المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السودانيون يهاجرون الى اسرائيل



محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 11:55 AM
تابعت الحلقات التي نشرتها جريدة الصحافه السودانية بقلم علاء الدين بشير حول السودانين الذين يهاجرون الى اسرائيل عن طريق الحدود المصرية الاسرائيلية وهالني الحكايات واليكم هذه النشرات

مهمة صحفية على مشارف اسرائيل !! «1 »
غير ما تتناقله وكالات الانباء بكثافة عن السودانيين المتسللين عبر الحدود المصرية الى اسرائيل ، كانت هذه القضية مثار جدل محموم فى مجالس السودانيين و اصدقائهم المصريين فى القاهرة ، وكذا محط اهتمام الصحافة المصرية و العربية وقبلهم لدى الرأي العام السودانى ، سوى ان هذا الاهتمام فى مجمله كان ينصب على الجانب الامنى من القضية فقط بالتركيز على ان مؤامرة ما وراء حالات التسلل الكثيفة الى اسرائيل و كذا الحالات التى تم ضبطها من قبل حرس الحدود المصرى و تمت محاكمتها واودعت السجون المصرية ومحاولة ربط هذا بتطورات الأزمة فى دارفور ، لذا فقد كانت اغلب التغطيات نقلا عن مصادر امنية مصرية ، ولم تهتم اجهزة الاعلام المختلفة بالجوانب الانسانية لأزمة اللاجئين و لا بسقوط ضحايا او جرحى بينهم برصاص السلطات المصرية او عن طريق عصابات البدو التى تهربهم الى داخل اسرائيل ، او تكترث لاستنطاق اى من المحكومين باسرائيل ، بعد ان سدت مفوضية الامم المتحدة للاجئين فى وجوههم باب الامل بتوطينهم فى بلدان العالم الجديد امريكا ، كندا ، استراليا !! او بالوقوف ميدانيا على ملابسات تلك المخاطرة بالحياة و الحياء من اجل الحياة !! .
البحث عن ثغرة !
ولان هذه اول زيارة لى الى مصر فقد كنت حريصا على التدقيق فى سبيل امن بعض الشئ يجعلنى على المام دقيق بتفاصيل قضية السودانيين المتسللين عبر الحدود المصرية ، لكن كانت معظم الاجابات تأتينى بان هذا الملف فى يد سلطات امن الدولة و هى جهة يصيب ذكرها السامعين بالرعب فى مصر ، وان الوصول اليها محفوف بتعقيدات كثيرة ، ولم تحدث نفس احد من الصحافيين هناك بالذهاب الى منطقة الحدود لاستجلاء الحقيقة من مظانها سوى صحافية سودانية ناشئة اسمها رفيدة تعمل فى صحيفة «24 ساعة» و هى صحيفة حديثة الصدور و توزع مجانا يرأس تحريرها سمير رجب ، رئيس التحرير السابق لصحيفة الجمهورية ، قالت لى انها فكرت فى ابعد من ذلك، و لكنها كانت تصطدم بحاجز الخوف و انعدام الرفقة المأمونة . التقيت باثنين من مسؤولى المنظمات التى تعمل فى خدمة اللاجئين السودانيين بمصر هما تاور وبطرس ، احدهما «تاور» لديه دراسة مقدمة الى الجامعة الاميريكية بالقاهرة تتناول قضية المتسللين الى اسرائيل ، ورغم كم المعلومات التى بحوزتهما الا انهما لم يصلا الى منطقة الحدود مع اسرائيل او يلتقيا بالمتسللين ، ولكنهما اخبرانى ان الجهة الوحيدة التى استطاعت الوصول الى المتسللين المسجونين هى مكتب الحركة الشعبية بمصر ، وتصادف ان كان ذلك اليوم يصادف الا حتفال بالذكرى الثانية لرحيل زعيم الحركة التاريخى و النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق الدكتور جون قرنق ، بدار حزب الوفد بالدقى ، فذهبت برفقتهما الى هناك ، وتعرفت الى اسامة احد الشباب النشطين بالمكتب و نقلت اليه رغبتى فى الذهاب الى سيناء و مقابلة السودانيين المعتقلين ، وعدنى خيرا و اتفقنا على اللقاء بمكتب الحركة بعد ايام .
اختراق !!
فى مكتب الحركة عرفنى اسامة بالامين العام للحركة الشعبية بمصر ، نصر الدين كشيب ، و الذى تجاذب معى اطراف الحديث حول القضية و وعدنى خيرا بتسهيل مهمتى الى سيناء و قام بدوره بتعريفى الى مضال اقوير وهو قانونى شاب يشغل موقع سكرتير المنظمات الفئوية و الجماهيرية للحركة بمصر و مكلف فى الوقت نفسه بملف اللاجئين السودانيين، الامر الذى جعله يقوم بعدة رحلات الى سيناء قصد فيها بلدتى رفح و العريش على الحدود مع اسرائيل و التقى بالمتسللين القابعين فى الحراسات المصرية . و تعرفت ايضا الى بولس لوال ، وهو مساعد مضال فى ملف اللاجئين السودانيين ذهب ايضا عدة مرات الى سيناء ، ابدى الرجلان استعدادا عاليا للتعاون معى فى مبتغاى و بعد تنوير لمدة ساعة تبادلنا ارقام الهواتف النقالة و وعدانى بالاتصال بى قبل يوم من موعد سفرنا الى سيناء ريثما تكتمل الترتيبات الخاصة بالاذن من امن الدولة فى مصر . بعد اربعة ايام اتصل بى اسامة ليخبرنى انه استخرج الخطاب من المكتب بأسماء ثلاثة اشخاص انا رابعهم وانه ذاهب الى امن الدولة لتصديقه و سيكون سفرنا غدا صباحا . و عصر ذات اليوم اتصل بى بولس لوال ليخبرنى ان الخطاب بحوزته الان و ان تحركنا سيكون فى السادسة صباح الغد لان الرحلة الى العريش بشمال سيناء تستغرق ما بين ست الى سبع ساعات حسب نوع الدابة التى سنستقلها ، و اتفقنا على ان نتوافى فى محطة المرج الجديدة و هى اخر محطات مترو الانفاق باتجاه المرج . التقيت سمارى من المثقفين و الصحافيين السودانيين و المصريين حيث اعتدنا على السهر بأحد مقاهى القاهرة الهادئة نسبيا و اخبرتهم باننى مسافر «الدغش» الى العريش على الحدود المصرية الاسرائيلية فى اثر السودانيين المتسللين ، ابدى معظمهم قلقلا تجاه العواقب المحتملة و سألونى اذا ما كانت كل اوراقنا مكتملة و ان نكون اخطرنا الجهات الا منية المصرية ، فأومأت اليهم بالايجاب ، و تمنوا لى التوفيق .
فى الطريق الى سيناء
وصلت فى الموعد المحدد الى المرج الجديدة ، طلب منى بولس البقاء داخل اسوار المحطة وو صل بعدى بنحو ربع الساعة ، خرجنا لنجد السلطان اواو ارياط فى انتظارنا ، وهو سلطان منطقة اويل بولاية شمال بحر الغزال بجنوب السودان ، و اخبرنى انه يقصد العريش لتفقد بعض من ابناء منطقته ممن وقعوا فى اسر السلطات المصرية للاستماع الى مطالبهم و تقديم ما تيسر من عون و اخطار اهاليهم بما حل بهم ، اخذنى السلطان لتناول شاى الصباح فى المقهى المطل على موقف العربات ، وطلب منا بولس البقاء به ريثما يذهب الى داخل محطة المترو ليأتى برابعنا فى الرحلة . بعد ربع الساعة عاد بولس برفقة فاولينو ، و هو من ابناء قبيلة الشلك قال لى انه يود الذهاب الى هناك لزيارة زوج شقيقته المحكوم بالعريش .
وقفنا امام مكتب الترحيلات ، كان كلما تأتى عربة اجرة و نسأله يعتذر بأنه غير ذاهب الى العريش .. و ما ان نتركه حتى يتفق مع مصريين او فلسطينيين و يرحل بهم ، تضايقنا جدا من ذلك ، و فسرت الامر بينى وبين نفسى على ان سائقى العربات ربما ظنوا من خلال ما نما الى علمهم عن السودانيين اللاجئين بمصر و ظروفهم القاسية اننا لا نمتلك قيمة الاجرة من القاهرة الى سيناء و البالغة 17 جنيها للراكب الواحد ، بينما ارجع بولس ذلك الى سلوك عنصرى تجاه السودانيين بصورة عامة . ذهبنا الى سائق عربة اجرة آخر و سألناه فأجابنا انه ذاهب و لكن بعد تحرك العربتين اللتين تقفان فى النمرة قبله و كانت الاولى تحتاج لراكب واحد و الثانية لراكبين ، و لم يمض سوى وقت وجيز حتى شحنتا و خرجتا من الموقف وعندما هممنا بالركوب اخبرنا انه غير ذاهب لانه مرهق و يريد ان يرتاح ، تركناه بغضب و لكنا رأيناه يخرج من عربته و يذهب لمفاوضة مجموعة من النساء !! . بقينا على حالنا تلك حتى الساعة الثامنة و النصف عندما و صلت عربة مرسيدس حمراء من طراز قديم و لكنها بحالة جيدة تتسع لتسعة ركاب بما في ذلك السائق ، وهى من نوع السيارات الاجرة التى يشيع استخدامها على خط القاهرة شمال سيناء ، وافق سائقها «عم احمد» على الذهاب و على حملنا ضمن الركاب و لكنه اشترط لذلك ان ندفع عشرين جنيها لكل راكب و عندما سألناه لماذا قال لانه لا توجد عربات ذاهبة الى هناك هذه الايام . قبلنا و ركبنا نحن الاربعة و كان معنا اثنان من المصريين الصعايدة و بعد دقيقتين جاء اثنان اخران واكتمل العدد ، و عندما عاد من التوقيع لدى سلطات ادارة النقل العام فى الموقف سألنا نحن السودانيين ان كانت جوازاتنا معنا و كل اوراقنا مكتملة فأجبناه بأنها كذلك فأنطلق بنا الى حيث نقصد .
اعتراض على مدخل القناة !!
لان الطريق طويل و رتيب فقد نام من نام و صمت عن الكلام المباح من صمت ، وكنت احضرت معى رواية «ملائكة و شياطين» لدان براون صاحب رائعة «شيفرة دافينشى» لتبديد رتابة الرحلة الطويلة . توقفنا بعد مسيرة قرابة الثلاث ساعات فى كافتيريا عند نهاية الاسماعيلية لمدة ربع ساعة ثم عاودنا المسير مجددا و بعد نصف الساعة توقفنا عند نقطة تفتيش على كوبرى السلام «مبارك» الذى يعبر فوق قناة السويس ، وكانت تلك نقطة التفتيش الثالثة منذ ان غادرنا القاهرة . جاء الينا احد افراد الشرطة بالزى الرسمى و سأل السائق ان كان يحمل معه اجانب و تحديدا فلسطينيين او سودانيين ، فأجابه انه يحمل سودانيين . طلب منا اوراقنا فتصدى له بولس و اخرج له الخطاب الموقع من الامين العام للحركة الشعبية بمصر الى الجهات الامنية طالبا منهم فيه تسهيل مهمتنا القاصدة الى تفقد اوضاع اللاجئين السودانيين المحتجزين لدى السلطات المصرية بالعريش . استلم العسكرى الخطاب واطلع عليه ثم رجع فيما يبدو الى عسكرى آخر اعلى رتبة منه و ذهب الاثنان الى ضابط شرطة برتبة ملازم اول كان يجلس على كرسى تحت الكبرى فاطلع على فحوى الخطاب و طلب منهما احضار اوراقنا الثبوتية ، عاد الينا العسكرى فسلمته انا جواز سفرى و كذا السلطان اواو بينما سلمه بولس بطاقة عضويته فى الحركة الشعبية معتذرا بأنه ترك جواز سفره حيث يقيم بشقته ، فيما سلمه فاولينو وثيقة زرقاء صادرة عن مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة . ذهب العسكرى و عاد بعد نحو عشر دقائق طالبا منا النزول من العربة و امر السائق ان يجنب فى اتجاه لا تمر منه حركة السير ، و طلب منا ان ندخل الى الظل تحت الكبرى .
وجدنا هناك مجموعة من الفلسطينيين يبدو انهم محتجزون ايضا يجلسون على رصيف الكبرى ، و عدد من عناصر الشرطة بالزى الابيض و يضعون مسدسات على وسطهم ، وآخرين بالقرب من عربة بوكس مكتوب عليها الامن المركزى يرتدون الزى الاسود و يحملون البنادق الآلية . كنا جميعا مطمئنين ان الامور ستنتهى سريعا على ما يرام و خاصة بولس الذى مر من هذا الطريق اكثر من مرة قاصدا الى العريش ، لكن مرت نصف ساعة و لم يحدث شئ ، وبدأ سائق العربة فى التذمر من التأخير لكن احد عناصر الشرطة زجره بلهجة آمرة فكف عن الاحتجاج . عاد الملازم اول من مبانى نقطة التفتيش على الجانب الايمن للكبرى بدون اوراقنا الثبوتية ، وطلب من العساكر ان يجلسوننا على الرصيف مثل الفلسطينيين و يبدو انه كان يقصد اراحتنا من عناء الوقوف لوقت طويل ، ولكنى رفضت الجلوس لانى احسست بشئ من الاهانة فى الطريقة التى نفذ بها العسكرى امر الضابط وفضلت الاتكاء على علبة الكبرى الضخمة متظاهرا بأننى مشغول بقراءة الرواية و غير مكترث للامر . ، و عندما اخذ الوقت فى التسرب ، بدأ القلق يساور بولس ، فاتصل بنصر الدين ، الامين العام للحركة بمصر و اطلعه على الموقف طالبا منه التصرف ، كما بدأ الضجر والغضب ينتابنا جميعا ، فذهبت الى الملازم و قلت له ما الامر فقال لى ان بيننا من لا يحمل جوازا و من معه وثيقة اممية مدتها منتهية و كذا من يحمل جوازا ايضا منتهى الصلاحية ، فقلت له اننى احمل جواز سفر سارى المفعول و دخلت الى مصر قريبا و بطريقة شرعية و هناك اتفاق بين بلدينا يسمح لى بحرية التنقل فى كافة انحاء الجمهورية ، فأين المخالفة هنا ؟ . نظر الى مليا و سألنى ماذا اعمل فقلت له اننى صحفى . فقال لى انه ليس هناك اى شئ فى مواجهتى و بعد قليل يمكننى ان استلم جوازى و انصرف ان شئت ، فقلت له اننى لن اترك رفاقى لانهم ايضا يمثلون جهة اعتبارية و لديهم ردود وجيهة على ما تعتبره انت مخالفات ، كنت متيقنا انه يقول لى هذا الحديث لمجرد الاستهلاك و انه لن يسلمنى جوازى و يدعنى انصرف انا تحديدا . !!
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 11:58 AM
مهمة صحفية على مشارف إسرائيل (2)!!
قلت فى الحلقة الاولى انه تم احتجازنا نحن الاربعة بولس لوال، ممثل الحركة الشعبية، والسلطان اواو ارياط، سلطان اويل ببحر الغزال، وفاولينو، قريب احد السودانيين المحتجزين فى السجون المصرية بتهمة التسلل غير المشروع الى اسرائيل، من قبل الشرطة المصرية عند مدخل كبرى السلام الذى يعبر قناة السويس، ونحن فى طريقنا الى مدينة العريش بشمال سيناء على الحدود المصرية الاسرائيلية، لتفقد اوضاع السودانيين المحتجزين هناك، تم اخذ وثائقنا وانزلنا عن عربة الاجرة التى كانت تقلنا مع مواطنين مصريين الى حيث نقصد، واشرت الى اننا لبثنا تحت ظل الكوبرى قرابة الساعة فى انتظار ان يقضى فى امرنا.
شكوك مصرية !!
بدا بولس مستغربا من تطاول مدة الاحتجاز، وقال لى انه فى كل المرات التى كان يعبر فيها الى سيناء برفقة بعض افراد مكتب الحركة او اقارب سودانيين محتجزين فى السجون المصرية، يكتفي العسكري الواقف على نقطة التفتيش بالقاء نظرة على الخطاب الرسمي الصادر عن الامين العام للحركة والمعنون الى الجهات الامنية المصرية، ومن ثم القاء نظرة على اوراقهم الثبوتية، واطلاع الضابط «النبطشي» عليهم ثم السماح لهم بمواصلة المسير الى مقصدهم ، مضيفا ان مدة الاجراء لا تتجاوز ربع الساعة. كان السلطان أواو يعبر عن ضجره وتوتره بالاكثار من التدخين، فيما كنت احاول تبديد سأم الانتظار والقلق من المجهول بمحاولة الانشغال بوقائع رواية «ملائكة وشياطين» الشيقة. و بينما الحال كذلك جاء من داخل المباني احد عناصر الشرطة ولكنه يرتدى الملابس المدنية، بنطلون جينز ازرق، وقميص بني، ويضع نظارة سوداء على رأسه، ورغم ان سلوكه ولغته تشى بأنه ليس ضابطا، الا انه كان يتصرف بثقة زائدة ويتحدث بصوت عال الى زملائه بما يشير الى انه اكثرهم نفوذا ان لم يكن اعلاهم رتبة !! وقف قبالتنا على الجانب الآخر من الشارع، وطلب منا ان نأتى اليه، قطعنا شارع الاسفلت، سألنا عن وجهتنا فاخبرناه، حاول ان يبدو ودودا معنا ولكن طريقته البوليسية افسدت محاولته تماما، سألنى عن الكتاب الذى بيدى فقلت له انها رواية. و بصوت عال: قلت ايه ؟! .. اجبته اقصد انها قصة. انصرف الى موضوع آخر وسألني عن عدد نقاط فريق الهلال وفرص تأهله بعد هزيمته من الاهلي فى مباراتهما الاولى بالقاهرة، و لأننى افتقدت الود فى حديثه وكذا السخرية، فقد ابديت عدم المامي بشأن الكرة عموما ورددت عليه باقتضاب دون ان ارفع رأسى عن الرواية: لا اعرف، بدا مندهشا من اجابتى، وقال باستنكار كيف لا تعرف؟ فأجبت ببرود: لست من المتابعين لمجريات كرة القدم. أشاح عنى باستصغار وقال: يا عم خليك مع روايتك يا بتاع الروايات انت، وتوجه بنفس السؤال الى فاولينو، الذى جادله بأن الهلال سيكسب الاهلى حتما بالخرطوم وسيصعد. تركنا بعدها وانصرف الى الداخل.
فى مكتب العميد!
عاود بولس اتصاله مرة اخرى بالامين العام للحركة الشعبية بمصر، نصر الدين كشيب، ليعرف منه الخطوات التى قام بها وليطلعه على آخر التطورات فى موقفنا ، وعاد ليقول لنا ان نصر الدين ذهب بنفسه الى امن الدولة بالقاهرة. بعد نحو عشر دقائق جاء الينا الشرطي ذي الملابس المدنية من داخل مباني نقطة التفتيش المجاورة للكبري، وطلب منا التوجه الى داخل النقطة لمقابلة معالي الباشا، على حد تعبيره وحاولت ان اسأله عن اسباب توقيفنا، فقاطعنى بأنه لا يعرف شيئا وانه «عبد المأمور» واذا كان لدي اي سؤال ان اتوجه به الى «معالي الباشا». تقدم امامنا لنعبر الفناء الواسع لنقطة التفتيش قبل ان ندخل صالة طويلة تفضي الى مكتب يضم بداخله عددا من افراد الشرطه بزيهم الرسمى. اوقفنا على مشارف بوابة دخل منها الشرطي ذي الملابس المدنية وعاد ليدخلنا بالصف من تلك البوابة. وجدنا انفسنا داخل مكتب واسع يجلس خلفه ضابط شرطة برتبة عميد، اصلع الرأس وغزير الشارب، نظر الينا سريعا نظرة محايدة لا تعبر ملامحه عن الخير او الشر ولم يدعنا الى الجلوس على الكراسي الوثيرة التي تحيط بمكتبه. نظرت سريعا الى مكتبه المتخم بالاوراق، فوجدت وثائقنا امامه. بدأ يتصفح فيها، امسك بأحد الجوازين الاخضرين، ورفع رأسه الينا ونادى: «فين الصحفي علاء الدين بشير»؟ فاجبته بنعم . عاود مرة اخرى: «فين أواو؟» ونطقها بلغة مكسرة وحاول تصحيح نطقه عبثا ولم يستطع ان ينطقها بصورة صحيحة، وكرر ذات الشئ مع فاولينو، ولكنه نطق اسم بولس بصورة صحيحة. امسك جميع الوثائق بين يديه، وقال لنا انتم الاربعة متوجهين فى مهمة صحفية لتفقد اوضاع اللاجئين السودانيين المحتجزين بالعريش؟ فنفيت له ذلك وحاولت مباشرة الاستدراك على النفي لاوضح له اننى الوحيد الصحفي بينما بولس مفوض من مكتب الحركة الشعبية بمصر، وأواو هو سلطان ولديه مسؤولية اجتماعية تجاه مواطنيه، وان فاولينو ذاهب لزيارة احد اقربائه المحتجزين، ولكن سيادة العميد لم يعطني الفرصة فقاطعنى بعد النفي مباشرة، بصوت عال : «كيف؟ ما هو الجواب اللي مكتوب بيقول انكم في مهمة صحفية» ، ولم يكن خطابنا يقول اننا فى مهمة «صحفية» ولم تدخل هذه الصفة فى الجدل الا بعد الاطلاع على جوازي الذى يبين ان مهنتي صحفي!! . ظننا اربعتنا حينما نظرنا الى العميد وهو يمسك بوثائقنا بين يديه انه سيقول لنا اذهبوا فأنتم الطلقاء، ولكن خاب ظننا حينما سلم الوثائق الى احد ضباط الصف آمرا اياه بصرامة: «حولهم على امن الدولة بالقنطرة بالعربية الاجرة اللى كانوا راكبنها!!» . ران علينا الصمت برهة حتى قطعه صوت الشرطى آمرا «يلا ياعم منك لوه»!!.
فى الطريق الى امن الدولة !!
خرجنا من نقطة التفتيش يحيط بنا اربعة من رجال الشرطة، امر اعلاهم رتبة سائق عربتنا بأن يأتي بها من حيث اوقفها جانبا في الاتجاه الآخر. عاد السائق بالعربة، فأخبره العسكرى: حنطلع على امن الدولة بالقنطرة يا أسطى. و ما ان سمع سائق العربة المسكين ومعه الركاب المصريون الاربعة ذلك حتى انفجروا صائحين : والله يا بيه احنا ما لناش دعوة !! .... واردف السائق : انا سألتهم من القاهرة عن اوراقهم فقالوا لى انها مظبوطة ... احنا ذنبنا ايه ... واستمر ذلك النواح وتلك الهمهمات برهة من الزمن حتى طمأنهم العسكرى انهم غير معنيين بذلك المشوار الا من جانب توصيلنا فحسب . أمرنا العسكرى بان «ننعصر» نحن اربعتنا فى المقعد الاخير للسيارة والذى يسع بالكاد لثلاثة ركاب ، كما انه لا توجد نوافذ فيه فى وقت يتميز فيه الجو قيظا. تضايقت جدا من ذلك ورفضت ان اجلس بالخلف بحجة ان المكان لا يتسع لاربعة ركاب ، اذ اننى احسست بان التعامل معنا يتم على اعتبار اننا مجرمون ويخشون من هروب احدنا اذا ركبنا جوار الباب او النافذة . لكن تجمع حولنا رجال الشرطة و تحدثوا الى بلهجة آمرة ان اركب دون نقاش كثير ، ساورنى ان اواصل رفضى لكن بولس والسلطان طلبا منى الركوب دون مشاكل. ركب المصريون الاربعة فى المقاعد التى امامنا رغم انها تسع ثلاثة ركاب ايضا، بينما ركب شرطيين احدهما يحمل سلاحا فى المقعد الامامى جوار السائق ، والتفت اليهم احد الشرطيين وقال لهم : خلوا بالكم !! .
