مشاهدة النسخة كاملة : هــل علــم أصـــول الفقـــه ماعـــون يتســــع للديـالكتيــك
سوباوي
20-11-2007, 09:23 PM
هــل علــم أصـــول الفقـــه ماعـــون يتســــع للديـالكتيــك
أم الـديالكتيــك مــوازٍ لـــه ؟!!
في مقال سابق بالقسم الثقافي تم طرح متواضع وقد يكون مفتقراً للعلمية والمعلوماتية
الواسعة من قبل شخصنا الضعيف بعنوان "محاولة لثبر أغوار الذات والأنا"
وقد قصدت بـ (الأنا) سواء في حيزها الفردي أو الجماعي وتطورها في النثر
والشعر والموروث والمعرفة والثقافة والدين ،المنجز الحضاري.وكل هذه الأمور
هي مكونات وعي الآنا وناتج خطابها وموقفها من الآخر وبعدها تأتي مرحلة
التعبير عن منتوج هذه التجارب
أما الذات فبالعودة إلى بداية المقال نجد أن السماح رضاء الذات .. كما أقول أن
الضمير نواة الذات .. وتبدأ الذات بتكوين الرغبات في الأنا وتطويرها وقد يقودنا
هذا إلى أن الشر مثلاً نزعة فطرية أم مكتسبة وقد أقول بنظرة قد تكون فسلفية
أن الذات تنمو على التجارب والاستدلال
ولنقل أن الإنسان وبكل تفاصيله ومرتكزات شخصيته مستف أسرار وقدرات
ومواهب لا يمن يترع أبداع ابداع ولكنها متقوقعه في أعماق ذاتيته ومتى
ما حركتها انفعالاته بالوجود وما موجود حوله ستنتقل لمرحلة الأنا والتي
تعامل الوجود وما حوله وما فيه بمقام الأنا والآخر . وليس من السهولة كشف
حقيقة هذه المقامات. وما خفي أو ظهر منها ولكنها تكون ثمرة البني أدم بخيرها
وشرها الذي يتعامل بها في حياته ..
أنها المعرفة ونحن حواريون على بابها نأخذ ما خف حمله منها وتتسع له رؤانا ..
قد نخوض في مواضيع فلسفية بحتة وكلمة فلسفة تحبب في تناول المواضيع إذ
ولجناها من معناها الحقيقي .. فهي كلمة مشتقة من فيلاسوفيا و هي كلمة
يونانية الأصل معناها الحرفي "محبة الحكمة" .. فمن منا لا يحب الحكمة أو يحب
السير في ظلها أو حتى على حوافها والسؤال عن ما هية الفلسفة قد يكون هو الآخر
استفاهماً فلسفياً قابلاً لحوارات طولية. وهذه إحدى السمات الأساسية للفلسفة
وانتاجها للتساؤلات و التحري عن ماهية كل الأشياء وأسبابها وأسباب وجودها سواء
أن كانت على المعنى الحرفي أو اللفظي أو المعنوي أو المحسوس .. وتظل الفلسفة
متفردة عن جميع العلوم والتخصصات لارتباطها بكل ما حولنا فممارساتنا الحياتية
اليومية تنطوي على كثير من الفلسفة وأسرارها فلكل منا فلسفته الخاصة في التعامل
مع الآخرين وفي نظرته للأشياء وانتقائه لقراءة ما يحب وفي تربية أطفاله وفي ..
وفي .. الخ . كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي
يطرحها الوجود و الكون . وقد تكون أيضاً أسئلة أساسية لقوانين الطبيعة وقوانين
البشر وقوانين الخالق ومحتويات الأحكام الفقهية ومحطات وقوف على منطق اليسار ..
معذرة للإطالة ولكن التمهيد السابق فقط لندخل سوياً من عنده نحو ما نود
منا قشته أو نحو رؤيتي الخاصة في أن علم أصول الفقه علم واسع وله فلسفلته
الرفيعة في تناوله لمحتوياته كما أن الديالكتيك أيضاً علم رفيع وله فلسفته الخاصة
أيضاً .. ولكن الأول في اعتقادي هو ماعون يسع للثاني ..
وأتناول هذه الورقة وأنا مجرد تماماً من الخطاب الديني .. فقط أننا نناقش منطق
التناول في كل منهما .. قد أكون مخطئ فأحتاج إلى تصويبكم وقد أكون مصيب
فاحتاج للاستزادة من معرفتكم الواسعة ..
مؤكد محبتي للجميع .. وكونوا بخير .. بخير أبداً ..
"نواصل.."
صلاح ودالطاهر
20-11-2007, 10:13 PM
الاخ سوباوي طرحك لهذا الموضوع الفلسفي جميل جداً ونحاول ان ندلوا ولو ببعض من علمكم افادنا الله بكم ونحن ان نغوص معكم في هذا العمق الفلسفي علي حسب درستنا في كلية التربية وندعو الله التوفيق ....
حظى موضوع «الطبيعة الإنسانية» بأهمية بالغة في الحقل التربوي الحديث والمعاصر.فقد سعى كثير من المربين والفلاسفة إلى تحديد الآليات التي تكوّن عناصر الكائن الإنساني الظاهرة منها والباطنة. وقد كان هاجس تفسير طبيعة السلوك الإنساني موضوعًا للدراسة من قبل العلوم النفسية والاجتماعية والأنثربولوجية. غير أن الاهتمام العلمي والفلسفي على اختلاف التوجهات النظرية والأيديولوجية لم يكن اهتمامًا متجانسًا. الشيء الذي يفسر حقيقتين مهمتين: صعوبة ضبط السلوك البشري، ثم استحالة وضع تفسير واحد وموحد للظاهرة الإنسانية التي تتداخل فيها مجموعة معطيات بيولوجية وفيزيولوجية وعقلية
وقد اتفقت جل هذه العلوم حول مسألة واحدة هي غموض هذا الكائن وغرائبية سلوكاته سواء الغريزية أو المكتسبة. ولذلك اعترفت هذه العلوم بصعوبة امتلاك الخصائص التي تكوّن الفرد وصعوبة التحكم فيها أو توجيهها بشكل مبسط. ويمكن تفسير هذا اللغز والغموض في الظاهرة البشرية بكون الإنسان معجزة إلهية في طبيعة الصنع الخارجي، وفي الآليات الداخلية العصابية والعقلية والنفسية. ولذلك نجد في القرآن الكريم تذكيرًا غير ما مرة بأصل الإنسان وبمراحل الحمل والولادة ثم الموت والبعث. وهذا التحكم الرباني في الإنسان يظهر في قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه}[ق: 16] ثم إن السؤال التقريري في قوله عز وجل: {ألم نجعل له عينين* ولسانا وشفتين* } [البلد: 8 ـ 9].
يؤكد أن هذه الأعضاء الخلقية هي مصدر التحرك السلوكي. فالعين ليست فقط وسيلة للمشاهدة ولكنها كذلك عقله الذي يرى به وعاطفته التي تحيي إليه اللذة وتشكل مجموعة مواقف عصبية.
وغيرها من آليات التشكيل الإنساني. وتأسيسًا على هذه المعطيات نطرح الأسئلة التالية: ما هي الخصائص الحقيقية التي تميز الفعل الإنساني؟ هل هناك تفسير علمي وديني مقنعان لتصرفات الإنسان ووجوده التاريخي؟ ما هي مظاهر التي تميزه عن غيره من الكائنات؟
هذه كلها اسئله تحتاج الي اجابة
شبارقة
20-11-2007, 11:21 PM
هــل علــم أصـــول الفقـــه ماعـــون يتســــع للديـالكتيــك
أم الـديالكتيــك مــوازٍ لـــه ؟!!
"نواصل.."
الأخ الرائع صاحب المفردات الأنيقة والكلمة الأخّاذة والمتألق دوماً سوباوي ، لك كل الود
يجدر بنا قبل أن نخوض في الموضوع تعريف المصطلحات التي وردت في هذا المقال، وهي والله أعلم كالآتي:
أولاً : جاء في تعريف أصول الفقه:
• الفقه : هو في اللغة العلم بالشيء والفهم له فهماً دقيقاً وليس مجرد العلم ، قال تعالى : " فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً "
واصطلاحاً : هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
وقيل : هو العلم بأفعال المكلفين الشرعية دون العقلية , من تحليل وتحريم وحظر وإباحة . وقيل : هو العلم بالأحكام الشرعية . وقيل : معرفة الأحكام الشرعية
ثانياً: جاء في تعريف الديالكتيك:
الديالكتيك كما يقول ستالين الزعيم الشيوعى المعروف : اخذت كلمة ديالكتيك من الكلمة اليونانية : دياليغو ومعناها المحادثة والمجادلة وكان الديالكتيك يعنى فى عهد الاولين : الوصول الى الحقيقة باكتشاف التناقضات التى يتضمنها استدلال الخصم والتغلب عليها.
شبارقة
20-11-2007, 11:31 PM
اذن ، ومن خلال التعريفين السابقين يتضح أن الديالكتيك يعتمد على العقل في المقام الأول دون أي مرتكز ديني أو عقائدي، وأصول الفقه مادة تعتمد على الدين والتشريع الرباني في المقام الأول مهما بلغ الاجتهاد ودور العقل فيها! فهي تعمل على خلفية دينية عريضة ، وحدود معروفة لا يمكن تجاوزها!!
على ضوء ذلك: هل يمكن أن نطرح الموضوع كالآتي:
هل الدين والعقل متلازمين، أم يوجد تضاد وتنافر؟
وإلى أي مدى نستطيع أن نحكم العقل في أمورنا الحياتية بكافة أوجهها وأشكالها؟
وما الأمور التي يجب أن نصدقها ولو لم تستوعبها عقولنا ولم تقتنع بها كمال الاقتناع؟
مثني ودالعيكوره
20-11-2007, 11:38 PM
شكراً سوباي ..
جزيلا ودالطاهر ...
كثيرا شبارقه....
علي هذا الغوص في اعماق الفلسفه
دعوني اراقب عن كثب
سوباوي
21-11-2007, 12:18 AM
الودودين كما نيل بلادي ..
ود الطاهر ..
أنيق هذا الذي طرحته يا صاحبي ومؤكد أنه قد تمم لما نريد الغوص فيه وسأرجع
لأسئلتك بعد حين ...
الرائع بحق شبارقة ..
كيف حالك يا صيدقي وعساك عافية وألف حمد لله على عودتك سنأتي يا عزيزي
لكل الذي ذكرته تباعاً وأقدر لك اهتمامك ومؤكد أنني سأستفيد من طرحك الموسع
هذا .. لك بحوزتي أشواق شامخة ومعزات راسخة .. مدني برقم هاتفك فبيننا كثير
من اللقاءات المؤجلة والحكي الذي لم يكتمل ..
الراقي مثنى ..
نحتاج يا سيدي لأن نستفيد منك برفقتك يحلو الحديث وشكراً مزركشاً لحضورك
في هذه المساحة..
تحياتي للجميع .. أكثر من أن تسمى محبة ،،
سوباوي
21-11-2007, 12:23 AM
ولعقد المقارنة بين علم أصول الفقه والديالكتيك يجب أن نلقي نظرة تعريفية
عليهما .. ولنبدأ بتعريف أصول الفقه .. فأصول الفقه علم متشعب ويحتاج
لتخصص ودراية ولتسهيل الأمر على القارئ لن نخوض في مسائله عميقاً
وانما فقط سنتلمس أيسر السبل لإيصالنا لجوهره فيمكن لنا القول
إنّ علم أصول الفقه ميدانا واسعاً لالتقاء آراء العلماء والمحقّقين وتلاقح أفكارهم،
ويعتبر من أفضل ميادين المجادلة للخروج بأساسيات تقودنا للسير بأحكام وقواعد
وفقاً لناموس الكون وهو في مجمله حوارات ومعارضات بين مالكي أدوات المعرفة
حول مسائل تخدم كل البشر فلمفردة الأصول تعريف وكذلك لمفردة الفقه وتحتوي
الأخيرة على فقه المعاملات والبيوع والتربية وكل أفعالنا في هذه الدنيا تحتاج
منا لفقه ومعرفة تمكننا من تسييرها وفق متطلباتنا وبمنطق يوفق ما بين المتطلبات
والعقائد الخاصة، إنّه ميدان مهمّ عند البحث فيه، لأنه يشكّل الأساس لأحكام الدين
الاسلامي الحنيف في شؤون العبادات والمعاملات، ومن جهة اُخرى يشيد حجر
الأساس للتقريب بين فقه المذاهب الاسلامية.
أو كما يقول الغزالى صاحب الاحياء رحمه الله :
أن علم أصول الفقه هو العلم الذى ازدوج فيه العقل والسمع (أي النصوص)
واصطحب فيه الرأى والشرع ؛ فأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل ؛
فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لايتلقاه الشرع بالقبول ولا هو مبنى على
محض التقليد الذى لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد .
لهذا صار هو الأساس لعلم الفقه ؛ الذى عليه مدار السعادة فى الدنيا والآخرة .
أما الفقه اصطلاحا : فقد اختلف العلماء هل هو قطعى أم ظنى ؟
فمن قال انه قطعى عرفه بأنه : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها
التفصيلية .
ومن ذهب الى أنه ظنى وهو الامام أبو حنيفة _ رضى الله عنه _ عرفه بأنه : معرفة
النفس مالها وما عليها.
