيادات الحزب الإتحادي الديمقراطي خارج الجامعة.

هكذا إذاً ، كنت عضواً برابطة الطلاب الإتحاديين ورغم تواضع هذه البداية بالقياس إلى إهتماماتي التي تنوعت وتطورت فيما بعد ، إلا إنني أجزم بأن تلك البداية كانت خصبة للغاية وقد أثرت وعيي السياسي كما شكلت البوابة التي فتحت لي كنوز المعرفة بالسياسة الثائرة والتي غالبا ما طبعت تجربتي السياسية في سنوات العمل الخارجي.

كنا في تلك الفترة نعمل بسرية سواء تعلق العمل بإصدار (البرلمان) أو تعداه الى الأنشطة الأخرى ، وغني عن الاشارة أن نظام مايو كان قد حظر كل الممارسات السياسية خارج إطار الإتحاد الإشتراكي فضلا عن قيامه بسجن القيادات الوطنية للأحزاب السودانية باستثناء الذين شايعوه ومشوا في موكبه. وبسبب من ذلك أيضا فقد إتسم عملنا بالعزلة النسبية إذ لم نكن نتلقى توجيهات مباشرة من قادة الحزب غير إننا كنا نقوم بتمرير ونشر أخبارهم التي كانت تأتينا عبر المصدرين آنفي الذكر ، وهو ما أفضى - بطبيعة الحال - الى هامش أتاح لنا إختبار قدراتنا على التنظيم وأحيا فينا خواص المبادرة.

من المفارقات ، أذكر ، أن ثمة خلافاً حول تنفيذية الرابطة كان قد نشأ بين يوسف ابو شامة ومحمد يوسف ، والطريف أن تنفيذية الرابطة كان أعضاؤها هم قادتها أيضاً لتعذر اتساع المشاركة بسبب الظروف الأمنية.

كنت أرقب خلافهما وأتساءل : ألا يجمل بنا كطلاب ثوريين أن نستنكف مثل تلك الخلافات ؟ . لعل التساؤل كان منطقيا ، لكن الخلاف بدا أكثر معقولية في ضوء الصراعات خارج أسوار الجامعة والتي كان موضوعها الإستئثار بزعامة الحزب بين العم حاج مضوي وأستاذنا علي محمود حسنين والسيد حسن حمد وغيرهم كثيرون.

عطفا على ذلك تخرج محمد يوسف في العالم التالي لبدء مزاولة النشاط الطلابي وغاب يوسف ابو شامة عن الأنظار لأسباب أجهلها وبقيت أنا وعباس وسيد والأخوين الصديقين عبد الماجد وسيف الدولة (رحمه الله) وكانوا جميعا يتأهبون للتخرج ، وفي أعقاب تخرجهم بقيت العضو الأقدم بتنفيذية الرابطة فغدوت رئيسها. فضلاً عن ذلك فقد أصبحت - فيما بعد - رئيساً لجمعية حقوق الإنسان بالجامعة وعضواً باللجنة التنفيذية لجمعية التراث الشعبي. وقد اتخذنا من هذه الجمعيات غطاء لانشطتنا السياسية ضد النظام.

تلك الفترة إغتذت بالخصوبة وإغتنت بالأهمية ، تعلمت خلالها الكثير وحاطتني هالة من الأهمية النسبية ، وبدأت أشعر بضرورة التقدم إلى الأمام ونحو التجسيد ، لأن هاتفا بداخلي كان يدفعني إلى الإعتقاد بأن ما نفعله لا يكفي لزلزلة نظام نميري لكن لم يكن لدي من الوسائل ما يعزز ذلك الحماس ، إذ لم يكن في الجوار من يقدم العون ذلك إنني كنت تقريباً أعمل بمعزل عن قادة الحزب وكان غياب الزميلين اللذين كانا يصلاننا بقادة الحزب يعزز تلك العزلة، ورغم ذلك ما كان يتعين أن تنبهم على السبل.

والحديث ذو شجون وما أحلاه وما أمره في ذات الوقت وأن يعود بي ربع قرن إلى الوراء ، أذكر الشائعات التي سرت ، عقب المحاولة الإنقلابية التي قادها الشهيد حسن حسين في الثاني من سبتمبر 1975، أن الشريف حسين الهندي ، زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي في الخارج كان ضالعاً في تلك المحاولة ، وفي إعتقادي أن ذلك يتضمن قدراً من الحقيقة ، لعلاقة الصداقة التي تربط الشريف بالسفير عثمان حسين شقيق الشهيد حسن قائد المحاولة الفاشلة. وكم تمنيت لو أن تلك المحاولة أفلحت لعلنا ما كنا أهدرنا كل هذه الأزمنة لتعويض الخراب الذي أحله نظام مايو بالوطن الحبيب.