عبرنا فوق الكبرى فى تلك الاثناء التفت الى احد المصريين الصعايدة وتحدث الى بصوت هامس وباشفاق، مستغلا نقاش الشرطيين مع السائق : اتصل بالسفارة السودانية يا ابنى .. بتوع امن الدولة دول ناس صعبين أوى . اسرتنى طريقته الابوية . قلت له لن نحتاج الى ذلك فنحن لسنا مجرمين وانما مواطنون صالحون لم نرتكب اى مخالفة وبالتالى انا واثق انه سيتضح ذلك سريعا وسيتم اطلاق سراحنا . نظر إلي بإشفاق لكنه مشوب بالسخرية قائلا : و الله انت مش عارف حاجة خالص !! . فى تلك الاثناء اتصل بولس بنصر الدين منزعجا هذه المرة ليخبره بأننا حولنا على امن الدولة بالقنطرة ، واتصل بمسؤول سوداني آخر متحدثا معه بلغة الشلك حول نفس الموقف . و الامر كذلك بدت من الشرطى الاعلى رتبة مودة و صراحة مع الجميع فاخذ يتحدث عن الاوضاع الصعبة التى يعيش فيها المواطن المصري وتحول النقاش تلقائيا الى الاوضاع الحياتية ، لكن قبل ان ندلف الى عقد مقارنة مع الاوضاع فى السودان كنا قد وصلنا الى المنطقة التى يوجد فيها مقر امن الدولة ، فأدرك جمعنا حرج الموقف فصمتنا عن الكلام المباح !! .
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 11:59 AM
مهمة صحفية على مشارف اسرائيل !! (3 )
قلت فى الحلقة الثانية من قصة رحلتنا الى الحدود المصرية الاسرائيلية فى سيناء سعيا وراء قضية السودانيين المحتجزين بتهمة التسلل الى اسرائيل ، ان العميد شرطة المسؤول عن نقطة التفتيش الواقعة عند مدخل كوبرى السلام (مبارك) الذى يعبر فوق قناة السويس ، امر بعد ايقافنا لمدة تزيد على الساعة بتحويلنا على امن الدولة بمحافظة القنطرة احدى محافظات القنال بأعتباره اقرب مكتب اليه ، و اوضحت انه تم (حشرنا) نحن الاربعة بولس لوال ، مندوب مكتب الحركة الشعبية بمصر ، و السلطان اواو ارياط ، سلطان منطقة اويل ببحر الغزال ، و فاولينو ، قريب احد السودانيين المحتجزين بالسجون المصرية فى العريش و شخصى ، فى عربة الاجرة التى قدمنا بها من القاهرة ، يحرسنا اثنان من عناصر الشرطة ، وانتهيت عند وصولنا الى المنطقة التى يقع فيها مقر امن الدولة بالقنطرة .
مساومة !
لم يكن السائق و لا اى من الشرطيين يعلمون اين يقع مبنى امن الدولة بالتحديد فى محافظة القنطرة . سألوا احد افراد الشرطة الجالسين على الشارع فى حراسة احدى المنشآت عن المقر فطلب منا الرجوع الى الخلف مرة اخرى و الوقوف امام (الباب الاخضر) فى ناصية المربع الذى تقع فيه منشأته . رجعنا و وقفنا كما قال لنا لكن لم تكن هيئة المكان تشى بانه مبنى لامن الدولة . تردد الشرطى المسؤول فى اقتحام المبنى ، و انتظر حتى اقترب رهط من الرجال كانوا مارين على اقدامهم فى الشارع الرئيسى و سألهم عن مقر امن الدولة ، بدا عليهم الرعب و لكنهم تطوعوا بحماس منقطع النظير و بدقة متناهية لتوصيف المكان ، خصونا نحن الاربعة المحشورين بالخلف بنظرة مشفقة من وراء زجاج العربة ، من المصير الذى توقعوا انه ينتظرنا هناك ، ملأتنى نظرتهم المشفقة و المتهكمة فى الوقت نفسه حنقا ، اذ كيف علموا اننا المقصودون بأمن الدولة رغم ان معنا اربعة ركاب من المصريين ؟ .
حأنزلكم فى امن الدولة و اقبض حسابى منهم و اروح أنا فى مشوارى يا جناب الباشا .. هكذا قال سائق العربة (عم احمد) للشرطى الشاب المسؤول عن حراستنا . فرد عليه بالايجاب . عاود السائق مرة اخرى ليسأل بصيغة المطالبة ان حسابنا غير قيمة المشوار الاصلية للعريش مضافا اليه ايضا زمن التأخير لاكثر من ساعة عند مدخل كوبرى قناة السويس ، بجانب قيمة المشوار الى القنطرة ، اومأ اليه الشرطى بالايجاب و قال (حيدولك حسابك كلو يا اسطى) . صحت من أقصى العربة اننا سندفع قيمة المشوار من القاهرة الى العريش فقط رغم اننا لم نصلها ، اما قيمة التأخير و مشوار القنطرة فهو ليس خيارنا و لا مشوارنا و تسأل عنه الشرطة و يمكنك ان تحاسب به الشرطى الذى برفقتنا يا اسطى . التفت الينا الشرطى ضاحكا و لم ينبس ببنت شفه . لم أكن اريد السائق ان ينصرف اذ أننى كنت اتوقع ان يتفهم المسؤولون بامن الدولة موقفنا الواضح اصلا و يسمحوا لنا بالمواصلة ، و ان ذلك لن يستغرق اكثر من عشر دقائق الى ربع الساعة على اسوأ الاحتمالات ، و بالتالى اذا انصرف السائق سندخل فى مأزق البحث عن دابة جديدة تقلنا الى حيث نقصد ، لكن السائق لم يكن لديه اى استعداد للانتظار اكثر من ذلك و اين ؟ امام مبنى أمن الدولة كمان !! .
بولس ينتفض !
وصلنا امام المقر ، نزلنا جميعا و نزل السائق و فتح خزانة العربة ليخرج امتعة كانت برفقتنا تخص السلطان و فاولينو عبارة عن اغطية و ملابس و طعام و اغراض اخرى لبعض الاشخاص المحتجزين هناك . طالب السائق بأن ندفع له خمسين جنيها اضافة للمبلغ الاساسى و هو ثمانون جنيها ، عبارة قيمتى التأخير و المشوار الاضافى . استهجنا سلوكه فهو يعلم الا يد لنا فى ذلك ، كما يفترض انه يرانا فى كرب شديد و يكتفى بأخذ حسابه و ينصرف لا ان يزيد علينا (البلاوى) ، و لكنه اصر . أخرج السلطان محفظة نقوده و اقسم الا يدخل ايا منا يده داخل جيبه ، و اخرج مائة جنيه نفحها للسائق ، و اذا بالرجل يطالب ببقية المبلغ قلنا له بهدوء انه حقه علينا فقط ثمانون جنيها و لكنه اصر على طلبه و اكثر فى الملاححة ، و ازاء تشددنا قال انه يقبل بمبلغ المائة جنيه ، هنا انفجر بولس غاضبا فى و جهه و امسك بالمائة جنيه و اخرج ثمانين جنيها و سلمها له و قال : اسمع يا حاج انت رفعت لنا سعر الراكب من القاهرة من سبعة عشر جنيها الى عشرين جنيها وقبلنا على مضض ، و سوف لن نرضى تكرار ذلك مرة اخرى ، اذا كانت لديك اى مطالبة اسأل ناس الشرطة او أمن الدولة . تدخل الشرطى طالبا من السائق ان يقبل المبلغ و ينصرف ، وحاولت انا ان اطيب خاطره رغم غيظى من جشعه ومن عدم حساسيته فقبلها و انصرف وهو يلعننا بصوت عال و ربما يتمنى لنا فى دخيلته الا نرى الشمس مرة اخرى بعد دخولنا الى امن الدولة !! .
داخل عش الدبابير !
مثل أغلب المبانى التى صادفناها فى القنطرة ، كان مبنى أمن الدولة متواضعا و مكوناً من طابق ارضى عبارة عن (حوش) واسع و داخله عدة مكاتب ، و مطلى باللون البنى و البيج ، يشبه الى حد كبير المبانى العسكرية و الامنية لدينا فى السودان . كان الهدوء المثير هو السمة السائدة داخل المبنى ، وربما كان ذلك الى جانب صحة موقفنا هو ما جعلنا نحن الاربعة متماسكين و رابطى الجأش .. ما ان و ضعنا اولى خطواتنا داخل المبنى و نحن نمسك بأمتعتنا حتى حانت من المتواجدين بفنائه التفاتة الينا ممزوجة بالدهشة و الشفقة لدى المستدعين و المجلوبين مثلنا الا واحدة !!, و التحفز لدى افراد امن الدولة .. كان عدد الموجودين ممن يمكن رؤيتهم من فناء المبنى قليلا . كانت هناك فتاة تجلس مطرقة كسيرة على مسطبة عالية وراء احد المكاتب ... لم تكن تبالى بأشعة الشمس اللاهبة و انشغلت عنها بأحزانها الخاصة ، ولم ترفع رأسها لترى القادمين الجدد .. عباءتها الطويلة الصفراء و خمارها البنى زادا من قدرتها على دفن ملامحها ، و ظلت على حالها ذاك حتى توارينا نحن .
ذهب بنا الشرطى الى صالة تتوسط ثلاثة مكاتب فى واجهة المبنى ، عليها تربيزة مكتب قديمة يجلس وراءها أحد افراد امن الدولة و يقف بجواره آخر وعليها دفتر مثل دفاتر مخافر الشرطة ، بينما وضع كرسيان امامها جلس عليهما اشخاص يبدو انهما يخضعان للتحقيق ، فيما و ضعت كنبة طويلة على الجانب الايسر للمكتب جلس عليها بعض الشباب يبدو انهم من افراد امن الدولة . و على اليمين مباشرة كان هناك شخص مفتول العضلات يجلس على كرسى جوار باب احد المكاتب مثل حاجب المحكمة ، عرفت لاحقا انه مكتب الضابط مدير وحدة امن الدولة بالقنطرة .
و بعد ان سلمنا الشرطيان الى أفراد امن الدولة ، طلب منا أحد عناصرهم ان نأتى معه ، خرجنا من الصالة فى اثره الى مبنى يقع جوار البوابة التى دخلنا منها و كنت طوال الثلاث دقائق التى عبرنا فيها الفناء اجوس بعينى علنى أرى زنزانات او كلبشات او ايا من تلك الادوات المرعبة التى قرأنا عنها فى الروايات المصرية و فى مذكرات (اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر) ، و استرق السمع فربما نبا الى اذنى اصوات أنين صادرة عن بعض من أوقعهم حظهم العاثر مثلى فى أيدى (جلاوزة) أمن الدولة ، ولكن كان يرتد الى بصرى خاسئا من رؤية أى شئ من الذى تصورته ، و لا تلتقط اذنى الا عزيف الرياح و هى تصطدم بالاجسام التى تعترضها . دخلنا الى استراحة عبارة عن صالة و غرفة ، تراصت فيهما عدة كراسى ، كانت كراسى الصالة الخمسة مشغولة برجال تبدو على سيماهم الطيبة و الهدوء ، و اغلب الظن انهم لم يأتوا كمستدعين او مقبوض عليهم , وانما جاءوا فى اثر احد ابنائهم ربما كان معتقلا او استدعى للتو , او انهم حضروا لتخليص معاملة او امر يقضى لدى امن الدولة , اذ كانت الثقة تشع من محياهم و تبين من خلال حديثهم . عبرنا الصالة بعد ان القينا عليهم السلام الى الغرفة التى كان عليها كرسيان واريكة تسع شخصين ، وفى احد اركانها قبع دولاب خشبى متهالك مغلق بطبلة ، كانت الغرفة حارة جدا و لم نرَ فيها نافذة او ربما توارت نافذتها الوحيدة خلف الستارة التى غطت الحائط ، و لا توجد بها مروحة عكس الصالة التى كانت جيدة التهوية و بها مروحة سقف قديمة و لكنها تعمل بصورة جيدة . طلب منا فرد امن الدولة البقاء بها الى حين اشعار آخر . جلست انا و السلطان على الاريكة ، بينما جلس بولس و فاولينو متجاورين على الكرسيين ، نظرنا الى بعضنا بصمت لنرى الى مدى نحن متمسكون بهدوئنا و اطمأنينا الى اننا لا زلنا عاديين . اخرج بولس هاتفه الجوال و عاود الاتصال بنصر الدين و لكن و جد هاتفه مغلقا ، فاتصل بشخص آخر و أخبره بتطورات موقفنا حتى تلك اللحظة متحدثا بلغة الشلك ، فى نفس الوقت اتصل السلطان أيضا ببعض من يعرفهم ليخبرهم بما آل اليه امرنا متحدثا بلغة الدينكا ، فيما بقينا أنا و فاولينو على صمتنا ، و لم اكترث للاتصال بأى شخص من السودانيين او المصريين الذين أعرفهم و لا حتى الاستاذة الفاضلة و الهميمة بكل ما هو سودانى ، اسماء الحسينى ، الصحافية بالاهرام ، و مراسلة صحيفتنا بالقاهرة ، اذ بينى و بين نفسى كنت مقتنعا ان الامر سينتهى سريعا حالما تتضح للمسؤولين حقيقتنا .
اجراءات أمنية !
جاء أحد عناصر أمن الدولة و طلب منا بتهذيب أن نسلمه هواتفنا الجوالة بعد اغلاقها و قال لنا انها سترد الينا حال انتهاء التحقيق معنا . سلمه رفاقى الثلاثة هواتفهم و اخرجت انا هاتفى لامسح بعض الرسائل بينى و بين زميلى و صديقى سيف الدين عبد الحميد ، مترجم صحيفتنا العروبى القح وكنت أداعبه عبرها من القاهرة اننى ذاهب الى تل ابيب ، و يرد على اننى ان ذهبت سيلاحقنى الخزى و العار مدى الحياة ، فاقول له ان السادات ذهب الى هناك و خلده التأريخ كبطل للحرب و للسلام ايضا ، و يرد على غير مقتنع ان التأريخ و ضع السادات مع رفاقه هتلر و هولاكو و آخرين من جبابرة زمانهم ، و مداخلة بعض الزملاء و الزميلات ، فقد خشيت ان تؤخذ تلك الرسائل على ما فيها من دعابة كدليل ادانة . و بينما احاول مسحها طمأننى رجل أمن الدولة اننى اذا اغلقت الموبايل و سلمته له لن يقوم احد بفتحه او استخدامه ، ففعلت ذلك .
عاد الينا بعد ربع ساعة احد الافراد و وقف بباب الغرفة بدأ يتلو اسماءنا بصوت عال ، ووقع فى نفس مطب عميد الشرطة بنطق أسماء السلطان اواو و فاولينو و بولس كذلك بشكل خاطئ ، و يبدو ان حديث بولس و السلطان بلغتى الشلك و الدينكا فى هواتفهما الجوالة ، و صعوبة نطق الاسماء بجانب سحناتنا الداكنة شكلت لدى من كانوا يجلسون بالصالة يقينا لنقاش كان دائرا بينهما حول جنسيتنا ، فسمعناهم يقولون و نحن نعبر الصالة الى الخارج : (دول مش سودانيين) !! .
وقفنا امام مكتب افراد الامن الذى جئناه أول مرة ، وجدنا الشرطيين اللذين كانا فى حراستنا لا يزالان جالسين فى الصالة التى تتوسط الثلاثة مكاتب ، وكان مر اكثر من ساعة منذ مجيئنا الى امن الدولة بالقنطرة ، قال لنا احد الافراد ستدخلوا على معالى الباشا ، وعبر الهاتف الداخلى سمعت العسكرى الجالس على المكتب يقول (تمام يا سعادة الباشا ، المضبوطين بانتظار جنابك) !! , استفزتنى جدا عبارته و لكنى كدت أضحك من وصفنا بالمضبوطين ، وجالت بخاطرى سريعا و قائع الاعتقال السياسى ، وكيف تتحول ما بين عشية و ضحاها من شخص عزيز فى مجتمعه الى سجين او هارب او مجرم سعى لتقويض النظام الدستورى او القيام بمحاولة تخريبية !! .
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:00 PM
مهمة صحفية على مشارف إسرائيل «4»!!
وقفت فى الحلقة الثالثة من قصة رحلتنا الى شمال سيناء على الحدود المصرية الاسرائيلية، للاطلاع على اوضاع السودانيين المحتجزين لدى السلطات المصرية فى مدينة العريش بتهمة التسلل غير المشروع الى اسرائيل، انا ومعى بولس لوال ، ممثل الحركة الشعبية المتابع لقضية المتسللين المحتجزين، و السلطان اواو ارياط ، سلطان اويل ببحر الغزال، وفاولينو، قريب احد السودانيين المحتجزين بالعريش، وقفت عند تسليمنا الى مباحث امن الدولة بمحافظة القنطرة احدى محافظات القنال، واجلاسنا باستراحة داخل المقر ، وانتهيت عند اصطفافنا نحن الاربعة امام بوابة الضابط المسؤول عن وحدة امن الدولة استعدادا للدخول اليه.
فى حضرة معالي الباشا !
دخلنا نحن «المضبوطين» الاربعة على حد تعبير فرد امن الدولة الى مكتب الضابط المسؤول ، غشيت وجوهنا موجة من الهواء البارد المنبعث عن جهاز التكييف خففت عناء وعثاء العرق المتصبب عنا جراء درجة الحرارة العالية ومكوثنا لاكثر من ساعة بالاستراحة المكتومة. كانت غرفة المكتب عادية فى مظهرها تحيط بها كراسي جلوس وثيرة وزينت جدرانها لوحتان احتوتا على آيات قرانية ، بينما يوجد باب خلف المكتب يفضي الى غرفة اخرى يوجد بها سرير ودولاب ملابس وشنطة صغيرة ، فيما يبدو انها استراحة للضابط المسؤول. امرنا الضابط بالجلوس على الكراسي الوثيرة، فاخذنا ذلك ماخذا حسنا مقارنة مع عميد الشرطة الذى لم يسمح لنا بالجلوس و حولنا الى امن الدولة. جلس بولس لوال والسلطان اواو متجاورين على يسار الضابط بينما جلس فاولينو فى مواجهته، واخترت انا ان اكون على يمينه قبالة باب الغرفة الخلفية الذى كان مفتوحا الامر الذى اتاح لى استراق النظر الى محتوياتها وكنت احمل معى رواية «ملائكة وشياطين» واضع بداخلها نوتة صغيرة وفى الوقت نفسه ادس جهاز التسجيل الصغير داخل جيبى. كانت ملامح الضابط هادئة ومحايدة فى ملابسه المدنية، تدل سنوات عمره التى تجاوزت الاربعين انه يتأرجح بين رتبتى المقدم والعقيد. لم يكن يدقق فى ملامحنا بل كان مركزا على وثائقنا والخطاب الصادر عن الامين العام للحركة الشعبية بمصر. رفع الضابط رأسه الينا وسأل عن علاء الدين، فأجبته، و عن بولس فأجابه، فسأله عن جواز سفره فقال له انه تركه بمنزله. وكرر السؤال للسلطان اواو فأجابه ، وسأله عن لماذا مدة جوازه منتهية فأخبره انه مقيم بمصر منذ العام 2004 ، و سأل فاولينو عن لماذا يحمل وثيقة اممية منتهية الصلاحية فأخرج له الاخير وريقة صادرة عن الجهات الرسمية المصرية تحدد له تأريخ للعودة اليها لتجديد وثيقته. ودون ان يرفع رأسه الينا سألنا عن وجهتنا، فتصدى بولس للاجابة واخبره انه مفوض من مكتب الحركة الشعبية بمصر لتفقد اوضاع اللاجئين السودانيين المحتجزين بالعريش، وان بقيتنا مضمنين معه فى الخطاب المرفق واننى صحفي جئت للوقوف على هذه القضية عن قرب. رفع الضابط رأسه الينا قائلا: ولكن هذه مسؤولية السفارة السودانية. هنا تصديت للاجابة عليه، وعدلت فى اخر اللحظات عن الدخول فى شرح طويل عن لماذا يتصدى مكتب الحركة لهذه المهمة وما هي الحركة الشعبية وغيرها، لانني لمست ان السواد الاعظم من المصريين يجهلون ابسط البديهيات عن السودان، ومن يعلمون القليل تجدهم غير ملمين بالتعقيدات السياسية ولا مواكبين للتطورات السياسية فيه، فاكتفيت بالقول: إن السفارة السودانية إن اهتمت فانها تقوم بتوفير المعلومات للدولة بينما انا صحفي ولدي التزام تجاه الرأى العام السوداني الذي يهتم بقضية تسلل سودانيين الى اسرائيل ويريد ان يعرف ما هي الدوافع وراء ذلك. شعرت بأن ثمة تساؤلات في ذهن الضابط حول وجودي انا تحديدا في هذه المهمة لم اجاوب عليها رغم انني لم انته من كلامي بعد، فزدت قائلا: كما انني دخلت مصر بطريقة مشروعة واحمل تأشيرة صادرة عن سفارتها بالخرطوم، ويحق لي الاقامة لمدة ستة اشهر والتنقل في كافة انحاء الجمهورية بموجب الاتفاق المبرم بين البلدين، و من نحن فى اثرهم مواطنون سودانيون ، والصحفيون المصريون عندما يأتون الى السودان يذهبون حتى دارفور دون تعقيدات تذكر . نظر إلي مليا ولم ينطق بكلمة. كان يمسك بقلم ويدون بعض الملاحظات على ورقة خاصة. في تلك الاثناء رن الهاتف الذي بجواره وكانت مكالمة محولة فطلب ان تحول اليه، فجأة تحولت لهجته وهيأته الى اهتمام وسمعناه يقول باحترام كبير: «مرحب بيك يا معالي الجبالى باشا» ثم استمر يستمع الى الطرف الآخر، وكان يتدخل في الحديث تدخلات طفيفة تتجه في اغلبها الى موافقة المتحدث الآخر في حديثه، وظننت للوهلة الاولى ان المكالمة تخصنا وان المتحدث هو مسؤول رفيع في امن الدولة اتصل لتوضيح موقفنا لوحدة امن القنطرة بعد تحركات مكتب الحركة الناجحة، ولكن اتضح لي من خلال مداخلة اخيرة للضابط ان المحادثة كانت تتعلق بقضية اشخاص اخرين غيرنا.
تحريات!!
امرنا الضابط بالانصراف الى حين اشعار اخر ، فخرجنا ووجدنا شابا شديد بياض الوجه غزير اللحية اسودها ، كان فى نهاية العشرينات من عمره تقريبا وبدا ظاهرا انه ينتمي لاحدى الجماعات الاسلامية السلفية ، فقد كان يرتدي بنطلونا قصيرا وتعلو وجهه غرة سوداء ، ورغم تظاهره بالهدوء الا ان توترا ملحوظا يبين على محياه ، وما ان خرجنا حتى تم ادخاله على الضابط.
عدنا الى مجلسنا فى الاستراحة الحارة ، وبدأنا نتساءل عن مصير تحركات الامين العام للحركة بمصر ، كانت لدينا قارورتا مياه معدنية من الحجم الكبير شربناها و طلبنا المزيد . و بينما نحن جالسين فى توترنا ذاك وكنت اضع رجلا فوق الاخرى ، دخل علينا احد افراد امن الدولة كان طويل القامة و ضخم الجثة ذو «جلحات» فانتهرني بصرامة ولؤم شديدين: «نزل رجلك». غلت الدماء في عروقي، ولم انزل قدمي مباشرة. وكان يتجه نحو الدولاب القابع في ركن الغرفة وينظر إلي ليرى انصياعى لاوامره. التفت بسرعة الى بولس الذى نظر إلي بايحاء من يقول إنحني للعاصفة حتى ينجلي امرنا ، فأنزلت رجلى بتثاقل و انا ارمق فرد امن الدولة بنظرة استنكار لطريقته اللئيمة ، وقلت بينى وبين نفسى انه لا يعرف من نحن وما الذى جاء بنا الى هنا واغلب ظنه بناء على فهمه المحدود اننا مجرمون ليس الا . اخرج الرجل اوراق فلسكاب من الدولاب و مر من امامى و هو يرمقنى بنظرة متطيرة . نفثت غضبى و قال لى بولس مربتا «معليش ... نريد ان نخرج دون مشاكل» . فى تلك الاثناء اخرج السلطان الذى كان يجلس بجوارى علبة سجائره و هم باشعال سيجارة ليفرغ فيها شحنة توتره ، فأوقفته ، قلت له ان مجرد وضع رجلى فوق الاخرى ووجهت بتلك القسوة فكيف بك تشعل سيجارة .... نحن هنا متهمون حتى تثبت براءتنا وعلينا ان نعى ذلك جيدا.