ولكن هذا التعريف يدخل الأحكام الاعتقادية فيه، وهي ليست من الفقه عند جمهور
الفقهاء، ولذلك زاد الحنفية على هذا التعريف كلمة: (عملا) لإخراج الأحكام الاعتقادية،
وأبو حنيفة في تعريفه السابق للفقه، قصد إلى إدراج الأحكام الاعتقادية في الفقه، وكان
يعده كذلك، حتى إنه ألف كتابا في التوحيد سماه (الفقه الأكبر).
إلا أن المتأخرين من الفقهاء رأوا قصر الفقه على الأحكام العملية دون الاعتقادية تيسيرا
على الدارسين، وذلك دون شك اصطلاح، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.
وعرف الشافعية الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها
التفصيلية)، وقد درج الأصوليون على اختيار تعريف الشافعية للفقه لما فيه من زيادة
تفصيلية وتوضيحية لمعنى الفقه تتناوله بالتحليل، مع الإشارة إلى أنه مطابق لتعريف
الحنفية للفقه ولا يخالفه، إلا في أنه ينص على ضرورة استخراج الحكم من الدليل، فلا
تسمى معرفة الحكم فقها إلا إذا كانت هذه المعرفة تصل بين الحكم ودليله، وهي نقطة
هامة حرية بالاعتبار، وإلا دخل كثير من العوام في زمرة الفقهاء، وهذا المعنى ملحوظ
أيضا في تعريف الحنفية للفقه وإن لم ينص عليه لفظا.
هذا وقد أطلق الفقه أخيرا على الأحكام نفسها بعد أن كان عَلَما على العلم بهذه– الأحكام،
ومنه قولهم: هذا كتاب فقه، أي يضم أحكاما فقهية، وذلك من باب إطلاق المصدر وإرادة
اسم المفعول.
ويكون المراد بمعنى أصول الفقه الاضافى اذن :
أدلة الفقه ؛ من حيث هى أدلة ؛ وهى شاملة للأدلة الاجمالية والتفصيلية ولا يشمل مباحث
الترجيح والاجتهاد والأحكام.
تعريف علم أصول الفقه بمعناه اللقبى
أصول الفقه بمعناه اللقبى أى : باعتباره اسما لعلم مخصوص من العلوم الشرعية قديطلق
اما على :
قواعد الفن ؛ أى مسائله الكلية التى يبحث فيها عن أحوال موضوعه .
أو على ادراك هذه القواعد نفسها ؛ أى معرفتها والتصديق بها عن دليل .
أو على ملكة الاستحضار الحاصلة من مزاولة هذه القواعد نفسها .
ومن الأصوليين من عرفه بأنه : قواعد الفن المعروفة ؛ منهم من عرفه بادراك قواعد
الفن أو ملكة الاستحضار .
غير أن أشهر التعريفات لأصول الفقه : تعريف القاضى البيضاوى ؛ والذى عرفه بأنه :
معرفة دلائل الفقه اجمالا ؛ وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .
وقد عبر القاضى البيضاوى بلفظ المعرفة دون لفظ العلم لمناسبتها للمسائل الأصولية ؛ اذ
يكفى فيها الدليل الظنى فيكون التصديق بها أعم من أن يكون ظنيا أو قطعيا . بخلاف العلم
فالغالب اطلاقه على الدليل القطعى .
"ونواصل"
*ملاحظة : سيرد في نهاية المقال كل المراجع المقالات التي استعنا بها
عوض صقير
21-11-2007, 01:01 AM
حبيبنا سوباوى
موضوعك عايز مذاكرة ونحن كبرنا على الكلام ده !
أولاً: ماهو علم أصول الفقه : علم أصول الفقه هو أحد العلوم الإسلامية الأصيلة ويقصد به العلم الذي يبحث في كيفية استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية . فيهتم هذا العلم بدراسة الاحكام الشرعية وكذلك بالمجتهد الذي يقوم باستنباط هذه الاحكام وشروط الاجتهاد وكذلك بالقواعد الفقهية ذاتها واخيرا طرق الاستنباط لهذه الاحكام .
ثانياً : ماهو علم الديالكتيك : ديالكتيك كلمة يونانية معناها اللغوى فن الحوار والمناقشة , وهو كما عرفه أرسطو شكل غير برهانى للمعرفة ( مظهر فلسفة ) وليس معرفة يقينية ومن هنا فأنه فى نظره نوع من الجدل , وليس من العلم وهو أحتمال وليس يقيناً وهو أستقراء وليس برهاناً ومن خلال هذا التعريف نرى بأن الديالكتيك يقود إلى معرفة أحتمالية , ظنية .
وبالتالى فأن ماعون علم أصول الفقه لايوجد به متسع لعلم الديالكتيك حيث كل علم ماعونه يختلف عن الآخر , والله أعلم
بورتبيل
21-11-2007, 01:30 AM
هذا الحديث الفلسفي الذي يبحث عن وضع ثوابت لعلاقة بعلم الاصول الفقية بالعلم الديالكتيك - ولكن كنت اكثر تخوفاً من ان يكون الحديث نارً من تحت الرماد ويقود الى جدال ديني يخرجنا من الملة في نظر الكثيرين.
وحقيقة لا اخفيها قد استعصى على الفهم اكثر من مرة لادراك معنى ولو بسيط لما يرمى اليه سوباوي.
أما الذات فبالعودة إلى بداية المقال نجد أن السماح رضاء الذات .. كما أقول أن
الضمير نواة الذات .. وتبدأ الذات بتكوين الرغبات في الأنا وتطويرها وقد يقودنا
هذا إلى أن الشر مثلاً نزعة فطرية أم مكتسبة وقد أقول بنظرة قد تكون فسلفية
أن الذات تنمو على التجارب والاستدلال
اجد هنا لم توجد اجابة قاطعة عن الشر هل هو غريزة ام نزعة هل هو فطري ام مكتسب ( بمعنى هل هناك عوامل تدفع وتودى الى الشر ام ان هناك قوة خفية هى التى تقود اليه او تدعو الى مخالفته ومحاربته داخل الذات). للاخذ بها كدعامة من دعامات الفلسفة في مقارناتها باقي العلوم - يقول الله تعالى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) والغل معروف مقصود به البغضاء والمشاحنات والحقد حسب ما جاء قي التفاسير.
أنها المعرفة ونحن حواريون على بابها نأخذ ما خف حمله منها وتتسع له رؤانا ..
قد نخوض في مواضيع فلسفية بحتة وكلمة فلسفة تحبب في تناول المواضيع إذ
ولجناها من معناها الحقيقي .. فهي كلمة مشتقة من فيلاسوفيا و هي كلمة
يونانية الأصل معناها الحرفي "محبة الحكمة" .. فمن منا لا يحب الحكمة أو يحب
السير في ظلها أو حتى على حوافها والسؤال عن ما هية الفلسفة قد يكون هو الآخر
استفاهماً فلسفياً قابلاً لحوارات طولية. وهذه إحدى السمات الأساسية للفلسفة
وانتاجها للتساؤلات و التحري عن ماهية كل الأشياء وأسبابها وأسباب وجودها سواء
أن كانت على المعنى الحرفي أو اللفظي أو المعنوي أو المحسوس .. وتظل الفلسفة
متفردة عن جميع العلوم والتخصصات لارتباطها بكل ما حولنا فممارساتنا الحياتية
اليومية تنطوي على كثير من الفلسفة وأسرارها فلكل منا فلسفته الخاصة في التعامل
مع الآخرين وفي نظرته للأشياء وانتقائه لقراءة ما يحب وفي تربية أطفاله وفي ..
وفي .. الخ . كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي
يطرحها الوجود و الكون . وقد تكون أيضاً أسئلة أساسية لقوانين الطبيعة وقوانين
البشر وقوانين الخالق ومحتويات الأحكام الفقهية ومحطات وقوف على منطق اليسار ..
لا اقول انه تحريض على الخوض في المعنى , ولا اقول بانه دعاية للفت والانتباه - ولكن حين يكون التعريف والشرح للفلسفة وايضاح ماهيتها في هذا الحيز اعتقد بانه نجاح بارع ومحنك لتقريب الفهم المستعصى احيانا وعلى الكثيرين واعلم هذا جيداً.
بعيداً عن لب الموضوع اعتقد بان الكاتب يجرنا الى النقاش وكشف ما يحوم في الدواخل من تساؤلات موجودة وتمر علينا ونمر خلالها .. لنستشف الفرضيات على انها حقائق - ( والافتراض ما هو الا تفسير للفشل الادراكي ومحاولة الهروب منه - في اعتقادي) وهذا يتعارض مع العلوم الفقيه اذ ان مبدأ الافتراض غير متضمن في العلم الفقه.
عزيزي سوباوي ساعود اليك باذن الله وانا احاول ان اتفهم ما ترمي اليه من هذا التساؤل.
ولا تاخذ بكلامي على انه ثابت فقط هي محاولة برمى حجر في بركة هذا الاستفهام الكبير؟؟
سوباوي
21-11-2007, 10:45 PM
الأساتذة الأجلاء .. عوض صقير .. وبرتوبيل الموقرين
سعيد أنا تماماً لوجود قامات قانونية مثلكما على نواصي هذا البوست وسعيد
أيضاً لتناولكما الواعي للموضوع ولطرحكم الذي أثق في جودته للاستفهامات
المصاحبة ومؤكد أنني أستفدت وسأظل أستفيد مما لديكم في هذا الجانب فقط
أنني أطرح رؤيا خاصة حول هذا الموضوع وفي انتظار أبواب معلومات أوسع
للآخرين .. فقط ما وددت قوله هنا أني سأعود للرد على طرحكم ومناقشة وجهات
نظركم فقط استميحكم عذراً لأن أواصل حتى أعود إليكم برد مترابط وهذا لا يعني
وقف المداخلات إلى أن أخلص بل من المفيد بين كل جزئية والتي تليها طرح أراء
الآخرين وسنأتي عليها تباعاً .. وفي انتظاركما ..
معتق تحياتي .. ووافر محبتي ...
سوباوي
21-11-2007, 10:50 PM
نواصل في هذا الجانب ومؤكد سنكون مستنيرين بما أورده ا لأساتذة الأجلاء ،
الأستاذ شبارقة والأستاذ عوض صقير والأستاذ بورتبيل حول تعريفات الديالكتيك ..
فكما قال الأخ شبارقة : ((الديالكتيك كما يقول ستالين الزعيم الشيوعى المعروف :
اخذت كلمة ديالكتيك من الكلمة اليونانية : دياليغو ومعناها المحادثة والمجادلة وكان
الديالكتيك يعنى فى عهد الاولين : الوصول الى الحقيقة باكتشاف التناقضات التى
يتضمنها استدلال الخصم والتغلب عليه)).
وأيضاً كما جاء في مداخلة الأخ عوض صقير أن الديالكتيك: ((كلمة يونانية معناها
اللغوى فن الحوار والمناقشة , وهو كما عرفه أرسطو شكل غير برهانى للمعرفة
( مظهر فلسفة ) وليس معرفة يقينية ومن هنا فأنه فى نظره نوع من الجدل ,
وليس من العلم وهو أحتمال وليس يقيناً وهو أستقراء وليس برهاناً ومن خلال هذا
التعريف نرى بأن الديالكتيك يقود إلى معرفة أحتمالية , ظنية )).
وأضيف أنا هنا آخذاً كل ما يرد حول تعريفات الديالكتيك وفلسفته من مقالات
ومراجع حول هذا الموضوع فقط مضيفاً عليها بعض الجمل التوضيحية وطرح
آراء خاصة حول هذه التعريفات .. وحتى لا نطيل المقال ويدخل بنا في دهاليز قد
تخرجنا من مقاصد هذا الطرح سأتناول معي ما رميت إليه من طرح هذا البوست
عن مقارنة بين علم أصول الفقه والديالكتيك في موضع ما يمكن مقارنته حتى
يتم توصيل طرحي بشكل سهل ثم نبدأ مناقشته من جميع أوجهه وكلي ثقة في
الاستفادة من جميع الحضور هنا وعلى رأسهم الزملاء القانونيون ..
إن كلمة ديالكتيك كما تفضل الأساتذة أعلاه هي كلمة يونانية قديمة تعني في
اللغة فن الحوار والمناقشة وخصوصاً المبنى منها على السؤال والجواب.
وقد استعملها برمنيذس الإيلي للدلالة على نوع من الحجاج يقوم على افتراض
ماذا عسى أن يحدث لو أن قضية معطاة على أنها صحيحة قد أنكرت. وعنده أن
((ما هو موجود، موجود))، و ((ما ليس بموجود هو ليس بموجود)): فلو أنكرنا
هاتين القضيتين لكان هناك ((شيء آخر))، وما دام لا يوجد إلا ((ما هو موجود))
فقد ثبت فساد إنكار هاتين القضيتين، ولهذا لا يوجد ((تغير))، إذ كل ((تغير)) يقتضي
((غيرا))، ولا يوجد أي غير.
ثم جاء أفلاطون من بعده فاستعمل نوعين من الديالكتيك: الديالكتيك الصاعد،
وهو طريقه للصعود من المحسوس إلى المعقول، ـ . والديالكتيك النازل، ويقوم في
الاستنباط العقلي للصور الأفلاطونية. والديالكتيك الأول، يستخدم ((القسمة))
و ((التركيب))، وهما وجهان لعملية واحدة، إذ ينتقل من الجزئيات إلى الكلي
الذي هو أصلها وأساسها.
أما الديالكتيك النازل، أي الاستنباط العقلي فيمكننا من التمييز بين ((الصور))
(أو المثل).