كما أذكر كيف كنت هدفاً لرجال الأمن ، وطالما استشعرت الخطر من حولي لكنني تجاهلته الى أن جاء ذلك اليوم في مارس 1976م كنا في إضراب مفتوح إلا أن إدارة الجامعة أعلنت إمتحانات الملاحق في موعدها كما هددت بفصل الطلاب الذين يقاطعونها وقد فشل إتحاد الطلبة في إصدار بيان في هذا الخصوص فتضاربت الآراء ولم يدر الطلاب أي قرار يتخذون. فذهبت إلى الجامعة لإستطلاع الأوضاع وأثناء خروجي من بوابة الجامعة الرئيسية فوجئت برجلين من أمن النظام إقتاداني إلى زنزانة في الأمن العام. وجدت فيها ثلاثة مواطنين من بينهم أحد كبار موظفي دار النشر ، وكان معتاداً على الإعتقال بينما كنت والآخرين نعتقل للمرة الأولى ، فبدأ يحدثنا ويطمئننا ، وفي صباح اليوم الثالث طلبوني للتحقيق ، ومنذ الوهلة الأولى شعرت بجهل وفظاظة ضابط التحقيق ، كان متغطرساً ومتعجرفا ، وكان ذهني يفكر سريعاً وكنت أجيبه على أسئلته الساذجة بهدوء وبساطه. أنكرت الإشتراك في الإضراب كما أنكرت عضويتي في تنظيم محظور وعلى هذا إنتهى التحقيق وأرجعت الى الزنزانة مرة أخرى . في المساء ألحقت ومن معي بسجن كوبر.

فتحت بوابة السجن وسلمنا ضابط الأمن إلى ضابط السجن ، كانت الرهبة من المجهول تملأ نفسي ، قرأ الضابط إسمي فسألني ، من الشبارقة ؟ أجبته بالإيجاب عرفني بنفسه قائلاً : أنا أبوبكر من مدني ، من عائلة عشريه، ثم جاد على ببطانيتين جديدتين ، فشكرته على ذلك وأقتدت ومن معي إلى قسم الطواريء.

وقسم الطواريء ميدان فسيح ، يقع في أقصى شمال السجن نصبت فيه بعض الخيام ويتنفس فيه السجين الصعداء . ولكي نصل إليه كان لابد لنا من المرور علي زنزانات عتاة المجرمين. رمانا بعضهم بنظرات إشفاق وعطف والبعض الآخر لم يكترث لمرورنا.

فتح السجان الباب الحديدي للقسم فتعالى صريره ، عندها إشرأبت أعناق المئات بالداخل وتسمرت أعينهم وتركزت أنظارهم في المدخل، وعندما خطونا للداخل جاءنا الترحاب حاراً وكان هتافاً هز جدران السجن.. الله أكبر ..الله أكبر.. الله أكبر . إطمأنت روحي وهدأت أعصابي المتوترة فهتفت الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر . ذلك الإيمان الدافق والإحساس الصادق بالإتحاد والتعاضد بين المجموعات المتباينة في السجن هو بلا شك مصدر قوة الإحتمال لكل المعتقلين . قضى أن أمكث شهراً في كوبر ومن هنا تم نقلي إلى سجن ربك حيث وجدت العديد من الطلاب ولم يكن بينهم إتحادياً سواي ، وجمعتني الأقدار مرة أخرى بزملاء دراسة سابقين أذكر منهم الأخ سليمان الأمين الذي اعرفه منذ طفولتي والأخ حسين خوجلي والذي امتدت معرفتي به إلى سنوات الصبا إذ إلتقينا في أبو حراز الوسطي ، إلى ذلك فقد أنشأت صداقات جديدة مع طلاب من مختلف الاتجاهات السياسية.

كان السجن تجربة مختلفة تماما لا تشبه في شيء كل التجارب التي إكتسبتها ذات يوم ، كان لدينا الكثير من الوقت ولا شيء سواه ، فشرعنا نحفظ القرآن ونتلوه ، وينشد بعضنا الاشعار وينظمها البعض ، وأقمنا العديد من الحلقات الادبية وتحضرني هنا ذكرى (كرمة ابن هانئ) وهي فكرة استوحاها حسين وشاركناه فيها أنا وبابكر حنين وبكري عثمان ومحمد حسن الامين ، والفكرة تضمنت إستحضاراً لروائع الشعر والأدب ، وبعضاً من المداولات في الأماسي نقاشاً وحواراً عفوياً وسلساً . أيضاً كان هناك بعض الطلاب المتميزين بمواهبهم النادرة وإبداعاتهم الرائعة ، لم يألوا جهداً في الحفاظ على معنويات المعتقلين ، فأتحفونا ببعض الأعمال الممتازة ، أذكر منها مسرحية المك نمر التي قام بأدائها الأخ سليمان الأمين والأخ العبيد فضل المولي.