مكثنا نحو اربعين دقيقة استدعينا مرة اخرى لمقابلة معالى الباشا ، حملت معى ايضا روايتى ودخلنا عليه، دعانا للجلوس مرة اخرى، قال لنا انهم بعد التحريات الدقيقة وفحص اوراقنا والاتصال بالقاهرة اتضح لهم اننا حقا فى مهمة لتفقد اوضاع اللاجئين بالعريش بتكليف من مكتب الحركة الشعبية ، وبالتالى ليس في مواجهتنا شيء، فقط علينا اكمال بعض الاجراءات ومن ثم العودة اليه مرة اخرى . قلت له ان لي بعض الاسئلة اود ان اطرحها عليه بخصوص السودانيين المتسللين، فرد على باقتضاب: بعدين.
افراج !!
ذهبنا الى الاستراحة مرة الاخرى ولكن بمعنويات عالية هذه المرة ، وكنا اكثر حيوية، جاء الينا الشرطي الذي كان في حراستنا حتى مكتب امن الدولة ، وطلب سيجارة من احدنا ان كان بيننا مدخنين ، فأخرج اليه السلطان علبته وناوله سيجارة ، واخرج لنفسه واحدة ، وهم باشعالها فطلب منه بولس التوقف حتى لا ندخل فى مشكلة ، لكن الشرطي قال له «يا عم ولع وخد راحتك» ، فقلت للسلطان ان الشرطي هو ضيف هنا واوامره غير نافذة لان هذا امن الدولة فوق الشرطة نفسها. نظر إلي الشرطي ضاحكا و قال: ما هو انت عارف كل حاجة أهو . فقلت له : لدينا نفس الوضع فى السودان . وبدا انه يريد ان يأخذ راحته فى الحديث ، فحكى لنا انه من القاهرة و اسرته تقيم هناك ولكنه يسافر كل يوم والثانى الى الاسماعيلية وبدا فى حساب التكلفة المالية لذلك وخلص الى انها «مش مغطية خالص». قلت له لماذا لا تجلب اسرتك الى محل عملك؟ فرد بانه الف حياة القاهرة و كل اصحابه هناك والحياة هنا رتيبة خالص . ثم تحدثنا كثيرا عن السودان كان يريد ان يعرف عن بلاد يلتقى بأهلها فى مصر ولكن معرفته بها لا تتعدى دروس الجغرافية فى المرحلة الابتدائية، فحدثناه ، ثم دلف للحديث عن مباراة الاهلى و الهلال المرتقبة بالخرطوم ، فقلنا له ان الاهلى فريق كبير ولكن مستوى الكرة السودانية يتحسن، فبدا واثقا وهو يقول ان الاهلى سيحل اولا على المجموعة وسيأخذ معه الهلال فى المركز الثانى لانه سيخرج مباراة الخرطوم بالتعادل !!.
جلسنا نحو ساعة حتى جاء الينا احد افراد الامن و طلب منى ان امثل امام المتحري لاخذ بعض البيانات الخاصة بى ، ذهبت الى المكتب باستقبال الضابط ووجدت عليه نفس الشخص الذى انتهرنى وامرني بأن انزل رجلي ، ويبدو انه علم بموقفنا فلانت طريقته في المعاملة. نظر الى الرواية التي في يدي وسألني عنها فقلت له انها رواية. تناولها مني ونظر الى غلافها ، وسألنى مجددا : انت مسلم ولا مسيحى ، فأجبت بانى مسلم ، فقال لى «امال مالك و مال الشياطين؟» فى اشارة لرواية ملائكة وشياطين ، فقلت له انها مجرد رواية لا علاقة لها بمعتقد الناس. لم يرد علي واخرج ورقة وكان جوازي الى جواره ، وبدأ في اجراءات التحري التقليدية التي مرت بنا لدى سلطات الامن السودانية وهي اسئلة متعلقة بكل ما يدور عنك منذ مولدك وحتى وصولك الى امن الدولة ، كان بطيئا في كتابته وردئ الخط وركيكا في طريقة توجيه الاسئلة، وكان واضحا من لكنته انه ينحدر من اصول بدوية. وعندما وصل لآخر سؤال وهو: تم ضبطك فين؟ فقلت له لم يتم ضبطي لاننى لست مجرما وانما تم ايقافى. فقاطعنى: يا عم بلاش رغى. و كتب لديه في المحضر «تم ضبطه في كوبرى السلام». اصابني بالغيظ ولكنى آثرت الصمت. طلب مني استدعاء السلطان اواو وأن اتي معه لانه لا يفهم لغته المكسرة ، فقلت له ان اللغة العربية ليست لغته وبالتالي طبيعي الا ينطقها بصورة صحيحة ، فنظر بتعجب !! فأكدت له حديثى مجددا ، وقلت له هل تستطيع التحدث بالانجليزية ، فقال لى لا ، فقلت له نفس الشيء بالنسبة لرفاقي الثلاثة مع الفارق انهم يتحدثون العربية ويفهمونها. فسألنى هو انتو مش دولة عربية ؟ فأجبته احنا دولة متعددة الاعراق والثقافات والاديان ، لا يمكن اطلاق صفة واحدة عليها غير انها دولة سودانية. فبدا ان حديثى استعصى عليه فى الفهم فاشاح عنى : يا عم خلصونا بقى وبلاش وجع دماغ !! .
جئت مع السلطان اواو وانهينا الاجراءات معه فى نصف ساعة من محاولة التفهيم والاملاء ، وتكرر نفس الشئ مع بولس ، وفاولينو الذى اغتاظ من سؤال المتحرى له عما اذا كان بيقرأ و يتحدث عربى ام لا ؟ فما كان منه الا ان رد بأنه لا يعرف سوى لغتى الشلك والانجليزية ، فأكملت اجراءت التحرى الخاصة به و رجعنا الى الاستراحة.
بعد نحو ثلث الساعة تمت مناداتنا للدخول على ضابط امن الدولة الذى التقطت اثناء التحرى معى ومن خلال نقاش افراد امن الدولة ان اسمه «عصام باشا» . دخلنا عليه فدعانا للجلوس مرة ثالثة ، وقال لنا لا ترجعوا وواصلوا مهمتكم حتى العريش و كتب لنا رقم هاتف مكتبه وقال اذا تم ايقافكم فى اى نقطة عبور اخرى دعوهم يتصلوا علينا على الرقم . وهم بإنهاء اللقاء ولكنى استوقفته ، فقال لى انهم لا يتحدثون للصحف ، فقلت له اننى اريد ان افهم ظاهرة تسلل السودانيين الى اسرائيل هذه وهل يمرون من نقاط العبور مثلما مررنا نحن ام انهم يأتون متخفين ام يذهبون من ممرات اخرى متحاشين نقاط التفتيش ، فرد على بأنهم يتسللون بطريقة غبية ، وانهم يدفعون مبالغ لعصابات من البدو تقوم بتهريبهم ، وان هؤلاء لا امان لهم لان البدوي اذا ما شعر بالخطر فيمكنه اطلاق الرصاص على الشخص الذى برفقته و قتله ، واضاف لى انه من الناحية القانونية لا قيود على من يأتى عابرا الى سيناء وكان اغلبهم يقولون انهم ذاهبون «عشان يصيفوا» ، و لكن عندما كثرت حالات التسلل اضطررنا للتشدد فى الاجراءات ، لان هؤلاء تسببوا فى حرج كبير لمصر وللدول العربية. انهى الرجل حديثه طالبا منى الانصراف والاكتفاء بذلك وامر احد الافراد بايصالنا الى الموقف لنأخذ عربة اجرة و نواصل الى العريش.!!
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:01 PM
مهمة صحفية على مشارف اسرائيل !! «5 »
علاء الدين بشير
وقفت فى الحلقة الرابعة من قصة رحلتنا الى العريش فى أثر السودانيين المحتجزين فى العريش بتهمة التسلل الى اسرائيل عبر الحدود المصرية ، انا و بولس لوال ، المفوض من مكتب الحركة الشعبية بمصر لهذا الملف ، و السلطان اواو ارياط ، سلطان اويل ببحر الغزال ، و فاولينو ، قريب احد السودانيين المحتجزين هناك ، وقفت لحظة خروجنا من مقر أمن الدولة بمحافظة القنطرة بعد ان تأكد للضابط المسؤول عبر الاتصالات و فحص الاوراق طبيعة المهمة التى نحن وراءها ، و قلت انه اعطانا رقم هاتف مكتبه الخاص و طلب منا مواصلة مهمتنا و احالة اية جهة تعترضنا فى الطريق الى العريش للاتصال بهم على ذلك الرقم ، و قد كان كل ذلك بعد احتجازنا لاكثر من ساعة من قبل الشرطة فى نقطة تفتيش كوبرى السلام الذى يعبر فوق قناة السويس اولا ، ثم اربع ساعات بمقر أمن الدولة بالقنطرة .
* فى الطريق الى العريش !
طلب ضابط أمن الدولة من احد الافراد ان يخرج معنا ويدلنا على موقف العربات المسافرة الى العريش . كانت الساعة قد بلغت الرابعة عصرا ، ورقم غبطتنا بانفراج ازمتنا الا اننا الاربعة كنا حانقين على الأمن المهدر و على العيش متهما لمدة خمس ساعات . و جدنا انفسنا متفقين على مواصلة الرحلة رغم التأخير ، سار معنا فرد أمن الدولة و نحن نحمل امتعتنا ، كان منظرنا فى الشارع مثل المساجين الذين تم الافراج عنهم للتو بعد سنين من العيش وراء القضبان . وجد فرد أمن الدولة سائق ركشة و طلب منه ان يوصلنا حتى موقف مواصلات العريش . ركبنا نحن الاربعة داخل الركشة التى تتسع لثلاثة اشخاص و اخترت انا ان اكون الى جوار السائق .
و جدنا عربة مرسيدس حمراء مثل تلك التى اقلتنا من القاهرة و تتسع لتسعة ركاب بمن فيهم السائق و كان بداخلها ثلاثة اشخاص ، ركبنا نحن الاربعة ، اختار بولس و السلطان وفاولينو المقعد الاخير ، و كان هناك شخصان اختارا المقعد الذى يجاور السائق ، طلب السلطان من سائق العربة ان يتحرك على ان نتكفل نحن بقيمة الراكب الثامن الذى لم يأت بعد . وجد ذلك العرض استحسانا لدى السائق ، فترجى احد الشخصين الجالسين الى جواره و كانا ضخمى الجثة ان يجلس بالمقعد الخلفى على ان اجلس انا اماما ، و لانه كان واضحا ان الاثنين كانا اقارب و يفضلان الجلوس متجاورين ، طلبت منه ان يدعهما يجلسان فى المقعد الخلفى لكابينة القيادة ، ففعلا ، وجلست انا الى جوار السائق . و قبل ان ينطلق الى العريش سألنا «حسن» سائق العربة بلهجة جادة و لكنها مشوبة بالود ان كانت جوازاتنا و كل اوراقنا على ما يرام ، فأجبته بانها كذلك و اننا نحمل تفويضا من سلطات أمن الدولة بالذهاب الى هناك ، و حكيت له طبيعة مهمتنا و ما تعرضنا له فى سبيلها .
و عطفا على عتاب رقيق تلقيته قبل يومين عبر بريدى الالكترونى من الاستاذ هانى رسلان ، الباحث بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ، و المهتم بالشأن السودانى ، اخذاً على فيه الوقوف طويلا فى قصة اصطدامي بأمن الدولة و رؤيتى له كوجه «متجهم» دون الوقوف امام وجوه مصر المشرقة المتعددة ، اقول ان سائقنا «حسن» كان وجها مشرقا و صبوحا «حسيا و معنويا» من تلك الوجوه التى عناها هانى . لم تكن مودته تكلفا و تزلفا من صاحب سلعة مع البائع ، فبعد سماعه قصتنا كأنه احس بان عليه انابة عن شعب و حكومة مصر الاعتذار الينا ، ولم يفعل ذلك بطريقة ساذجة تؤذينا ، فقد كان لبقا و متفهما ، و ينم سلوكه الراقى ووعيه العميق بأن ظروفا ما هى التى حملته للعمل سائقا على الطريق السريع ، و اغلب ظنى المستند الى سحنته البيضاء نوعا ما و لكنته انه ينحدر من الاقاليم المصرية . سألته ان كان التشدد و التضييق على القادمين الى سيناء حصرا على السودانيين فقط ام يطال الجنسيات الاخرى غير المصرية ، فأجابنى بصراحة انه محصور فى السودانيين منذ ان كثرت عمليات التسلل الى اسرائيل ، و يشمل كذلك الفلسطينيين عندما تكون هناك أزمات محددة كما هو موجود هذه الايام . قلت له ان بين السودان و مصر اتفاقا يبيح للسودانيين حق الاقامة و التنقل فى كل انحاء الجمهورية و بالتالى فان ذلك التشدد يعد خرقا للاتفاق من جانب الحكومة المصرية ، وافقنى على ذلك و لكنه برر ذلك بالمسؤولية الأمنية الضاغطة و ان هذا لا يتم الا للقادمين الى سيناء و فيما عدا ذلك لا يوجد تضييق «فيما يعلم» على تحركات السودانيين فى اى اتجاه ، و ابدى استغرابه من اقدام سودانيين «مسلمين و عرب» من وجهة نظره فى اختيار اسرائيل موطنا لهم بمحض ارادتهم بل و المخاطرة بحياتهم من اجل ذلك . قلت له ان الرأي العام السودانى ايضا مصدوم لذلك ، و انه حتى اليوم يكتب على جواز السفر السودانى «صالح لكل الاقطار عدا اسرائيل» ، و لكن لا بد ان هناك تبريرا لكل شخص اختار القيام بهذه المغامرة ، وانه لحظة تفكيره فى هذا الخيار فى ظل ظروفه الضاغطة لم يجد أية حكمة او رأي اخر يثنيه عن الاقدام على هكذا مغامرة ، واوضحت له ان اغلب المتسللين عاشوا اوضاعا قاسية فى السودان و مصر على السواء ، و اغلقت امامهم بوابات اللجوء الى بلدان العالم الاول كما كانوا يمنون النفس عندما قدموا الى مصر . قال لى انه مهما يكن لا يمكن لشخص يرى ما تفعله اسرائيل بالفلسطينيين ان يختار العيش بينهم ، و انه عندما يرى فى شاشات التلفزة «قلة ادبهم تجاه الاطفال و النساء و الشيوخ» تغلى الدماء فى عروقه و اكاد اذا رأيت اسرائيليا فى شرم الشيخ او الغردقة او غيرها «ان انهش كبده بسنانى» . احسست بصدق مشاعره و بساطة رؤيته لقضية لا تحتمل النظر من جانب واحد ، لذا لم اتعمق معه فى النقاش حتى لا اصدمه .
*إيقاف عند بوابة سيناء !
ران الصمت بيننا طويلا و السيارة تغز بنا السير باتجاه سيناء ، ادار السائق كاسيت بداخل مسجل العربة لاحد المطربين المصريين الجدد ، فرجوته ان يغلق المسجل ، ففعل و قال لى انه اراد ان يكسر رتابة الصمت المخيم داخل العربة ، فقلت له نكسره بالانس بيننا ، فعاودنا الحديث مجددا عن انطباعاتى عن مصر وأنا ازورها لاول مرة ، فقلت له اننى مثل كثير من السودانيين لا يشعرون بان مصر بلد جديد عليهم ، لانهم عرفوا كثيرا من جوانبها عبر المسلسلات و المجلات و الروايات المصرية ، وان الزيارة تتيح لك فقط فرصة الاحتكاك الحسى بالحياة المصرية . من أسئلته عرفت انه يرغب فى معرفة الكثير عن السودان الذى لا تتعدى معرفته به حدود ان «النيل جاى من عندكم» فحدثته قليلا عن الحياة و المجتمع و الدولة فى السودان و التطورات السياسية و الاقتصادية فى السودان ، ووجدت انه من بين كل ذلك يعرف فقط ان «الجنيه السودانى بقى جامد اوى» !! . و بينما نحن فى «دردشتنا» تلك كان رفاقى الثلاثة بولس ، والسلطان اواو و فاولينو مستغرقين فى «تعسيلة» جراء ارهاق اليوم العجيب هذا ، و بينما الحال كذلك لاحت من بعيد لافتة عريضة فوق الطريق السفرى ، صارت تتضح شيئا فشيئا حتى اضحت على مرمى البصر فقرأت «محافظة شمال سيناء» . وقفنا عند نقطة التفتيش اسفل اللافتة جاء شاويش من الشرطة و سأل السائق ان كان يحمل اجانب ، فرد عليه بالايجاب و هم سودانيون ، فأقبل الشاويش على الناحية الثانية حيث اركب و قال لى سودانيين ؟ فأومات عليه بالايجاب ، فقال «اجدع ناس» شكرته على اطرائه باقتضاب و طلب أوراقى فسلمته جوازى و الخطاب الصادر عن مكتب الحركة الشعبية بمصر الذى ناولنى له بولس ، قرأ الخطاب و تفحص الجواز و يبدو انه استعصى عليه اتخاذ قرار لوحده ، فقلت له اننا كنا فى أمن الدولة بالقنطرة و طلب منا الضابط ان نحيل اية جهة تعترضنا فى الطريق للاتصال بهم على الرقم المبين فى ظهر الخطاب . طلب منى النزول و ان اتى معه الى «معالى الباشا» ، فى تلك اللحظة هم بولس بالنزول ، فقال الشاويس أن الامر بسيط و يكفى شخص واحد فقط . و لم اكد أترجل من عربتنا و أخطو خلف الشاويش خطوتين الى بوابة نقطة التفتيش التى يجلس الضابط فى ظلها حتى رأيته ينهض و هو يتحدث عبر جهاز اللاسلكى و يقول : «أمر سعادتك يا معالى الباشا» ، و ينظر الى الشاويش مخاطبا «خليهم يواصلوا» . سلمنى الشاويش اوراقى و عدت ادراجي الى العربة و قلت للسائق ان يطلع على طول .
عبرنا البوابة منطلقين نحو العريش ، كانت تطالعنا فى الطريق تلال رمال صحراء سيناء العالية ، و ما ان نعبر بعضها حتى تصافح اعيننا زرقة مياه احد ألسنة البحر الاحمر الصغيرة ليتوارى ثم تظهر التلال الرملية مرة أخرى و تنبسط بينها مساحات مسطحة عليها خيام للبدو تجلس امامها نسوة متشحات بالسواد يتدلى «البرقع» على وجوههن فلا ترى من بشرتهن الا بياض أيديهن وهن مشمرات أثناء خدمتهن ، و جمال منتشرة هنا وهناك ثم شجيرات نخيل كثيفة . و بين كل هذا كان طريق الاسفلت الاسود يتلوى بين تلال الصحراء مثل افعى الكوبرا لدى سحرة الهند وهى تخرج راقصة من داخل جراب الخيش لدى سماعها مزمار سيدها .
دخلت بنا السيارة الى حيز من العمران الفاخر ... هذه جامعة سيناء للتكنلوجيا بكل فخامتها و ثرائها ، وبعدها أطلت علينا عشرات الفلل الانيقة و التى شيدتها البنوك و صناديق الجمعيات الاجتماعية المصرية كاستثمارات لها ، كما حدثنى سائقنا حسن . و فى كل هذا كانت اللافتات المرورية تطالعنا .. العريش 10 كيلو مترات .. رفح 40 كيلومتر .
* في زنازين العريش !
واجهتنا لافتة كبيرة تقول «مرحبا بكم فى مدينة العريش» .. وجدنا عشرات الفلسطينيين من النساء و الرجال و الاطفال يتكدسون فوق امتعتهم عند مدخل المدينة ، علمنا انهم موجودون هنا منذ ايام بسبب الأزمة بين اسرائيل و السلطة الفلسطينية و هم امتداد للعالقين على معبر رفح الحدودى ، قال لى حسن : ان الفلسطينيين اثرياء جدا و ان كميات الامتعة التى اراها هى بضاعة اشتروها من مصر لتسويقها داخل الاراضى الفلسطينية . عبرنا مدخل المدينة الى داخلها . كانت المدينة فى السادسة مساء هادئة رغم ان الشمس لم تغب بعد ، وبدت لى أليفة فمساكنها مثل بيوت السودانيين طابق واحد و الحوش ذو الاسوار العالية و بعض الرجال الذين يجلسون تحت ظلال الاسوار يلعبون الطاولة و الدومينو و الكوتشينة . كانت شوارعها فى غاية النظافة و الحشمة معا . كان الجوع و العطش و الارهاق قد بلغ بنا مبلغا صعبا و لكننا اثرنا لضيق الوقت ان نصل الحراسات اولا ثم نفكر فى امرنا لاحقا . نزل الركاب الثلاثة الذين كانوا برفقتنا عند مدخل المدينة ، و قبل أن ينزلنا السائق فى الموقف سألنا عن مقصدنا أولا هل نريد زيارة قسم أول العريش أولا أم قسم ثاني العريش ؟ . فرد عليه بولس بأننا نريد الاثنين معا ، فقال إن قسم ثانى العريش يقع فى أول المدينة و يمكننا زيارته أولا . فقال بولس إن هناك اثنين من السودانيين فقط بقسم ثاني العريش و يحمل لأحدهما بعض الاغراض من ذويه بالقاهرة وبالتالى يمكننا أن نغشاه سريعا ثم نواصل الى قسم اول العريش الممتلئ بالسودانيين . ورغم ان السائق كان متعجلا الا انه وافق ان ينتظرنا حتى ننتهى من الزيارة الاولى.
وصلنا الى مبنى بدا جديدا و أنيقا فى الوقت نفسه من الخارج ، رفعنا رأسنا لنقرأ «قسم شرطة ثانى العريش» . طلب منا بولس البقاء قليلا ريثما يدخل و يأتى ليأخذنا الى الداخل . نزلنا حتى «نطلق» رجلينا التى اعياها الجلوس لاكثر من ساعتين ، كانت بوابة القسم محروسة بشرطى يمتشق بندقية آلية ، القينا عليه التحية ، فردها علينا ، لم تمض دقيقتان حتى رأينا بولس أتياً الينا من الداخل ، و قال لنا إن السودانيين الاثنين المحتجزين هنا تم ترحيلهما الى أمن بورسعيد بعد صدور الحكم ضدهما . ركبنا العربة و كان يفترض أن ينزلنا السائق فى موقف المواصلات لنأخذ تأكسيا من هناك بثلاثة جنيهات الى قسم اول العريش ، و لكنا طلبنا منه ان يوصلنا اليه و سندفع قيمة المشوار ، فقبل رغم ان ذلك لا يناسبه لان عربته مرخصة سفرى ، فقط طلب منا أن نغشى الموقف حتى يحجز نمرته سريعا ثم نواصل ، و بالفعل دخل الى الموقف و عاد الينا لنواصل مشوارنا .
وقف بنا السائق بعد نحو عشر دقائق أمام مبنى جديد ايضا مطليا باللون البيج وقرأنا على اللافتة المثبته فى أعلى بوابته «قسم شرطة ثانى العريش» . نزلنا و قبل ان ادخل يدى فى جيبى باعتبارى من أجاور السائق كان السلطان أسرع منا جميعا و سلم السائق أجرة مشواره ، و شكرناه على حسن الرفقة و انصرف . دخلنا الى القسم و دخل بولس الى مكتب الضابط النبطشى و كان أغلب افراد الشرطة يعرفونه ، خرج بعدها و قال لهم سمح لنا بالزيارة رغم ان وقتها انتهى تقديرا لظروفنا و اننا قطعنا كل هذه المسافة من القاهرة و حتى العريش و لا يمكننا العودة خائبين ، و لكنه اشترط ان ننجز مهمتنا فى اقل وقت ممكن .