وعن طريق هذا الديالكتيك يمكن تصنيف الأشياء وفقاً للصور، ويمكن المناقشة
عن طريق الأسئلة والأجوبة. والديالكتيك ((هو مفتاح كل تركيب العلم)). وبه
يمكن بيان العلاقات أو الإضافات بين الصور. وعكس هذا تماماً يقرر أرسطو:
إذ هو يضع الديالكتيك في مقابل البرهان. ويقول أن ((التفكير يكون ديالكتيكياً إذا
كان يستند إلى ظنون يقر بها عامة)). ((الحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند
إلى مبادئ مناسبة لكل موضوع، لا إلى الآراء التي يقول بها الذي يجيب ..
والحجج الديالكتيكية هي تلك التي تستند إلى مقدمات مقر بها عامة)).
ويقرر أرسطو أيضاً أن ((الديالكتيك هو في الوقت نفسه وسيلة للفحص، لأن فن
الفحص ليس إنجازاً من نوع الهندسة، لكنه إنجاز يمكن المرء اكتسابه، حتى لو
لم تكن لديه معرفة، أي يمكن من ليس لديه معرفة أن يفحص من عنده معرفة وأن
يمتحنه، إذا سلم له الأخير بأمور ليست مأخوذة من الأشياء التي يعرفها أو من
المبادئ الخاصة للموضوع الذي يجري النقاش فيه، وإنما من كل نطاق النتائج
المترتبة على الموضوع الذي يمكن المرء أن يعرفه دون أن يعرف نظريته ولكنه
إذا لم يعرفه فهو ملزم بأن يجهل نظريته. ولهذا فإن فن الفحص لا يقوم في معرفة
أي موضوع محدد، ولهذا السبب فإنه يشتغل في كل شيء، لأن كل نظرية لشيء
ما تستخدم أيضاً مبادئ مشتركة. ولهذا فإن كل انسان، حتى الهواة، يستخدم
الديالكتيك على نحو ما)).
فلنقف هنا قليلاً عزيزي القارئ مع أرسطو في تعريفه ونظريته بأن الديالكتيك
وسيلة للفحص ومقارعة بالمعارف حتى أنه يمكن للذي لا يعرف أن يمتحن الذي
يعرف ما لا يعرفه .. بالرجوع إلى قصة الصحابيين الذين ذهبا لقراءة القرآن
خارج مضارب القبيلة خوفاً من المشركين فكانا يتليا على بعضهما بعض الآيات
من سورة المائدة وعندما آتيا على الآية "37" منها قرءاها كالتالي ((فالسارق
والسارقة أقطعوا أيديهما جزءاً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم)) وكان
هناك أعرابي يرعى أغنامه بالقرب منهما يستمع لما يقولان وهما لا يلقيا له
بالاً مع العلم بأن الأعرابي لا يعرف شيء عن القرآن فقاطعهما قائلاً ما هذا
الذي تقولانه فقالا له أنه قرآن أتى به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من عند
الله فتعجب الأعرابي قائلاً لهما كيف يكون هذا كلام من عند إله أو نبي فلا يمكن
لإلهكم هذا أن يقطع وينكل ثم يغفر ويرحم بل الصحيح أنه "عزّ فحكم" بل قولا
عزيز حكيم وبمراجعتهما للقصاصات المكتوبة معهم وجدا أن منطق الإعرابي
صحيح فهو استخدم عقله ومنطقه تجاه المسموع فكانت حجته واضحة وأنا أعتقد
أن هذا المنطق كان بداية حواراً للمعرفة ودخول المنطق في التصديق وهذا الذي
أمر به الله سبحانه وتعالى من تفكر وتدبر وهذه قد تكون نواة علماء أصول الفقه في
حججهم باستخدام المنطق في الوصول إلى استنباط الأحكام التفصيلية من أدلتها
الشرعية، وحتى لا يختلط على المتلقي ما أرمي له فأنا لا أتحدث عن المرجعيات
مثل أن أصول الفقه تعتمد في مرجعيتها على الإسلام و أن الديالكتيك أو جزء من
منطقه يعتمد على الظنيات .. وأنما أتحدث عن محتوى الفكرة نفسها في الاجتهاد
المعرفي والمنطقي بينما ما قاله أرسطو وما فعله ذلك الأعرابي وكأن أرستو يفسر
موقف ذاك الأعرابي بحذلقة وفلسفة أخرى فقط أريد أن أثبت لو أن أرسطو وضع
الرحمن في قلبه ونطق الشهادتين لوجد كل نظرياته موجوده في القرآن وتم تفكيكها
في علم الأصول الفقهية ولوجد أن القرآن مرجعية ثابتة وشاملة بدلاً من مرجعيته
المتمثلة في الوجود ومتغيراته .
وبالجملة، فإن الديالكتيك عند أرسطو، شكل غير برهاني للمعرفة، وهو ((مظهر فلسفة))
وليس معرفة يقينية، ولا الفلسفة نفسها. ومن هنا فإنه في نظره نوع من الجدل، وليس من
العلم، وهو احتمال، وليس يقيناً، وهو ((استقراء)) وليس ((برهاناً)) أي حجة يقينية. ولهذا
نرى أرسطو يذهب أحياناً إلى نعت الديالكتيك بأنه معرفة احتمالية، ظنية.
"ونواصــل .."
*ملاحظة : سيرد في نهاية المقال كل المراجع المقالات التي استعنا بها
سوباوي
21-11-2007, 11:07 PM
وفي القرن الثامن عشر في أوروبا عاد للديالكتيك معناه الذي كان له عند
أرسطو، كما أنه من المهم جداً في الحديث حول هذه النقطة أن نقف عند أسم
عربي كبير والذي كان أبرز المفكرين العرب الذين تركوا بصمات عميقة
ومعالم طريق واضحة على الفرك الأوربي الحديث وقد يتشعب بنا هنا الحديث
عن ضرورة الخروج من النص قليلاً ومن باب المعرفة لأن الفيلسوف المغربي
الفذ ابن رشد كان له دوره في رسم الصيرورة الفكرية التاريخية التي مهدت لفكر
ماركس لكي نمتكن من خلالها من الاكتشاف وبشكل ملموس الثورة الجذرية
والشاملة التي أحدثها ماركس في نظرية المعرفة البشرية
*
من الوجهة التاريخية الأصلية، يمكن القول، بأن الانسان بدأ يفكر تفكيرا منطقيا،
عندما بدأ يفكر تفكيرا فلسفيا. ولقد بدأ الانسان يفكر تفكيرا فلسفيا، حينما أخذ يبتعد
ويتخلى عن التفكير الأسطوري القديم. فالفلسفة إذن، تعارض الشكل الخيالي
للأسطورة، بالشكل المنطقي للعقل والمفهوم.
لكن العقل يستند في تفكيره، على مجموعة من المقولات والقواعد والصور
الذهنية (des catégories logiques)، مثل: العام والخاص، الوحدة
والتنوع، الصدفة والضرورة، التماثل والاختلاف، إلى غير ذلك.
فالتفكير المنطقي يبدأ إذن لدى الانسان، عندما تصبح تلك القواعد المنطقية تتحكم
في حركة عقله، أي عندما يصبح قادرا على تمييز ما هو ثابت من خلال المتغير،
والعام في إطار الخاص، والصدفة في الضرورة... إلخ. الانتقال من الايديولوجية إلى علم
التاريخ لننطلق من الاشكالية التالية: التاريخ. التاريخ الملموس.. التاريخ الملموس في
كليته. ما هو التاريخ ؟ هو عدد لا يحصى.. لا نهائي، من الوقائع والأحداث،
والعلاقات، والخاصيات، والجوانب.. إلخ.
هو: حضارات الصين، والهند، وبابل، وفارس، ومصر، وأمريكا الجنوبية، وافريقيا..
هو: الحضارة التكنولوجية الحديثة.. هو: حروب الاسكندر المقدوني، ويوليوس
قيصر، وخالد بن الوليد، ونابليون، والحرب العالمية الأولى، والثانية.. هو: انتفاضة
العبيد بقيادة سبرتاكوس، وثورة الزنج في العراق، والثورة الفرنسية، والبلشفية،
واستقلال أمريكا.. هو: الرأسمالية، والامبريالية، والاستعمار، واغتصاب
فلسطين..والحكم الثنائئ في السودان والثورة المهدية، هو اليهودية، والبوذية،
والمسيحية، والاسلام.. هو: الفن الاغريقي، والشعر العربي، والمسرح الانجليزي،
والأدب الفرنسي، والفلسفة الكلاسيكية الألمانية، والأوبرا
الطليانية، والباليه السوفياتي، وموسيقى الجاز الأمريكية.. هو: البشر، والتجارة،
والزراعة، والصناعة، والمال، والفكر، والجنس... إلخ.
التاريخ الملموس إذن، هو كل هذه الخاصيات والجوانب اللامتناهية.
كيف يمكن الربط منطقيا وواقعيا، بين كل تلك الجوانب اللامتناهية ؟.. ما هوجوهر
التاريخ ؟.. ما هي قاعدته الأصلية التي تأسست عليها كل جوانبه، المتعددة بشكل
لانهائي، والغنية بشكل لانهائي ؟.. ما هي العلاقة التناقضية الأولى التي تؤسس
التاريخ ؟.. ما هو محركه ؟
"ونواصــل.."
* من مقال تأثيرات بن رشد على الفلسفة الأوربية.مقال ثورة ماركس في نظرية المعرفة .
سوباوي
22-11-2007, 12:24 AM
عن هذه الأسئلة، أجاب هيجل: وقال: ان محرك التاريخ هو الفكرة المطلقة.
وعنها، رد فويرباخ قائلا: لا، ليس محرك التاريخ هو الفكرة المطلقة، بل هو
الانسان الملموس.
وقال فرويد بدوره: إن محرك التاريخ، ليس هو الفكرة المطلقة، ولا هو الانسان
الملموس، بل هو تسامي الطاقة الجنسية (La sublimation).
وقال سارتر: إن محرك التاريخ، لا هذا، ولا ذاك، بل هو المعنى الوجودي.
وقال ميشيل فوكو: إن كل ذلك مجرد أوهام.. فمحرك التاريخ الحقيقي، هو النسق
البنيوي.
هكذا إذن ظل كل فيلسوف يدلو بدلوه، ولائحة الفلاسفة الذين رشحوا أنفسهم للاجابة
عن ذلك السؤال المحير، لائحة كبيرة.
ولعل أبلغ تعبيرعن تخبط الفلاسفة هذا، هوالكلمات المقتضبة، لكن العميقة جدا،
التي جاءت في الأطروحة الحادية عشرة لماركس ضد فويرباخ. تقول تلك الكلمات:
« إن الفلاسفة لم يفعلوا سوى، تفسير العالم بطرق مختلفة... ».
وتعتبر الاجتهادات السابقة لهؤلاء الفلاسفة مما يندرج تحت باب ديالكيتك الطبيعة
وديالكتيك التاريخ .
وبنظرة شاملة لما تم طرحه من قبلهم نجد أن كل الذي توصلوا إليه قد تم اختصاره
من قبل المولى عز وجل في مفهوم الأستخلاف .. وقبل أن نلج في هذا المفهوم
ننويه إلى أن الحديث آتي نحو المفاهيم في علم أصول الفقه ونظرية النقيض في
الديالكتيك .. ولنعد الآن إلى موضوع الاستخلاف والذي سيكون ماعوناً واسعاً لكل
النظريات السابقة وأشمل مما توصل إليه أولائك الفلاسفة فكل نظرياتهم حول الوجود
والطبيعة وديناميكيتها هو ما جاء في مفهوم الاستخلاف بأركانه الأربعة أو بعناصره
الأربعة إن صح لي التعبير ..
لقد تم استخلاف الإنسان من قبل الله سبحانه وتعالى في هذا الكون وأناط به مهمة
تطويره وإعماره وتذليل صعابه والاستجابة لتحدياته من أجل تسوية أرضيته
كي تكون أكثر ملاءمة لحياة مطمئنة تعلو على الضرورات وهذا ما يندرج تحت باب
التدبير والسعي من الإنسان في الأرض وتطبيق نظرياته العقلانية على الوجود
حتى يصل به على اليقين،
إن مبدأ الاستخلاف يتكرر أكثر من مرة في القرآن الكريم: { هو الذي جعلكم
خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم
إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا } (فاطر:39)، { وهو الذي جعلكم
خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك
سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } (الأنعام: 165).
((ومسألة الاستخلاف تبدو من خلال هذه الآيات مرتبطة بالخيط الطويل العادل
من طرفيه: العمل والإبداع ومجانبة الإفساد في الأرض من جهة، وتلقي القيم
والتعاليم والشرائع عن الله سبحانه، والالتزام الجاد بها خلال ممارسة الجهد
البشري في العالم من جهة أخرى.
والعلاقة بين هذين الطرفين علاقة أساسية متبادلة بحيث إن افتقاد أي منهما
سيؤول إلى الخراب والضياع في الدنيا والآخرة، ويقود إلى عملية استبدال للجماعة
البشرية بغيرها ممن تقدر على الإمساك بالخيط من طرفيه: العمل والجهد والإبداع،
والتلقي الدائم عن الله لضبط وتوجيه هذا العمل والجهد في مسالكه الصحيحة
التي تجعل الإنسان يقف دائماً بمواجهة خالقه، خليفة مفوضاً لإعمار العالم:
{ قال يا قوم عبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم
فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب }(هود : 61).