والجدير بالذكر ، ونحن في السجن ، كان إتحاد الجامعة يبث في الأمسيات برنامجاً إذاعياً يتضمن خطباً تحريضية ضد النظام يلقيها التجاني عبد القادر، رئيس الإتحاد ، وسكرتيره ابن عمر محمد أحمد. وقد أزعج ذلك النظام كثيراً فأرسل العشرات من عيونه ومخبريه للبحث عن التيجاني وعن ابن عمر وكشف موقع البث ، كما جدت أجهزته الأمنية في ذلك أيضاً بدون جدوى. وكانت المفاجأة الكبرى عندما شاهدنا التيجاني ضمن مجموعة الطلاب الذين تم إعتقالهم وألحقوا بسجن ربك ، شخصت الأبصار وألجمت المفاجأة الجميع وتجهمت الوجوه ، لكنه سرعان ما إبتسم الجميع بل قهقه بعضهم فجهاز الأمن لم يتعرف عليه . هل يعقل ذلك ؟ لم أصدق في البداية لكنها الحقيقة. تحرك الأخوان المسلمون تحركاً سريعاً وإيجابياً فرسموا خطة الفرار، وبعد أيام قليلة وفي تمام الصباح أو طابور الخمسات فقد معتقلان ، وهما التيجاني عبد القادر والمرحوم داؤود يحيي بولاد. وما كان لأحد أن يستجوبنا فنحن سجناء. وقد كان للسجن مرارة ترسبت في القاع ، كان الوقت يمضي في رتابة وبطء ، ولم يكن ما كنت أقوم به ترفيهاً يجلب السكينة الى الروح ، كان بالنسبة لي مقاومة مستميتة للشعور باللاجدوى واللاقيمة، فعندما تنحدر قيمة الإنسان وتستباح حريته وكرامته بهذا القدر لا توجد قوة في الأرض تصد عنه هجوم الظلام....

وفي العتمة وأنت تتكوم في إحدى زوايا السجن وتحدق في فضائه المسدود تحس بأن أطواق السجن ليس فقط تحد من إنطلاق جسدك بل أنها تطوق روحك أيضاً ... لا فرق بين ظلم وظلم ، الظلم هو الظلم في أية بيئة وأي حجم وفي أية صورة بدا ، في ظلامه أنت مكلف أن تصغي الى نداءات روحك الأعمق فتتعرف على ما فاتك وأنت محاط بالنور تائه عن نفسك حيناً ومأخوذاً بالاضواء في حين آخر ، في تلك اللحظة تقترب من ذاتك أكثر ويملأك اليقين بأن لامهادنة مع الظالمين والمستبدين ، وإن قيض لك أن تخرج من هذا الظلام فأنت آخذ عهداً على نفسك أن تظل حليفاً للعدل عدواً ما بقيت حياً للجائرين.

لعل نظام مايو هكذا أقوى شوكتنا وهو ينوي كسرها ، وأغلب الذين دخلوا سجونه خرجوا وقد انطوت دواخلهم على الإستماتة في مقاومته.

ولشد ما يدهشني أن نميري الذي عبث بالبلاد وأذل العباد وكرس الفساد تسقط بضربة قاضية كل جرائمه كأنما ذلك تسويق للظلم وتجويز له .. أمر عجيب حقاً..

على أية حال أطلق سراحي بعد أن أمضيت فترة الإعتقال التحفظي، لم يزرني خلالها أحد من الاتحاديين ، وإثر خروجي نما الى علمي أن ثمة تحركات عسكرية ترمي إلى الإطاحة بمايو فأرجأت عودتي إلى أهلي ومكثت بالخرطوم أرقب الموقف. كانت تلك أحداث يوليو 76 والتي سأتناولها بالدراسة والتحليل في مقالات منفصلة. «يتبع

عاطف عولي
23-06-2009, 08:46 AM
تلك رموز ساهمت في رسم خريطة مستقبل السودان وأثراء التجربة السياسية السودانية وقدمت من الفكر ما تنو عن حمله صفحات الكتب واصبحوا معالم علي الطريق واسماء شكلت تاريخنا السياسي.

صدقيني لا أستطيع الكتابة حرفآ واحد فهو فوق مسميات الحرف ومعاني الكلمة ومدلولات الجمل.
وليت الاخرين يفعلوا مثلي ويطلعوا فقط دون الاضافة واقول بكل صراحة ولا أقصد تجريح أحد نحن جيل التغيب والتغبيش ورصيدنا من تاريخنا صفر.
أتمني صادقآ ان تواصلي علي ذات الدرب وتكتبي بعض ما عندك عن تلك الشخصيات والرموز الوطنية التي بذلت الغالي والنفيس من اجل الوطن ورحم الله ذلك الجيل بقدر ما قدموا لهذا الوطن البنحلم بيه يوماتي.

شكرآ أختنا بت الشبارقة علي هذا العطاء المتميز شكرآ لاضافتك الي ذاكرتنا الخاوية بعض من كل وقطرة من محيط ونتمي المواصلة والعطاء.
اختي العزيزة فقط اكتبي ولا تلتفتي الي عدد المشاهدين او المشاركين لانك لا تقصدين انتشار الذات او هم شخصي ضيق بل طرقتي اوسع الابواب باب الوطن وهيا تغني في معشوقك الذي لا ينا فسك فيه احد.
صدقيني هذا الموضوع من قلايل المواضيع الفكرية التي طرحت في منتدانا.