ذهب معنا اربعة من افراد الشرطة احدهما بالزى المدنى ، ترددت كثيرا فى اخراج جهاز التسجيل الذى يقبع فى جيبى و لكنى امسكت بالنوتة و القلم فى يدى ، فقد شاورت بولس قبل يوم من رحلتنا عن امكانية التصوير فقال لى ان ذلك ممنوع . عبرنا الممرات و الدهاليز حتى وجدنا انفسنا أمام الزنزانة ، و ما ان برزنا امامها حتى تدافع عشرات الاشخاص من السودانيين من كل الالوان و السحنات كل يريد ان يحتل حيزا امام القضبان ليحدثنا !! .
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:03 PM
مهمـــــة صحفيـــــة علــــــى مشــــــــارف إسرائيــــــــــل !! «6 »
وقفت فى الحلقة الخامسة من رحلتنا الى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء ، للوقوف على اوضاع اللاجئين السودانيين المحتجزين فى حراسات العريش بتهمة محاولة التسلل غير المشروع الى اسرائيل ،انا و بولس لوال ، مندوب الحركة الشعبية ، و السلطان اواو ارياط ، سلطان بحر الغزال ، وفاولينو ، قريب احد السودانيين المحتجزين ، وقفت عند وصولنا الى مدينة العريش ،و انتهيت فى لحظة دخولنا الى قسم شرطة اول العريش، و توجهنا الى حراسة القسم، ثم تدافع السودانيون المحتجزون نحو قضبان الزنزانة كل يريد حجز مكان للتحدث الينا .
أحاديث من وراء القضبان !
بدت طلتنا على عشرات السودانيين المحتجزين وراء القضبان وهم فى تدافعهم ذاك مثل أناس انهكهم العطش فى صحراء جدباء و انقطعت بهم سبل الامل لمنقذ يحمل جرعة ماء تبل العروق و تهب الحياة ، حتى لاح لهم هذا المنقذ و لكنه يحمل فى «سعنه» قليلا من الماء .... كان العرق يتصبب من أجسادهم غزيرا بفعل حرارة الجو وهم يجلسون بملابسهم الداخلية التى ابرزت اجسادهم النحيلة و المعروقة ، حيث بدا بؤسهم ظاهرا للعيان . كانوا سودانيين من كل الاجناس و السحنات و الجهات ... لم استطع لدقائق ان استوعب هذه المأساة ، بينما كل منهم يحاول استدارة انتباهى ليحدثنى عن مطالبه و ابلاغى رسالة الى الاهل والاقارب . كان عساكر قسم الشرطة يقفون بالقرب منا ، و معهم العسكرى ذو الملابس المدنية . سرد لى حافظ ، وهو شاب على مشارف الاربعين من عمره مأساته ، و قال انه جعلى من شندى ، جاء الى مصر قبل سبع سنوات على امل الهجرة الى امريكا او كندا او استراليا ، بعد ان سُدت امامه سبل الحياة فى السودان ، غير انه لم يوفق فى مبتغاه ذاك ، عانى اوضاعا قاسية بمصر حيث عمل بكافة الاعمال الشاقة جدا فى مصر ، لم يكن الدخل المحدود يسد رمقه هو وحده ناهيك ان يوفر منه للاهل بالسودان ، و يضيف لى : كنا نتكدس نحن مجموعة من السودانيين اقارب و ابناء منطقة واحدة داخل شقة صغيرة جدا بأحد احياء القاهرة البائسة ، كانت كل الافاق الى مستقبل مشرق مسدودة ، لاقبل لنا و لا قدرة على العودة الى ديار الاهل بالسودان ، و لا سبيل الى الفكاك من قيد البقاء بمصر . قلت له ملاطفا : صار حالكم مثل حال طارق بن زياد عندما غزا الاندلس «البحر من خلفى و العدو ازائي ... ضاع الطريق الى السفين ورائي» ، فأومأ برأسه دون تعليق و كأنه لا يستملح مداخلتى هذه وهو فى هذا الكرب، وواصل مستطردا : ازاء هذه الظروف الحالكة تلقيت اتصالا من بعض اقاربى الذين كانوا معى فى سكن واحد ، وكانوا قد اختفوا عنا دون ان ندرى اين ذهبوا ، قالوا لى انهم وصلوا اسرائيل و انهم يعملون الان فى المزارع بدخل عال يصل الى 1700 دولار فى الشهر، فضلا عن السكن المجانى و المعاملة الجيدة، ويواصل : فكرت فى التسلل بشكل جاد و ملأت على الفكرة اقطار نفسى وعقلى اذ لم اجد حلا لمشكلتى المتفاقمة وحالة الضياع التى احسها الا عبر هذا السبيل !!.. بدا لى منطقه غريبا فقد كان يتحدث بهدوء وثقة عجيبين ، سألته عن كيف استطاعوا خوض مثل هذه المغامرة الى اسرائيل و اسقاط الحواجز النفسية و العقدية و السياسية حيالها و المترسبة لسنين فى الدواخل . رد على بأقتضاب : كانت دوافعنا اقتصادية .. كل القناعات تسقط ازاء امتحان الانسان فى وجوده.
وبنفس الثقة كان ديفيد الشاب الشلكاوى الذى تجاوز منتصف الثلاثينات يتحدث الى .. كان فصيحا و اكثر تماسكا ، بدأ زاهدا فى مطلب خاص منا سوى ان نعمل من اجل ترحيلهم من الحراسة الى سجن بورسعيد او القناطر بأسرع فرصة بعد ان صدرت الاحكام ضدهم من المحكمة العسكرية المصرية . سألته عن اسباب رحلته هذه الى اسرائيل ، فأجابنى انه تحديدا لم يكن محتاجا الى المال ، فقد كان يعمل موظفا باحدى الشركات بدولة الكويت و لكن لم يتسن له ادخال زوجته معه الى هناك ، كما انه كان يرغب فى اتخاذ الكويت محطة الى بلدان العالم الاول ليتمكن من مواصلة دراسته و من ثم التطلع الى مستقبل افضل يتناسب و قدراته الذهنية ، و تابع : كانت زوجتى بالقاهرة تنتظر فى صفوف الامم المتحدة لتفتح لها ابواب التوطين و لكنها لم توفق ايضا .. التقيت بها خلال اجازتى و قررت البحث معها عن فرصة للتوطين و لما لم نجد ، قررت بعد سماعى عن احوال السودانيين الجيدة فى اسرائيل و كذلك امكانية التسلل اليها عبر الحدود ان اغامر الى هناك لتكون اسرائيل محطة عبورى الى بلدان العالم الاول كما ظللت اتوق .. اتصلت بسماسرة سودانيين على صلة بسماسرة مصريين خبيرين بالمسالك الى اسرائيل، و دبروا لى فرصة التسلل الى سيناء ليتسلمنى مهربون من البدو ساروا بنا نحن رهط من السودانيين عبر احد المسالك حتى اقتربنا من الحدود ، وطلبوا منا انتظار حلول الظلام حتى نتمكن من مغافلة دوريات حرس الحدود المصرى ومن ثم نخترق السلك الشائك الى اسرائيل . و ينتهى ديفيد الى ان البدو تركوهم بعد ان قبضوا عمولتهم المتفق عليها و هى 200 دولار عن كل فرد، و كنا قبلها دفعنا للسماسرة السودانيين و المصريين 200 دولار لكل منهما مقابل الفرد الواحد ، غير ان دورية حرس الحدود المصرى داهمتنا قبل هبوط الظلام والقت القبض علينا لينتهى بنا المطاف الى حراسات العريش، و تقديمنا الى محكمة عسكرية قضت بسجننا لفترات تراوحت ما بين العام و العام ونصف مع الغرامة الفى جنيه مصرى لم يستطع الغالبية دفعها ليأخذوا فترة اضافية فى السجن . كان ديفيد يحكى بسرعة و هدوء وتلقائية فى الوقت نفسه و لم يكن يرغب فى الوقوف طويلا مع الذى حدث ، قال لى بعدما ابديت له استغرابى من تعامله الهادئ وهو فى هذا الموقف الحرج : كل ما أستطيع فعله الان هو تحمل نتيجة خياراتى لذا فاننى كيفت نفسى مع الامر الواقع ، و ان كان هناك امر يقلقنى فقط هو امر زوجتى الحبلى بوليدنا الاول وهى بالقاهرة رغم وجود شقيقها و بعض الاقارب معها .
أدروب من كردفان يحكى !
ومن بين زحام القضبان كنت أركز انتباهى على شاب قمحى اللون نحيل الجسم اكاد أحصى عدد اضلاعه من بين ثنايا فانلته الداخيلة ، بدا لى شديد الشبه بأحد المعارف فى السودان ممن تقطعت بينى و بينهم سبل الوصل لسنين عددا . سألته ان كان هو ذاك الشخص فنفى ذلك، و قال لى انه يدعى الصادق و يلقب بأدروب رغم انه من منطقة ابو زبد بكردفان و ليس من شرق السودان و لكن الشبه فى التقاطيع بينه و بين ابناء الهدندوة هو الذى الصق عليه هذا اللقب منذ الطفولة . قال لى انه القى عليه القبض ومن معه يوم 22 يوليو و جيئ بهم الى حراسات العريش بعد محاكمة عسكرية استغرقت نحو ثلاث ساعات ، وتسلموا قرارات النطق بالحكم و هم بالحراسات حيث حكم بالسجن لمدة عام و نصف مع غرامة الفين جنيه . كان يحكى لى بصوت خفيض و هو كسير الخاطر مطرقا. سألته عن الذى دفعه للاقدام على مثل هذه المغامرة الفاشلة ، وكيف وجد فى نفسه استعدادا للذهاب و العيش فى بلد مثل اسرائيل . رد على وهو مطرق ، ان الاوضاع الحياتية القاسية فى مصر هى التى دفعتهم الى مثل هذا التفكير ، و اردف قائلا : بعد صبرى لسبع سنوات فى مصر على أمل الهجرة الى امريكا او كندا او استراليا ، لم يكن بامكانى العودة الى اهلى خالى الوفاض و ما الذى يمكننى فعله هناك فى ظل الاوضاع الصعبة فى السودان، لم اقتنع أبدا بامكانية ان أعيش بكرامة فى بلدى تحت الاوضاع الاقتصادية و السياسية المذلة ، وأنا ارى واسمع و اقرأ كل يوم ان «النظام فى السودان يقتل مواطنيه بدم بارد فى دارفور»، و من يأتي من السودان الى القاهرة لا ينقل صورة مطمئنة عن مآلات الاوضاع فى البلاد ، كما لم يكن ممكنا الاستمرار فى العيش بمصر خاصة بعد احداث ميدان مصطفى محمود بالمهندسين و التى راح ضحيتها عشرات السودانيين بينهم اطفال بهراوات و سنابك قوات الامن المصرية .. ضقنا ذرعا بأنفسنا و ضاقت بنا ارض مصر .. تساوت امامنا الاشياء و اختلطت فى بعض الاحيان و بدت اسرائيل امام اعيننا مثل الدوحة الفيحاء فى محيط من الهجير القائظ يعزز ذلك ما ينقله لنا اصدقاؤنا الذين استطاعوا الوصول الي هناك عن الاوضاع المادية و الانسانية الجيدة ، لذا لم اجد انا و كثير من الذين حاولوا التسلل حرجا داخل انفسنا فى اتخاذ قرارنا بالتسلل الى اسرائيل .
كانت روايات هؤلاء الشباب متشابهة الى حد كبير ، نفس الظروف القاسية و الدوافع وراء قرار التسلل الى اسرائيل ، كانوا من الجزيرة و الشمالية و نهر النيل و الخرطوم و بحرى و دارفور و جبال النوبة و بورتسودان و الجنوب ، الا ان ابناء الجنوب و دارفور و جبال النوبة كانوا اغلبية بينهم بحكم ان اللاجئين السودانيين فى مصر اغلبهم من هذه البقاع . اعطانى اغلبهم وصايا شفاهية و ارقام هواتف لاصدقاء و اقارب فى القاهرة و السودان . بدا لى اكثرهم غير مكترث لعقوبة السجن و لا للمصير الذى ينتظرهم بعدها ، قال لى احدهم ساخرا من احوالهم : انتقلنا لسجن اخر فقط . نفوا لى ان تكون اية جهة رسمية سودانية جاءت للسؤال عنهم سوى بولس و مضال و الشيخة عوضية من مكتب الحركة الشعبية بمصر الى جانب اقارب بعض الاشخاص .
و من بين زحام القضبان كان هناك اثنان يهتفان باللغة الانجليزية ، و رغم سواد بشرتهما الا ان تقاطيع و جهيهما كانت تشى بانهما غير سودانيين ، اجتهدا فى لفت انتباهنا بأصرار من لا يعرف اليأس حتى اقترب احدهما منى انا و بولس . كان ملتحيا و تتخلل لحيته بعض الشعيرات البيضاء ، حسم الوشم المرسوم على كتفه شكوكا قصيرة ساورتنى عن امكانية ان يكون اصوليا من غرب افريقيا ، سألنى اذا ما كنت اتحدث الانجليزية فقلت له ليس جيدا ، و طلبت من بولس ان يتفاهم معه . طلب منى ورقة و قلما فسلمته نوتتى الصغيرة و قلمى ، كتب عليها مذكرة صغيرة و ارقام هواتف و سلمها لبولس ، علمت لاحقا انهما نيجيريان محكومان ايضا بتهمة محاولة التسلل غير المشروع الى اسرائيل و يستنجدان بسفارتهما بالقاهرة . تساءلت قليلا معى نفسى عن لماذا لم يستنجد احدهما بسفارتنا بالقاهرة و وجدت الاجابة على تساؤلى هذا لاحقا !! .
اصرار و غضب دارفوري !
و بينما بولس يتحدث الى النيجيريين ، كان هناك شاب يرمقنى بغضب ، بدا واضحا انه من دارفور ، طلبت من بعض المتزاحمين ان يسمحوا لى بالتحدث اليه فافسحوا ما بيننا سوى القضبان و سألته عن اسمه رد على بجفاء عما اريد ان افعله به ، قلت له اننى صحفى اريد ان اقف على اوضاعهم . قاطعنى : نحن بالنسبة لك مجرد موضوع صحفى . قلت له و ما الذى يعيب فى ان تكونوا موضوعا صحافيا ؟ . رد على ان ذلك يفرغنى من اية ذرة تعاطف انسانى ، واضاف : ماذا تريد منا ، لقد تركنا لكم البلد بأسرها بعد ان صمتت اقلامكم عن مذابح اهلنا فى دارفور و الان تأتون لملاحقتنا هنا ، هل تريد ان تشمت فينا ؟ . صمتُ قليلا ازاء مشاعره العدائية هذه حتى تدخل زميل له من الذين تحدثت اليهم قبله طالبا منه ان «يتكلم معاى كويس» . استجمعت ارادتى و قلت له ان الصحافة السودانية مهتمة بقضيتكم و تبرز الاخبار التى تتحدث عن المتسللين الى اسرائيل بعناوين رئيسية فى الصفحات الاولى ، و اذا لم تكن كذلك لما كنت انا هنا متكبدا كل هذه المشاق . صمتُ قليلا لارى تأثير حديثى عليه ، فبدا لى انه لان قليلا ، قلت له : عندما انقل عنكم وقائع ما جرى لكم و ما تعيشونه ربما استطعت ادارة الانتباه الرسمى او الدولى لقضيتكم او على اضعف الايمان استحلاب تعاطف عدد قليل من المواطنين السودانيين قد يقرأون قصتكم هذه .
كان يلف رأسه بقميصه و يضع يده على اذنه اليسرى بين الفينة و الاخرى اثناء حديثه معى ، علمت منه انه مصاب فى اذنه نتيجة ضربه بكعب البندقية اثناء القاء القبض عليهم ، وان اذنه تسيل صديدا ، وطلب منى ان احضر له «قطرة» لاذنه او ارسلها مع اى شخص اجده بالخارج . و على عكس من سبقوه لم يكن مطرقا و نحن نتحدث و انما كان يركز عينيه داخل عينيي باصرار عجيب و هو يتحدث . قال لى : نعم كنا ذاهبين الى اسرائيل ماذا فى ذلك ؟ على الاقل لن يقتلنا الاسرائيليون كما جرى لاهلى فى دارفور او فى ميدان المهندسين . قلت له و ما ادراك ان ذلك لن يحدث لك و انت تدخل الى دولة متوجسة اصلا من كل من هو غير يهودى و بطريقة غير مشروعة عبر حدودها . رد قائلا : واثق من ذلك لان هناك سودانيين دخلوا اسرائيل و يعيشون آمنين و اتصلوا بنا قالوا ان الاوضاع على ما يرام ، كما ان القتل فى اسرائيل يحتاج الى تبرير و ليس كما هو سائد عندنا . تعجبت من منطقه فقد بدا لى للوهلة الاولى ساذجا و مندفعا لانه محشو بالمرارة و انه يردد فى كلام محفوظ ربما التقطه من مجالس السودانيين فى القاهرة . قلت له : اسرائيل ايضا تستخدم العنف لقتل الفلسطينيين . قال : ان الفلسطينيين بالنسبة لها عدو لكن ما بالك بحكومة تقتل شعبها بدم بارد و كأن شيئا لم يكن و تشرد من تبقى منهم من ديارهم ، واخرى تفعل الشئ نفسه مع من تقول انهم اشقاؤها ؟! . قلت له ان القضية اعقد من ان ينظر لها بهذه المقارنات العجولة ، و لكنى مقدر احساسك بالمرارة . رد على بجفاء : بدون حذلقة منكم يا ابواق السلطة فاننى لا ارى اى حرج فى محاولتى التسلل الى اسرائيل و عليك ان تنقل رأيى هذا الى كل السودانيين ان شئت ، و اضاف : «اقول ليك كمان انسى موضوع القطرة تماما !!». ادار ظهره و انصرف عنى دون ان اكمل حديثى معه !!.
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:04 PM
مهمة صحفية على مشارف إسرائيل !! (7 )
العريش : علاء الدين بشير
ala-4506@hotmail.com
وقفت فى الحلقة السادسة من قصة رحلتنا الى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء انا و بولس لوال ، مندوب الحركة الشعبية ، و السلطان ،اواو ارياط ، سلطان اويل ببحر الغزال ، و فاولينو ، قريب احد السودانيين المحتجزين من قبل السلطات المصرية بحراسات العريش بتهمة محاولة التسلل غير المشروع الى اسرائيل ، وقفت عند حواراتى من وراء القضبان داخل قسم شرطة اول العريش مع عدد من السودانيين من كافة الاعراق و السحنات و الجهات ، و الذين ذكروا لى ان الدافع الرئيس وراء مغامرتهم بمحاولة التسلل الى اسرائيل هو ظروفهم الحياتية القاسية فى مصر، و انسداد الافق امام امكانية عودتهم الى البلاد ، وفى نفس الوقت انقطاع اى امل لاعادة توطينهم بأمريكا او كندا او استراليا او اوربا عن طريق مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة كما كانوا يمنون انفسهم لدى قدومهم الى مصر قبل سنوات ، و كشفوا لى ان سماسرة سودانيين و مصريين هم من يسر لهم طريقة التسلل الى اسرائيل بالاتفاق مع مهربين من بدو سيناء لقاء 400 دولار للفرد الواحد ، و انتهيت عند الشاب الدارفورى الغاضب الذى اعتبرنى بوقا للسلطة و اكد على انه اختار اسرائيل موطنا لانها تعامل السودانيين افضل من معاملة حكومتهم ومن معاملة السلطات المصرية لهم ، و دلل على افتراضاته تلك بتلقيهم مكالمات من اقارب و اصدقاء لهم استطاعوا التسلل الى هناك نقلوا لهم صورة مشرقة لحقيقة اوضاع القادمين من السودانيين عبر الحدود المصرية .
دفاع !
علمت من احد الشباب المحكومين فى انتظار الترحيل من حراسة قسم شرطة اول العريش الى سجن بورسعيد او القناطر ، ان الاحكام الصادرة بحقهم من المحكمة العسكرية تراوحت ما بين عام و عام ونصف. سألته عن ما اذا كان سمح لهم بتعيين محامين للدفاع عنهم ، فرد على بأن البعض طلب محامين و لكن لا جدوى من ذلك لان المحكمة عسكرية و العقوبة لا مهرب منها ، وان من عينوا محامين (وهم قلة)، خسروا ما بين الف و الف و خمسمائة جنيه فى لا شئ ، و ان المحامى يكون مدركا سلفا ان القضية خاسرة لانه يعلم جيدا طبيعة القضاء العسكرى، ولكنه يستلم القضية بعد دفع مقدم مالى 500 جنيه ليترافع فى محكمة تستغرق كل و قائعها ساعات فقط ... و تابع : غالبيتنا لا يمتلك مالا و حتى ما تسنى لنا دفعه كتكاليف للتهريب كنا نتحصل عليه بشق الانفس: جزء منه يكون تحويلات من اصدقاء و اقارب تم توطينهم ببلدان التوطين تكفى بالكاد لتدبير المأكل و المسكن، و جزء اخر نتاج كد مضنٍ فى الاعمال الشاقة ، واردف : لو كان لدينا مال لما كنا الآن فى الحراسة بل كنا دخلنا اسرائيل .. زميلنا ديفيد، هو من يصرف الآن على اكلنا و شربنا داخل الحراسة .
كنا تجاوزنا نصف الساعة و نحن نتحدث الى نزلاء الحراسة من السودانيين .. بدأ عساكر القسم فى تنبيهنا بهدوء و تهذيب الى ان الزمن المسموح به لزيارتنا انتهى . سلم السلطان و فاولينو الامتعة و الطعام الذى بحوزتهم للاشخاص المعنيين بعد فحصها من قبل شرطة القسم ، وودعنا الجميع على امل لقاء اخر .. طلب بولس، من العساكر الذين كانوا برفقتنا السماح لنا بزيارة حراسة النساء ، فتقدمنا احدهم اليها ثم وقف ليقول لنا تفضلوا على ان تنتهوا فى ربع ساعة .
داخل حراسة النساء !