ولن يكون بمقدور المسلم تنفيذ مطالب مهمته الاستخلافية ومنحها الضمانات
الكافية، وإعانتها على تحقيق أهدافها، ما لم يضع خطواته على البداية
الصحيحة "للتحضر" فيكشف عن سنن العالم والطبيعة ونواميس الكون القريب
من أجل الإفادة من طاقاتها المذخورة وتحقيق قدر أكبر من الوفاق بين الإنسان
وبين محيطه، وبدون هذا فإن مبدأ الاستخلاف لن يكون بأكثر من نظرية أو عقيدة
تسبح في الفراغ.
ويرتبط مبدأ التسخير بسابقه أشد الارتباط ويعد بدوره ملمحاً أساسياً من ملامح
التصور الإسلامي للكون والعالم والحياة والإنسان، ويتطلب اعتماد مناهج العلم
وآلياته لتحويله إلى أرض الواقع، والتحقق بعطائه السخي.
إن العالم والطبيعة، وفق المنظور الإسلامي، قد سخرا للإنسان تسخيراً، وإن الله
سبحانه قد حدد أبعادهما وقوانينهما ونظمهما وأحجامهما بما يتلاءم والمهمة
الأساسية لخلافة الإنسان في العالم وقدرته على التعامل معه تعاملاً إيجابياً فاعلاً.
وهناك آيات ومقاطع قرآنية عديدة تحدثنا عن هذا التسخير، وتمنحنا التصور
الإيجابي لدور الإنسان الحضاري، ينأى عن التصورات السلبية للعديد من الفلسفات
والمذاهب الوضعية التي جردت الإنسان من كثير من قدراته الفاعلة وحريته في
حواره مع كتلة العالم، وتطرف بعضها فأخضعه لمشيئة هذه الكتلة وإرادة قوانينها
الداينامية الخاصة التي تجيء بمثابة أمر لا راد له، وليس بمقدور الإنسان إلا أن
يخضع لهذا الذي تأمر به.
إننا نشهد في كتاب الله صيغة أخرى للعلاقة بين الإنسان والعالم تختلف في أساسها.
صيغة السيد الفاعل الذي سخرت له وأخضعت مسبقاً كتلة العالم لتلبية متطلبات
خلافته في الأرض وإعماره للعالم على عين الله: { وسخر لكم الليل والنهار والشمس
والقمر والنجوم مسخرات بأمره } (النحل:12)، { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا
منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه
ولتبتغوا من فضله }(النحل:14)، { وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره
وسخر لكم الأنهار . وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار}
(إبراهيم : 32 - 33)، { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب }(ص : 36)،
{ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض } (لقمان: 20)، { ولئن
سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون }
(العنكبوت : 61).
إن (التسخير) هو الموقف الوسطي الفعال الذي يقدمه القرآن الكريم بصدد التعامل مع
العالم، بدلاً من الخضوع والتعبد أو الغزو والانشقاق اللذين هيمنا على المذاهب الأخرى.))
وهنا أعود للحديث عن الوجود والتأمل والتبصر فيه ومراقبة حركته وتلك العناصر التي
فندها الفلاسفة كل من وجهة نظره الخاصة وكل حسب اجتهاد فمنهم من قال أنها الفكرة
المطلقة ومنهم من قال أنها التاريخ ومنهم من قال أنه التسامي الجنسي ومنهم من قال أنه
المعنى الوجودي .
فنجد أن القرآن قد حلل اختصر جميع هذه النظريات في مفهوم الاستخلاف
وما يتطلبه منا هذا المفهوم فقط هو ان نحلل عناصر المجتمع ، ونجيب على أسئلة
نطرحها بعادية تامة ما هي عناصر المجتمع؟
ما هي مقومات المركب الاجتماعي؟
كيف يتم التنفيذ بين هذه العناصر والمقومات وضمن أي اطار وأي سنن ؟ وكل هذه أسئلة
حياتية وتتعلق بالوجود وتعاملنا معه وتنصيص أطر العلاقات فيما بيننا بمختلف المعاملات
وخلق التاريخ وبدايته ونحصل على إجابة كل هذه الأسئلة والأسئلة التي تدور في أذهان
فلاسفة الدياكلتيك
في النص القرآني الشريف الذي تحدث عن خلق الانسان الاول « واذ قال ربك للملائكة
اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح
بحمدك ونقدس لك » (1) . حينما نستعرض هذه الآية الكريمة نجد ان الله سبحانه وتعالى
ينبأ الملائكة بأنه قرر انشاء مجتمع على الارض فما هي العناصر التي تتحدث عن هذه
الحقيقة العظيمة ؟ هناك ثلاثة عناصر يمكن استخلاصها من العبارة القرآنية :
____________
(1) سورة البقرة : الآية (30) .
1 ـ الانسان .
2 ـ الارض أو الطبيعة على وجه عام « اني جاعل في الارض خليفة » فهناك ارض او
طبيعة على وجه عام وهناك الانسان الذي يجعله الله سبحانه وتعالى على الارض .
3 ـ العلاقة المعنوية التي تربط الانسان بارض وبالطبيعة وتربط من ناحية اخرى الانسان
بأخيه الانسان هذه العلاقة المعنوية التي سماها القرآن الكريم بالاستخلاف ، هذه هي
عناصر المجتمع ، الانسان والطبيعة والعلاقة المعنوية التي تربط الانسان بالطبيعة من
ناحية وتربط الانسان باخيه الانسان من ناحية اخرى وهي العلاقة التي سميت قرآنيا
بالاستخلاف . ونحن حينما نلاحظ المجتمعات البشرية نجد انها جميعا تشترك بالعنصر
الاول والعنصر الثاني ، فلا يوجد مجتمع بدون انسان يعيش مع أخيه الانسان ولا يوجد
مجتمع بدون ارض او طبيعة يمارس الانسان عليها دوره الاجتماعي واستفساراته حولها
وفي هذين العنصرين تتفق المجتمعات التاريخية والبشرية . واما العنصر الثالث : ففي كل
مجتمع علاقة ذكرنا ولكن المجتمعات تختلف في طبيعة هذه العلاقة وفي كيفية صياغتها .
"ونواصـــل.."
ملاحظة : معظم ما ورد من الاستخلاف في هذه الجزئية بالاستعانة من مقال حول
الاستخلاف مأخوذ من موقع التاريخ للدكتور عماد الدين خليل
سوباوي
23-11-2007, 09:55 PM
دائماً ما تكون المعرفة انعكاسا للواقع فهناك ظواهر مختلفة قد تعد اشكالات
فلسفية لا ترتبط فيما بينها ، يمكن أن نطلق عليها الأفكار المتعلقة بالمعرفة مثل
” الادراك ، والتيقن ، والتخمين ، والتذكر ، والتبين ، والاستدلال، والتأكيد،
والتساؤل، والتامل، والتخيل، ورؤية الاحلام...الخ “ وكلها من باب الاسئلة
الفلسفية المرتبطة بنظرية المعرفة الدياكتيكية لدى اليسار .. يمكن أن نطلق
عليها نحن كمسلمين بالفطرة ومن غير تعقيد لمفرداتها ( نظرية المعرفة )
تفترض الكثير من الاجتهاد كونها تحتاج عمليا الى نفاذ العقل الى جوهر الاشياء
في محاولة لاعادة تشكيل واقع معرفي يأخذ الناشىء من عملية الصراع في حزمة
فائقة التعقيد تفترض الحل بشكل فاعل وخلاق.
ومن وجهة نظر العقل لدينا كونه القادر على صنع وانتاج معرفة كما تفكير العقل
اليساري المهيمنة عليه نظرياته الديالكتيكية إذن هنا أستوينا في فكرة نظرية
المعرفة ويرجعنا هذا لقول أستاذنا شبارقة في أن الديالكتيك علم يبنى على
النظرية الظنية وأصول الفقه علم يبنى على الثبوت القطعي لأحكام القرآن
ولا خلاف لي مع في ذلك ولكن ما قصدته أن القرآن نفسه بادر بأن نفكر في
الوجود وكل خلاصة تفكيرنا تأتي من جوهر العقل لتفسير ما حوله من ظواهر
فقط ما يميزنا عنهم أننا نعود لمرجعية التوحيد بالله من غير مكابرة وهذا لا يحجم
خيالنا بقدر ما يطلق له الخيال وفي النهاية نجد أننا تحت سقف معرفة قد نزلت مسبقاً
أما بالنسبة لهم فهم بذات الفكرة فقط تنقصهم قناعة أكتشاف الوجود من قبل الخالق
وتفسيره لكل ظواهره لنجد أن لا مرجعية لهم سوى تفسيراتهم المادية وجدليتهم
لما حولهم من ظواهر ليأتي تفنيدها من قبل بعضها البعض .
((ان قوانين الديالكتيك يمكن اسقاطها على الواقع الفكري للكشف عن منشأ وتطور
تلك المعرفة . فاذا كان الشكلانيون يرون ان التفكير يعكس المحتوى الحي وما
الطبيعة الانسانية شاحبة لتطور الروح وان كل شيء موجود ان هو الا ما يتبدى من
الروح. وقد اكد العلم عدم صوابية ذلك، يقول انجلز” ان قوانين التفكير وقوانين
الطبيعة ينطبق بعضها على بعض اذا كانت معروفة معرفة صحيحة “ .
(ديالكتيك الطبيعة)، ويقول لينين” ان قوانين النطق هي نتاج انعكاس ما هو
موضوعي في وعي الانسان الذاتي “(دفاتر فلسفية). اما روجيه غارودي فيقول
” ان العلوم تقودنا اذن الى هذا التاكيد بان العالم قد وجد في حالات لم يكن من
الممكن معها ان يوجد اي شكل من اشكال الحياة او الحساسية، اي الى التاكيد
بوجود واقع خارجي عن الفكر ومستقل عنه “.(النظرية المادية في المعرفة -ص6)) .
وبنظرتنا التأملية والتدبرية بالكون نجد أن الإنسان يسعى إلى التطلع إلى الغيب
ومحاولة معرفة الحقيقة الرابضة وراءه وعدم الوقوف عند حدود الواقع الحسي،
والعودة إلى التأمل في المسائل الأزلية، لم خلق الإنسان؟ ومن خلقه؟ ولم خلق
الكون؟ ومتى؟ ومن خلقه؟ وما هو مبدأ الإنسان؟ وما هي غايته وهدفه؟ وإلى
أين يسير؟ وما هي نهاية الكون؟ وما هو مصير الإنسان؟ وماذا بعد الموت؟ وغير
ذلك من الأسئلة التي تدفع الإنسان إلى الإيمان بالله، وإلى البحث والنظر والسعي
والعلم والاكتشاف، وهذا التطلع والتأمل في هذه القضايا الغيبية كانت ولا زالت
وستبقى الشغل الشاغل للإنسان، ويريد الوصول إلى اليقين أمام مشكلات الكون
الكبرى، مما تقدمت به المدنية وتعددت الاكتشافات وترقى العلم، لأن العلم عاجز
قطعاً عن الإجابة عن هذه الأسئلة وأنه مقيد بكشف نواميس الكون دون أن يغير
منها شيئاً، وأن مجاله محدد في النواحي المادية التي وضعت تحت حواسه.
"نواصـــل.."
المرجع : *آفاق: الديالكتيك والمعرفةالشكلانية والتجريبية الميكانيكية
*التفكير و التأمل بالكون
سوباوي
23-11-2007, 10:27 PM
ان ما يستند اليه الديالكتيكيون في منطقهم القائم على قوانين التطابق
ونفي الثالث والتبرير الكافي، وفي حال اخضاعهم لمعيارية المنطق
الجدلي نرى ما ينعكس عن علائقيتهم الظاهرة ببساطة العلاقة بين الاشياء،
فالاول يعكس نسبية الشيء والظاهرة لاغيا تناقضية” المنطق- التفكير “
اما الثاني فيذهب الى ان اي حكمين متناقضين لا يمكن ان يكون كلاهما
غير صحيح في آن واحد اما الثالث فيعتبر ان اي حكم لا يصح الا يتوفر
اثبات كاف لصحته . كما لا ينبغي الخلط بين الناتج” الفكري - المعرفي “
والناتج” الموضوعي “
من الصحيح القول: إنّ لأُصول الفقه ميدانا واسعاً يمكن أن تلتقي فيه
آراء العلماء والمحقّقين وأن تتلاقح، ومن الصحيح أيضاً أن يعتبر –
هذا الميدان - من أفضل الميادين التي يمكن من خلالها أن تتوحّد
نظراتهم وتستقطب الى حدّ كبير لخدمة العباد والبلاد، لكن الأصحّ هو
أن نقول: إنّه ميدان مهمّ عند البحث فيه، لأنه يشكّل الأساس لأحكام
الدين الاسلامي الحنيف في شؤون العبادات وفي شئون العباد يؤسس
للمعاملات وترويض العقل لتفسير كثير من الظواهر وفقاً لمفاهيمه، وقد
تكون هذه الجزئية منه المرتبطة بالمفاهيم تكشف الكثير من المقاربات.
وكما جاء في بحث الدراسات المقارنة تحت باب دراسات في أُصول الفقه
للأستاذ ماجد سعيد : لاشكّ أنّ للفظة "المفهوم" وجوداً بارزاً في عالم
الإنسان، إذ كثيراً مايسترسل الناس في أحاديثهم ومسامراتهم فيتخلّل من
بين عبائرهم هذه اللفظة. كما وأنّ لها وجوداً في أذهان البشر، فتراهم
يكتبون عن "المفاهيم"
والقيم تارةً، ويتحدّثون في خطبهم عن "مفهوم" الأشياء المألوفة وغير
المألوفة تارةً أخرى، ويتخاطبون بالمفهوم من النظريات والدراسات
الحديثة والقديمة تارةً ثالثة... ومن هنا أصبحت لهذه اللفظة معان عديدة
ينبغي الوقوف عليها والاشارة إليها ولو اختصاراً.
والحقيقة أنّ كلمة "المفهوم" تُطلق على ثلاثة معان بلحاظها العام:
- المعنى المدلول للفظ الذي يفهم منه، أي أنّه يساوي ويرادف كلمة
"المدلول" سواء كان ذلك مدلولاً لمفرد أو لجملة، حقيقياً أو مجازياً،
ظاهراً أو نصّاً ، محكماً أو غير محكم.
2- كلّ معنىً يُفهم وإن لم يكن مدلولاً للفظ، أي ما يقابل المصداق في الواقع، وبهذا
فهو يعمّ المعنى الأول.
3- وهو مايقابل المنطوق، وبهذا يكون أخصّ من الأوّلين. وهو المقصود بالبحث هنا.
إذ لا يعنينا المعنيان الأوليان بقدر ما يعنينا الثالث، لكونه مصطلحاً تعارف عليه
الأُصوليون، وبنوا عليه أساسهم في مباحثهم ودراساتهم في هذا المجال(1).
وحتى لا يتشعب علينا الحديث عزيزي القارئ ونتوه في أروقة علم أصول افقه الجميلة
فتجرنا للخوض في معنى دلالة المنطوق والمفهوم وأقسام المفهوم وتفاصيلها و .. الخ ،
لذلك سأقفز مباشرة إلى مفهوم المخالفة والذي في رأيي تجوز المقاربة بينه وبين منطق
الديالكتيك في نظرية النقيض وثبوت الدليل ..
مفهوم المخالفة: هو مايكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محلّ النطق
المذكور في السلب والإيجاب لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في المنطوق، أي إنّ حكم هذا
مخالف لحكم ذاك، ومثاله: قوله تعالى: (ومن قتله منكم متعمداً)(4). فإنّ تخصيص الحكم
بالمتعمّد يدلّ على نفي الحكم عن غير المتعمّد. وقد يسمّى بدليل الخطاب، وهو الذي يطلق
الفقهاء عليه اسم "المفهوم" في الأكثر(5).
وهو حجّة عند مالك والشافعي وأحمد وأكثر الحنابلة(6)، خلافاً لأبي حنيفة
ـــــــــــــــــــــ
4- المائدة / 95 .
5- اُنظر تقريب الوصول الى علم الاصول للغرناطي / 88 .
6- روضة الناظر وجنّة المناظر/ 139، الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 2 / 214،
تقريب الوصول الى علم الأُصول للغرناطي / 88، إرشاد الفحول / 179، تمهيد الأسنوي /
245.
وبعض الحنابلة(1).
ثم إنّ المفهوم المخالف ينقسم بلحاظ القيود المأخوذة في المنطوق الى أقسام ، أنهاها
بعضهم الى عشرة، لكن المشهور عند الأُصوليّين ستة:
1- مفهوم الشرط: وهو ثبوت نقيض الحكم المنطوق المعلّق على شرط أو المقترن
بشرط عند عدم وجود الشرط، مثل : "من تطهّر صحّت صلاته" فدلّ بالمفهوم المخالف
على عدم صحّة صلاة من لم يتطهّر ، ومثل قوله تعالى: (وإن كنّ اُولات حمل فأنفقوا
عليهنّ حتى يضعن حملهنّ)(2) فالنصّ يستفاد منه الإنفاق على المطلّقة المعتدة، فقيّد بما
إذا كانت حاملاً، وبدلالة مفهوم المخالفة أنّها إذا لم تكن حاملاً فإنّه لا نفقة لها، وبذلك نأخذ
بمفهوم الشرط، فلا تجب عنده نفقة لمعتدّة إلا إذا كان الطلاق رجعياً أو إذا كانت المعتدّة
حاملاً، إلا الحنفية إذ لم يأخذوا بالمفهوم المخالف مطلقاً، وأوجبوا النفقة لكلّ معتدّة من
طلاق ، إلاّ إذا أسقطتها الزوجة بإبرائها له من حقّ المطالبة.
سؤال يطرح نفسه: إنّ في بعض الموارد يكون مفهوم الشرط لا معنى له، بنحو
قولهم: "إن رزقت ولداً فاختنه" فإنّ دلالة مفهوم المخالفة أنّه لولم ترزق ولداً فلا تختنه!
وهو قول لا معنى له ولا يمكن تصوّره بحال. وكما في قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم
على البغاء إن أردن تحصّناً)(3) فبناء على القول بأنّ للشرط مفهوما لزم جواز الإكراه
على الزنا عند عدم إرادة التحصّن ، واللازم باطل كما هو واضح!
الجواب: إنّ الجملة الشرطية على نحوين:
ـــــــــــــــــــــ
1- رسال ابن عابدين / 41، روضة الناظر وجنّة المناظم / 139، أُصول الفقه للبرديسي /
356.
2- الطلاق / 6 .
3- النور / 33 .
أ - أن تكون مسوقة لبيان موضوع الحكم، أي أنّ المقدّم من الجملة هو نفس
موضوع الحكم، حيث يكون الحكم في التالي منوطاً بالشرط في المقدّم على وجه لا يعقل
فرض الحكم بدونه. وقد اتّفق الأصوليون على أنّه لا مفهوم لهذا النحو من الجمل الشرطية.
ب - أن لا تكون مسوقة لبيان موضوع الحكم، حيث يكون الحكم في التالي منوطاً
بالشرط على وجه يمكن فرض الحكم بدونه. وهذا النحو هو موضع ادّعاء بعض جمهور
الأُصوليّين بأن لها مفهوماً كالإمامية والشافعية وإمام الحرمين وأبي بكر الرازي وإليه
ذهب البيضاوي(1)، ونفاه آخر كأبي حنيفة والمحكي عن مالك واختاره أبو بكر الباقلاني
والغزالي من الشافعية(2).
فاتّفاق الاُصوليّين على أنّه لا مفهوم للنحو الأول من الجملة الشرطية "لأنّ انتفاء
الشرط معناه انتفاء موضوع الحكم، فلا معنى للحكم بانتفاء التالي على تقدير انتفاء المقدّم
إلاّ على نحو السالبة بانتفاء الموضوع، ولاحكم حينئذ بالانتفاء، بل هو انتفاء الحكم"(3)
وعليه فلا مفهوم للشرطية في المثالين الواردين في السؤال.
وبالجملة: إنّ دلالة الجملة الشرطية على المفهوم إنّما يتوقّف على أمرين:
الأول: دلالتها على الارتباط والملازمة بين المقدّم والتالي، على أنّ التالي معلّق على
المقدّم وتابع له، فيكون المقدّم سبباً للتالي.
ـــــــــــــــــــــ
1- اُنظر الإبهاج لابن سريج 1 / 240، واُصول الفقه لمحمد أبو النور 2 / 301، وعلم
أُصول الفقه لمغنية / 146.
2- اُنظر الإحكام في أُصول الأحكام للآمدى 3 / 80 و 96، وأُصول الفقه لمحمد أبو النور
2/301.
3- أُصول الفقه للمظفّر 1 / 105 .
الثاني: دلالتها على انحصار السببيّة في المقدّم ، بمعنى أنّه لاسبب بديل له يترتب
عليه التالي.
2- مفهوم الوصف: هو دلالة لفظ ما مقيّد بصفة على انتفاء الحكم عن غير
الموصوف بتلك الصفة. فوجود الصفة المقيّدة للمنطوق يثبت الحكم بما جاء به لفظ
المنطوق، فإذا تخلّف هذا الوصف يثبت نقيض الحكم. مثاله: قوله تعالى: (ومن لم يستطع
منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات)(1)
فقد أفاد المنطوق بحلّية نكاح الإماء بأن تكون مؤمنات، وبمفهومه - على القول به - على
حرمة نكاح الإماء غير المؤمنات.
لكن السؤال هنا: ما المقصود بالوصف هنا؟
إنّ المقصود بالوصوف هنا هو مايعمّ النعت وغيره، فيشمل الحال والتمييز والمضاف
والظرف والجار والمجرور ونحوها ممّا يصلح أن يكون قيداً لموضوع التكليف.
ثم إنّ المراد بالوصف اذا اشتمل على شرطين.
الأول: أن يكون أخصّ من الموصوف، نحو: "في سائمة الغنم زكاة" و"أكرم رجلاً
عالماً" فإنّ كلاً من "الغنم" و"الرجل" له أكثر من وصف، وذكر الوصف الواحد
بالخصوص إنّما هو تضييق من مدلول الموصوف وتحديد في دائرته العامة.
فلو كان الوصف مساوياً للموصوف أو أعمّ مطلقاً فسيكون خارجاً عن محل الكلام
هنا، حيث فيهما ينتفي الموصوف بانتفاء الوصف، ومن ثم لا يبقى للمفهوم مكان.
ـــــــــــــــــــــ
1- النساء / 25 .
فمثال الأول: أكرم زيداً أخاك، ومثال الثاني: أرفق بزيد لأن له كبداً رطبة.
الثاني: أن يعتمد الوصف على موصوف، مثاله: قوله تعالى: (إطعام في يوم ذي
مسغبة)(1) فلا يشمل ما إذا كان الوصف نفسه موضوعاً للحكم، إذ أنّه سيخرج عن
مفهوم الوصف ويدخل في مفهوم اللقب ، نحو قوله عزّوجلّ : (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما)(2).
هذا وزاد البيضاوي شرطاً ثالثاً في الوصف، هو: كون اتّصاله بالموصوف، فلا يصحّ
الفصل بينهما في الزمن(3).
ثم إنّ ممّا لاشك فيه ولاخلاف : أنّ الوصف يستعمل مع القرينة في الكثير من
المعاني المتداولة عند الناس عامةً، من ذلك الذمّ والهجاء، نحو: "أعوذ باللّه من
الشيطان الرجيم" أو المدح والثناء نحو : "بسم اللّه الرحمن الرحيم" وتتمثل القرينة هنا
بعلم المخاطَب بحال الموصوف، أو التوكيد نحو : "لا تتخذوا إلهين اثنين" وغيرها من
الاستعمالات التي لا عدّ لها ولا حصر مثل: "أمس مات رجل عالم" و"رأيت اليوم رجلاً
قصيراً"... فلا شكّ عند وجود القرائن الخاصة يدلّ التقييد بالوصف على المفهوم.
لكن اختلف الأُصوليون في حالة تجرّد القضية عن القرائن الخاصة، فإن مجرّد التقييد
بالوصف هل يدلّ على المفهوم؟
وبعبارة اُخرى: في الجملة المقيّدة بالوصف بلا قرينة خاصة ، هل ينتفي حكم
الموصوف عند انتفاء الوصف، أو لا؟ وانّ هذا الانتفاء يفتقر الى دليل مستقلّ؟
ـــــــــــــــــــــ
1- البلد / 14 .
2- المائدة / 38 .
3- انظر اصول الفقه لمحمد أبو النور 2 / 474 .
ذهب الى الأول الشافعي وأحمد ومالك والأشعري وإمام الحرمين أبو المعالي(1)،
واختاره البيضاوي(2).
وقال بالثاني جمهور الحنفية وبعض الشافعية كالغزالي وابن سريج والقاضي أبي بكر
بن الطيب وجماهير المعتزلة واختاره الآمدي(3). وهو المشهور بين الأُصوليين من
الإمامية، إذ "أنّ الوصف بما هو لا مفهوم له ولا يحتجّ به إلا بقرينة تدلّ عليه، لأن
الوصف ظاهر كالشمس في أنّه قيد للموضوع لا للحكم، فقول الشارع مثلاً: المرأة
المدخول بها أو الحائض أو اليائس حكمها كذا وكيت، وقوله: الرجل الغني أو الفقير يفعل
ذا ويترك ذاك... كل هذه الصفات وما إليها قيود لموضوعات الأحكام"(4).
فإذا انتفى الوصف انتفى موضوع الحكم المختصّ بالموصوف تبعاً له، أمّا نفي نوع
الحكم عن غير هذا الوصف فسوف يحتاج الى دليل، كما هو الشأن في مفهوم اللقب، كما
سيأتي.
مثاله: رجل له ثلاثة أولاد: زيد وعمر وبكر، ثم قال: أكرموا زيداً، فإنّ وجوب هذا
الإكرام المخصّص لزيد إنما ينتفي بموت زيد مثلاً، أمّا نفي الإكرام عن عمرو أو بكر فلا
يستفاد من قوله: "أكرموا زيداً" ، بل يستفاد من دليل آخر
ـــــــــــــــــــــ
1- الأم 2 / 5، المحصول 1/216 و2 / 239، روضة الناظر وجُنّة المناظر / 144،
التمهيد للاسنوي / 245، شرح تنقيح الفصول / 53 و270، منتهى الأُصول والأمل / 149
، حاشية العطّار 1/326 و 341، منتهى السؤل والأمل / 147 و153 ، أُصول الفقه
لمحمد أبو النور 2/296 .
2- انظر منهاج الوصول / 241 .
3- المحصول 1/216 و 2/240 ، حاشية العطار 1/326 و341 ، منتهى الأُصول
والأمل / 149، التمهيد للأسنوي / 245، الإبهاج 1/240، الإحكام للآمدي 3/80 و96
ونقله عن القاضي.