و على غير زيارتنا الاولى ، لم يكن حديثنا للمحتجزات من وراء القضبان ، بل سمح لنا بالجلوس اليهن داخل حراستهن .. حاولت فى الثوانى التى تفصلنا قبل عبور البوابة ان اشحذ خيالى لرسم صورة عن الاوضاع تعتاد عليها نفسى حتى لا اتفاجأ بشئ يصدمنى ... دلفنا الى الداخل .. كان هناك اربع نساء شابات و قفن لمصافحتنا و هن يدنين اغطيتهن التى كادت تسقط منهن اثناء قيامهن .. كن سودانيتين و اثيوبيتين يعرفن بولس جيدا ... هممنا بالجلوس اليهن ارضا حيث كن يفرشن بطاطين و ملايات و لكنهما و فى اباء طارف و تليد، طلبن منا الجلوس على اربعة كراسٍ فى طرف الحراسة ، و مضت من بدت لنا اصغرهن سنا (روز) لتصب لنا ماء و مياها غازية من حاجتهن الخاصة .. هزنى و اطربنى موقفهن، يكرمننا حتى فى ظرفهن الحالك هذا . بدأ بولس بتعريفنا اليهن .. كن كسيرات مطرقات .. رجعت الاثيوبيتان بعد الانتهاء من طقوس السلام و التحايا الى حيث كن يقبعن فى احد اركان الحراسة .. تمددت روز و روضة وهما اسما السودانيتين على الارض امامنا .. بدأت روز تحكى لى وهى تحكم لف الملاءة جيدا عليها حتى لا تسقط عنها فتكشف اجزاء من جسدها تحت الفستان الخفيف قصير الاكمام، و الذى كانت ترتديه داخل الحراسة نتيجة للحرارة العالية داخلها : انا من ابيى جئنا الى مصر منذ سبعة اعوام ، التقيت زوجى بالقاهرة و تزوجنا قبل ستة اعوام و كنا فى انتظار ان تفتح لنا دول التوطين ابوابها للهجرة و بداية مستقبل مشترك اكثر اشراقا فيها ، ظللنا ننتظر حاملين بطاقات مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة و فى نفس الوقت طفلينا دون ان نظفر بشيئ .. ضاقت بنا الدنيا فى مصر ، فالاوضاع المعيشية غاية فى السوء و تأكد لنا بعد مذبحة ميدان مصطفى محمود بالمهندسين ان لا امل مطلقا فى التوطين او البقاء بمصر ... اخبرنى زوجى قبل شهرين بأن استعد للهجرة الى اسرائيل عبر الحدود ... كان الخبر بالنسبة لي مزلزلا ، اسرائيل و بالتسلل عبر الحدود !! . امتلأت رعبا من الفكرة و رفضت و حاولت ان اثنيه عن المخاطرة و لكن عبثا ، و يبدو انه و تحت تصميمى على الرفض قد بدأ يعد لمغامرته بعيدا عنى .. وقبل شهرين فقط عدت من مكان عملى لاجده هو والاطفال اختفوا تماما .. سألت عنهم فى كل مكان و اى شخص له صلة بنا و لكنى لم اعثر لهم على اثر .. كاد القلق يقتلنى عليهم .. بدأ بعض الناس يشيرون لى بأنهم ربما تسللوا الى اسرائيل عبر الحدود لان هناك حالات اختفاء فجأة مشابهة . كانت روز تحكى و هى مطرقة . فجأة رفعت رأسها وهى ترسل نظرة حائرة غير محددة الاتجاه و تواصل : بعد نحو اسبوع تلقيت اتصالا من رقم غريب .. كان المتحدث من الطرف الاخر هو زوجى و قال لى : اتحدث اليك من اسرائيل .. انا و الاطفال بخير و كل الامور تمام ، تلقيت وعدا بإدخالهم مدارس و سأستلم عمل مجزٍ فى غضون ايام ، فقط نتمنى ان تكونى بيننا اذا رغبتى و غيرتى رأيك ، و اعطانى اطفالى لاتحدث معهم .. لم اتمالك نفسى و انا استمع اليهم و أصواتهم يغازل اذنى : ماما ماما تعالى لينا ... اجهشت ببكاء حار فى ذلك اليوم ، و لكنى لم التزم لهم بوعد ان آتى اليهم .
من أجل أبنائي !!
و تستطرد روز : ظلت صوراطفالى وزوجى تطارد مخيلتى دائما ، وفاقم ازمتى ان كل الذين اعرفهم من مجتمع السودانيين بالقاهرة هولوا لى الامر بأننى قد لا ارى زوجى و ابنائى مرة اخرى .. احسست بوحشة قاسية اذ ليس لى اقارب او اخوان هناك .. بدأت اقتنع بأن اغامر بالذهاب اليهم . قالوا لى ان السماسرة الذين يسهلون التهريب الى اسرائيل يتواجدون بأحد المقاهى فى عين شمس . اتصلت بأحدهم فأعطى رقمى لاحد بدو سيناء صار يتابع معى و انا بدورى تابعت مع بعض السودانيين الذين قرروا التسلل ايضا ليتم تهريبنا جميعا الى سيناء بطريق غير طريق السفر المعروف ، بينما دخل بعضنا اليها بدعوى انه قادم للمصيف . و تواصل روز السرد : وصلنا الى سيناء واستلمنا بعض البدو ليسيروا بنا فى دروب عبر الصحراء ، و عندما حل الظلام اشاروا الى طريق قريب قالوا انه سينتهى بنا الى السلك الشائك الذى يفصل بين مصر و اسرائيل ، و ان ذلك المكان بعيد عن اعين دوريات حرس الحدود المصرى، و كانوا يأخذوننا على دفعات لعبور السلك الشائك. كنا اكثر من عشرين شخصا ، و لكن فجأة و جدنا انفسنا وسط كماشة من الجنود المصريين، فأضطر البدو للهرب و تركنا ليلقى القبض علينا و يتم اقتيادنا الى حيث نحن الآن .
صمتت روز عند هذه النقطة و ملأت العبرات حلقها، و بدأت الدموع تلمع فى عينيها .. تحولت بحديثى الى روضة قالت لى انها من دارفور و قصتها نفس قصة رفيقتها فى الزنزانة و فى مغامرة التسلل الى اسرائيل روز . مع الفارق ان ليس لديها اطفال و انها كانت برفقة زوجها فى مغامرتها هذه، و لكنها اغمى عليها نتيجة للاجهاد والخوف الشديدين خاصة و انها فى شهور حملها الاولى، فالقى القبض عليها بينما استطاع زوجها الدخول الى اسرائيل .
سألتهما ان كانتا وحدهما النساء المقبوض عليهن فأخبرننى بأنه كان معهن نحو خمس من النساء و لكن اطلق سراحهن لاسباب متعلقة بأطفالهن، وانهن على وشك الولادة ، و اوضحتا لى انهما نالا عقوبة اقل مقارنة بالرجال الذين كانوا معهما حيث صدر الحكم ضدهما بستة اشهر سجنا و الغرامة الف جنيه .
ران الصمت علينا برهة من الزمن ... لم اكن ادرى ما اقوله لمواساتهن . تشجعت و سألتهن من اين يأكلن و يشربن ، فقالتا انهما يشتريان طعامهما و شرابهما من خارج القسم ، و ان افراد الشرطة يتكفلون بالمشوار لجلب كل ما يحتاجان له . و هل معكما نقود ؟ سألت . قالتا لى ان ديفيد اعطاهما مبلغا من المال و كذا الشيخة عوضية زارتهما و اشترت لهما بعض المعلبات و تركت لهما مبلغا من المال . صمتنا مجددا حتى قطعت الصمت روز وهى تسأل بأسى ظاهر : ما الذى سيفعلونه بنا بعد ان نمضى عقوبتنا ، هل سنرحل الى السودان ؟ و اذا رحلنا ماذا ستفعل بنا الحكومة السودانية ؟ . قلت لهما حسب علمى ان من حق الحكومة المصرية ابعادكما من اراضيها بعد انتهاء عقوبتكما لمخالفتكما قوانينها ، ولكن لانكما تحملان بطاقة الامم المتحدة للاجئين و تتمتعان بوضعية اللاجئ و حماية المنظمة الدولية فليس من حقها (مصر) ابعادكما الى السودان ، و لكن اذا ما عدتما الى البلاد فإن هناك مبدأ فى القانون الا يحاكم الشخص على جريمة واحدة مرتين، و انتما نلتما عقوبتكما الان . رددتا معا : و الله ما فى شئ ودانا اسرائيل الا الحالة القاسية .. دايرين نرجع بلدنا و ما قادرين .
كنا تجاوزنا الزمن المحدد لنا بالزيارة .. كان فرد الشرطة يطل علينا كل حين بقصد تنبيهنا لنفاد الزمن دون ان يقاطعنا . قمنا لوداعهما، بدتا غاية فى التأثر و التأثير .. تملكنى احساس بالهوان لاننى لا املك شيئا يقيل عثرتهن . تجاذب بولس الحديث مع الاثيوبيتين اللتين بلغتاه وصية شفاهية لاقاربهما بالقاهرة .
ما بعد العريش !
خرجنا من الحراسة ممتلئين بالاسى على هذا الحال البائس .ذهب بولس و السلطان للضابط النبطشى ليسلماه امانات نقدية تخص بعض السودانيين ، و لكنه طلب منهما ان يسلماها لهم بصورة شخصية . سألته فى تلك الاثناء عن طبيعة الجرائم والاحكام الصادرة فى حق السودانيين المحتجزين ، فقال لى ان الجريمة هى محاولة التسلل دون تصريح قانونى و تتفاوت عقوبتها ما بين ستة اشهر الى ثلاث سنوات، مع دفع كفالة الفين جنيه ، و اضاف ان القضايا يتم الفصل فيها بواسطة محاكم عسكرية . سألته عن اعداد المقبوض عليهم ، فقال لى ان الاعداد ضخمة و تزايدت فى الاونة الاخيرة . فى تلك الاثناء عاد بولس و قال لى ان اعداد النساء و الاطفال فى زياراته السابقة كان امرا فاجعا، الامر الذى اضطر ادارة قسم الشرطة لافراغ مكتب كان يعمل به ضباط القسم ليتم استقبال النساء بأطفالهن فيه خوفا على الصغار من الاختناق بالحرارة داخل الحراسة المتكدسة .
خرجنا من القسم بعد ان شكرنا افراده على حسن تعاملهم معنا و تذليل مهمتنا . استغلينا اول تاكسى و جدناه ليوصلنا الى موقف سفريات العريش . كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساء . كان سائق التاكسى من الصعيد و قال لنا انه يعرف السودانيين جيدا من خلال عشرته لهم فى العراق لسنين عددا و اضاف : ديل رجالة بجد و اجدع ناس . ورفض ان يأخذ منا اجرة التاكسى البالغة ثلاثة جنيهات و لكننا اصررنا عليه . ركبنا فى احدى عربات الاجرة المتجهة الى القاهرة و جلست انا الى جوار السائق و معى استاذ من ابناء العريش كان ودودا و واقعيا للغاية ، بعد التعارف رويت له قصتنا و ما اتى بنا الى بلدتهم . فقال لى : يا عم اللى بيلقى فرصة يزوغ على اسرائيل يزوغ على طول ايه اللى يجبر الناس على الهوان فى بلادها ؟. و حكى لى قصة شاب بلدياتهم يعمل فى صناعة الطوب سافر الى اسرائيل بطريقة شرعية و رجع بعد سنة، ولما وصل مصر سأله ضابط الامن المصرى عن اسباب ذهابه الى اسرائيل و بقائه عاما هناك . رد عليه الشاب بكل صدق و تلقائية بأن اجره فى اسرائيل يصل الى مائة وخمسين جنيه مصرى فى اليوم، و اذا مصر وفرت له هذا المبلغ ايه اللى يجبروا على الغربة ؟ . فأعجب الضابط بصراحته و قال له : اتفضل روح .
تناقشنا كثيرا انا و الاستاذ المصرى حول الاوضاع الحياتية فى مصر و قال لى انه معلم قضى اكثر من عشرين عاما فى التعليم، يصل مرتبه بكل بدلاته و علاواته الى 450 جنيها فقط ، وتحدثت له انا عن الاوضاع فى السودان حتى وصلنا الى استراحة بالاسماعيلية كنا توقفنا فيها ايضا اثناء رحلة الذهاب . طلبنا شايا و قهوة انا و بولس و السلطان و فاولينو ، و فى اثناء انسنا جاء سائق عربتنا يحمل لى هاتفه الجوال و يقول الباشا بتاع امن الدولة عاوزك !! .
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:05 PM
مهمة صحفية على مشارف إسرائيل !! «8 »
سيناء : علاء الدين بشير
ala-4506@hotmail.com
خلصت فى الحلقة السابعة من قصة رحلتنا الى مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، لتفقد اوضاع السودانيين المحتجزين لدى السلطات المصرية بتهمة محاولة التسلل غير المشروع الى اسرائيل ، انا وبولس لوال ، مندوب مكتب الحركة الشعبية بمصر والسلطان اواو ارياط ، سلطان اويل ببحر الغزال ، وفاولينو ، قريب احد السودانيين المحتجزين هناك وخلصت الى اكمال زيارتنا لحراسة النساء بقسم شرطة اول العريش، و تحدثنا الى «روز» و «روضة» المرأتين الشابتين المحتجزتين، و سماع قصتهما ، وانتهيت عند رحلة عودتنا ليلا الى القاهرة اثناء توقف عربة الاجرة التى اقلتنا ، باستراحة عند بداية الاسماعيلية لتناول بعضا من القهوة و الشاى ومفاجأة السائق لى و هو يأتينى من داخل الاستراحة مادا تلفونه المحمول و هو يقول : الباشا بتاع امن الدولة فى العريش عاوزك !! .
ملاحقة !!
كان الموقف مفاجئاً لى و لم يسمح الزمن القصير ما بين نهاية حديث السائق و تسليمى تلفونه وردي على المتحدث فى الطرف الاخر ، باستيعاب جيد لما يحدث و من ثم بمساحة للتفكير فى ما يمكن ان يقال . جاءنى صوت المتحدث هادئا عبر الاثير : السلام عليكم . رديت التحية . قال صوت المتحدث : معاك امن الدولة بالعريش ، مين معاى لو سمحت ؟ . اجبته بأننى علاء الدين بشير . سألنى : حضرتك الصحفى ؟ . اجبته بنعم . امال فين بقية جماعتك ؟ . موجودين الى جوارى الان . قلت . سألنى اذا ما كنا قمنا بمهمتنا . اجبته بنعم قابلنا السودانيين المحتجزين بقسم شرطة اول العريش . قال : ما قابلتوش السودانيين فى قسم ثانى العريش ؟ . اوضحت له بأننا ذهبنا اليه و وجدنا من به من سودانيين تم ترحيلهم الى سجن بورسعيد . سألنى عما اذا كنا التقينا بكل المحتجزين بقسم اول العريش . اجبته بأننا و صلنا متأخرين، و لكن سمحت لنا ادارة القسم بالالتقاء بالمحتجزين ،و فعلنا ذلك فى حدود ما يسمح الوقت الضيق بذلك . طيب و ليه ما بيتوش بالعريش عشان تكملوا مهمتكم . . رديت عليه بأننا لم نرتب حالنا على المبيت بالعريش و خططنا بان ننهى مهمتنا فى يوم واحد، و لكن الاجراءات الامنية اخرتنا خمس ساعات . و مش حتيجوا تانى ؟ سأل . قلت له اننى اتهيأ للعودة الى السودان و اذا وجدت فرصة مواتية قبل العودة يمكننى ان اتى مجددا ، و لكن بولس و السلطان اواو بحكم مسؤولياتهما حتما سيأتيان مرات اخرى . لازم تيجوا تانى و تمشوا بورسعيد عشان تخلصوا شغلكم . اشرت له الى اننى سأفعل اذا كان لدى وقت . سألنى : و انتو فين دى الوقت ؟ : اجبته بأننا فى استراحة عند بداية الاسماعيلية راجعين الى القاهرة . طيب يا استاذ علاء نحنا حبينا نطمئن عليكم بس و ربنا يوصلكم بالسلامة . شكرته و لم اغلق الخط و لم يغلقه و سلمت التلفون الى السائق الذى عاود الحديث معه و هو ينسحب الى داخل الاستراحة . نقلت و قائع ما دار من حديث مع مسؤول امن الدولة الى رفاقى الثلاثة بولس و السلطان و فاولينو و انتظرت منهم تفسيرا للموقف . سأل السلطان عن الطريقة التى تحصل بها المسؤول على رقم موبايل سائق العربة و كيف علموا اننا نركب معه . رد عليه بولس ان ذلك سهل من خلال موقف العربات السفرية حيث يتم تدوين بيانات سائقى العربات و بقليل من الاستقصاء يمكنهم ان يعرفوا مع اى العربات ركبنا . قال فاولينو : اغلب الظن انهم يشكون بأنه كانت لدينا نوايا بالتسلل الى اسرائيل و انهم يريدون التأكد هل رجعنا ام زوغنا فى اتجاه اخر . قلت لهم اننى اعتقد انهم يريدون تلمس اثار ما جرى علينا من احتجاز و هل نحن غاضبون ام اننا متفهمون لما جرى ، الى جانب ما تركته زيارتنا و لقاءاتنا مع السودانيين المحتجزين من انطباعات فى اذهاننا .
نسينا الامر ، و عدنا الى انسنا العادى .. كنا فى منتهى الجوع و لكن لضيق زمن الاستراحة لم نطلب طعاما و اتفقنا ان نتحمل حتى نصل القاهرة بعد ساعتين ونصف تقريبا ، لكن طال بقاؤنا بالاسماعيلية لما يربو على الساعة حتى شعرنا بالملل و لم ينده علينا السائق لمواصلة الرحلة . قمت من مكانى و ذهبت الى حيث كان يجلس السائق و الاستاذ الذى رافقنا فى الرحلة من العريش و كان يجلس بجوارى داخل العربة . سألته عن اسباب التأخير . رد على بهدوء ساخر : الظاهر بتوع امن الدولة فى العريش عاوزينكم . قال عبارته تلك و هو يشير الى سائق عربتنا الذى كان لا يزال يتحدث عبر الموبايل وهو داخل الاستراحة . قلت للاستاذ : هو الحاصل ايه ؟ فقد تحدثت قبل قليل الى مسؤول امن الدولة بالعريش و احطته بموقفنا وانتهى الامر . نظر الى الاستاذ نظرة ذات مغزى، و لكنه لم يرد . سألته عن الكيفية التى يمكن ان يكونوا تحصلوا بها على رقم سائق عربتنا رغم اننى كنت مقتنعا بتفسير بولس ولكنى اردت ان استزيد اذا كانت للاستاذ اى اضافات . قال لى : يا ابنى ده اسهل شئ يعملوه . اومأت برأسى و كأننى لا افهم شيئا . فزاد الرجل : دى الوقت و نستنا اللى قلناها من العريش و احنا جايين كلها حتكون نزلت عند الجماعة اياهم وافهم انت الباقى براحتك . ضحكت من اعماقى للذى يحدث و عدت ادراجى الى رفاقى الاربعة .
اكمل السائق حديثه و طلب منا الصعود الى العربة لنواصل المسير . لم ابدأ الحديث و انتظرت لارى جرأة الاستاذ على النقاش كما كان فى الاول ، لكن الرجل ادار النقاش الى مسائل اخرى مختلفة تماما عن مسار حديثنا الاول حتى وصلنا القاهرة نحو الواحدة من صباح اليوم التالى . وعندما اشرقت شمس اليوم التالى و انا بالفندق الذى انزل فيه بالقاهرة ، تفاجأت بموظف الاستقبال وهو يسألنى بعد ان القيت تحية الصباح و طلبت الفطور: حضرتك فى اجازة و لا مهمة صحفية ؟ . تعجبت للوهلة الاولى من سؤاله ، ولكنى اجبت عليه بأن الصحفى لا اجازة له وبالتالى انا فى مهمة واجازة معا . رجحت ان يكون امن الدولة اتصل بالفندق ليتأكد من صدق المعلومات التى ادليت بها حول مكان اقامتى فى اثناء تجريدة تحرياتهم حولنا و هو ما اربك موظف الاستقبال .
جثث على الحدود !
جلست الى مسؤول المنظمات الفئوية و الجماهيرية ، بالحركة الشعبية بمصر ، و المسؤول المكلف بملف السودانيين المتسللين الى اسرائيل ، مضال اقوير والذى سرد لى وقائع ما يدور حول هذه القضية الشائكة ، خاصة ما يرد فى وسائل الاعلام عن ضرب بالرصاص و قتل لسودانيين حاولوا التسلل الى اسرائيل عبر الحدود المصرية بقوله : ان هناك منطقتين للتسلل عبر الحدود المصرية و احدة فى شمال سيناء عند معبر رفح ، و الثانية جنوب سيناء فى نويبع ، و يوضح ان الضرب بالرصاص والمشاكل بدأت عندما تعدد سماسرة لتهريب و تقاطعت مصالحهم ، و يضيف : اول حادث اغتيال لسوداني قرب الحدود مع اسرائيل بدأ فى نويبع لمواطن اسمه منقو فاسكوالى مقور ، يبلغ من العمر 23 عاما ، كان يعمل مع بدو سيناء و عندما طالب بأجره رفضوا اعطائه له فتشاجر مع احدهم و حاول طعنه بالسكين ولكن لحق به اخوان البدوى و ضربوه بالنار . و يمضى مضال فى حديثه تابعت الجثمان واستلمت نتيجة التشريح التى قالت ان سبب الوفاة هو الاصابة بكسر فى مفصل الفخذ الايمن مع سحجات فى مناطق متفرقة من الجسم .
اما الجثة الثانية ،والحديث لمضال، فهى لشخص من ابناء دارفور اسمه يوسف ، اصيب بطلق نارى بواسطة حرس الحدود المصرى فى منطقة رفح و توفى متأثرا بجراحه فى سجن بورسعيد .
واقعة القتل الثالثة كانت ضحيتها ويل ملونق من بنات اويل ببحر الغزال ، اطلق عليها الرصاص يوم 14 يونيو الماضى، و هى تعبر الحدود، و سقطت داخل الاراضى الاسرائيلية ... رفض الاسرائيليون استلامها فأخذها المصريون وارسلت الى مستشفى نويبع وعند استلامنا لها و جدنا انه اخذت جميع اعضائها ، ارسلنا جثمانها الى السودان .
الجثة الرابعة ،والحديث لمضال اقوير، كانت لامرأة من دارفور ، اسمها حاجة عباس هارون والتى يقول تقرير تشريحها ان سبب وفاتها ناتج عن اصابة فى الرأس تحت الاذن .. استلمت جثتها فى يوليو الماضى من مستشفى رفح المركزى ، وعلمت ان زوجها كان برفقتها والقى عليه القبض ويقضى عقوبته بالسجن لمدة عام فى بورسعيد .
ويحكى مضال وقائع من فصول المأساة التى وقف عليها بنفسه ، ان هناك طفلة صغيرة استطاع والداها العبور الى اسرائيل و تركاها وراءهما و لكن تم الحاقها بهما . كما ان هناك شخصا اخر من ابناء كردفان اسمه فضل الله حسن البنا ، اصيب بطلق نارى فى الساق والقى عليه القبض و يقضى عقوبته الان بسجن بورسعيد . و يخلص مضال الى ان الحوادث متزايدة لان عمليات التسلل فى تزايد مخيف.
الشيخة عوضية تحكي !
و تحكى لى الشيخة عوضية احمد الدرديرى وعضو المجلس السياسى للحركة الشعبية بمصر ، و هى تدير ايضا بعض الخلاوى التى يدرس بها ابناء السودانيين اللاجئين بمصر ، انها زارت السودانيين المحتجزين فى شمال سيناء عدة مرات برفقة مضال اقوير، وصلا فيها حتى منطقة رفح ، و تقول ان النساء المحتجزات يجدن حرجا فى الحديث الى الرجال فى بعض المسائل الخاصة، لذا ذهبت ووجدت أربع نساء و 8 أطفال فى قسم شرطة ثانى العريش بينهم طفلة المرحومة حاجة عباس هارون ... كانوا محبوسين فى زنزانة ضيقة والطفلة مصابة بين الكتف و الرقبة بالطلق النارى الذى قتل امها ، و لم تجد اى رعاية صحية و الجميع يأكلون وجبة و احدة فى اليوم عبارة عن قطعة جبنة و طحنية ... كان جميع الاطفال مصابين بإسهالات حادة و يعانون من سوء التغذية و لا توجد لديهم غيارات ، و الحر شديد و يفتقرون الى المال بعد ان جردهم السماسرة من كل ما يملكون .. النساء حوامل والاطفال رضع .. سمحت لنا سلطات القسم بتسليم النساء مبالغ فى ايديهن و كانوا يساعدوهن فى شراء المستلزمات الطبية و المواد الغذائية ... طفلة المرحومة حاجة عباس و البالغة من العمر عاما و نصف العام كانت معلقة بوالدها المسجون بعد مقتل امها سمحت لها سلطات القسم بالبقاء مع والدها طوال النهار وعندما تنام تحول الى حراسة النساء.
و تقول الشيخة عوضية، ان المحتجزات بقسم اول العريش قالن لها ان الفلسطينيين المحبوسين ساعدوهم كثيرا ... كان عدد السودانيين المحبوسين 28 . فيما و جدنا اثنين من المصابين فى مستشفى رفح و هما من ابناء دارفور ، احدهما ادم ، مصاب بطلق فى يده ، الثانى ابراهيم مصاب بطلق نارى فى بطنه . الوضع قاسى خلاص يا ولدى ... اختتمت الشيخة عوضية حديثها لى بهذه العبارة و اجهشت بالبكاء !!.
نواصل

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:06 PM
مهمة صحفية على مشارف اسرائيل !! «9»
سيناء : علاء الدين بشير
انتهيت فى الحلقة الثامنة من متابعتى لقضية اللاجئين السودانيين المتسللين عبر الحدود المصرية الى اسرائيل عند رواية مضال اقوير، مسؤول المنظمات الفئوية بالحركة الشعبية بمصر، ومسؤول ملف اللاجئين بالحركة، عن القتلى والمصابين اثناء عمليات التسلل الى اسرائيل والذين استلم جثثهم من منطقتى رفح بشمال سيناء ونويبع بجنوب سيناء، ثم رواية الشيخة عوضية، عضو المجلس السياسى للحركة بمصر عن الاوضاع المأساوية للاطفال وامهاتهم، المحتجزات بقسمى شرطة اول وثانى العريش بمحافظة شمال سيناء.
خوف من المستقبل..!!
اسامة شاب تجاوز منتصف الثلاثينيات من عمره، وهو من ابناء مدنى، حكى لى قصة محاولته التسلل الى اسرائيل قائلا: لم اكن مثل غيرى من اللاجئين السودانيين بمصر اقاسى فى معيشتى، فقد بدأت عملا تجاريا صغيرا كان يدر على دخلا يمكننى من سداد ايجار الشقة وتدبير مصاريف الحياة لى واسرتى الصغيرة التى تضم زوجتى وطفلى ذي الخمس سنوات.. على ان ذلك لم يكن حافزا كافيا بالنسبة لى للبقاء بمصر ... كنت وزوجتى نشعر بأن الآفاق مسدودة امام تطلعاتنا المشروعة للحياة فى بلاد مفتوحة الآفاق امام الترقى فى سلمها الاجتماعى والاقتصادى .. كنا نريد لابنائنا الحياة فى بلدان حرة تقدر الانسان وقيمته حتى ينشأوا احرارا صالحين. انسدت الفرص امام تطلعاتنا تلك بعد ايقاف عمليات التوطين من قبل مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين.. لم يكن سهلاً علينا العودة الى بلادنا بخيباتنا هذه، وفى نفس الوقت العيش فى ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التى نسمع بها من السودانيين القادمين، او من اتصالاتنا بالاهل والاصدقاء فى السودان .. صارت مصر اضيق علينا من انفسنا بعد مجزرة ميدان مصطفى محمود بالمهندسين ... تسرب الى دخيلة السودانيين ان وجودهم بمصر صار غير مرغوب فيه، خاصة بعد التقارب الواضح بين النظامين السودانى والمصرى، وفاقم هذا الشعور الرواية التى فشت بين مجاميع السودانيين أن مجزرة مصطفى محمود تمت بعد زيارة سرية قام بها مسؤول سودانى رفيع الى القاهرة واعطائه الضوء الاخضر للمسؤولين المصريين بالاستخدام المفرط للقوة ضد اللاجئين المعتصمين بالميدان... بدأ السودانيون فى تخيل السيناريوهات المحتملة لتحديد مصيرهم من قبل السلطات المصرية .. انتهوا الى ان افضلها هو اعادتهم قسرا الى السودان ليواجهوا مصيرهم المجهول فيه ... كل ذلك جعلنى ابحث عن اى سبيل للنجاة ... لم اكن من المتحمسين للهجرة لاسرائيل، لم يكن عدم حماسى هذا متأسسا على موقف عقدى او سياسى منها، فقد تجاوزت ذلك مثل كثير من السودانيين- حسبما اعتقد- الذين خبروا عسف دولة الانقاذ وارتادوا منافى العالم ... كان عدم حماسى راجعا الى نسبة المخاطرة فى عملية التسلل ... عاودت طرق ابواب مفوضية الامم المتحدة للاجئين التى احمل وثيقتها منذ سبعة اعوام ولكن دون جدوى ... ذهبت الى سفارات بلدان التوطين مباشرة، ولكن باءت محاولتى بالفشل الذريع ... وبينما انا بين حالتى الرعب من المصائر المحتملة من بقائنا بمصر، والخيبة من انسداد ابواب الامل امام فرص الخروج للعالم الاول، اتصل بي احد اقاربى من داخل اسرائيل ... فصل لى عن الاوضاع الحياتية الجيدة والمعاملة الراقية هناك، بجانب انفتاح الافق امام امكانية اتخاذ اسرائيل معبرا الى بلدان العالم الاول.. راق لى الخيار الاخير ولكن هجست لى مخاوفى من مخاطر التسلل ... طمأننى قريبى: «كل مشاكلك محلولة وطريقك سيكون سالكا اذا كانت قروشك كتيرة»..!! امتلأت حماسا لخوض التجربة ... اخبرت زوجتى لم يكن لديها من اعتراض سوى على نسبة المخاطرة فى العملية .. اتفقنا على ان اسبقهم الى اسرائيل على ان ادبر لهم سبيلا آمنا اليها من هناك.
تسلل..!!
ذهبت الى احد المقاهى بحى اربعة ونص بالقاهرة، اتفقت مع سماسرة سودانيين وآخرين مصريين على تدبير طريقة التسلل اتفقنا على دفع مقدم 100 دولار اولا على يكمل الباقى 400 دولار بسيناء.. استبد بى الخوف عندما اقترب موعد الرحيل، وكذا كان شعور زوجتى .. لم نخبر طفلنا بوجهتى سوى اننى مسافر وراجع.. توادعنا بالنحيب وبالدموع .. كان يقوينى على المخاطرة دافع اننى ذاهب لتدبير مستقبل افضل لاسرتى ... بدت لى المهمة مقدسة، الامر الذى وفر لى قدرا من التماسك الداخلى كلما انتابنى شعور عوام الناس حيال اسرائيل، او ما يمكن ان اجده من مخاطر فى العملية.
اشتريت صحيفة فى ذلك اليوم.. كان الوقت عصرا .. و يا للصدف كانت الصحيفة تحوى خبرا عن العثور على جثة سودانى قرب الحدود مع اسرائيل مقيد اليدين والرجلين وعلى رأسه وبقية جسمه آثار ضرب بالة حادة، بجانب تصريحات من مصدر امنى مصرى ترجح ان يكون السودانى قد قتل بواسطة المهربين البدو بعد خلافات بينهم حول قيمة التهريب الى اسرائيل ... ملأنى الخبر رعبا، ولكنى كنت قد ركبت الشاحنة الصغيرة المعدة لتهريبنا ... لم نكن نرى الشارع واغلب الظن ان المهربين لم يكونوا يسيرون بنا عبر الطرقات الرئيسية، وانما عبر دروب يعرفونها جيدا، اذ بدا الطريق غير معبد فى بعض مساراته، حتى توقفنا بعد مسيرة قرابة الخمس ساعات وسط الصحراء لم نكن ندرى اين نحن بالضبط .. كنا مجموعة من السودانيين والافارقة.. كان بيننا نساء واطفال يصرخون من مشقة الرحلة .. تأملت مشهدهم وتخيلت حال أسرتى وهى تقبل على هذه المخاطرة، وانتابنى حنين جارف الى زوجتى وطفلى، واشمأزت نفسى من مواصلة الرحلة، ولكن كان صعبا على ان اطلب انزالى فى ذلك المكان المقفر، وفى نفس الوقت توجست خيفة من ان يقتلنى المهربون اذا قلت لهم اننى عدلت عن رأيى بالتسلل.. سألنا عن اين نحن فأجابنا احد المصريين بأننا قريبون من الحدود وسندخل بعد قليل الى منطقة تسمى نجع شبانة الى الجنوب بكيلومترات قليلة من معبر رفح الحدودى فى شمال سيناء، وهى منطقة بها ثغرة امنية يمكننا ان نتسلل من خلالها ونجتاز السلك الشائك الذى يفصل بين مصر واسرائيل .. بالفعل عاودنا الركوب والمسير حتى وصلنا الى تلك المنطقة .. كان الظلام قد حل كثيفا.. تركنا البدو والمصرى السمسار على بعد امتار من السلك الفاصل، وقالوا لنا يمكنكم التسلل من هنا واستلموا بقية مبالغهم وغادرونا سريعا ... كان المكان موحشا فى ذلك الليل البهيم.. تدافع رفاق الرحلة للوصول الى السلك الشائك، كان السلك عاليا يصعب القفز من فوقه، ولكن يتم رفعه من تحت لارتفاع نصف متر، ليزحف المتسلل من تحته، فعلوا ذلك جميعا ورفعت السلك لآخر متسلل حتى عبر، وانتظرنى ليرفعه لى من الجانب الآخر، ولكنى طلبت منه أن يلحق برفاقه ... تعجب الرجل من موقفى وسألنى عن السبب .. قلت له اننى عدلت عن رغبتى فى دخول اسرائيل ... اتهمنى الرجل بالغباء تارة وبالجبن تارة اخرى، وحاول تشجيعى بكل السبل ولكنى رفضت .. عاود رفيقى مرة اخرى ولكن ليوضح لى عواقب عدم تسللى بأننى حتما ساقع فى يد دورية حرس الحدود المصرية الذين سيلقون القبض على ليتم سجنى بعدها، او وقوعى فى براثن قطاع طرق من البدو يمكنهم قتلى وبيع اعضائى.. رغم هذه المصائر المرعبة لكنى كنت ممتلئا بموقفى من عدم التسلل الى اسرائيل ، وطلبت منه اللحاق برفاقه وعدم اضاعة وقته معى.
ضبط وافراج..!!
عدت ادراجى من تلك المنطقة وبعد مسيرة ربع الساعة فى ذلك الظلام الحالك بدأت انوار متحركة تقترب من على يمينى ... بدا واضحا انها كشافات سيارات .. اقتربت السيارات اكثر فاكثر وسمعت صوتاً يطالبنى بالتوقف ... توقفت .. طلب منى ان ارفع يدى الى اعلى ففعلت ... كانت هذه دورية من حرس الحدود المصرية... نزل عساكر فى وضع متحفز واقتربوا منى.. ولما تأكدوا من استسلامى لهم اقبلوا على وفتشونى ثم اقتادونى الى قائد الدورية الذى سألنى عن جنسيتى فاخبرته اننى سودانى، سألنى عن و جهتى فقلت له اننى اقصد القاهرة، قال لى وما الذى جاء بك الى هنا؟ قلت له كنت انوى التسلل الى اسرائيل وعدلت عن رأيى فى اللحظات الاخيرة، وتركت رفاقى الذين تمكنوا من الدخول ... ارفعوه، قال قائد الدورية. وبالفعل تم اقتيادى بالعربة الى النيابة العسكرية بالعريش، وبقيت هناك حتى اشرقت الشمس، حيث عرضت على وكيل النيابة العسكرى الذى استمع الى اقوالى كاملة وبمنتهى الصراحة ... سألنى ان كنت مسلما ولا مسيحى. اجبته بأنى مسلم .. وعرضت فى نفس اليوم امام قاضٍ عسكرى استمع الى محضر التحرى وسألنى إن كانت تلك اقوالى فأجبته بانها كذلك. سألنى عن المنطقة التى تم ضبطى بها فقلت له اننى لا اعرفها بالضبط، ولكننى كنت راجعا من السلك الفاصل بين الحدود المصرية والاسرائيلية. وعاود مجددا ليسألنى عن ديانتى فقلت له اننى مسلم .. كان القاضى صارم الملامح ولكنى لم المس فيه غلظة تجاهى، فأخذت ذلك مأخذا متفائلا ... طلب منهم اخذى الى الحراسة وانتظار صدور الحكم ... تم اقتيادى الى قسم شرطة العريش ولكنى لم ادرِ هل هو اول ام ثانٍ، لاننى لا اعرف مدينة العريش او سيناء، وكانت تلك اول مرة اذهب فيها الى هناك رغم وجودى بمصر لسبعة اعوام. فى اليوم التالى ابلغت بأنه تم الافراج عنى بعد انتفاء تهمة محاولة التسلل غير المشروع عنى، لاننى كنت راجعا بمحض ارادتى، بعد ان رفضت الفرصة التى سنحت لى بالتسلل.
عدت الى زوجتى وطفلى.. والغريبة وجدت انه كان لدى زوجتي نفس الاحساس الذى انتابنى وجعلنى اعدل عن قرار التسلل، وتمنت أن يصلنى احساسها هذا ... اخبرنى اسامة انه يدرس الآن امكانية العودة الى السودان او الذهاب الى الخليج. واضاف ان هذين الخيارين مؤقتان ايضا، لان حلمى بالحياة فى بلدان تعشق الحرية لم يمت بعد !!.
من وراء المتسللين؟!
تحدثت الى مدير المنظمة المصرية السودانية لتنمية وبناء مجتمع جنوب السودان، تاور ميرغنى على، الذى اعد دراسة عن ظاهرة التسلل الى اسرائيل قدمها فى مؤتمر نظمته الجامعة الاميركية بالقاهرة، وسألته عما اذا كانت عمليات التسلل الى اسرائيل بدوافع ذاتية ام بترتيب منهجى تقوم به جهات بعينها؟ فقال لى: الامم المتحدة علقت ملف توطين اللاجئين السودانيين منذ عام 2005م، رغم أن هناك سودانيين كثر مقبولون لديها وينتظرون الاجراءات الاخيرة لتوطينهم فى احدى البلدان ... اجراءات الامم المتحدة عقيمة، وفى نفس الوقت اوضاع السودانيين بمصر فى غاية السوء، فقد قاد الوضع الاقتصادى المتدهور الى تفكك الاسر وضياع الابناء والشباب .. المدارس مؤقتة ولا توجد بها مناهج واضحة او معلمون اكفاء، وهى خارج نظام التعليم المصرى، وفى الجانب الآخر فإن كثيراً من طالبى التوطين باعوا ممتلكاتهم ولا يستطيعون من الناحية النفسية العودة الى السودان .. ازداد الامر سوءا بعد حادثة ميدان مصطفى محمود قبل عامين، الامر الذى جعل معدلات عمليات التسلل الى اسرائيل ترتفع بشكل ملحوظ بمعدل 30 -50 محاولة تسلل فى اليوم، لتأخذ شكل الظاهرة، بعد ان كانت محصورة فى حالات بعض السودانيين المتزوجين من اسرائيليات ويذهبون الى زوجاتهم فى اسرائيل عبر سيناء. ويمضى تاور فى حديثه قائلاً: لا توجد جهات تنظم عمليات التسلل سوى بعض السماسرة من السودانيين والمصريين وبدو سيناء عبر الاتصال الشخصى من راغبى التسلل ولاغراض مادية بحتة. .. ومن الناحية السياسية اسرائيل تضع السودان فى الدرجة الاولى لاعدائها، لانه لم يدخل بعد فى مهرجانات التطبيع التى بدأت، كما لا يزال جواز السفر السودانى يحظر الذهاب الى اسرائيل، ولكن من الناحية الاقتصادية فإن الاوضاع فى اسرائيل افضل بما لا يقاس بالاوضاع فى مصر. ومن استطاع الوصول اليها من السودانيين وجد فيها فرصا افضل وتم الترحيب به، فقد تم استقبال حاملى بطاقات اللجوء من الامم المتحدة بواسطة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الانروا» ومن لا يحملون بطاقات اللجوء استقبلوهم فى معسكرات «الكيبوتز» ليتم فحصهم امنيا ومن ثم يسمح لهم بالعمل. ومن وجد عملا يقول انه يسكن مجانا ويتقاضى شهريا نحو اربعة آلاف شيكل «1700» دولار، وادخال الاطفال الى المدارس للتعليم مجانا ويتم تدريسهم اللغة العبرية.. ورأى الحكومة الاسرائيلية انه بعد بناء الجدار الفاصل بينهم وبين الفلسطينيين، فإن العمالة الفلسطينية فى حالة تقلص، وبالتالى فإنها فى حاجة الى عمالة لتحريك اقتصادها من الركود، لذا فإن السودانيين مرغوبون كعمالة جيدة، خاصة النساء اللائى يعتبرن اكثر أماناً على منازل الاسر الاسرائيلية وبالاخص المسيحيات منهن ... ولا يستبعد تاور ان تكون هناك دوافع سياسية وراء استقبال اسرائيل للاجئين السودانيين، ويشير فى هذا الصدد الى ان جيش اسرائيل فى تناقص نتيجة هروب كثير من المجندين القادمين من شرق اوروبا من الخدمة العسكرية، وبالتالى ربما فكرت اسرائيل مستقبلا فى تجنيد اطفال السودانيين الذين استوعبتهم فى المدارس فى صفوف الجيش الاسرائيلى، الا ان تاور يعود ويقول: اسرائيل لا تمنح جنسيتها الا لليهود، وبالتالى فإن قدر السودانيين الذين دخلوها ان يظلوا لاجئين او يتخذوها معبرا الى بلدان اخرى. ويختم تاور حديثه بأن اعداد السودانيين الذين دخلوا اسرائيل فى تزايد كبير، وانهم بلغوا اربعة آلاف بحسب سمنار الجامعة الاميركية بالقاهرة.
«نواصل».

محمد عبد الله عبدالقادر
29-09-2007, 12:07 PM
مهمة صحفية على مشارف إسرائيل !! «10 - 10 »
سيناء :علاء الدين بشير
سردت فى الحلقة التاسعة من سلسلة قضية اللاجئين السودانيين المتسللين الى اسرائيل عبر الحدود المصرية ، قصة الشاب اسامة ، الذى عدل عن رأيه بالتسلل بعد وصوله الى تخوم اسرائيل و ملامسته للسلك الشائك الفاصل بينها و مصر، نتيجة موجة الحنين الجارفة التى اجتاحته الى اسرته الصغيرة المكونة من زوجته و طفله ذي السنوات الاربع، و التى تركها بالقاهرة على امل اللحاق به فى اسرائيل . و انتهيت عند حديثى الى تاور ميرغنى ، رئيس المنظمة المصرية السودانية لتنمية و بناء مجتمع جنوب السودان، و الباحث الذى اعد عدة دراسات حول قضية اللاجئين السودانيين بمصر ، الذى اوضح الدوافع وراء عمليات التسلل ،و هل هى عملية منهجية منظمة من جهات لها اجندة سياسية، ام قرار فردى ، و الفرص التى يجدها المتسللون لدى وصولهم الى اسرائيل ، مبينا ان عدد السودانيين الذين دخلوا الدولة العبرية بلغوا أربعة آلاف شخص استنادا على احصائية وردت فى سمنار نظمته الجامعة الاميريكية بالقاهرة .
الحركة تنفي !
و لان مكتب الحركة الشعبية كان هو الجهة الوحيدة - بحسب المعتقلين فى العريش- التى تتابع القضية ، كان لابد من معرفة الدافع وراء ذلك الاهتمام ، هل تريد مداراة امر ما وراء ذلك الاهتمام ، لانها من تحض السودانيين على التسلل الى اسرائيل ، ام انها تبتغى التكسب سياسيا من وراء ذلك ؟ طرحت هذه التساؤلات على الامين العام للحركة بمصر ، نصر الدين كشيب ، و مسؤول الاعلام ، لوال ملوك ، فبدأ نصر الدين الحديث نافيا مسؤولية حركته عنه ، دافعا بان قرار التسلل شخصي، و الاسباب تختلف من شخص الى اخر ، ولكنها فى اغلبها اسباب اقتصادية و طموحات لتحسين الاوضاع . و يضيف كشيب : التحرك الى اسرائيل يتم بتكتم شديد حتى افراد الاسرة لا يعلمون به ، كما ان عملية التهريب تتكلف ما بين 400 - 500 دولار ، و هذا وحده كفيل بدحض فرية ان الحركة الشعبية تشجع التسلل الى اسرائيل ، و اعتبر هذا الاتهام محاولة من خصوم الحركة لتشويه صورتها ، مؤكدا ان الحركة تتبنى عملية العودة الطوعية مع السفارة و حكومة الجنوب ، كما ان دورنا هو استقطاب السودانيين للانضمام للحركة و هذا يعنى ضمنا تشجيع العودة الطوعية لان اعادة البناء و التنمية الى جانب الانتخابات القادمة و استفتاء تقرير المصير بالنسبة للجنوب يتطلبان ان يكون السودانيون فى بلادهم، الامر الذى يجعل عملية عودة السودانيين هدفاً استراتيجياً للحركة . و يوضح كشيب ان مكتب الحركة بمصر بدأ التحرك فى هذا الملف فى اواخر مايو بعد ان رفضت السفارة السودانية بالقاهرة القيام بهذا الدور و هو دورها الاساسى، بحجة ان المتسللين «خونة» و خالفوا القانون السوداني «جواز السفر يحظر الذهاب الى اسرائيل» ، و بالتالى فان ما حملنا على هذا التحرك ان هؤلاء المتسللين مهما كان خطأهم فانهم مواطنون سودانيون، اضافة الى ان بعضهم اعضاء فى الحركة الشعبية او اقرب لاعضاء فيها ، وصار بعض السودانيين يأتون الى مكاتبنا و يطلبون المساعدة لمعرفة اقاربهم الذين اختفوا واما ان يكونوا تسللوا الى اسرائيل او تم احتجازهم من قبل السلطات المصرية فى الحدود .
و عندما قلت لنصر الدين: لماذا لا تتركوا هذا الامر لمكتب الاتصال الخاص بحكومة الجنوب باعتباره واجهة حكومية ،بينما انتم تنظيم سياسي ، هنا تدخل لوال ملوك قائلا بأن كثير من المتسللين من دارفور و جبال النوبة و اقاليم السودان الاخرى و بالتالى يصعب عليهم من الناحية الاجرائية التعامل مع مكتب اتصال حكومة الجنوب .
تواطؤ !!
سألت عن الدعم الذى تقدمه الحركة للذين يتم القبض عليهم بواسطة السلطات المصرية ، فأجابنى نصر الدين بان مكتبهم لا يقدم أية مساعدات مادية لضعف امكاناته، و لكنهم يسعون لحل المشاكل المتمثلة فى الغرامات «الكفالة» و المتابعة عبر الأسر او الروابط القبلية او الجهوية ، كما قلل فى الوقت نفسه من قيمة اى تحرك من جانبهم فى اتجاه دعم قانوني للمحتجزين ، لان القضايا تنظر فى محاكم عسكرية بشكل سريع و لا توجد فيها فرص للاستئناف ، كما نفى ايضا ان يكون لهم اتصال مع الحكومة السودانية فى هذا الخصوص، موضحا ان القنصل السابق بالسفارة السودانية بالقاهرة كان اكد التزام السفارة بإجراء اللازم لترحيل كل الراغبين فى العودة، و عندما ارفقنا لهم قائمة بأسماء سودانيين راغبين لم يستجاب لها . و يقاطع لوال بأنه لابد من مخاطبة اساس المشكلة الذى يرجع الى مفوضية الامم المتحدة للاجئين لان السودانيين المتسللين اغلبهم يحملون بطاقات المفوضية التى لم توطنهم فى بلدان التوطين، و فى الوقت نفسه اوقفت اجراءات العودة الطوعية بحجة ان الاوضاع امنية غير مستقرة فى بعض مناطق السودان ، و يضيف لوال ان الجهة التى تتحمل المسؤولية بعد المفوضية هى الحكومة السودانية، و التى اوقفت ايضا برنامج العودة الطوعية بدعوى شح الميزانية . و سألت ان كان هناك دور للحكومة المصرية فى ذلك بغضها الطرف عن المتسللين من اللاجئين فى حدود محروسة حراسة جيدة بينها و بين اسرائيل ، فرد عليَّ لوال بتساؤل فحواه ،ان هناك 9 بوابات امنية من القاهرة و حتى سيناء ، لذا فان الجميع يتساءلون كيف يمكن التسلل بهذه الاعداد الكبيرة فى وجود ذلك التضييق ؟!! .
طرحت نفس السؤال على ممثل حكومة الجنوب بمصر و الشرق الاوسط و دول الخليج و جامعة الدول العربية ، الدكتور فرمينا مكويت منار ، فنفى بشدة ان تكون السلطات المصرية متواطئة فى تسلل السودانيين لانها صارت تضيق بوجودهم كلاجئين على اراضيها ، واضاف فى حديثه لي بمكتبه بمقر بعثة حكومة الجنوب بالمعادي ، اذا كانت الحكومة المصرية كذلك لما استقبلت ملايين السودانيين، بينما المتسللون الى اسرائيل هم بضعة آلاف بعضهم قضى قرابة العشرين عاما فى مصر و يحمل اقامة دائمة فى مصر ، و يشير الى ان التسلل وراؤه جهات منظمة من السماسرة السودانيين و المصريين البدو، وهم يعرفون جيدا الطريق الى اسرائيل ، و يضيف انه كثف اجتماعاته مع السلطات الامنية و السياسية المصرية، و اوضح لهم رفض حكومة الجنوب لظاهرة التسلل، و انها تعبر عن قرار خاص بالشخص المتسلل نتيجة لظروفه الاقتصادية ، و طلبت منهم تكثيف الجهود من اجل وقف الظاهرة . ويؤكد ان السلطات المصرية استجابت لذلك، و شددت الاجراءات الامنية على المتجهين الى سيناء، و بادرت بكتابة ورقة الى من يرغبون الذهاب الى هناك بغرض السياحة لابرازها فى بوابات العبور الامنية من القاهرة و حتى سيناء ، و يوضح فرمينا انه ارسل وفدا مشتركا من مكتب حكومة الجنوب و مكتب الحركة الشعبية الى السجون و الحراسات فى مناطق رفح و العريش و بورسعيد للوقوف على حالة السودانيين المحتجزين، فعاد الوفد و قال انه وجد رجالا و نساء و اطفالا ، و تابع فرمينا : خاطبت الجهات المسؤولة فى مصر لاطلاق سراح النساء و الاطفال فاستجابوا مشكورين، ثم ذهبت بنفسى الى العريش و الاسماعيلية و التقيت بالمسجونين و السلطات المصرية ، و كثفت لقاءاتى مع الجالية لتحذيرهم من مخاطر التسلل فى اكثر من عشرة لقاءات، و ان من يفعل ذلك يعرض نفسه اما للموت او السجن . و يتهم فرمينا مفوضية الامم المتحدة للاجئين ايضا بتأزيم الموقف عبر اشاراتها الخاطئة بعدم السماح للسودانيين بالعودة بحجة المهددات الامنية فى بلادهم ،و فى الوقت نفسه عدم الشروع فى اجراءات توطينهم فى بلدان التوطين المختلفة .
المفوضية ترد !!
حملت الاتهامات المتكررة التى سمعتها لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، و واجهت بها المسؤول الاعلامى و الناطق باسم مكتبها بالقاهرة ، عبير عطيفة ، و التى ابتدرت حديثها لي بالاعتراف بأن اللاجئين السودانيين يواجهون اوضاعا حياتية قاسية بمصر ، و لكنها تقول ان مصر من الدول النامية التى تواجه مشاكل اقتصادية، و مع ذلك فان عطيفة تقول ان اللاجئ السودانى فى مصر لديه حقوق اكثر من اى لاجئ اخر بها نتيجة لاتفاقية الحريات الاربع الموقعة بين السودان و مصر . سألتها اذا ما كانوا زاروا اللاجئين السودانيين المحتجزين فى سيناء بتهمة التسلل الى اسرائيل ، فردت بأنهم لم يفعلوا ذلك لانه غير مسموح لهم بالتحرك فى مناطق الحدود مع اسرائيل، لانها مناطق خاضعة لسلطات امن الدولة بمصر . و تضيف عطيفة ان المتسللين الى اسرائيل ليسوا كلهم لاجئون و لا كلهم سودانيون ، و ان معظمهم تم الافراج عنهم . و توضح المسؤول الاعلامى بالمفوضية ، ان عدد اللاجئين السودانيين المسجلين كلاجئين لدى بعثة المفوضية بلغ 26 ألفا غالبيتهم من جنوب السودان، و هؤلاء توقف برنامج التوطين لهم نسبة لتوقيع اتفاق سلام فى الجنوب، وهناك طلبات متزايدة للعودة الطوعية بينهم . و بخصوص اللاجئين من دارفور تقول عطيفة ، ان دارفور وضعها مختلف و ليس هناك مجال للعودة الطوعية نتيجة لتدهور الاوضاع الامنية هناك ، و تضيف : لدينا برامج توطين بالنسبة للدارفوريين و لكنها محدودة النطاق و تقتصر على الحالات الاكثر استضعافا و ملفات طالبي التوطين من الدارفوريين تعرض على استخبارات دول التوطين لابداء الموافقة على استقبال صاحب الطلب .
و لان السفارة السودانية بالقاهرة يفترض انها طرف اصيل فى ملف السودانيين المتسللين الى اسرائيل و انه لن تكتمل الصورة بدون الاستئناس برأيها و معلوماتها ، كان لابد لى من طرق ابوابها من اجل ذلك ذهبت فى احد النهارات القائظة لمقابلة الديبلوماسى و نائب القنصل ، محمد الرشيد سيد احمد ، و الذى بينى و بينه معرفة تعود الى خمس سنوات خلت عندما كان يكتب معنا بصحيفة «الصحافي الدولي» ، و كنت التقيته قبلها بيوم فى امسية سودانية بدار الاوبرا ، و اخبرته بمبتغاي ورحلتى الى العريش بشمال سيناء فأعطانى كرته الذى يبين صفته «نائب القنصل» و طلب منى زيارته بمكتبه لاجراء اللازم . و عند مدخل السفارة عدلت رأيى و قررت مقابلة الملحق الاعلامى ، عبد الملك النعيم كما يقتضى العرف الصحفى ... ذهبت الى مكتبه و عرفته بنفسى و اخبرته عن طلبى بمقابلة القنصل لمعرفة تفاصيل اكثر حول القضية و دور السفارة فى متابعتها ... ابدى الرجل اهتماما بالامر عندما علم اننى ذهبت الى العريش ورأيت انه كان مشغولا بجمع قصاصات من الصحف المصرية حول ذات القضية، و قال لي انه سيتابع موضوعى عندما ينشر ، و لكنه اخبرنى بأن القنصل و معه اربعة من موظفى السفارة سافروا اليوم الى سيناء فى اثر نفس القضية التى انا فى طلبها ، و انه عندما يعود سيرتب لى لقاءً معه و اعطانى كارته الخاص الذى يحوى رقم موبايله و طلب منى الاتصال غدا لتحديد الموعد . لم يستغرق لقاؤنا بكل طقوسه سوى ربع ساعة خرجت بعدها فى طلب محمد الرشيد حسب ما التزمت له عشية الليلة السابقة .. نزلت اليه فى مكتبه رحب بى و كان معه شباب من منسوبى تلفزيون السودان ، اخبرنى فى عجالة ان السفارة مهتمة بالقضية و انه كان مكلفا بمتابعة هذا الملف قبل فترة و اطلعنى بسرعة على بعض المكاتبات فى هذا الخصوص بين السفارة و وزارة الخارجية فى الخرطوم ، و يبدو انه كان على موعد اجتماع لذا فانه كتب لى مذكرة صغيرة الى شخص اسمه عمر السنوسى ، قال لى انه نائب القنصل و سيقوم باجراء اللازم معك و ادخالك على القنصل دكتور ياسر لمقابلته اليوم .. حملت المذكرة و ذهبت الى مكتب عمر السنوسى فى اعلى و كان بابه موصدا .. طرقت عليه ثلاثا و لما لم يفتح استدرت كيما اذهب فاذا بى المح المكتب المقابل و المثبتة على واجهته لافتة بارزة مكتوب عليها «القنصل» .. انفتح باب القنصل و خرج منه شخص ورأيت فى الثوانى التى انفتح فيها شخصاً يجلس وراء تربيزة المكتب بكامل حلته واناقته .. هممت بالدخول و لكنى و جدت ورقة صغيرة معلقة على الباب تطلب من الذين يودون مقابلة القنصل مقابلة مكتب الادارة الذى يجاوره اولا .. ذهبت الى ذلك المكتب و كان به رجل و امرأة يجلسان خلف الترابيز ، بينما هناك سيدة و فتاة تجلسان على اريكة الانتظار ... تحدثت الى الرجل و اخبرته عن نفسى و عن طلبى .. قال لى انتظر و اخبر المرأة التى تتحدث فى التليفون بعد انتهائها من المحادثة ... انتهت المرأة التى علمت ان اسمها «رقية» من مكالمتها و اقتربت منها لاسألها ، كانت منهمكة على اوراق و تهم بالاتصال، فطلبت منى الانتظار لحظة و الجلوس على الاريكة .. و عندما انتهت قمت اليها و اخبرتها عن نفسى و مبتغاي و ناولتها بطاقتى الصحفية و لكنها لم تهتم، و قالت لى ان القنصل لا يلتقى بالصحافيين ، و عليك مقابلة الملحق الاعلامى ، قلت لها اننى التقيته ، فردت على بأقتضاب : لم تأتنا منه ورقة بخصوصك . خرجت من عندها و انا مستاء من طريقتها فى التعامل .. عاودت اليوم الثانى الاتصال بعبد الملك النعيم كما طلب منى و لكنه لا يرد و كررت اتصالى به خمس مرات فى مواقيت مختلفة و لكنه لا يرد ، قررت بعدها صرف النظر عن سؤال السفارة كما نصحنى كثير من السودانيين و بعض الصحافيين المصريين هناك .
من المسؤول ؟
سألت مسؤول المنظمات الفئوية بالحركة الشعبية بمصر و المكلف بمتابعة ملف المتسللين الى اسرائيل مضال اقوير عن حالات اطلاق الرصاص ضد المتسللين وهم مدنيون عزل من قبل حرس الحدود فى مصر، الامر الذى ادى لسقوط قتلى و جرحى بينهم ، فرد على بأنهم اثاروا ذلك مع السلطات التى اخبرتهم بان سيناء منطقة امنية و هم وفقا للاعراف العسكرية يطلبون من المتسلل ان يتوقف و اذا رفض يطلقون رصاصا فى الهواء لتحذيره و اذا ما تمادى و صار على بعد 150 مترا يضربون فى المليان . قلت له حتى فى ذلك و طالما ان المتسلل مدنى و اعزل يفترض ان يكون الضرب بغرض التعطيل فقط و ليس القتل ، فسكت مضال دون ان يجد اجابة .
وطرحت ذات السؤال على الدكتور فرمينا مكويت ، فقال لى ان اقدام السودانيين على التسلل الى اسرائيل عبر الحدود المصرية هو خطوة غير قانونية لذلك تتصرف السلطات المصرية معهم بقسوة و لا نستطيع نحن الاعتراض على ذلك و كل ما نفعله هو نحاول استلام جثة القتيل و مساعدة المصاب او الوصول الى الشخص المسجون ، و الاهم من ذلك بث الوعى بين افراد الجالية بخطورة عملية التسلل الى اسرائيل، و افهامهم ان امن مصر هو امننا . لكن الناطق باسم مفوضية اللاجئين عبير عطيفة تقول فى هذا الخصوص انهم سمعوا بتلك الحوادث من خلال اجهزة الاعلام عن حالات قتل لبعض اللاجئين السودانيين، و طالبنا الخارجية المصرية بتوضيح لذلك و ننتظر ردها فى هذا الخصوص .
و كانت منظمة هيومان رايتس ووتش طالبت فى اغسطس الماضى وزير الداخلية المصرى حبيب العادلى ، بفتح تحقيق فورى بنية الملاحقة القضائية فى مزاعم مفادها ان حرس الحدود المصرية الاسرائيلية قتلوا ثلاثة لاجئين سودانيين حاولوا عبور الحدود بين البلدين بصورة غير قانونية ، مستندة فى ذلك الى شهادات ضباط اسرائيليين شاهدوا ذلك على الحدود و شريط تلفزيونى بثته القناة العاشرة للتلفزيون الاسرائيلى يبين الواقعة ، لكن الحكومة المصرية دافعت عن حقها باستخدام القوة عبر تصريحات ادلى بها مصدر ديبلوماسى مصرى فى اغسطس الماضى، و نقلتها وكالات الانباء العالمية، مبينا فيها ان التسلل عبر الحدود يعد مخالفة للقانون المصرى، و ان بلاده مثلها مثل بقية بلدان العالم لديها التزامات قانونية لضمان عدم عبور اى شخص لحدودها بصورة غير شرعيه ، و اضاف المصدر انه فى حالة ضبط اى متسلل فانه يطالب بالتوقف و فى اغلب الاحيان يستجيب المتسللون، و من يرفضون بحسب المصدر تضطر السلطات التعامل معهم بما يضمن احترام القانون ، مؤكدا على حقها المكفول وفقا للقوانين المحلية و المواثيق الدولية فى استخدام القوة لوقف عمليات التسلل غير الشرعية عبر الحدود ، مبينا ان السلطات تتخذ كافة الاجراءات لضمان سلامة من يقبض عليهم اثناء التسلل، و ان استخدام القوة يظل خيارا اخيرا يتم اللجوء اليه فى حال اصرار المتسللين على المضى قدما فى عملهم غير الشرعى .
ثم ماذا بعد ؟
ان قضية السودانيين المتسللين الى اسرائيل هى قضية انسانية فى المقام الاول و ليست محض قضية امنية كما درج كثير من المتحدثين و الصحافيين خاصة فى مصر على تناولها، اذ لا يختلف سعي هؤلاء السودانيين المتسللين كما سمعت منهم ، عن سعى 13 % من العمالة الاجنبية فى اسرائيل و التى هى من المصريين طبقا لما اوردته صحيفة الدستور المصرية فى عددها رقم «113 » الصادر بتاريخ السابع من اغسطس الماضى، استنادا الى تقرير اعلنته دار الاحصاء المركزية الاسرائيلية فى تقريرها السنوى الاخير عن حجم العمالة الاجنبية فى الدولة العبرية ، و بين التقرير ان باسرائيل عشرة آلاف عامل مصرى يعيشون هناك و متزوجون من اسرائيليات و يخدمون فى الوظائف المدنية بالجيش الاسرائيلى !! . و عليهم ان يعوا بأن العالم تجاوز المفهوم التقليدى للامن القومى لصالح مفهوم ادق و اشمل وهو الامن الانسانى الذى يقيس مؤشرات الامن و الاستقرار فى البلدان بمدى حرية ورفاه شعوبها ، لان الدول ليست الجغرافيا و لا الانظمة و انما هى المواطنون و كرامتهم ، و ينبغى للحكومة السودانية التأمل عميقا فى الاسباب الكامنة وراء اصرار بعض مواطنيها على الفرار من «نعيم» الدولة الاسلامية الى «جحيم» الدولة الصهيونية، كما يشيع فى ادبياتها، و محاولة علاج ذلك ،ان استطاعت اليه سبيلا !! .