4- علم أُصول الفقه في ثوبه الجديد لمغنية / 156 - 157 .
مستقلّ، إذ لو دلّ على ذلك للزم أن يكون قول القائل : "محمد رسول اللّه" كفراً! ذلك لأنّه
يدلّ على نفي رسالة غيره من الرسل، وهو كفر كما هو واضح.
ولقد استدلّ المثبتون لمفهوم الوصف بأدلّة عديدة، وقام النافون له بالردّ عليها ردّاً
مسهباً في بعضها ومقتضباً في آخر، نتركه لمظانّه(1).
3- مفهوم الغاية: اعتاد الأُصوليون في بحثهم عن الغاية أن يبحثوا من جهتين اثنتين:
الأولى: تتناول المنطوق دون المفهوم.
الثانية: في دلالة المنطوق على المفهوم، وهو موضوع بحثنا هنا، لكن لا بأس
بالتعرّض للأول للفائدة.
وقبل الكلام في البحث ثمة سؤال يطرح نفسه قبل كل شيء: ما معنى الغاية؟
الجواب: إنّ لكلمة "الغاية" عدّة معان: منها: المسافة، تقول: "سافرت من البصرة
الى بغداد" فيستفاد منه أن مسافة السفر تبتدئ من البصرة لغاية بغداد، ومنها: الفائدة
كقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه)(2) فيستفاد أنّ القتال إنّما
اُبيح لفائدة وهي منع الفتنة في الدين، ومنها: الانتهاء مقابل الابتداء نحو قوله تعالى:
(أتمّوا الصيام الى الليل)(3). وهو المعنى المراد بالبحث هنا.
ومن الأدوات الدالّة عليه: الى، حتى.
الجهة الأولى: تتناول دخول الغاية في المنطوق، أو في تعبير الأُصوليّين :
ـــــــــــــــــــــ
1- انظر على سبيل المثال: أُصول الفقه للاستاذ محمد أبو النور 2/297 - 300، وأُصول
الفقه للشيخ الاستاذ محمد رضا المظفّر 1/114 - 115 .
2- البقرة / 193 .
3- البقرة / 187 .
دخولها في حكم المغيّى، وخلاصته: أنّ التقييد بالغاية إذا تجرّد عن القرينة، هل يدلّ على
أنّ حدّ الانتهاء الذي دخلت عليه الأداة هو جزء من المحدود المذكور وداخل فيه، أو يدلّ
على خروجه منه، أو لا دلالة في القيد بالغاية أصلاً؟
وقد اختلفت أجوبة الأُصوليّين على ذلك، فمنهم من قال بوجود هذه الدلالة مطلقاً،
سواء كان ما بعد الأداة من جنس ماقبلها أو لم يكن ، مثال الأول: "أكلت السمكة حتى
رأسها" ومثال الثاني: قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة)(1)، ومنهم من
نفى هذه الدلالة مطلقاً من غير فرق بين كون الأداة "الى" أو "حتى"، وآخر من ذهب الى
التفصيل بين كون الأداة "حتى" فيدخل في حكم المغيّى وبين كونها "الى" فلا يدخل فيه،
ورابع من فصّل الجنس الواحد والجنسين.
لكنّ الظاهر من كلمات بعض الأُصوليّين وإليه ذهب الإمامية في أنّه "لا ظهور لنفس
التقييد بالغاية في دخولها في المغيّى ولا في عدمه، بل يتبع ذلك الموارد والقرائن الخاصة
الحافّة بالكلام"(2).
فإذا وجدت القرينة على الدخول أو الخروج يُعمل بها، فمثال الدخول قولك: "قرأت
القرآن من أوله الى آخره" والقرينة هنا كما هو ظاهر سياق الكلام المتعارف، ومثال
الخروج قوله تعالى: (ثم أتمّوا الصيام الى الليل) فالقرينة هو الإجماع في أنّ الصيام في
النهار دون الليل.
السؤال هنا: لو تجرّد الكلام بنحو يستوي في الاحتمالات ، مثل قولك: "نمت البارحة
الى الصباح" فما العمل؟
الجواب: في هذه الحالة يجب التوقّف ; لأنّ التعيين هنا ترجيح بلا مرجّح.
ـــــــــــــــــــــ
1- البقرة / 280 .
2- أُصول الفقه للمظفّر 1 / 116 .
الجهة الثانية: وهو موضوع البحث هنا في دلالة المنطوق على المفهوم، فهل يدلّ
التقييد بالغاية في حالة تجرّدها عن القرينة على انتفاء سنخ الحكم عمّا وراء الغاية ومن
الغاية نفسها أيضاً إذا لم تكن داخلة في المغيّى أم لا؟ كما في قوله تعالى: (وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين)(1) فقد حدّدت الآية الشريفة حكم ماقبل الكعبين بأن
أوجبت مسحه، ولكن لم تذكر صراحةً حكم مابعد الكعبين.
وقد اختلف الأُصوليون على قولين: فعلى فرض وجود هذه الدلالة ينتفي الحكم عمّا
عدا المذكور بنصّ الشارع مفهوماً، وعلى فرض عدمها لا ينتفي الحكم، ولا يثبت إلا بدليل
خاصّ يدلّ عليه.
والى القول الأول ذهب جمهور المسلمين من الأصوليّين، بل وقال به من لم يقل
بمفهوم الوصف والشرط(2)، إلا الحنفية ومعهم بعض الفقهاء فإنّهم لم يأخذوا به وذهبوا
الى القول الثاني(3).
4- مفهوم الحصر: "الحصر" لغةً يأتي على معان عديدة، منها: الضيق يقال: حصره
فلان أي: ضيّق عليه وأحاط به، ومنها: الانقباض يقال: حصر الرجلُ إذا ضاق صدره
وانقبض، ومنه قوله تعالى: (حَصِرَت صدُورُهم)(4). أي ضاقت وانقبضت ، ومنها:
الاحتباس قال تعالى: (وجعلنا جهنَّم للكافرين حصيراً)(5) أي: حابساً (6).
ـــــــــــــــــــــ
1- المائدة / 6 .
2- اصول الفقه للإمام محمد أبو زهرة / 143، علم أصول الفقه لمغنية / 162 .
3- انظر المصدرين السابقين.
4- النساء / 90 .
5- الاسراء / 8 .
6- انظر مفردات الراغب الإصفهاني / 120 مادة "حصر".
وعند الأُصوليين هو قصر الشيء واختصاصه بالمذكور، وإثبات نقيضه لسواه. وله
أدوات وهيئات كثيرة، أهمّها:
أ - إلاّ، وتأتي لثلاث وجوه: تارة صفة بمعنى "غير" ، وتارة استثنائية، وثالثة ملغاة
عندما يسبقها نفي. فأمّا الوصفية فهي تقع وصفاً لما قبلها كسائر الأوصاف، ومن هنا فهي
تدخل في مفهوم الوصف إذا قلنا: إنّ للوصف مفهوماً، وإلا فلا. وأمّا الاستثنائية فلاشك في
دلالتها على المفهوم، وعليه الجمهور. وأمّا الحصر بعد النفي نحو: "لاصلاة إلا بطهور"
فهي في الحقيقة أحد أنواع الاستثنائية.
وبالجملة، فإنّ "إلا" الاستثنائية تدلّ بالوضع اللغوي أو الظهور العرفي على أنّ حكم
المستثنى مخالف لحكم المستثنى منه في الإيجاب والسلب.
ب - إنّما، وهي أقوى في الدلالة من "إلاّ" على اختصاص الشيء وحصره، فإذا
استعملت في حصر الحكم في موضوع ما دلّت بالملازمة على انتفائه عن غير ذلك
الموضوع، وعليه جمهور النحاة والفقهاء، إلا الحنفية فقالوا: إنّه إثبات فقط ولا يدلّ على
الحصر، فمعنى "إنّما زيد قائم" مساو لـ "إن زيداً قائم"(1).
ج - بل، وتُستعمل في وجوه ثلاثة:
الأول : للدلالة على أنّ المضروب عنه وقع على نحو الغلط، مثل قولك : "جاء زيد بل
عمرو" ، ولا دلالة لها حينئذ على الحصر.
الثاني: للدلالة على تأكيد المضروب عنه وتقريره، نحو قولك: "زيد عالم بل شاعر"
ولا دلالة لها أيضاً على الحصر.
الثالث: للدلالة على الردع وإبطال ما ثبت قبلاً مثل قوله تعالى: (أم يقولون به
ـــــــــــــــــــــ
1- انظر علم أصول الفقه لمغنية / 163، وأُصول الفقه لمحمد الخضري بك / 128.
جِنَّة بل جاءهم بالحقّ)(1) وهي تدلّ على الحصر حينئذ فيكون لها مفهوماً.
د - الحصر باللام الاستغراقية، فقد قيل: إنّ الحصر بها تماماً كالحصر بـ "إنّما" فلا
فرق بينهما إطلاقاً، كما تقول: "إنّما الأعمال بالنيات" تقول: "الأعمال بالنيات"(2).
هـ - وهناك هيئات غير الأدوات تدلّ أيضاً على الحصر، مثل: تقدّم المفعول نحو قوله
تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)(3).
5- مفهوم العدد: وقد اختلف الأُصوليون في مفهوم العدد، فإذا خصّص الحكم بعدد
معيّن وقيّد به، مثل قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدةً)(4)، فهل يدلّ اللفظ على نفي
الحكم عن غير هذا العدد المقيّد به أو لا يدلّ على ذلك ؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: بالإيجاب بأن تخصيص الحكم بعدد معيّن يدلّ على نفيه عن غيره من الأعداد
مطلقاً، وإليه ذهب الشافعي كما نسب إليه(5).
الثاني: بالنفي مطلقاً، واختاره البيضاوي وإمام الحرمين وأبو بكر الباقلاني(6).
الثالث: وذهب المحقّقون الى أنّه ليس بحجة مطلقاً إلا بدليل منفصل ، فإنّ تخصيص
الحكم بعدد معيّن لا يدلّ باعتبار ذاته - بقطع النظر عن القرائن الخارجية - على حكم في
العدد الزائد عن العدد الذي قيِّد به الحكم، وكذا الناقص، ولكنّه قد يدلّ بواسطة القرائن
الخارجية عليه.
ـــــــــــــــــــــ
1- المؤمنون / 70 .
2- انظر علم اصول الفقه لمغنية / 163 .
3- الفاتحة / 5 .
4- النور / 4 .
5- نقله عنه في المنخول / 209 .
6- انظر اصول الفقه لمحمد أبو النور 2/204 .
وبعبارة اُخرى: أنّ العدد باعتبار ذاته لا يدلّ على حكم في الزائد ولا في الناقص،
وإنّما الدلالة جاءت من القرائن الخارجية، فمثال وجود القرينة على جواز الزيادة على
العدد المقيّد للحكم قول الشارع: "اغسل الإناء من سؤر الخنزير سبع مّرات" فالغاية من
التكرار هنا إزالة القذارة والخبث، وزيادة الغسل تحقّق هذا الغرض وتؤكد عليه.
ومثال عدم جواز الزيادة عليه قوله تعالى: (فَاجلدوهم ثمانين جلدةً) لأنّ الزيادة هنا
تصبح ظلماً وعدواناً.
ومثال جواز النقصان قول الشارع: "أكثر الحيض عشرة أيام". ومثال عدم جواز
النقصان قوله(صلى الله عليه وآله): "إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثاً"(1).
وإليه ذهب الإمامية وبعض الشافعية والحنفية(2) ، وهو اختيار الرازي(3).
6- مفهوم اللقب: ليس المراد من اللقب خصوص ما اصطلح عليه النحويون بأنّه ما
أشعر بمدح أو ذمّ ولم يصدر بـ "أب" أو "أُم" ، وإنّما المراد به أعمّ من ذلك، وهو كلّ
مايدلّ على الذات، سواء كان علماً أو كنية أو لقباً، مشتقّاً كان أم جامداً.
وقد اختلف الأُصوليون في تعليق الحكم بما يدلّ على الذات، هل يدلّ ذلك على نفي
الحكم عن غير هذه الذات، أو لايدلّ على ذلك وإنّما يدلّ على ثبوت الحكم للذات فقط؟
ـــــــــــــــــــــ
1- سنن الدار قطني 1/21 و2 / 503 .
2- تمهيد القواعد للشهيد الثاني العاملي: 114 قاعدة (27)، الإحكام في اُصول الأحكام
للآمدي 3/88 ، المستصفى للغزالي 2/191 و195، نهاية السؤل للبيضاوي 2/221 ،
أُصول الفقه للمظفّر 1/119 .
3- حكاه محمد أبو النور زهير في أُصول الفقه 2/306 .
فمثلاً إذا قيل: "زيد عالم"، فهل يدلّ ذلك على نفي العلم عن غير زيد - كبكر وعمرو -
أو لا يدلّ على ثبوته لزيد فقط؟
اختلف الأُصوليون في ذلك على قولين:
الأول: وذهب إليه من الشافعية أبو بكر الدقاق والصيرفي، ومن المالكية ابن خويز
منداد(1)، وأصحاب الإمام أحمد بن حنبل(2) ، فقالوا بمفهوم اللقب وحجيّته، لأنّ
التخصيص لابدّ له من فائدة وإلا كان لغواً.
والثاني: وهو ما أجمع جمهور المسلمين من الأُصوليّين الإماميّين وأكثر الشافعية
والمالكية وبعض الحنابلة(3) على عدم حجّيته ; لأنّه لو دلّ على نفي الحكم عن غير الذات
المذكور للزم أن يكون قول القائل: "محمد رسول اللّه" دالاً على نفي رسالة غيره من
الرسل، وهو كفر.
ـــــــــــــــــــــ
1- تمهيد القواعد للشهيد الثاني العاملي: 117 قاعدة (29)، الإحكام في أُصول الأحكام
للآمدي 3/90، تقريب الوصول الى علم الأُصول للفرناطي / 89، علم أُصول الفقه
لمغنية / 164، أُصول الفقه لمحمد أبو النور 3/293 .
2- انظر الإحكام للآمدي 3/90 .
3- تمهيد القواعد للشهيد الثاني العاملي: 117 قاعدة (29)، الإمام مالك لأبي زهرة /
224 ، أُصول الفقه لمحمد الخضري بك / 127 .
"نواصـــل .."
* كل المذكور عن مفهوم المخالفة أعلاه مأخوذ من للاستاذ ماجد سعيد من بحث أعِدّ في
مركز الابحاث التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.
مرتضى يوسف العركي
25-11-2007, 08:57 PM
العابد المتأمل سوباوي :
كثيرا ما ترهقني يارجل ...اهمس جهرا بان بوستاتكم تحلق بنا بجانب المفردة السهلة تاملات في النواميس والميتافيزيق والديالكتيك .... وصولا للحق ...
محاولات الاستقراء كثيرة ما بين التاريخ ... والانا بالجينات الربانية .. والتطور المعرفي والتحصيلي المكتسب والارتداد الواعي المختزن للخير والشر واكون او لا اكون ... من خلال التعاطي مع البيئة وانفعال الانسان بها ومعها وبدونها وتظل تساولاتنا جميعا عن ماهية الاشياء
لست متاملا بما يكفي ... للاستطراد بيد ان بدواخلي كثير ايمان يشبه ما تحملون بان هذا الدين ماعون يسع الديالتيك وغيره ان وجد انه الحق حسب ما ذهبتم ...لعل التطور التاريخي واراء الفلاسفة والجدل القائم جميعها لا تعدو سوى محاولات لاستقراء اليقين ...وقد سبقهم من قبل سيدنا ابراهيم حينما تساءل فقال الله سبحانه وتعالى او لم تؤمن؟ فقال ليطمئن قلبي .
سيظل التساؤل في نظري متى نتمدد للعقل كما امرنا الله عز وجل فالاسلام ماعون يستوعب كل التساؤلات بيقين الحق ( افلا تعقلون ) ( ايات لاولى الالباب ) (ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) صدق الله العظيم
سواااح
27-11-2007, 04:19 AM
الرقيق .. سوباوي
صدق من في علاه حين قال
( وما اوتيتم من العلم الا قليلاً )
كما اصدق انا حين اصارح نفسي
بانك تطرق بنا ابواب تجاه
مزيد من العلم والاستزادة منه
تشرع لنا ابواب الوصول الي منارات التعلم
فها انا تطرق سمعي ونظري
اوارق كنت اجهلها
علم اصول الفقة .. احسب اننا
لو عقلنا وادركنا يسير مما فيه
لما وصلنا الي هذه المرحلة
من الجهل التي نحن فيها الان
والغريب في الامر اننا كل شئ
واضح حولنا وباين للعيان
ولكننا ادمنا التعنت والاضرار
علي اشياء النقاش فيها لا يجدي شيئا
عزيزي ..
بوجه نظر متواضعة ..
الاسلام ككل يتسع لكل شئ
وفيه اجابات لكل شئ ....
دمـــــــــــــــــــــــت ،،
سوباوي
13-02-2008, 11:19 PM
الجميل .. بورتبيل ..
معذرة يا صاحبي لك ولكل المتداخلين لغيابي الطويل عن هذا البوست أنها فقط زحمة العمل
والدوامات .. يعني زي ما تقول كده الواحد ببقى زي البدوام في البيت وساكن في الشغل ..
لأنو معدل جلوسنا في البيت أقل بكثير من معدل تواجدنا بالعمل .. رايك شنو في الدوام
السعران ده .. وأهو الموضوع زي ما شايف عاوز مزاج رايق وفضاوهـ وكان ربك طلق
الضراع بنبقى مواصلين ..
يا سيدي بالعودة لتساؤلك الجميل حول ما استعصى عليكم فهمه من عدم تحديد إجابة
قاطعة لأن الشر غريزة أن نزعة .. فمعك كل الحق في تساؤلك لأنني أتيت بجزئية مبتورة
من المقال الذي تحدثت عنه في مقدمة البوست وإليك رابط المقال هنا كاملاً عسى أن
تضح لك فلسفة إجابتي حول هذا الأمر وهي اجتهاد شخصي وخاص بي أقبل فيه النقد
والحوار .. ولك الموضوع بتمامه هنا ..
((محاولة لثبر أغوار الذات والأنا
الأفراح ذاكرة القلب .. والنسيان قيلولة الخاطر .. نافذة الماضي الوحدة وبهار اللذة
فيها الحب .. السماح رضاء الذات .. والمحبة ترياق الروح وتهويمها في فضاءاتها
العليا .. وذاكرة الضمير التأنيب ..
يعني لما يمر في الخاطر شريط الأفراح القلب بيفّر من الفرح وينشرح و لما نفرح بنفرح
من جوى القلب .. ولما تمر في الذاكرة أفعالنا القبيحة .. هنا الوجع بيكون في الضمير
ويكتنفنا الإحساس بعدم الرضا عن الذات وهذا هو التأنيب في "عضمو ذاتو"..
ما هو البني آدم لو أتوهط في الدايمة دي وأنفرد مع روحو بيعرف أن أكثر الأشياء
تعقيداً ترتيب الذات ..
الجسد مصلاية الروح
الروح المفّوته كم وكِت
الوكت الموهّط في النزوح
طالع أعالى الفوق تحت
تحتك ينقّز في السطوح
رهن الأصابع ومنفلت
فالت إذا كنت الجنوح
وحدك مُنادِى ومتلفت
طيب مقطع الشاعر عاطف خيري الفوق ده براهو كده ممكن يكون دراسة فلسفية
عميقة للروح وطاعتها وجنوحها وتناقضاتها .. وده فن سكتو براهو في الرؤية
السيكولوجية للأدب وإنفعالات بتعبر عنها مدارس للغات عديدة منها المثالية
والواقعية وما قد أقصده هنا هي المدرسة التعبيرية وهنا لا أقصد الغوص في المقطع
أعلاه ولكن القصد الرؤية السيكولوجية للأدب في أنا الشاعر وتكون هذه كأضأة
تمهيدية للولوج نحو الآنا من باب مرن ومحتمل .. ومن باب قدرتها الكاملة على
إلغاء القيود وإعلان ملامح الأنا في النص أو في سواه من المجالات الفنية ورسمها
لتفاصيل المكان والزمان في تصوير ولغة تتجاوز الواقع ويكون طرفي ذلك نشوة
الإحساس وشفافية التعبيروهنا تأتي الانعكاسات التعبيرية والفنية ليست موضوعية
وتسجيلية للواقع بحذافيره ، بل تنقش بتحليق حر أنيق، لذا فهي مخالفة للواقعية أو
الانطباعية التي هي في مقامها الأول والأخير موضوعية وجامدة لا غير، ومن ثم لا
أقول إذا كان الفنان أو الأديب ولكن إذا كان إحساس أحدهما حزيناً او بائساً فسياتينا بكل
الوجود قاتم الألوان في تدفق اليراع أو رقصات الفرشاة مع الألوان أو أياً من انفعالاته
الفنية وتشكلات الأنا عليه في إسقاطات وانكسارات الزمان والمكان على الصفحات ..
آها .. دي أنا الفنان البترتكز على تحديد موقفه في إحساسه الداخلي نحو الطبيعة أو نحو ما
هو كائن أمامه جميل كان أو قبيح حزين كان أو مفرح .. وهنا بيجي فرز الفنان لكوم نفسوا
يعني بقول "ده أنا أحساسي نحو الحكاية دي كده" شفتوا هنا الكيمان بتتفرز كيف وكل أحساس
الفنان وشفافيته وأنفعالاته بتتحول لتتجمع لتمثل مشروع الأنا كيف ..
ديل الفنانين والمرهفين ودي حالتهم الخاصة في فرز كوم الأنا بتاعهم .. نجي نشوف باقي
الناس أو كما قال صديقي أبو السيد كافة الشعب ..
أقصد بـ (الأنا) هنا سواء في حيزها الفردي أو الجماعي وتطورها في النثر والشعر والموروث
المعرفة والثقافة والدين المنجز الحضاري.وكل هذه الأمور هي مكونات وعي الآنا وناتج
خطابها وموقفها من الآخر وبعدها تأتي مرحلة التعبير عن منتوج هذه التجارب
إن الأنا – في منظور فلسفة الانتماء والتعاطف القبلي في عهود ما قبل الإسلام، هي فلسفة
فلنسميها فلسفة تحييد الأنا الفردية لمصلحة الأنا الجماعية أو القبلية، وتضخّم مسئولية
الجماعة داخل الفرد لإتمام عملية التناسخ بين الهويتين والتدميج لمصلحة الجماعة، لتشكل
مركز رؤية تنسرب الكينونة من خلاله بوصفها تعريفا رسميا للوجود .. والوجود ده مرحلة
ثانية سنأتي على شرحها عند تفكيكنا لهذا المقال . وإن كان هذا لا يلغي الأنا الخاصة للفرد
بحيث أن لها خصوصياتها وميولها ومزاجياتها التي تتختلف بها أو تميزها عن الأنا الجماعية
ولكن قطعاً يكون ذلك في ذات الماعون الجامع لهما معاً أي يكون ذلك باتخاذ كل الموقع الذي
يناسب مزاجه في القاعدة ولخدمتها ..
وهنا تتبلور الأنا بفرز خصوصياتها تجاه الآخر الذي يبرزها أمام نفسها بتجلي وقد يكون
باستعلاء إن جاز التعبير .. في ذات الوقت الذي ينظر فيه الآخر لنفسه بأنه الأنا الأعلى وينظر
لغيره بالآخر ..
مثلاً فللنظر إلى الغرب عندما يفكر في نفسه من خلال عبارة "الغرب والإسلام" فهو يفكر
في "الغرب" ك "أنا"، وفي الإسلام كـ"آخر" وبنظرة استعلائية يصبح هذا الآخر عدو، أو
مصدر للخوف. بينما ما يمكن أن ينظر الإسلام كـ"أنا" للغرب كـ "آخر" بأنه الأكمل وذلك
باتزان تام وليس بمنظور السيطرة على الآخر أو الخوف ومكمن هذا الاتزان هي التربية
الروحية الدينية الفطرية بينما يكون الآخر فاقد لهذا الشيء لذا ينعكس على توتره ونظرته
المستمرة من "أناه" للآخر كمصدر خوف أو عداوة .
هذا فيما يخص "الأنا" أما الذات فبالعودة إلى بداية المقال نجد أن السماح رضاء الذات .. كما
أقول أن الضمير نواة الذات .. وتبدأ الذات بتكوين الرغبات في الأنا وتطويرها وقد يقودنا هذا
إلى أن الشر مثلاً نزعة فطرية أم مكتسبة وقد أقول بنظرة قد تكون فسلفية أن الذات تنمو على
التجارب والاستدلال فعندما تلامس مثلاً شوكة وتحس بلسعتها فإنها تكون رغبة الحماية
والحلول وتفادي هذه اللسعة بأن لا تسعى إلي التجربة مجدداً ولكن ماذا لو أتتها اللسعة إلى
موضعها فقطعاً لا بد من تصرف دفاعي ولا أسميه هنا نواة الشهر ولكنها بداية العداوة ومن ثم
الشر أحد مراحل تطورها القادم .. كما ينطبق ذات الشيء على استنشاق عطر الوردة وتكوين
العلاقة الحميمة والتسامح تجاه الجمال ومن ثم التأثر به والتمثل به في السلوك الحياتي ودي
أبواب المحبة بتبدأ من هنا ..
ولنقل أن الإنسان وبكل تفاصيله ومرتكزات شخصيته مستف أسرار وقدرات ومواهب لا يمن
يترع أبداع ابداع ولكنها متقوقعه في أعماق ذاتيته ومتى ما حركتها أنفعالته بالوجود وما
موجود حوله ستنتقل لمرحة الأنا والتي تعامل الوجود وما حوله وما فيه بمقام الأنا والآخر .
وليس من السهولة كشف حقيقة هذه المقامات. وما خفي أو ظهر منها ولكنها تكون ثمرة البني
أدم بخيرها وشرها الذي يتعامل بها في حياته ..
أن ما ورد هنا أعتبره خطوطاً عريضة لمشروع مقال سأعود قطعاً لتفكيكه بصورة أكثر علمية
وأدق معرفية وقد خاضه فلاسفة لا نصل لقاماتهم وأسهبوا فيه أيما إسهاب
ابتداء من) ديكارت( بمشكلة "الأصل" في إنشاء المذاهب الفلسفية. ففي رأي ديكارت أن
الأنا، أي المبدأ الحدسي للتفكير العقلي، يخص الجوهر المفكر. أما هيوم، الذي يرفض أي
جوهر أو مادة، فقد ردها إلى حزمة من الإدراكات الحسية. ونصب كانط الأنا الخالصة مقابل
الأنا التجريبية الفردية، واعتبرها الوحدة الكلية الصورية للادراك المتميز وحامل الأمر
المطلق ... الخ
وقد نأتي على تأثير بن رشد ونقده للفلسفة الأوربية ومروراً بهيجل وفيورباخ وماركس
وانقادهما لهيجل ... وألخ ))
في الختام فقط ما وددت قوله أن نتجاذب أطراف هذا الموضوع ومؤكد أني سأستفيد منكم ..