امنية بكري
29-09-2007, 03:28 PM
والله دي مآساة حقيقيه

ياخي احنا ما طايقين نسمع اسمها

كمان نهاجر ليها

اللهم اجرنا في مصيبتنا

الف شكر لك اخي العزيز

مدنيّة
30-09-2007, 12:29 AM
انت في دا يامحمد ولا في المحن الحايمة في احد المنتديات السودانية

عضو فيها واضع علم اسرائيل كصورة رمزية وفي احد الاعضاء عمل بوست عشان يصوتوا بقية الاعضاء ويجبروا صاحب الموقع علي ازالة العلم دا
كانت النتيجة انه بقية الاعضاء بيدافعوا بحجة انها دي حرية شخصية وانه في اعلام دول عربية ما بتستاهل انها تترفع ومرفوعة !!!!

وعجبي

GREY MAN
30-09-2007, 01:03 AM
شكرا اخونا محمد
ونسال الله ان يجعل كيدهم في نحرهم
آمين

محمد عبد الله عبدالقادر
30-09-2007, 02:15 AM
والله دي مآساة حقيقيه

ياخي احنا ما طايقين نسمع اسمها

كمان نهاجر ليها

اللهم اجرنا في مصيبتنا

الف شكر لك اخي العزيز

الاخت امنية بكري لك الشكر على المرور
وربنا يحفظنا

محمد عبد الله عبدالقادر
30-09-2007, 02:19 AM
انت في دا يامحمد ولا في المحن الحايمة في احد المنتديات السودانية

عضو فيها واضع علم اسرائيل كصورة رمزية وفي احد الاعضاء عمل بوست عشان يصوتوا بقية الاعضاء ويجبروا صاحب الموقع علي ازالة العلم دا
كانت النتيجة انه بقية الاعضاء بيدافعوا بحجة انها دي حرية شخصية وانه في اعلام دول عربية ما بتستاهل انها تترفع ومرفوعة !!!!

وعجبي

والله يا مدنية الناس جنت عديييييل كدة والحصل ليها شنو ما عارفين بس ده اكيد ده نتاج للاعلام بتاع الناس ديل والقدرو يخشو في محطات كتيرة وللاسف منها عربية وبقينا نحن نصدق وانقلب الباطل حق. وده من اعمالنا نحنا وحكامنا والسياسة العالمية ربنا يهون على امه لا اله الا الله

محمد عبد الله عبدالقادر
30-09-2007, 02:20 AM
شكرا اخونا محمد
ونسال الله ان يجعل كيدهم في نحرهم
آمين

آآآآآآآآآآآميييييييييييييييييييييييييييييييييييييي يييييييييييييييين يا الله