ودي غايتو قدرتي المبدئية وافتتاحتي للحكاية دي ونبقى في انتظاركم ..
المراجع : قراءات متفرقة في :
1/ مجموعة مقالات : لهيجيل وديكارات وكانت عن الأنا .
2/ شهاب احمد الفضلي :"مقال"
آفاق: الديالكتيك والمعرفةالشكلانية والتجريبية الميكانيكية
3/الارتقاء الذاتي "مقال"
إعداد: إسماعيل رفندي
4/ماهية الحياة في الرؤية السيكولوجية للأدب "مقال"
سعاد جبر
5/خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم
(قراءة في وعي الشخصية العربية)* «1»
سهام القحطاني
6/كتاب ( الأنا - الآخر ) وفن صياغة السؤال
دكتور/ سيد على إسماعيل
لك وافر ودي وعميق احترامي ،،،
سوباوي
13-02-2008, 11:46 PM
الأنيق .. شبارقة ..
لك الود أجزله في ما وضعته من إضاءات هنا حول ظنية الديالكتيك وثبوتية أصول الفقه ..
وهنا تثبيتاً لما ذهب له .. فهنا تجد الأستواء في نظرية المعرفة بيننهما وما يميز الأصول
من عمق مرجعيتها ..
دائماً ما تكون المعرفة انعكاسا للواقع فهناك ظواهر مختلفة قد تعد اشكالات
فلسفية لا ترتبط فيما بينها ، يمكن أن نطلق عليها الأفكار المتعلقة بالمعرفة مثل
” الادراك ، والتيقن ، والتخمين ، والتذكر ، والتبين ، والاستدلال، والتأكيد،
والتساؤل، والتامل، والتخيل، ورؤية الاحلام...الخ “ وكلها من باب الاسئلة
الفلسفية المرتبطة بنظرية المعرفة الدياكتيكية لدى اليسار .. يمكن أن نطلق
عليها نحن كمسلمين بالفطرة ومن غير تعقيد لمفرداتها ( نظرية المعرفة )
تفترض الكثير من الاجتهاد كونها تحتاج عمليا الى نفاذ العقل الى جوهر الاشياء
في محاولة لاعادة تشكيل واقع معرفي يأخذ الناشىء من عملية الصراع في حزمة
فائقة التعقيد تفترض الحل بشكل فاعل وخلاق.
ومن وجهة نظر العقل لدينا كونه القادر على صنع وانتاج معرفة كما تفكير العقل
اليساري المهيمنة عليه نظرياته الديالكتيكية إذن هنا أستوينا في فكرة نظرية
المعرفة ويرجعنا هذا لقول أستاذنا شبارقة في أن الديالكتيك علم يبنى على
النظرية الظنية وأصول الفقه علم يبنى على الثبوت القطعي لأحكام القرآن
ولا خلاف لي مع في ذلك ولكن ما قصدته أن القرآن نفسه بادر بأن نفكر في
الوجود وكل خلاصة تفكيرنا تأتي من جوهر العقل لتفسير ما حوله من ظواهر
فقط ما يميزنا عنهم أننا نعود لمرجعية التوحيد بالله من غير مكابرة وهذا لا يحجم
خيالنا بقدر ما يطلق له الخيال وفي النهاية نجد أننا تحت سقف معرفة قد نزلت مسبقاً
أما بالنسبة لهم فهم بذات الفكرة فقط تنقصهم قناعة أكتشاف الوجود من قبل الخالق
وتفسيره لكل ظواهره لنجد أن لا مرجعية لهم سوى تفسيراتهم المادية وجدليتهم
لما حولهم من ظواهر ليأتي تفنيدها من قبل بعضها البعض .
((ان قوانين الديالكتيك يمكن اسقاطها على الواقع الفكري للكشف عن منشأ وتطور
تلك المعرفة . فاذا كان الشكلانيون يرون ان التفكير يعكس المحتوى الحي وما
الطبيعة الانسانية شاحبة لتطور الروح وان كل شيء موجود ان هو الا ما يتبدى من
الروح. وقد اكد العلم عدم صوابية ذلك، يقول انجلز” ان قوانين التفكير وقوانين
الطبيعة ينطبق بعضها على بعض اذا كانت معروفة معرفة صحيحة “ .
(ديالكتيك الطبيعة)، ويقول لينين” ان قوانين النطق هي نتاج انعكاس ما هو
موضوعي في وعي الانسان الذاتي “(دفاتر فلسفية). اما روجيه غارودي فيقول
” ان العلوم تقودنا اذن الى هذا التاكيد بان العالم قد وجد في حالات لم يكن من
الممكن معها ان يوجد اي شكل من اشكال الحياة او الحساسية، اي الى التاكيد
بوجود واقع خارجي عن الفكر ومستقل عنه “.(النظرية المادية في المعرفة -ص6)) .
وبنظرتنا التأملية والتدبرية بالكون نجد أن الإنسان يسعى إلى التطلع إلى الغيب
ومحاولة معرفة الحقيقة الرابضة وراءه وعدم الوقوف عند حدود الواقع الحسي،
والعودة إلى التأمل في المسائل الأزلية، لم خلق الإنسان؟ ومن خلقه؟ ولم خلق
الكون؟ ومتى؟ ومن خلقه؟ وما هو مبدأ الإنسان؟ وما هي غايته وهدفه؟ وإلى
أين يسير؟ وما هي نهاية الكون؟ وما هو مصير الإنسان؟ وماذا بعد الموت؟ وغير
ذلك من الأسئلة التي تدفع الإنسان إلى الإيمان بالله، وإلى البحث والنظر والسعي
والعلم والاكتشاف، وهذا التطلع والتأمل في هذه القضايا الغيبية كانت ولا زالت
وستبقى الشغل الشاغل للإنسان، ويريد الوصول إلى اليقين أمام مشكلات الكون
الكبرى، مما تقدمت به المدنية وتعددت الاكتشافات وترقى العلم، لأن العلم عاجز
قطعاً عن الإجابة عن هذه الأسئلة وأنه مقيد بكشف نواميس الكون دون أن يغير
منها شيئاً، وأن مجاله محدد في النواحي المادية التي وضعت تحت حواسه.
"نواصـــل.."
المرجع : *آفاق: الديالكتيك والمعرفةالشكلانية والتجريبية الميكانيكية
*التفكير و التأمل بالكون
لك بحوزتي خالص الود ومعتق المحبة
سوباوي
14-02-2008, 12:11 AM
أستاذنا الوقور .. مرتضى يوسف العركي ..
أزيك يا مرتضى وعساك طيب ومتعافي .. شكراً مزركشاً لك يا صاحبي وأنت تختصر لي كل
مشوار هذا المقال وتصل بنا إلى خلاصته من غير تحويجنا للخوض في علم الأصول
والديالكتيك وتعقيداتهما .. فهو موجز وخلاصة ما وددت توصيله من خلال طرحي هنا ..
كل الحجج التي سقناها عاليه بين فطاحلة علماء أصول الفقه هي في مجملها حراك للعقل
لينفذ إلى جوهر الأشياء بكل تغيراتها وتفاصيلها وحقائقها وهي مقارعة جميلة فيما بينهم
مستخدمين فيها أدوات علم أصول الفقه ..
وأيضاً تناول منظراتية الديالكتيك وأساتذته حججهم حول منطقهم وتفسيراتهم للوجود
ومتغيراته والتي أوردنا في عاليه بالمقال أن مفهوم ا لاستخلاف في القرآن قد أجاب عن
كل تساؤلاتهم بالدليل وإثبات محركات الوجود ..
وخلاصة هذا الأمر أن العقل دليل المعرفة فنحن مطالبين من قبل الله سبحانه وتعالى أن
نصل بتأملنا واستخدام العقل وتدبرنا في مخلوقاته إلى حقائق الوجود وخالقه كما جاء في
حديث الأستاذ مرتضى العركي أعلاه :
حينما تساءل فقال الله سبحانه وتعالى او لم تؤمن؟ فقال ليطمئن قلبي .
سيظل التساؤل حراك العقل ودليل معرفته كما امرنا الله عز وجل فالاسلام ماعون
يستوعب كل التساؤلات بيقين الحق ( افلا تعقلون ) ( ايات لاولى الالباب ) (ويتفكرون في
خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) صدق الله
العظيم .
وهو هذا أعزائي المتداخلين ما كان مقصدنا له .. بمعنى أنه لو كل منظري الديالكتيك من
ماركوس وهيجيل و .. و... الخ .. أتوهطو ف الدايمة دي وقلبوا الشهادتين سيجدون كل
حلول أسئلتهم قد شملها الإسلام ولرؤوا استخدام العقل في المعرفة واستنباطه للتفاصيل
كما في علم الأصول بين فقهائنا لأحتاروا وأحتار فكرهم وعرفوا أنهم أفنوا جهدهم
واستخدموا عقولهم في جدل لا يغني ولا يسمن من جوع .. وأنا هنا لا أقلل من شأن
مقدراتهم في التحليل والتخيل ولكن تنقصهم المرجعية .. فأنا هنا أقارنهم بالمسلم الفقيه
العارف تماماً لأمور دينه وأحكامه وأصوله وإجاباته لكل تساؤلات الوجود .
شكراً تماماً لك أستاذنا مرتضى وأعتقد أنك وصلت لخاتمتي وخلاصة ما وددت الوصول
إليه عبر ما كتبته هنا .
يانع تحياتي وكن بخير .. بخير أبداً ..
سوباوي
14-02-2008, 12:25 AM
الراقي .. سواح ..
الله ينور عليك يا صاحبي .. نعم الإسلام ككل يتسع لإجابات كل التساؤلات .. وقد وضع
لكل شيء مخرج .. وقد أوجد لنا بعض التساؤلات التي يجب أن نتوصل لها بواسطة
العقل ليثبت لنا أنه ميزنا عن باقي مخلوقاته .. أنها علوم عميقة يا سواح فنحن مسلمون
بالفطرة نصلي ونصوم ونزكي وننهي عن الفحشاء ونأمر بالمعروف على حدود نطاق
أنفسنا ومن همنا أمره .. أنه بحر يا سواح لا حدود له من فقه عبادات ومعاملات و ..
و .. الخ ، ولكل فقه منها أصوله وهو شريعة تعامل لها أدب تطبيقها ..
وبحوزتي ورقتين يا سواح سأطرحهم هنا وفي بوستات مختلفة لنرى هل يمكن للشورى
أن تشمل الديمقراطية وتبلعها جوة بطنها أم لكل منها دربو الخاص .. وهل القوانين الدولية
العالمية والحصانات الدبلوماسية يمكن للشريعة والقانون الإسلامي أن يكون مرجعها
أم أنها أجتهادات لا تخضع لذلك ..
لك أجمل الود يا صاحبي ولك من النهارات أشرقها ..
انة المجروح
16-02-2008, 08:32 AM
المحترم سوباوي
وافر احترامي
اولا انا متابع جيد لك فيما يخطه يراعك الممتلي معرفة لاقبل لنا نحن بها واود ان اشيد بمنطقك (الجدلي)المبني علي اسس منطقية ويكفي ان حواشي كتاباتك ترفدها بكل هذا الكم الهائل من المراجع العلمية وكتابات الفطاحلة في علوم (الفلسفة)
اسلوبك يوحي بانك شخص متمكن في اي مجال تخوض فيه بتمهل واناءة وهذه لعمري من شيمة (العلماء)ولااظنك كما وصفت نفسك من (الحواريين)هنالك فرق بين من يتصدر المجلس يدلي بحديث طيب يستفيد منه الاخرين وبين من يستمع او يقراء ماتكتبه من امثالي .
عزيزي .
لدي مداخلة غاية في البساطة في سفرك الجميل هذا (هل علم اصول الفقه ماعون يتسع للديالكتيك)
استيعابي وفهمي لنمط الجدل او الحوار الذي يدور اتمني ان لايصل في نهاياته الي (قيد ضد مجهول )املي ان نري الخلاصة علي حسب استيعابي لمرتكزات الحوار .
الديالكتيك من خلال عرضكم له تم تعريفه باكثر من شكل وان اختلفت صياغة المضمون هنالك نقطة مهمة اغفلنا عنها اتت في كثير من كتب الفلاسفة بحسبان ان الفقه كعلم يمت بصلة الي (الدين الاسلامي)معروف شكل ومضمون .
Logique de la science ou de l'autosuffisance.الا وهي هذه النقطة
الديالكتيك يمكن ان نعرفه بعيدا عن الالهيات علي انه نتاج للعقل البشري ويقود الي المعرفة والحقيقة كما هي المقولة الماثورة(الالحاد احيانا يكون هو الطريق الامثل للايمان )
الله سبحانه وتعالي قد فصل لنا في القران مايهدينا الي سبل الرشاد والمعرفة (اليقينيه)اي ذات التساؤل المحدود الذي لايخرج عن دائرة المحظورات الخ.
اذا نحن في حوجة اكثر مانكون لاعمال العقل كما اشار الي ذلك (Emmanuel Kant (Vérité toujours être entre les threads Noor de la connaissance doit être créatrice d'arrêter chaque thread individuel de parvenir à la fin de ce que nous voulons, c'est le simple fait qu'il doit y avoir une argumentation philosophique sur ce que le point de départ) fini
خالص ودي واحترامي ولي عودة
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir