المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة مشروع الجزيرة****أكبر مشروع زراعى متكامل فى العالم



أبونبيل
28-07-2007, 11:04 AM
="5"]قصة مشروع الجزيرة (1)[/size]

موقع المشروع:

يقع مشروع الجزيرة في تلك المنطقة التي أطلق عليها الجزيرة وهي المنطقة الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض والتي تبدأ من المقرن، حيث التقاء النيل الأزرق بالأبيض بالخرطوم، وتمتد جنوباً حتى خط السكة حديد الذي يخترق المسافة بينهما رابطاً بين مدينة سنار على النيل الأزرق ومدينة كوستي على النيل الأبيض. وهذه المنطقة عبارة عن سهل منبسط تبلغ مساحته حوالي خمسة ملايين فدان يمكن ري ثلاثة ملايين منها رياً مستديماً، وقد نجحت التجارب الزراعية التي أجرتها الشركة الزراعية في مطلع القرن العشرين في زراعة القطن بالجزيرة وحققت تلك التجارب إنتاجية عالية ودفعت تلك التجارب مع عوامل أخرى الحكومة البريطانية إلى ضمان منح قرض لحكومة السودان من أجل عمليات التمويل اللازمة للري والزراعة.
ومنذ البداية أحست الحكومة السودانية (الإدارة البريطانية) بالقلق الذي ظل يساور كبار المسؤولين من وضع الشركة وسيطرتها على المشروع ولذلك حرصوا على وضع أسس واضحة لعلاقات إنتاجية تنظم العائد المالي للمشروع وتحفظ لكل طرف من الأطراف حقوقه.

القطن: القطن في السودان عرف قبل الغزو التركي للبلاد فقد كان يزرع بمنطقة الدندر ويصدر منها للحبشة، ويزرع فقي مناطق متفرقة من السودان الأوسط للغزل (الدمور) للإنتاج والاستهلاك المحلي – إذ كان الدمور يستخدم كعملة في التبادل التجاري في الأسواق منذ العهد السناري. وبعد دخول الأتراك البلاد وتعرفهم على المنسوجات القطنية وصناعتها المحلية في منطقة شندي وبربر والدامر والتي تشتهر بصناعة ونساجة الدمور – وقد أبدى محمد علي باشا اهتماماً بالقطن وتوسيع زراعته فطلب من حاكم السودان آنذاك أن يرسل إلى القاهرة أنواعاً من البذور من أجل تجربتها وزراعتها في مصر وشهدت فترة الحكم التركي للسودان رغم الاضطرابات وعدم الاستقرار اهتماماً كبيراً في أمر زراعة القطن حيث جلبت من مصر أنواع من بذرة القطن من أجل تحسين نوعيته ورفع إنتاجيته من أجل تصديره إلى مصر.

وأجريت التجارب في دلتا القاش وطوكر ووجد اهتماماً عظيماً في تلك الحقبة وقد شكلت هذه الزراعة وتلك التجارب النظرة الأولى في زراعته والتوسع فيه مستقبلاً في فترة الحكم الثنائي بالسودان فيما بعد.

وفي فترة المهدية تلك الثورة التي قامت على أنقاض حكم أجنبي نتيجة ثورة شعبية فكانت دولة دينية مرتكزة على فكرة المهدي المنتظر وكان أبرز مجموعاتها القبائل الرعوية ذات التقاليد القتالية والجلابة الذين يشكلون طلائع وقادة تلك المجموعات حيث شكلوا القيادة الفعلية والإدارية للثورة المهدية وكانت الدولة المهدية ذات طابع عسكري، وقد فرض عليها فرضاً وبخاصة في سنواتها الأخيرة وأصبح جانب كبير من اقتصادها اقتصاد حرب وخلال فترة المهدية تعرض النشاط الزراعي لاضطراب كبير من جراء الحروب والمعارك والمواقع الحربية المتصلة أضف إلى ذلك الهجرات التي انتظمت معظم القبائل وخاصة في عهد الخليفة عبد الله خليفة الإمام المهدي حيث هاجرت قبائل رعوية نحو المدن وبخاصة البقعة (أمدرمان) وكان الإنتاج الزراعي في تلك الفترة موجهاً نحو سد حاجيات الناس من مأكل ومشرب ولذلك كان الإنتاج منصباً نحو الاستهلاك المحلي ولم يكن هناك اهتماماً جاداً بالمحصولات العالمية مثل الصمغ والقطن إلا في حدود ضيقة ولم تتوسع دولة المهدية في زراعة القطن بل اكتفت بالمساحات التي ورثتها من الحكم التركي في دلتا طوكر والقاش بشرق السودان وكان وقتها يروى طبيعياً والمساحات المزروعة بلغت بضعة مئات من الأفدنة وبعد محاصرة الثورة المهدية ومحاربتها وهزيمتها ودخول الجيوش البريطانية وبداية الحكم الثنائي بالبلاد وكان وقتها عدد السكان لا يتجاوز اثنين مليون نسمة في مطلع عام (1900م) وتدهورت تلك البنيات الأساسية: زراعة – تجارة – مواصلات – صحة – تعليم، بالإضافة إلى الفقر والأمراض والأوبئة التي تجتاح المواطنين. وقدر في ذلك الوقت الدخل القومي ب واحد وخمسين ألف جنية في العام وبلغ الصرف (185) ألف بعجز فاق المائة ألف وكانت الصورة قاتمة فبدأت الإدارة الجديدة تتلمس طريقها..


(2)

الهجرة إلى الجزيرة:-

منطقة الجزيرة كانت تحت سيطرة الدولة السنارية – مملكة الفونج الإسلامية (1505-1820م) وكانت تسكنها مجموعة من القبائل خليط من غير القبائل العربية – وكانت دولة الفونج دولة قوية اقتصادياً وسياسياً. فمن الناحية الاقتصادية كانت التجارة الخارجية والداخلية منتعشة، واعتنقت الأسرة الحاكمة الإسلام، مما أعطى دفعة قوية للنفوذ الإسلامي والعربي بالمنطقة ووقعت اتفاقية بين الفونج والعرب (العبدلاب) وتكون الحلف الفونجي العبدلابي، تلك الاتفاقية التي أبرمت في بداية القرن السابع عشر الميلادي، وأدى ذلك إلى نزوح بعض القبائل العربية واستقرارها بالمنطقة واستتب الأمن نسبياً مما أدى إلى انتعاش تلك المناطق وبظهور الحكم التركي المصري وسيطرته على البلاد إثر سقوط العاصمة سنار وتسليم آخر ملوك سنار إلى إسماعيل باشا ابن محمد علي باشا فكانت هذه نهاية الدولة الوطنية الإسلامية التي استطاعت السيطرة على البلاد طوال ثلاثة قرون.

ظهرت بعد ذلك منطقة الجزيرة كقلب نابض سياسياً واجتماعياً وأصبحت مركزاً هاماً للهجرة الداخلية الواسعة النطاق شملت قبائل ومجموعات من شمال السودان إلى سهول الجزيرة وتم انصهارهم وانسجامهم مع السكان المحليين وازدهرت الزراعة والتجارة وخاصة في مجال الزراعة حيث جاء أبناء الشمال بموروثهم الزراعي ومعداتهم وأدواتهم وتجاربهم الممتدة في المجال الزراعي. وفي عهد المهدية تواصلت الهجرات إلى منطقة الجزيرة وبخاصة من القبائل الرعوية وذلك بسبب سياسات التهجير التي اتبعها الخليفة عبد الله مع القبائل وبخاصة قبائل غرب السودان والتي وجدت نفسها مجبرة على الهجرة إما إلى أمدرمان أو إلى أرض الجزيرة حيث استقرت مجموعات من القبائل البدوية بسهول الجزيرة ووجدت المراعي والماء واستقرت مجموعات أخرى وأصبح بعضهم يعمل بالزراعة وتربية الحيوان وسرعان ما ازدهرت الأعمال التجارية ونشأت طائفة الجلابة التي امتهنت التجارة وكان لنشاطهم التجاري أثره على الحياة في المنطقة وازدهرت مدينة ودمدني كمركز تجاري هام ووصفت بأنها أهم مدينة على النيل الأزرق واحتلت مكان مدينة سنار وبلغ عدد سكانها حوالي خمسة عشر ألف نسمة وهم خليط من السكان المحليين والقبائل العربية والمجموعات الشمالية وعرفت أسواقهم الأسبوعية وهي أسواق المدن خليطاً من البضائع المحلية والأجنبية (الذرة والصمغ والمصنوعات التقليدية بجانب الأقمشة المستوردة والسكر والتبغ والعطور) وكان واضحاً أن حركة تحول قد حدثت في البلاد.

زراعة القطن:-
في بداية الحكم الثنائي (1900م) كتب يوست مشيراً إلى أن منطقة السودان منطقة صالحة لزراعة القطن، خاصة إذا تم تطوير وسائل النقل، وخطت الحكومة خطوات إيجابية حيث قامت في عام (1900م) باستيراد بذرة القطن (الأشموني) من مصر ونوع آخر وكانا من أجود الأنواع المصرية وعرضت على الخبراء بهدف تحديد إمكانية إنتاج القطن المصري بالسودان وجاءت التقارير إيجابية وأكدت نجاح التجربة.

وفي عام (1902م) أكدت التجارب إمكانية زراعة القطن في الجزيرة وسنار وفي نفس الوقت أسست مزرعة بشندي كمزرعة تجارب وأصبح الرأي السائد إمكانية زراعة القطن وبخاصة على مساحات واسعة. وكان المعتقد أن إنتاجية الفدان ربما تفوق إنتاجية الفدان بمصر لوجود الأراضي البكر والشاسعة وقلة الأمراض والحرارة المرتفعة التي ربما لا تساعد على انتشار أمراض القطن وبخاصة دودة القطن التي تشكل خطراً ماحقاً للمزارع والقطن المصري، واستمرت التجارب بصفة جادة وكانت هناك تجارب كبيرة في الكاملين بالجزيرة وتجارب في العديد من المناطق وذلك من أجل زراعة القطن مطرياً.

ورغم بروز العديد من الصعوبات والمشكلات وفي مقدمتها توفير مياه الري المستدام إلا أن موضوع زراعة القطن وجد اهتماماً كبيراً من قبل السلطات البريطانية في السودان وبريطانيا على حدٍ سواء فمنذ عام (1901م) يلاحظ أن تقرير الحاكم العام يشير ويركز على موضوع زراعة القطن بوصفه مجال حيوي وهام لتطوير السودان مستقبلاً ولكن كانت هناك عقبة تواجه هذا التوسع المرتقب في زراعة القطن بالجزيرة، أولاً: اعتراض مصر على التوسع خوفاً من استهلاك مياه النيل وتقليل عائده إلى مصر. ثانياً عملية التمويل والحصول على ر"أس المال المطلوب مقابل التكلفة المتوقعة للإنتاج.


(3)

التمويل:

كانت عملية التمويل من أكثر الموضوعات التي أقلقت حكومة السودان، ومن أين لها الحصول على الأموال اللازمة لتؤمن للمشروع تمويلاً يفي بمتطلبات التوسع المرتقب، ولتشييد البنيات الأساسية وخاصة في مجال الري والزراعة. وكانت السياسة الاقتصادية المتبعة عدم إشراك القطاع الخاص في أي مشروع كبير يزج بالحكومة والإدارة البريطانية في أي نزاعات محتملة مع المواطنين، ولكن وجدت الحكومة نفسها مضطرة تحت ضغوط عديدة ومنح شخصيان أراضي زراعية شمال الخرطوم الأول لشخص أمريكي يدعى لي هنت وكان ذلك في عام 1903م. بمنطقة الزيداب حيث بدأت شركة باسم شركة السودان للتجارب الزراعية. والثاني لبريطاني يدعى مستر قريف. وفي عام 1905م بلغت الأرض المزروعة قطناً بتلك المنطقة (الزيداب) سبعين فداناً، ويعزى ذلك لصعوبة الحصول على الأراضي لموقف المزارعين وأصحاب الأراضي (الأطيان) وتشككهم في نوايا الشركة وعدم الترحيب بها وتمسكهم بزراعاتهم ومحصولاتهم التقليدية وكانت هناك محاولات لتهجير الفلاح المصري للسودان، ولكن المحاولة فشلت كما فشلت جهود حكومة السودان في الحصول على قرض من الحكومة المصرية لتمويل البنيات الأساسية لزراعة القطن بالسودان، وكان هناك تخوف من إثارة الشعب المصري وخاصة في توجيه أمواله واستثمارها في مجال ينافس القطن المصري الذي يعتمد علية كثيراً الفلاحون والإقطاعيون المصريون. وكان البديل المتاح هو اللجوء إلى الحكومة البريطانية لتقديم التمويل اللازم خاصة إذا علمنا بأن ميزانية حكومة السودان في ذلك الوقت تعاني من عجز مالي كبير وإذا أرادت الحكومة تمويلاً ذاتياً فلابدّ من فرض ضرائب إضافية وهو أمر تخشاه الإدارة البريطانية وتخشى إثارة المواطنين وحساسيتهم في أمر كفرض الضرائب هذه.

في مجال الري

ري مشروع كبير مقترح مشروع الجزيرة، كان ومنذ البداية يشكل هاجساً للفنيين والممولين، وجاءت الفكرة من المستر جارستن في عام 1906م عندما اقترح بناء خزان على النيل الأزرق وخروج قناة منه للاستفادة من مياه الفيضان في كل عام. ومن أهمية وجود خط سكة حديد يربط بين الخرطوم وسنار، وقدرت تكلفة المشروع المبدئية بثلاث مليون جنيه إسترليني وبفائدة سنوية قدرها 8%.

وقد أيد المستر دبيوي مدير الري في عام 1908م إمكانية قيام المشروع والقناة من الناحية الفنية مع إمكانية زراعة ثلاثة مليون فدان في المدى البعيد ورأى أن الخزان والقناة هما أمل البلاد الوحيد في قيام المشروع المقترح وقد وضح جلياً أن حكومة السودان في ظل مواردها الذاتية المتاحة تحقق هذا الهدف وبالتالي توفير التمويل الداخلي.

وفي عام 1904م اجتاح منطقة لانكشير – مركز صناعة النسيج في بريطانيا – القلق بسبب نقص الإمدادات من القطن الأمريكي الذي كانت تعتمد عليه المصانع لبريطانية بشكل كبير، وذلك بسبب التطور الكبير والسريع والمستمر في صناعة النسيج بأمريكا وتقلص الفائض للتصدير للخارج. وعلى إثر ذلك تقدمت وزارة التجارة البريطانية باقتراح محدد يقضي بالتفكير الجدي بتأسيس مناطق جديدة لإنتاج وزراعة القطن، واهتم التقرير بصفة خاصة بأرض الجزيرة بالسودان بصفتها صالحة للزراعة والقطن أكثر من مناطق مصر السفلى (الدلتا) والمساحة قدرت بعشرة أضعاف المساحة المزروعة قطناً في مصر، وأخذ الموضوع هذا اهتماماً متزايداً بعد ذلك خاصة بعد الارتفاع في أسعار القطن وتدخل اتحاد منتجي القطن البريطانيين، وفي ذلك العام ضمن موضوع القطن في خطاب العرش (الملكة).

في الفترة (1904-1906م) اهتمت حكومة السودان بالتجارب وفرغت من عمل كبير وهام وهو تسجيل الأراضي بمنطقة الجزيرة لتحديد ملكية الأراضي والتي تعتبر عملاً أساسياً للتمهيد لقيام المشروع، خاصة وقد تعاقبت على تلك المنطقة عدة ممالك ومشيخات منذ عهد الفونج والتركية والمهدية وتداخل القبائل ونزوحها وهجرتها مما أدى إلى التنازع في الملكية وأولوية الاستحقاق. وفي عام 1909م تدنت إنتاجية القطن المصري – الذي زاد من حدة قلق الحكومة البريطانية وشركات ومصانع لانكشير – وأدى ذلك إلى تشكيل لجنة من قبل اتحاد منتجي القطن البريطاني، والتي درست الموضوع من كل جوانبه وخرجت اللجنة بتصور بالغ الخطورة بمستقبل صناعة النسيج في بريطانيا وإثر ذلك اهتم القطاع الخاص البريطاني اهتماماً كبيراً بتطوير اللجنة واقترحوا بناء الخزان على النيل الأزرق بالسودان لزراعة نصف مليون فدان بأرض الجزيرة، وقد جاء في تقرير الحاكم العام البريطاني لعام (1909م) قوله ليست لدينا في الوقت الحالي التجربة الكافية والتمويل الكافي لبناء الخزان المقترح.



(4)
حتى عام 1909م ظلت عملية التمويل لقيام الخزان وشق القناة وتخطيط المشروع تقف عقبة كأداء أمام حكومة السودان. وخلال تلك الفترة (1910م) زار نائب رئيس منتجي القطن البريطاني وإثر عودته عقد اجتماعاً في مانشستر برئاسة عمدة المدينة ضم ممثلي أصحاب المصانع وعمال النسيج وحثهم على الضغط على الحكومة البريطانية للاهتمام بزراعة القطن بالسودان، وبالإجماع قرر الاجتماع تبني المشروع ومخاطبة وملاحقة الحكومة بالأمر.

في عام (1911م) جاء وفد إلى السودان برئاسة رئيس اتحاد منتجي القطن ببريطانيا مع اثنين من أعضاء الاتحاد لمزيد من التقويم في السودان وجاء تقريرهم مؤكداً ومؤمناً إمكانية إنتاج مليون بالة من القطن على المدى البعيد، واطمأن على أن التجارب التي أجريت برهنت أنها كانت ممتازة إذا بلغت إنتاجية الفدان ثمانية قناطير وخمسة ونصف قنطار في المتوسط وفي ذلك العام نجح اتحاد منتجي القطن البريطاني بإقناع حكومة السودان على تحويل كل التجارب لإدارة الشركة ودخل الاتحاد كمساهم بشراء خمسين ألف سهم الذي أهل الاتحاد لعضوية مجلس لإدارة الشركة.

ولكن حكومة السودان قابلت الأمر بنوع من البرود والتردد في التعامل مع القطاع الخاص – خوفاً من المشاكل التي سيسببها مستقبلاً لها في تعامله مع المزارعين وملاك ا|لأراضي – وكان رأي الجنرال كتشنر (حاكم عام السودان) آنذاك ومنذ البداية أن المشروع لا يمكن أن يقوم إلا عن طريق تمويل من المصارف البريطانية بضمان من الحكومة البريطانية لحكومة السودان. وفي عام 1911م كتب للخارجية البريطانية بإمكانية تنفيذ المشروع بواسطة الشركة خاصة وكانت تلك رغبة بعض الدوائر في القطاع الخاص ولكن كانت لديه تحفظات وتخوفات وخاصة في دور توزيع مياه الري وآثار خطورة ترك الشركة ومنحها حق التصرف في مياه النيل واقترح أن تقوم حكومة السودان بمشاريع الري الكبرى أسوة بمصر.

ووجد الاقتراح القائل بمنح حكومة السودان قرضاً بضمان الحكومة البريطانية قبولاً في معظم الدوائر ومثل هذا الوضع سوف يبعد شبح إلقاء عبء على دافع الضرائب البريطاني والخزينة البريطانية، وفي ذلك أيضاً إبعاد عن الفكرة التي طرأت من الحكومة المصرية بتمويل المشروع لإخضاعه لسيطرتها، وفي الوقت ذاته فقد صرفت الخزينة المصرية أموالاً طائلة على السكة الحديد ودعم ميزانية حكومة السودان.

قام وينجت نائب حاكم السودان العام باتصالات خاصة مع الحكومة البريطانية، حيث عبر عن عميق أسفه لتردد الحكومة البريطانية في مساعدة السودان وأكد ضرورة القرض، واتفق مع رأي كتشنر على أهمية إبعاد مصر عن تمويل المشروع. وكانت الحكومة المصرية قد دفعت مبلغ أربعة ملايين جنية خلال الفترة (1889-1910م) للسكة حديد لدعم الميزانية وفي الوقت نفسه كان واضحاً أن مصر لن تساهم في مشروع ينافس القطن المصري ويبدد مياه النيل المبلغ الأولي المطلوب في حدود خمسة مليون جنيه ثلاثة للمشروع ومليون لخط السكة حديد ومليون ترد إلى البنك الأهلي حيث أخذت منه كسلفية.

وفي عام 1912م دافع اتحاد أصحاب المصانع البريطانيين دفاعاً حاراً عن المشروع المقترح يكفي بريطانيا من الأقطان لمدة تزيد عن الخمسين عاماً على الأقل وأوضحوا أن بالسودان تجارب كما أن السودان عرف زراعة القطن منذ عدة عقود وليس الأمر بداية من الصفر كما يتصور بعض الناس وطالبوا الحكومة البريطانية بمنحهم مبلغ مائتي ألف جنيه إسترليني لتصرف على التجارب والبحوث. كما طالبوا بتخصيص مبلغ مليون جنيه لمشروعات الري.

وتعرضت الحكومة البريطانية لضغوط شديدة وصرحت بأنه ليس في مقدورها توفير الأموال اللازمة للتمويل ولكنها على استعداد لضمان حكومة السودان لجمع قرض من المؤسسات المالية والتي كانت أساساً مهيأة لتقديم مثل هذا القرض وكان الاقتراح ضمان ثنائي يصدر من بريطانيا ومصر مرة أخرى رفضت حكومة السودان هذا الاقتراح بصورة قاطعة، ثم حدثت الكثير من المتغيرات أدت إلى نشوب أزمة بين كتشنر حاكم عام السودان والحكومة البريطانية.

وفي عام 1912م بلغت لانكشير القمة في تصنيع واستهلاك المادة الخام من القطن حيث بلغت اثنين ألف ومائة مليون رطل (21 مليون قنطار) وصدرت سبعة عشر ألف مليون ياردة نسيج وبلغت النسبة (80%) ثمانون بالمائة من الإنتاج للتصدير وهذه التطورات كانت بمثابة مؤشر بأن لا مجال للنقاش في الأمر بعد ذلك – وأوفد الاتحاد وفداً يمثل الرأسمالية البريطانية والعمل لمقابلة رئيس الوزراء البريطاني وطلب ضمان للقرض المطلوب والبالغ قدره ثلاثة مليون لحكومة السودان لتشرع فوراً في قيام مشروع الجزيرة لضمان زراعة القطن وتزويد المصانع البريطانية.


(5)
ويمكن القول بأن مشروع الجزيرة كان نتيجة لجهود متعددة تضافرت جميعها أهمها جهود حكومة السودان واتحاد منتجي القطن البريطاني وعمال صناعة النسيج ببريطانيا والتي بلغت أوج قمتها في عام 1913م وكانت السبب المباشر في جعل المشروع حقيقة واقعة وحصلت الحكومة على القرض المطلوب.

ففي عام 1911م بدئ بزراعة التجارب لمحصول القطن بتفتيش طيبة بالقسم الأوسط بالجزيرة في شكل مشروع استطلاعي يروي بالطلمبات. وفي عام 1913م بعد التأكد من صلاحية التربة ونجاح التجارب صدق نهائياً ببناء خزان سنار ولكن لتدهور قيمة النقد في أعقاب عام 1914م نشأت صعوبات مالية والشيء الوحيد الذي أنقذ المشروع من الفشل هو الملاحقة والضغوط من عدة جهات وبخاصة المؤسسة البريطانية لزراعة القطن. وبدأ بناء الخزان في عام 1914م ولكن بسبب قيام الحرب العالمية الأولى تأخر إتمام بنائه حتى عام 1925م وفي نفس الوقت أقيمت ثلاث مشاريع تروى بالطلمبات في أجزاء مختلفة من المنطقة الوسطى بالجزيرة وفي تلك المشاريع أعدت النظم لدراسة وتطبيق الخبرة اللازمة وإجراء التخطيط ونظم الإدارة الحديثة الذي أصبح أساساً للتنظيم الذي أتفق عليه نهائياً على نظم مجربة وعلى أيدي عمالة تحمل خبرة بالعمل وبجانب ذلك أنشأت مصلحة الأبحاث الزراعية في عام 1918م والتي ساهمت بقسط كبير في قيام ونجاح زراعة القطن.

وفي عام 1922م وهو عام ركود اقتصادي وافقت الحومة البريطانية على ضمان قرض آخر بقيمة ثلاثة مليون ونصف جنيه إسترليني رغم الظروف الصعبة.

وفي عام 1924م ومن واقع التجربة والتكلفة الحقيقية أتضح أن القرض الإضافي لا يكفي وتمت الموافقة مرة أخرى بقرض مساوي للأول وأصبح المبلغ الكلي ثلاثة عشر مليون جنية إسترليني. واشترطت الحكومة البريطانية أن تحصل حكومة السودان على ضمان من الشركة أن كل قطن الجزيرة يعرض في بريطانيا مع إمكانية تحديد سعر أعلى للقطن وذلك في محاولة لمنع الشركة وأي جهة أخرى للسيطرة على القطن طويل التيلة. ولكن الطلب رفض من قبل حكومة السودان ومن قبل وزارة التجارة البريطانية لأنهم رأوا في ذلك احتكار لا مبرر له وأنه يضر بالمزارع، كما أنه يقضي على فكرة التجارة الحرة التي تنادي بها بريطانيا وأوربا.

قيام المشروع:-

عام 1925م يعتبر عام الثورة الزراعية الكبرى لأن في هذا العام اكتمل قيام مشروع الجزيرة – على نسق أوربي في كل الأوجه الإدارية والتنظيمية ورأس مال أجنبي، وقيام خزان ضخم للري ورقعة زراعية مساحتها (ثلاثمائة ألف فدان) قسمت إلى حواشات كل حواشة عشرة فدان وحددت الملكية بحواشة واحدة واثنين كحد أقصى ولكن في الواقع بلغ عدد الحواشات للشخص الواحد في بعض الحالات حوالي ثمانية عشر حواشة. وكان من أوجه تنظيم المشروع إلى إدارة زراعية ومرابيع بالمربوع ألف وخمسمائة فدان وهو مقسم إلى تفاتيش وفق خطة منظمة ومحددة بمواقيت تفصيلية ومنضبطة لعمليات (الحرث والزراعة والحش واللقيط والحريق والنظافة والرش.. الخ) وكان القطن يعطى الأفضلية في الري وصارت وحدة الدورة الزراعية (نمرة) وتبلغ مساحتها تسع حواشات تروى جدول رئيسي (أبو عشرين) وجدول صغير داخلي (أبو ستة) وبجانب عشرة أفدنه للقطن كانت هناك فدانين ونصف للذرة ومثلها للوبيا والنوعان الأخيران (الذرة واللوبيا) يزرعان بطريقة متناوبة سنوياً وذلك بضمان قيام الدورة الزراعية والتي تعتمد على تبادل الأرض بين المحصولات المختلفة بالإضافة إلى ترك مساحات بدون زراعة (بور) لمدة عام أو عامين وذلك للمحافظة على مستوى خصوبة التربة والتخلص من بعض آفات وأمراض القطن والقطن عادة يروى مرة كل خمسة عشر يوماً ويستهلك الفدان الواحد ما يقارب من 450 م مكعب من الماء ويتعاطى القطن حوالي خمسة عشر ريه والذرة ثلاثة إلى أربعة ريات واللوبيا (4-8) ريات ويحتاج القطن إلى عناية فائقة حيث تباد كل الحشائش وتحارب الآفات الحشرية والتي تحتاج إلى معالجات كيميائية (الرش) يدوياً وبالطائرات وتتابع عمليات الحرث والزراعة في مواقيتها وتراقب مراقبة جيدة وأي تقصير في أي من تلك العمليات من الحرث إلى جني تعرض صاحب الحواشة إلى عقوبات تصل إلى مرحلة نزع الحواشة.

أبونبيل
28-07-2007, 11:10 AM
(6)

بعد اكتمال المشروع عام 1925م اعتبر صمام الأمان ضد التقلبات الاقتصادية وكل التعليقات عبرت الأمل والتفاؤل باستثناء جريدة التايمز اللندنية التي عبرت عن تشاؤم عميق اتجاه المشروع فمن رأيها أن هذا التنظيم الأوربي الحديث المكتمل لن يستمر بهذه الصورة والخيال يعجز عن تصور ما سوف يحدث في المستقبل خلال العشرين أو الخمسين سنة القادمة، وتساءلت الجريدة هل ستصبح الشركة متعهداً أو وكيلا للمزارع المالك، أم سيتحول المشروع برمته إلى مؤسسة تعاونية تعمل علي الاحتفاظ بهذا التنظيم المعقد ؟ وإزاء هذا كان من رأي الجريدة أن الوضع السليم هو تعليم السكان أساليب تؤدي إلى زيادة الإنتاج وليس تحويلهم إلى أدوات إنتاج في تنظيم أوربي معقد ونادت الجريدة بزيادة مساحة القطن وزراعته في الأراضي المطرية، ولكن ظروف قلة السكان والخبرة والتجربة وعدم توفر الروح التجاري بين المزارعين أدى ذلك إلى اللجوء إلى عمليات السلفيات لتحريك عملية الإنتاج وارتباط الإنتاج بالربح من اجل سداد المبالغ المستحقة.

وكانت حكومة السودان متهمة بصورة ملحوظة بالأرباح والعائد السريع وليس بالسياسة التي نادت بها صحيفة التايمز التي تهدف إلى التحرك البطيء من اجل رفعة وطموحات لمستوي معيشي أفضل خاصة بالنسبة للمزارعين التقليدين.

وكتبت جريدة الديلي ميل البريطانية في ردها علي التايمز تقول أن البعض يرون أن الشركة ستستفيد وربما لذلك إذا ساعدها الحظ والواقع يشير إلى أن المزارع سيستفيد أكثر من غيره والتنظيم المعقد أمر لا مفر منه، لان زراعة القطن تختلف زراعة المحصولات التي تعود عليها المزارع السوداني والتي تحتاج إلى عناية مكثفة تحت إشراف فني مؤهل ولهذه الأسباب كان لابد من تأسيس الشركة البريطانية وساندت الصحيفة قيام الشركة ونظمها المقترحة لإدارة المشروع.

في عام 1924م بلغت الرقعة المزروعة خمسة وثمانين ألف فدان قطناً ربع هذه المساحة كانت بمشروع الجزيرة وبلغ دخل القطن 617 ألف جنيه وفي العام التالي( 1925م) قفزت المساحة إلى مائتين وخمسين ألف فدان وتحت السيطرة الكاملة لمشروع الجزيرة. وصادف هذا ارتفاع أسعار القطن وبلغ العائد أكثر من اثنين مليون جنيه وأصبح القطن يمثل أكبر نسبة للصادرات حيث بلغت 26% وفي عام 27/1928م بلغت النسبة 71% في عام 1929بلغت 76%.

علاقات الإنتاج:

بعد الحصول علي القروض بضمان حكومة السودان، أصبح ترك المشروع للشركة وإدارته والتحكم فيه بصورة مستقلة أمر غير وارد، والحكومة بوصفها الممول للمشروع لابد لها من القيام بدور هام في الإدارة وبالتالي الحصول علي ربح من العائد، وقد ساور القلق كتشنر وونجت من ترك المشروع نهائيا لشركة الزراعية وقال ونجت سيصبح السودان بمرور الوقت روديسيا وستصبح الشركة مسيطرة وصاحب سلطة ربما يمكنها من الحصول عليCharter (امتياز) من الحكومة، كذلك الخوف من احتمال سلفيات الشركة للمزارعين حيث تبلغ المديونية رقماً هائلاً شبيه للوضع في مصر يؤدي في النهاية إلى إثارة الاضطرابات وعدم الاستقرار والتمرد بل الثورة وكان السؤال كيف يمكن للحكومة أن تعيد سيطرتها واخذ زمام المبادرة من الشركة ؟

استعانت الحكومة بخبيرين أحدهم قانوني والثاني اقتصادي (كري وكارتر) وطلبت منهما دراسة الموضوع والتقدم لها بمقترحات مجددة وكان رأيهما أن تسترد الحكومة طيبة من الشركة وعلق ونجت علي هذا الاقتراح بقوله " انه فيه شيء من العنصرية للخروج من المأزق "

وفي عام 1913م سيطرت الحكومة علي طيبة وآلت المسؤولية علي قسم الزراعة ودخلت الحكومة مفاوضات من الشركة للوصول إلى اتفاق، والحكومة لم يكن في إمكانها تجاهل الشركة، خاصة وان الشركة فرع من فروع اتحاد منتجي القطن في بريطانيا، وسيطرة الحكومة علي الوضع لم يكن القصد منه إقصاء الشركة نهائيا إنما الهدف منه وضع اللائق بها وتحسين موقفها ونتيجة للمفاوضات التي أجريت بين الجانبين توصل الطرفان إلى اتفاق في أغسطس 1913م بتوزيع العائد الإجمالي علي أساس نسب:35%للحكومة 25% للشركة40% للمزارع.

الـ 35% للحكومة الغرض منها مساعدة الحكومة لدفع فوائد علي القروض وصيانة أعمال الحفريات وقنوات الري ودفع إيجار الأرض للسكان والـ 25% للشركة كانت لمقابلة تسويق القطن ودفع الرواتب والباقي أرباح لها والـ 40% للمزارع يدفع منها تكلفة العمالة الموسمية وتكلفة قنوات الري الداخلية والقنال الخارجي – أي كل تكاليف الحفر للقنوات ودفع ثمن الحيوانات المستخدمة في الحراثة وما يبقى للمزارع ( الحصاد والزراعة ).

والشركة كان عليها إيجار الماكينات للزراعة والحراثة والحصاد وهذه التكلفة تجمع وتقسم بين المزارعين والمجلس التنفيذي والرأي السائد أنها مستمرة من واقع الحياة السودانية والأعراف السائدة في المجال الزراعي قبل المشروع. ويري جيتسكل في هذا الاتفاق انه قوبل بارتياح بالغ من الحكومة لأنه ينطوي علي حماية تامة للمزارع وانه يدخل الحكومة والمزارعين في شراكه حقيقة في السراء والضراء وينال كل فريق نصيبه من الأزمات.


(7)

مع علاقات الإنتاج:

على إثر نشر الاتفاق الجديد في توزيع العائد بالنسب الموضحة (35%) للحكومة و (25%) للشركة و (40%) للمزارع.. وقوبل هذا الاتفاق بالسخط وعدم الرضا من المزارعين والذين لم تتح لهم فرصة المشاركة أو الأداء برأيهم في هذا الأمر الحيوي الهام والذي يتعلق بمستقبلهم وحياتهم ومستقبل المشروع نفسه وخاطب مدير الشركة في يوليو 1913م المفتش في طيبة (عليك إخطار المزارعين بالوظيفة الجديدة وأن حصتهم ستكون (40%) ويجب ألا يحاطوا علماً بالنسب الخاصة بالحكومة أو الشركة تفادياً لحدوث ردود فعل ومشاكل. ولكن بمجرد أن عرف المزارعون بتلك النسب ترك الكثيرون منهم العمل بالمشروع ورفعوا مذكرة للحكومة مطالبين بالنظام القديم الذي يعتمد على (الإيجار) فكان أول إضراب واعتراض بالمشروع وأبدى بعضهم رغبته في التنازل لقاء تعويض مناسب، وأكدت التقارير الخاصة بمديرية النيل الأزرق الإجحاف الذي طال المزارعين من هذه القسمة المجحفة وغير العادلة وذكر مدير مديرية النيل الأزرق في تقريره أن المزارعين على وعي تام بمصالحهم والشعور بأنهم ظلموا وقال أحدهم ربما يزج بنا غداً إلى السجون – ورغم تعاطف مدير مديرية النيل الأزرق مع المزارعين المبنية على الحقائق الواضحة إلا أن الحكومة والشركة رفضوا أي مناقشة أو تغيير للاتفاق ووضح ومنذ البداية أن علاقة الإنتاج لم تكن في صالح المزارعين بأن كانت على النقيض تماماً. وكانت بداية لازمة حقيقية استمرت بين المزارعين والإدارة منذ ذلك الوقت المبكر وتعاقبت الإدارات وظلت تلك الأزمة قائمة وحتى يومنا هذا وكان الذين هجروا المشروع من المزارعين أكثر بكثير من الذين واصلوا العمل بالشروط الجديدة ولكن لم يحدث فراغ وذلك لوجود مجموعات وافدة لمنطقة الجزيرة جاءوا بعد قيام المشروع واستقروا حول قرى المشروع ولم يترددوا في قبول الوضع الجديد.

أول إضراب لمزارعي الجزيرة:

شهد اليوم التاسع من نوفمبر 1913م أول حركة للمزارعين نتيجة رفضهم لاتفاق الحكومة والشركة ونسب توزيع الأرباح وكان ذلك الاحتجاج بمحطة طيبة التجريبية عندما توقف المزارعين عن العمل وسيروا موكباً إلى مدينة ودمدني واعتصموا بمباني المديرية وتقدموا بعريضة طالبوا فيها بالعمل بنظام إيجار الماء الذي كان متبعاً من قبل – وقد علق مدير المديرية بقوله: " إن أولئك البسطاء يعرفون مصالحهم جيداً وكان ينبغي استشارتهم قبل الإقدام على العلاقات الجديدة للإنتاج وأضاف لابدّ من أخذهم بالحيلة واسترضاء زعمائهم وربطهم بالشركة فأصبح ذلك المنهج أساس السياسة التي سارت عليها الحكومة والشركة.

مساندة المزارعين:

لم يغفل ثوار 1924م أمر مشروع الجزيرة ومزارعوه ففي منشوراتهم التي تناولت مظالم المستعمر استنكروا نزع ملكية الأراضي من أصحابها وإعطائها للشركة البريطانية بإيجار بخس.

وعند ظهور الحركة الوطنية في الثلاثينات اهتم روادها بمشروع الجزيرة وانصب هجومهم على الشركة ولعبت جمعية ودمدني الأدبية التي تأسست بنادي الموظفين بعاصمة الجزيرة مدني خلال السنوات 30/1932م دوراً هاماً في توعية المزارعين وحثهم بالمطالبة بحقوقهم وكان على رأس تلك الجمعية وروادها الأوائل أحمد خر المحامي (فيما بعد) وإسماعيل العتباني وحماد توفيق ومدثر البوشي وإبراهيم أنيس وحسن نجيلة وعبد الله عبد الرحمن نقد الله ومحي الدين مهدي ومحمد أحمد سليمان وحسن محمد يسن ومصطفى الصاوي والطاهر النيل وعلي نور وأحمد مختار ومحمد عامر بشير (فوراوي) وطه صالح وغيرهم.

وكانت الجمعية تقدم المحاضرات وتحث المزارعين وتطالبهم بالاعتماد على أنفسهم وأسرهم في مباشرة أعمال الزراعة وعدم الاعتماد على الوافدين وطالبت الحركة الوطنية في ذلك الوقت بإحلال السودانيين في وظائف البريطانيين في إدارة المشروع وإخراج الشركة نهائياً من المشروع.


(8)

حساب الاحتياطي:

ابتدعت الشركة نظاماً جديداً في عام 1935م عندما تم الاتفاق بين الحكومة والشركة لفتح حساب سمي حساب الاحتياطي للمزارعين وبدأت الاستقطاعات من المزارعين ومن دخلهم المحدود لحل مشكلة الدين وازداد الموقف سوءاً بسبب هذه الاستقطاعات الجديدة وأسوا من هذا كان الاتفاق قد تم سراً بين الحكومة والشركة وغياب المزارعين أصحاب الوجعة الحقيقية واستمر الاتفاق سراً بين الحكومة والشركة وفي طي الكتمان بعيداً عن أعين المزارعين حتى عام 1946م ولأول مرة وعن طريق أحد كبار موظفي الشركة من السودانيين وهو الأستاذ مكي عباس عرف المزارعون في قرية الطلحة أن هناك حساب احتياطي وبه مبلغ يزيد عن المليون وثلاثمائة ألف جنيه فتحرك المزارعون بالطلحة وأرسلوا وفداً ومندوبين للاتصال بالمزارعين بمدن وقرى المشروع وإبلاغهم بالنبأ استعداداً للتحرك الجماعي للمطالبة بحقوقهم المغتصبة.
وعلى صعيد آخر وبعد قيام مؤتمر الخريجين الذي نبعت فكرته من جمعية ودمدني الأدبية والتي كان مقرها بنادي الموظفين بمدينة ودمدني عاصمة الجزيرة. وقام قادة المؤتمر: إسماعيل الأزهري وأحمد خير وخضر حمد بالطواف على قرى الجزيرة لتعبئة المزارعين للوقوف معهم حيث طالب أيضاً الخريجون في مذكراتهم الشهيرة في عام 1942م بإنهاء امتياز الشركة.

وفي فترة وجيزة ودون قيادة منظمة أصبحت حركة المزارعين قوة ضاغطة – وفي مايو 1946م عقد ما يشبه الاجتماع العام بودمدني إذ حضره مناديب من معظم تفاتيش المشروع وأقسموا على الإضراب إن لم تدفع لهم الأموال المناسبة من أموال الاحتياطي وبعد الاجتماع خرجوا في مظاهرة تصدى لها البوليس فسقط بعض الجرحى واعتقل بعضهم، وقد أثار هذا الموقف الرأي العام السوداني وشده لمتابعة الموقف، وأدى ذلك إلى تكاتف وتعاضد المزارعين وقررت الحركة إرسال وفد من أربعين مندوباً يمثلون كل التفاتيش لشرح وجهة نظرها ومتابعة الحلول مع المسؤولين بالخرطوم.

حاولت الحكومة إثناء المزارعين ووقف الإضراب وذلك عن طريق تدخل الزعماء الدينيين الطائفيين السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني والشريف الهندي والإدريسي في محاولة للتأثير عليهم والعودة إلى الحواشات ولكن باءت كل المحاولات بالفشل الذريع واستمر الإضراب.

واتجهت أنظار المزارعين نحو المثقفين وكانت الحركة الوطنية على أشدها وبادر زعماء حزب الأشقاء وصعدوها واتصلوا بقادتها وعلى رأسهم الشيخ أحمد دفع الله من قرية الصالحة وعمل الأشقاء على تكوين لجنة من المزارعين طافت قرى الجزيرة لتوعية المزارعين للتمسك بحقوقهم وانتزاعها وتوحيد كلمتهم وموقفهم. وواصل الأشقاء بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري بإطلاع الرأي العام على معاناة مزارع مشروع الجزيرة واستثمر الأشقاء ذلك الإضراب في مقاومة الاستعمار وضد المجلس الاستشاري لشمال السودان الذي قاطعة حزب الأشقاء – ورغم كل الوساطات والحلول التي عرضت استمر الإضراب طوال يونيو – يوليو 1946م وتوقف حوالي 75% من المزارعين عن العمل رغم الضغوط التي باشرتها إدارة المشروع نحوهم وخلفها الإدارة البريطانية من أجل عودتهم إلى مزارعهم وتبني المؤتمر القضية وتقدم بمذكرة مدروسة. وملخص رأي المؤتمر أن المشكلة الأساسية هي المديونية ولا يمكن الحل إلا بعد حصول المزارعين على حوالي أحد عشر ونصف جنيه أي ما يعادل دفع حوالي أربعمائة ألف جنيه من مال الاحتياطي للمزارعين وعارضت الشركة هذه الفكرة.

وكان جتشكل ممثل الشركة – ورغم أفكاره المتحررة نسبياً عرض الفكرة ودافع عن عدم استشارة المزارعين عند تأسيس مال الاحتياطي وذلك بقوله أنهم لو استشيروا لرفضوا وشبه المزارع بطفل في الثامنة من عمره إذا أعطي مبلغاً من المال بمناسبة عيد ميلاده وطلب منه إيداع جزء من المبلغ في صندوق ادخار لرفض لأنه يفضل أن يشتري بكل المبلغ شكولاته.

وكان رأي جتشكل أن الحل ليس في زيادة المال المتداول وذلك لأن تأثيره سيكون سيئاً ويزيد من التضخم والحل في رأيه إقناع المزارعين بضرورة العمل الجاد والاستعانة بذويهم والتعاون مع العمال للحد من المصروفات المتزايدة وبالتالي زيادة الدخل ومن رأيه أيضاً أن ربح المزارع كان كافياً لاحتياجاته.


(9)

رأي الحكومة:

على إثر الأزمة التي نشبت بين المزارعين وإدارة المشروع خاصة فيما يتعلق بأموال الاحتياطي والتكتم والسرية التي تعاملت بها إدارة المشروع لهذا الموضوع كان للحكومة رأي ممثلاً في شخص السكرتير المالي فكان من رأيه أن مزارع الجزيرة له قضية ولابدّ من مساعدته مالياً إضافة إلى أن المزارعين محقين في نقدهم للحكومة بالنسبة للسرية والتكتم على حساب الاحتياطي. ومن رأيه أيضاً أن الأحوال تغيرت والوعي قد زاد ولابدّ من سياسات جديدة تحل محل النظرة القديمة ولابدّ من منح المزارع دوراً أكبر في الإدارة واقترح تكوين مجلس أو هيئة للمزارعين تكون إدارة استشارية ولكن بالنسبة للدفع من الحساب وقف بجانب إدارة الشركة مدعياً أن هذا سلطة الشركة واقترح أن تدفع خمسة جنيهات لكل مزارع من حساب 1945م للحواشة مبلغ مشابه يدفع في عام 1946م.

كان من رأي الحكومة والشركة أن الحساب مقيد كما هو لأنه يخدم أغراضهما الاثنين ولكنه يضعف المزارع ويهضم حقه، ولا تود الحكومة ولا الشركة إضعاف حساب الاحتياطي أو الأخذ منه وتخشى الحكومة من منح المزارعين أموالاً خوفاً من تدفق السيولة والتضخم والصرف الاستهلاكي على الكميات.

وكان المثقفون الذين ساندوا المزارعين في انتزاع حقوقهم من الشركة والحكومة يرون أن التضخم ليس مسؤولية المزارعين وأن المال مال المزارعين ومن حقهم الحصول عليه أو على جزء منه وكانت الحكومة تحاول تفادي أي مواجهة مع المزارعين ولذلك كونت لجنة خاصة للنظر في الأمر، وأوصت تلك اللجنة بدفع مبلغ مائتي ألف جنيه من مال الاحتياطي ولكن الشركة رفضت التوجيه والحكومة اقترحت مبلغ (132 ألف جنيه) وعلى أساس القنطار وليس الحواشة وأصرت الحكومة على موقفها.

إنهاء الإضراب:

لاعتبارات قومية من جهة ومسائل وحسابات تنظيمية وواقعية من جهة أخرى مثل صعوبة التحكم في إضراب لفترة تزيد عن الشهرين لمجموعة (2500) مزارع يمتدون على مساحة أرض الجزيرة الشاسعة وصعوبة وبطء الاتصالات بين القيادة والقاعدة. وتدخل الحكومة وإدارة المشروع والضغوط التي مارسها الزعماء الدينيون على قيادات المزارعين وغير ذلك من الاعتبارات وإزاء هذه الحسابات قرر حزب الأشقاء بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري والذي كان يدير المعركة مسانداً للجنة المزارعين وقيادتهم رفع الإضراب ودعوة المزارعين للعودة إلى حواشاتهم.

تامين المشروع:

في أواخر الثلاثينيات من القرن المنصرم بدأ التفكير حول مستقبل مشروع الجزيرة وكان رأي المسؤولين في الحكومة تجديد الاتفاقية مع الشركة لإدارة المشروع وأكد السكرتير المالي لحكومة السودان أهمية الوضع على أساس:-

أن المسؤولية المالية بالمشروع كبيرة خاصة وهي مثقلة بالديون (ديون المزارعين) وديون الحكومة المصرية التي تبلغ خمسة مليون جنية إضافة |إلى المسؤولية المالية تجاه الشركة التي تتكلف أيضاً أعباءً مالية كبيرة وكان رأيه أن يستمر الوضع كما هو، وفي حالة تجديد العقد أو الاتفاق كان من رأيه أيضاً أنه لابدّ للشركة من تأسيس خدمات اجتماعية بالمشروع. وعلى هذا الأساس توصل |إلى اتفاق سمي "Schedule x " (جدولX ) وذلك في عام 1938م.

وفي عام 1942م تقدم الخريجون بمذكرتهم الشهيرة وطالبوا فيها ضمن مطالبهم بتصفية الشركة وإنصاف المزارعين وسودنة الوظائف القيادية والإدارية بالشركة. وفي عام 1944م قررت الحكومة عدم تجديد الاتفاق مع الشركة على أساس أن الأوضاع السياسية قد تغيرت كلياً وأصبح تحويل السلطات للسودانيين بصورة تدريجية وفي نفس الوقت كانت الحكومة في وضع مالي صعب، وأي محاولة لتجديد العقد يعتبر بمثابة مغامرة مالية وسياسية غير مضمونة العواقب.

وأخيراً تم التوصل إلى صيغة جديدة إدارة المشروع تتمثل في مجلس إدارة يمثل كل المصالح الحكومية العاملة بالمنطقة مثل الصحة والتعليم والزراعة ومهمة المجلس تحديد السياسة العامة والتنسيق بين الوحدات الحكومية المختلفة وعدد المسؤولين حدد بسبعة أعضاء (الديوانيين) بالإضافة إلى خمسة أعضاء من السودانيين اثنين من المثقفين وثلاثة يمثلون مزارعي الجزيرة.

كانت سياسة الحكومة من خلال مداولات المجلس الاستشاري لشمال السودان (1944م) ثم الجمعية التشريعية (1948م) وتوجيهاتها للشركة تتمثل في إتاحة الفرصة للسودانيين المتعلمين العاملين بالمشروع بترفيعهم لاحتلال مناصب إدارية هامة وتدريبهم على تولي المسؤوليات وكانت هناك مجموعة من هؤلاء الموظفين السودانيين الذين التحقوا بخدمة المشروع خاصة أولئك الذين استوعبوا من قوة دفاع السودان.

(10)

أهم مظاهر التأميم:

كان من أبرز فوائد التأميم بالنسبة للمزارعين إلغاء نصيب الشركة والذي يبلغ (20%) من الأرباح، كما تم إلغاء الفائدة على سلفيات المزارعين – التي كانت ترهق كاهل المزارع – أيضاً البداية في الخدمات الاجتماعية التي خصص لها 2% من دخل المشروع كحد أدنى وأصبحت الحكومة هي المالك الحقيقي للمشروع ولكنها كانت تملك حق الفيتو في الكثير من القضايا فمن ذلك إصرارها على عدم منح المجلس سلطة تحديد السلفيات للمزارعين كما أن التأميم أنهى وجود الشركة.

ونجم عن التأميم بعض السلبيات التي برزت على السطح كان أبرزها: أن الإدارة الجديدة بحكم استعدادها المظهري مالياً وإدارياً جعل من المجلس ومعاونيه طبقة قائمة بذاتها – وقاد ذلك إلى شبه فساد – وصرف النظر عن قضايا هامة وكبيرة مثل قضية تطوير المشروع وتوسعته وتحديثه ومكننته وهي القضايا التي كان يتوقع أن يوليها المجلس جل اهتمامه. كما أن تعيين المحافظ من قبل الحكومة جعل الوظيفة القيادية سياسية بالدرجة الأولى وبالتالي خضعت لاضطرابات وتقلبات السياسة ولا غرابة أن تلاحظ أن المحافظ ربما يحصر كل تفكيره في كيفية البقاء في منصبه وإرضاء الحكومة وتطبيق سياساتها حتى وإن كانت غير مصلحة المزارع.

كما انعكس سلباً عدم التأهيل والإدارة لبعض الكوادر السودانية في بعض المناصب القيادية والذين حاول بعضهم أن يغطي جهله بالغطرسة والتعالي وساءت المعاملات في بعض الأحيان مع المزارعين ورأى المزارعون في بعض هؤلاء ما لم يروه في الإداري البريطاني. حيث أصبحت تعقد المقارنات والتي جاءت في كثير من الحالات في مصلحة الموظف البريطاني !! ولهذه الأسباب ولغيرها ألمت بالمشروع كشراكه نوع من المبالغة – فقبل عام 1950م يمكن القول بأن هناك شراكه حقيقية ولكن بعد ذلك لم يكن هناك شراكه بين الحكومة والمزارعين حيث أصبح المشروع ملك للدولة (الحكومة).

ومن الخطأ القول أنه خلال تلك الفترة التي أعقبت قيام المشروع تحول سكان المنطقة (الجزيرة) من مجموعات فقيرة متخلفة إلى مجتمع زراعي يعتمد على النمط التقليدي – تحول هذا المجتمع إلى مجتمع رفاهية يعيشون حياة اجتماعية واقتصادية متوازنة. فمثل هذا الحديث يمكن أن يكون صحيحاً بالنسبة لكبار الملاك وهم قلة ولكنه بكل تأكيد لا يمثل الأغلبية من الصغار الملاك الذين يعيشون تقلبات مستمرة في أحوالهم المعيشية.

إدارة مشروع الجزيرة:

قدمت لجنة كونتها الجمعية التشريعية في عام 1949م تقريراً تناول مستقبل إدارة مشروع الجزيرة، وقد رأت اللجنة أهمية تأهيل وتدريب السودانيين العاملين بإدارة المشروع لتولي الوظائف القيادية في مجالات الإدارة والإشراف الزراعي والخدمات الاجتماعية ولم تتحمس كثيراً إدارة المشروع لهذه التوجيهات ورأت أن تطبيقها ربما يؤثر في الوضع وفي موقف ضباط الغيط البريطانيين ويجعلهم قلقين على مستقبلهم وعملهم في المشروع، كما أن اللجنة قد وجهت أيضاً باختيار مجموعة من السودانيين العاملين وإلحاقهم في وظائف مساعدي مديرين ليكتسبوا الخبرة اللازمة من المديرين البريطانيين وليحلوا محلهم في المستقبل حتى لا يحدث أي فراغ أو خلل.

وكان رأي جتشكل – المدير البريطاني للمشروع – أن الخبرة البريطانية في إدارة المشروع وتصريف شؤونه لم تأت بين عشية وضحاها وأن تلك الخبرة جاءت نتيجة عمل دءوب ومتصل شمل الحقل والمكتب والقرية والمزارع نفسه – واستمر يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام وقد رأى استبعاد هذا الاقتراح لعدم واقعيته !! ويرى أنه ليس أمام هؤلاء المساعدين المرشحين إلا الصعود من بدايته خطوة بخطوة ولا مكان للقفز وتخطي الحواجز لبلوغ الغايات !!

كان الاهتمام دائماً منصباً على الخبرة في تعيينات الوظائف بمشروع الجزيرة وخاصة وظائف مفتشي الغيط فكانت الخبرة وحسن التصرف والسيرة الحميدة تأتي قبل المؤهلات الأكاديمية والعلمية – وعندما أتيحت الفرصة للسودانيين لوظائف مفتشي الغيط تقدمت أعداد منهم فكانوا من المعلمين والجمارك والسكة حديد والحكومات المحلية والصحة وكان يبلغ عدد البريطانيين الذين يعملون مفتشي غيط حوالي المائة – ونسبة لاستقالة مجموعات من هؤلاء وجد السودانيون فرصتهم في التعيين كما وجد السودانيون أيضاً فرصتهم في الوظائف الإشرافية والإدارية العليا نتيجة لترك البريطانيين لوظائفهم والعودة إلى بريطانيا بعد التأميم وإنهاء عقد الشركة في عام 1950م، ومن ثم جاءت السودنة رغم أن المشروع بدأ في السودنة قبل لجنة السودنة المركزية وكان جتشكل مدير المشروع قد ترك الخدمة في عام 1951م وما حلّ عام 1955م حتى أبدت قلة من البريطانيين مغادرة مواقعهم بالمشروع بما فيهم البريطانيون العاملون بمحطة الأبحاث الزراعية بمدني.

أبونبيل
28-07-2007, 11:14 AM
(11)

الشركة الزراعية:

الشركة الزراعية هي الشريك الثالث في مشروع إذا أن الشريك الأول هي الحكومة والشريك الثاني المزارعين ولكل منهما 40% من الأرباح وتتكون الشركة الزراعية من الشركة الزراعية السودانية وشركة وكونت الأخيرة في عام 1922م بغرض استثمار وادي كسلا ودلتا طوكر والقاش ونصيبي الشركة من صافي الأرباح هو 20%.

والتزامات الشركة كانت تشمل تنظيف وتسطيح الأراضي المزمع ريها وإدارة المشروع واستخدام موظفي الغيط والكنبة وإعداد المنازل والمكاتب والمخازن والمباني الأخرى وإعطاء سلفيات المزارعين لتمكنهم من استئجار العمال وتمويل الترحيلات وحلج القطن وبيعه.

صافي الأرباح: بعد بيع المحصول ( القطن ) + البذرة + الشعرة، تخصم من هذا الحساب كل المبالغ المنصرفة علي المحصول منذ أن يسلمه المزارع إلي محطة الجمع حتى بيعه النهائي وتشمل هذه المصروفات قيمة الجوالات والترحيل والحلج والتأمين والبيع والتي يتحملها الشركاء وفي النهاية يخصم كل شريك منصرفاته الخاصة ليصل إلي ربحه النهائي. واقتسام الأرباح والالتزام الجماعي هذا امتد ليشمل الحساب الجماعي للمزارعين الذين تخصم منه تكاليف الحرث بسعر محدد ومعلوم للفدان بصرف النظر عن عدد عمليات الحرث لان زيادة التكاليف لا تقع علي عاتق المزارع وحده منفرداً ولكن يتحملها كل المزارعين في المشروع وفي نفس الوقت فان القطن فان القطن الذي تنتجه كل حواشة لا يمزج مع ما ينتجه المزارعون الآخرون ولكنه يضاف للمزارع صنفا وكمية في حسابه الشخصي وفي هذا شحذ للنشاط والكفاءة.

وانتهي امتياز الشركة الزراعية في 30/6/1950م ولقد جاء في صلب الاتفاقية الأساسية ما يلي: -

سيكون للحكومة الحق بعد إعطاء إنذار لا يقل عن سنة كتابياً في30 يوليو 1939م أو 30 يونيو سنة 1944م حسبما بترائي لها أن تنتهي الاتفاقية المذكورة وان تتسلم من الشركة إدارة الأراضي وكل موجودات الشركة بخلاف الموجودات التي ليست لها صلة بالمشروع المذكور بما في ذلك سكك حديد الجزيرة.

علي أن تدفع الحكومة للشركة الزراعية في ذلك التاريخ قيمة الموجودات حسب التقديرات حينئذ. كما كانت هناك اتفاقيات إضافية وملاحق عالجت بعض المشاكل: مثل اتفاقية ( تكاليف رأس المال ) واتفاقية أخري خاصة بمال الاحتياطي.

إدارة الشركة للمشروع:

كان الهيكل الإداري للمشروع يتكون من: مجلس الإدارة الذي مقره بلندن وينتخب أعضاء المجلس بواسطة المساهمين في أوائل كل عام بعد قفل الحسابات وقبل الأعضاء من المساهمين الكبار واللوردات وأصحاب الشركات الذين لهم تأثير بالغ على الحكومات البريطانية المتعاقبة والمهمة الأساسية لذلك المجلس هو رعاية مصالح المساهمين في كل النواحي. وكان يختار عضو ليكون مجلس الإدارة المنتدب ويطلق عليه لقب (المحافظ) وهو الممثل التنفيذي لإدارة الشركة الموكل إليه تنظيم الإدارة ومراقبة الأعمال والأداء ويعكس للمجلس في اجتماعه السنوي كل التطورات التي حدثت في فترة عمله مع تقديم الحسابات المنظمة للصرف والنتائج بالنسبة لذلك المؤدية للربح أو الخسارة ومن واجبات المحافظ القيام بالتوظيف للأعمال الإدارية والحسابية وغيرها.

حسب احتياجات العمل من وقت لأخر وكان المحافظ يقوم بالتفاوض مع حكومة السودان في الشؤون المتعلقة بالمشروع من امتدادات ومسؤول عن تسويق القطن المزارعين. ورئيس المجلس مسؤول لدي مجلس الإدارة من الناحية القانونية علي مجموعة من الواجبات الإدارية والمالية والتشريعية.

بين المحافظ والمدير العام:

المحافظ هو العضو المنتدب أما المدير العام فكانت مهمته إدارة المشروع بكفاءة واقتصاد مستعينا بمعاونيه وهو مسؤول عن الإدارة المحلية والتنفيذية للمشروع وكانت ابرز سمات الإدارة الاهتمام بالتكاليف وحصرها في أضيق نطاق وكان الشعار المرفوع هو" أقصى ما يمكن من الإنتاج بأقل تكلفة ما يمكن من التكاليف" ولم يكن لمحافظ المشروع أو لمجلس إدارته أي تدخل مباشر في شؤون الإدارة فقد كانوا يملكون ولا يحكمون فالشخص المسؤول هو المدير وان مفتشي الغيط هم الإداريون الذين ينفذون كل التعليمات الإدارية والإرشادات الزراعية.

(12)

السودانيون بالشركة:

كانت الشركة الزراعية تستخدم السودانيين الذين يتخرجون في المدارس الوسطى في مخازن التفاتيش أو كتبة أو وزانين للقطن والبذرة والمحالج. وبدأت الخطوة بإيعاز من الحكومة باستخدام السودانيين كمساعدين للمحاسبين الأجانب حتى يتم تدريبهم لسودنة الوظائف فيما بعد. وجاءت الدفعة الأولى من السودانيين من أماكن مختلفة كما يذكر السيد الكارب في مذكراته عن مشروع الجزيرة . وكانت الأحوال السائدة لا تطاق، وكثيرون تركوا العمل وهربوا. وهناك بعض أسماء الذين صبروا وصابروا وانتصروا وأطلق عليهم لقب الأبطال فمن هؤلاء:-

ميرغني دفع الله – ميرغني أبو عيسى – محمد عباس رحمة الله – تاج الدين علي حسين – أحمد عيدروس – عمر علي طه – سليمان فضل الباري – دفع الله عباس – حسن بابكر وغيرهم. وجاءت الدفعة الأولى من الثانويين وكان عميدهم الأستاذ محمد عثمان ميرغني ولعلها مدرسة التجارة الثانوية فكان من الرعيل الأول: محمد عمر عباس – مرتضى حمزة أحمد – يوسف عبد الله الكارب – محمد أحمد حسين وغيرهم. ووجد هؤلاء أسوأ معاملة في العيش والتعامل مع الباشكتبة والمفتشين على السواء. وصبر بعضهم وصابروا واستطاعوا أن يتدرجوا إلى الدرجات العليا وسودنوا فيما بعد وظائف الأجانب من الشوام والبريطانيين.

أما وظائف المفتشين من السودانيين فكانت الدفعة الأولى تتكون من خمسة وهم السادة: النور محمد نور الهدى – الزين بابكر الشفيع – حسني أحمد – عمران عيسى – يس حاج الخضر، ثم جاء بعدهم السادة: صالح محمد صالح – عبد الرحيم محمود – كمال ميرغني حمزة – عمر الجيلي – عبد المجيد عبد الرحيم – أحمد عبد الفتاح جبريل. والذين جاءوا من مصلحة المعارف كان منهم الأساتذة: عوض الكريم سنادة – يوسف محمد عبد الله – محمد أنيس عبد المجيد – محمود محمد علي – أحمد إبراهيم خلوتي – محجوب علي عمر وغيرهم.

وجاءت بعد ذلك الفرقة الثالثة وكانوا يعملون كمحاسبين في مكاتب الغيط منذ سنوات ولكن المفتشين أوصوا بعدم تعيينهم بحجة أنهم لن يجدوا الاحترام والاعتبار من المزارعين.

ولكن إثر مذكرة كتبها السيد الكارب ورفعها لمدير المشروع وكان وقتها السيد مكي عباس، الذي أصدر أمراً بأن يكون الأمر مفتوحاً للجميع وتم بالفعل اختيار مجموعة من هؤلاء. ويقول الكارب:" وكان الذين تم اختيارهم من أميز المفتشين بالنسبة لممارستهم للعمل بالمشروع وإلمامهم بالحسابات ومعرفتهم بالمزارعين وكانت هذه ميزة وليس نقمة كما توقع البريطانيون".

وقابل المفتشون الأوائل محنة لا قبل لهم بها حيث لم تكن هنالك عربات للمرور بها وكان المرور يتم بركوب الخيل وكان ركوب الخيل من ضمن شروط الخدمة وعلى المفتش أن يتقن هذا النوع من الفن والرياضة.. وقابل المفتشون السودانيون الأوائل معاكسات ومضايقات وصعوبات لا حصر لها وبخاصة من المفتشين والباشمفتشين البريطانيين. وكانوا يودون أن يبرهنوا أن المفتش السوداني يميل إلى الكسل والراحة ولا يستطيع أن يجاري المفتش البريطاني في النشاط وأداء العمل وبعضهم لم ينج من مكايدة ومؤامرات البريطانيين وتأليب المزارعين عليهم. ولكن مع كل ذلك برهن أولئك الرواد على عزيمة وقوة تحمل وإرادة مع كفاءة ومقدرة إدارية وخلق علاقات طيبة مع المزارعين أدت إلى نجاحات وانعكست في إنتاجية عالية ولكن مع هذا فهناك قلة أو أفراد منهم أصابهم الغرور واعتقدوا بأنهم ورثة المفتشين البريطانيين ويجب أن يسيروا على دربهم في المعاملات ولكن كانت تصرفات فردية معزولة.

وكان المفتش السوداني تحت الطلب في كل وقت بالنسبة للأحداث التي تحدث في منطقته فإذا تعسرت امرأة في الولادة فإن المفتش يجب أن يعرف ويساعد بالتلفون وبالعربة وفي كل الأوقات صباح مساء والظروف خريف أو شتاء بالطبع بجانب عملهم الذي يبدأ في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس وإلى ما بعد المغيب في الغيط يومياً وفي كل الأحوال الممطرة والموحلة على حدٍ سواء بجانب معاناتهم وأسرهم وأطفالهم في حياتهم الاجتماعية الموحشة. واعتماداتهم على أيام الترفيه التي لا تتعدى يومين في كل شهر.

(13)

السـودنـة:

بعد عام 1955م أصبح مشروع الجزيرة خالياً من البريطانيين الذين غادروا الوظائف الإدارية والإشرافية بالإدارة أو الغيط. وبعد استقالة المستر جيتسكل وتركه العمل بالمشروع، ففي موسم 54/1955م صار السيد مكي عباس – مديراً تنفيذياً للمشروع وكان السيد مكي عباس قبل انضمامه للعمل بالمشروع يعمل معلماً حيث عمل بمصلحة المعارف وكان مدرسا بمعهد التربية ببخت الرضا مع الرواد الأوائل المستر قريفث والأستاذ عبد الرحمن علي طه. وقد اظهر الأستاذ المعلم مكي عباس مقدرة إدارية فائقة كما كان يتمتع بحس وطني متميز وكان أول من كشف للمزارعين مال الاحتياطي الذي كانت تحيطه الحكومة والشركة بالسرية التامة، ذلك المال الذي فجر ثورة المزارعين وقاد إلى أول إضراب للمزارعين أدي في النهاية إلى تدخل المثقفين ومساندة المزارعين ومن ثم قادت الأمور لتصل إلى تأميم المشروع وإقصاء الشركة.

ومع ذلك جاءت النتيجة مبشرة بمحصول وافر وضبط في التعامل والتنظيم الإدارة وتعاون تام وانسجام بين الإدارة السودانية (مفتشي الغيط) والمزارعين واستطاعوا أن يتخطوا كل العقبات ومعالجة السلبيات والقصور بحنكة وحكمة بالغتين وهذا ما يؤكد نوعية المختارين لشغل وظائف مفتشي الغيط من السودانيين والذين كانوا يتمتعون بخبرات إدارية وصفات أخلاقية حميدة وقوة في الشخصية جعلتهم قريبين من المزارعين دون تفريط أو مجاملة وإذا عدنا إلى لجنة الجمعية التشريعية في أمر التنظيم والإدارة وكانت اللجنة قد استعانت بآراء الخبراء والمختصين للنظر في مستقبل المشروع فكان رأي جيتسكل (مدير المشروع) أن مستقبل المشروع يتطلب إنشاء سلطة مركزية تنفيذية بالإضافة إلى مجلس للتخطيط وذلك من اجل بناء مشروع تعاوني للمزارعين لهدف مستقبلي.

أما المزارعون فقد كان اهتمامهم أكثر بالعائد السريع لرفع وتحسين مستواهم المعيشي وليس بالهياكل والتنظيمات والتخطيط المالي أو الإداري وكان النقاش يدور حول نقطة جوهرية هامة وهي أن طيلة تاريخ المشروع كانت سنوات الضائقة أكثر من سنوات الرخاء كذلك كان اهتمامهم أكثر بتمويل جزء علي الأقل من أعبائهم لجهة أو جهات أخرى.

واللجنة في النهاية لم تأخذ برأي جيتسكل ولا برأي المزارعين وجاءت توصياتهم مشابهة لرأي الحكومة في ذلك (1949م) وصدر قانون عام (1950م) مؤمناً علي نفس النسب القديمة (40%) للحكومة (40%) للمزارعين (20%) لمجلس الإدارة والزم مجلس الإدارة بصرف مبلغ من المال علي الأبحاث والزراعية و (2%) من العائد للخدمات الاجتماعية بشرط أن لا يقل الدخل عن (60 ألف جنيه) كحد ادني وألا يزيد عن نصف مليون جنيه كحد أقصي.

قدمت الحكومة للشركة تعويضاً بلغ (2.6 مليون جنيه إسترليني) بالنسبة المال الاحتياطي واتفقت علي تحويل الفائض من دخل مجلس الإدارة إلى حساب مال الاحتياطي وان يستمر الدفع بهذه الصورة حتى يبلغ الحساب ثلاثة مليون جنيه، بعدها أي زيادة تقسم مناصفة بين الحكومة والمزارعين بالتساوي.


( 14)

تنظيمات المزارعين:-
لم يكن للمشروع أي تنظيم نقابي وحتى الإضراب الأول الذي حدث في عام 1913م للشركة الزراعية قد تم بطريقة عفوية ودون تنظيم مسبق ولكنه كان يمثل بداية الوعي بالحقوق والمطالب وحدث بعد ذلك إضراب عام 1946م ذلك الإضراب الذي هز المشروع وكشف عن تضامن المزارعين ووعيهم وحسهم الوطني والسند الذي وجدوه من المثقفين الوطنين ومن أعضاء المؤتمر علي وجه خاص ولذلك تنبهت الحكومة بعد ذلك إلى أهمية أخذ زمام المبادرة بتكوين كيان للمزارعين يخرج من عباءتها قبل أن يفرض عليها من الخارج ويصعب السيطرة عليه وبادرت إدارة المشروع في عمل ترتيبات لاختيار ممثلين بأن يختار المزارعون في كل صمودية (وحدة القرية) واحداً منهم إلى مجموعة التفتيش الانتخابية والتي تقوم بدورها باختيار عضو واحد إلى الهيئة.

هيئة ممثلو المزارعين:-[/size
]وتمت أول انتخابات لممثلي المزارعين بطريقة سرية لانتخاب رئيس الهيئة ونوابه ومساعديه فوقع الاختيار على: الشيخ أحمد بابكر الازيرق المزارع بتفتيش درويش ليكون رئيساً للهيئة ومعه السادة: - أبو الحسن عبد المحمود – موسى النعيم – محمد الطيب عمر- العبيد احمد – حمد النيل محمد حسن- يوسف احمد آدم وعقد أول اجتماع في مكتب مدير المديرية بمدني في يوم 8مايو 1947م وحضر الاجتماع كل الأعضاء وكان عددهم أربعين عضواً بجانب جيتسكل مدير المشروع والمستر بيكن باشمفتش زراعة المديرية وترأس الاجتماع مدير المديرية المستر بريدن.

[size="5"] هيئة مزارعي الجزيرة:

واستمرت هيئة ممثلي المزارعين حتى منتصف عام 1952م وتغير الاسم بعد ذلك إلى ( هيئة مزارعي الجزيرة ) كما تغيرت طريقة الانتخابات علي أن يكون مبنياً علي عدد المزارعين في كل تفتيش.

وبتاريخ 17 مايو 1952م ثم انتخاب الرئيس الجديد للهيئة ففاز الشيخ الازيرق لقيادة المزارعين مع بعضا من مساعديه وزملائه القدامى.

اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل:

طالب المزارعون بقيام اتحاد بدلاً عن الهيئة أسوة بالنقابات العاملة بالسودان وأخيرا وافقت الحكومة علي طلبهم وصدر قانون اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل لسنة 1954م وأجريت الانتخابات بإشراف لجنة محايدة وشارك في تلك الانتخابات تسعة وعشرون ألف وأربعمائة مزارع. وتم بعد ذلك انتخاب الضباط الثلاثة فجاء الآتية أسمائهم:

الشيخ الأمين محمد الأمين للرئاسة والشيخ يوسف احمد المصطفي للسكرتارية والشيخ عباس دفع الله لأمانة المال.

وشهدت تلك الفترة صراعات حزبية وتكتلات كبيرة بين قيادات الاتحاد والمعارضين من الأحزاب والتنظيمات السياسية رغم المكاسب التي تحققت للمزارعين في بعض المجلات.

وأجريت انتخابات ثانية في مايو 1956م واختيرت لجنة مكونة من تسعة وخمسين عضوا وفاز الشيخ جابر عثمان برئاسة الاتحاد والشيخ محمد عبد الرحمن نائب للرئيس والشيخ محجوب الأمين سكرتيراً والشيخ بابكر دكين أميناً للمال. وفي عام 1957م أجريت انتخابات وكانت المنافسة حادة بين جابر عثمان والشيخ بابكر الازيرق.. وفي فترات متعاقبة بعد ذلك تقلد رئاسة الاتحاد الشيخ النور النعيم ولفترة أخرى أيضا ثم انتخاب الشيخ عبد الرحيم أبو سنينة كما تقلد الشيخ الطيب العبيد ود بدر رئاسة الاتحاد لعدة فترات كما تعاقب علي السكرتارية كل من المشايخ: محمد عبد الله الوالى – حسن مصطفي- عبد الجليل حسن عبد الجليل – الأمين احمد الفكي. وعاد للرئاسة مرة أخرى الشيخ الأمين محمد الأمين والذي اختير وزيراً للصحة عقب ثورة أكتوبر في عام 1964م ممثلاً للمزارعين في حكومة أكتوبر.


( 15)

شخصيات:

تعاقبت علي مشروع الجزيرة عدد من الشخصيات التي تركت بصماتها الواضحة في مسار وسياسة المشروع ومن هؤلاء نذكر من البريطانيين:-

المستر آرثر جيتسكل(1):

تخرج جيتسكل من جامعة أكسفورد بدرجة الشرف في مادة التاريخ، تقدم للعمل في مشروع الجزيرة وتم اختياره في عام 1923م وكان وقتها في الثالثة والعشرين من عمره. وكان التحاقه بالعمل بمشروع الجزيرة الزراعي الناشئ حديثاً مجال تعليق واستغراب من زملائه الذين كانوا يفضلون العمل بالسلك الإداري بحكومة السودان في وظيفة مفتشين ومساعدي مفتشين، ومع ذلك فضل العمل بالمشروع في وظيفة مفتش غيط، حيث عمل عند تعينه بالقسم الأوسط من المشروع واستمر يعمل به خلال الفترة (1923-1927م) ولم تكن اهتماماته تنصب في الناحية الزراعية فقط بل امتد إلى نواحي إنسانية أخرى حيث اهتم بالإنسان الذي يعمل بتلك الحواشات والزراعات فخلق علاقات صداقة مع المزارعين وغيرهم من سكان تلك القرى، فقد كانت تربطه صداقة مع الشيخ البشير احمد الطريفي خليفة ود الطريفي صاحب القبة المشهورة بقرية الطلحة والشيخ احمد أبو سنينة والشيخ محمد مصطفي الحاج عبد الله والشريف بركات احمد طه بقرية الشرفة، انتقل بعد ذلك إلى تفتيش حمد النيل في القسم الجنوبي من المشروع وسلك نفس الطريق وعقد صداقات مع المزارعين الخليفة القرشي عثمان والخليفة احمد عبد الوهاب وعبد الله ود البشير والطبيب ود العوض والشريف عبد الرحمن الهندي.

برزت كفاءة جيتسكل في النواحي الإدارية والزراعية ونقل إلى الرئاسة ببركات في عام 1930م حيث أوكلت له وظيفة مفتش للحسابات وعمد في هذه الوظيفة أن يزور كلل تفاتيش المشروع ويلم كل صغيرة وكبيرة فيه. فكان بذلك هو المحافظ الذي أمكن له أن يلم النواحي الإدارية والزراعية والمحاسبية للمشروع بكل دقائقها وتفاصيلها. وبوفاة المستر اسكوت في عام 1945م صار مديراً للشركة الزراعية، ومنذ أن تولي إدارة المشروع في عام 1945م فتح المشروع علي مصراعية للسودانيين وللأجانب ودعاهم بإلحاح لزيارته والتعرف علي خصائص المشروع الفريدة بجانب ذلك امتدت صلاته بالكثير من الأوساط وبخاصة أوساط المثقفين السودانيين من الوطنيين وأصبح رئيساً لمجلس كلية غردون التذكارية وخلق صلات مع أساتذة وطلاب الكلية وخاصة من السودانيين، كما زار معهد التربية ببخت الرضا وتحدث في الإذاعة عن المشروع وحاضر عن المشروع في نادي الموظفين بود مدني. وكان صريحاً لا يخفي شيئاً وهذا كان جزءاً من شخصيته وفلسفته في الحياة. وكانت له مواقف صادقة وأمينة خاصة مع النخبة الوطنية حيث صرح بأنهم هؤلاء حكام السودان القادمون. وتحققت نبؤه جيتسكل بعد عشرة أعوام عندما صار الزعيم إسماعيل الأزهري أول رئيس لمجلس الوزراء – وكان خطابه ذلك قد كتبه في عام 1946م. وتمكن فيما بعد المستر جيتسكل من وضع كتابه عن مشروع الجزيرة، كان واحداً من أهم المراجع الأجنبية الذي كتب عن مسيرة المشروع ودافع فيه عن سياسته وفلسفته في إدارة المشروع. ويعتبر جيتسكل من أهم المديرين الذين تعاقبوا علي المشروع من الأجانب والسودانيين علي حد سواء وذلك لصافته الحميدة وأخلاقه الفاصلة وكفاءته العلمية ومقدرته الإدارية، وللخبرات الواسعة التي اكتسبها بعمله بالمشروع وتنقله في وظائفه منذ أن كان موظف بأحد تفاتيش المشروع إلى أن بلغ قمة الإدارة. وظل يعمل بالمشروع حتى تقديم الاستقالة وسودنه وظيفته ومغادرته للسودان. وظل يحمل ذكري طيبة للسودان والسودانيين ولمشروع الجزيرة.

أبونبيل
28-07-2007, 11:19 AM
(1) من كتاب عمر محمد عبد الله الكارب

(16)

شخصيات:

مكي عباس (1909-1979م):-

تخرج مكي عباس من كلية غردون التذكارية في عام 1931م وكان أول دفعته، عمل بالمدارس الوسطى معلماً، ثم نقل إلى معهد التربية ببخت الرضا فعمل مع المستر قرفيث والأستاذ عبد الرحمن علي طه ثم بعث إلى بريطانيا في فترة تدريبية وبعد عودته أوكلت إليه مشروع تعليم الكبار. وكانت البداية بقرية أم جر جنوب الدويم وشمال الكوة إبان فترة عمله بالمعهد وضع منهج التربية الوطنية استقال مصلحة المعارف في عام 1945م، وأصدر في الخرطوم صحيفة (الرائد) وشهدت صحيفة الرائد نقداً للسلم التعليمي وناقشت تقرير المستر براون ولكن الصحيفة أوقفت بعد فترة زمنية قصيرة.، سافر إلى بريطانيا ووضع كتاب عن قضية السودان تحت إشراف مس براهام بجامعة أكسفورد. بعد عودته إلى السودان اختير مكي عباس كأول سوداني إلى وظيفة محافظ مشروع الجزيرة في عام 1955م وشهدت تلك الفترة سودنة الوظائف القيادية بالمشروع وقد ترقى السادة: النور محمد نور الهدى إلى وظيفة المدير الزراعي وعبد المجيد عبد الرحيم إلى وظيفة مدير المحالج وحسني أحمد إلى وظيفة مدير المبيعات بالخرطوم ولندن.

وقد أظهر الأستاذ مكي عباس مقدرة إدارية فائقة وسرعة في اتخاذ القرارات واستطاع أن يحسم الكثير من قضايا الخلاف، كما قام بسودنة جميع وظائف المشروع القيادية والمساعدة وأعطى الفرصة الكاملة للسودانيين ليبرهنوا على كفاءاتهم وحسن إدارتهم ففتح الباب على مصراعيه معتمداً على الخبرة والكفاءة والأمانة.

استمر محافظاً حتى عام 1957م حينما قدم استقالته اثر اختلافه مع الحكومة حول بيع القطن وعمل بعدها بمنظمة الوحدة الإفريقية حتى عام 1962م، ثم اختير ليشغل منصب مدير مكتب السودان الاقتصادي بجنيف ثم عمل بعدها بمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) وظل يعمل خبيراً غير متفرغ للعديد من المنظمات الدولية وبعد المعاش استقر بالخرطوم. أصدر مجموعة من التقارير والمطبوعات في التخطيط الزراعي وفرص التعليم وتعليم الكبار والتنمية. وكان في كل المناصب التي شغلها والوظائف التي عمل بها مثالاً للموظف الكفء وكان اسماً ورقماً مشرفاً لبلاده في المحافل الدولية والمنظمات العالمية رحمه الله رحمة واسعة.

عند اختيار الأستاذ مكي عباس محافظاً للمشروع وصادف ذلك الموسم أن يحقق المشروع إنتاجية عالية مما حفز الأستاذ عبد الحليم علي طه زميل وصديق مكي عباس حيث عملا سوياً بمعهد التربية ببخت الرضا وكان وقتها عبد الحليم علي طه ملحق ثقافي بلندن فأرسل قصيدة بالشعر القومي مهنئاً صديقه وزميله بطريقته الخاصة. وكان عبد الحليم شاعراً قومياً بارزاً وله مجموعات في شعر الإخوانيات. وقد جمع ابن أخيه فيصل عبد الرحمن علي طه ديوان بين شاعرين وأصدره مركز عبد الكريم ميرغني. وأرسل عبد الحليم القصيدة التالية والتي سار بها الركبان واشتهرت في أواسط المعلمين وبين موظفي المشروع في ذلك الوقت فقد جاء فيها:-

المكي خوي قالوا القطن موفور والناس تدقش وسط الأناقي(1) تفور

واحد في الكبس وواحد وقع مزرور والفاقع كتر والفي التقى(2) المشرور

والنايم يقوم بادي الحرث في البور(3) الدر(4) انتشر جاي الأفندي مرور

والميزان قنت واتعسم الوابور والطرماج(5) فتر يبقى الجمل معزور

فبارك(6) في ذكر ليلها ونهاره تدور والدولاب يكر يبهل من المصرور

ترلة وقندران تنقل من المطمور تكتح في التراب قالبة البلد عتمور(7)

وجاياك المناقل والشرق بتدور مثل ناس الجنيد مستني الباجور(8)

وقددت البلد سويته كله بحور آبار إردواز تحت الأرض مأسور

وعلمت الكبار سوق العلم ما ببور وجاكم ود عمر مادح النبي المشكور

معلمنا القديم الحافظ المنشور واللايكا الصبر قاعد شهر مأسور(9)

وما أطول عليك بدي العلم في سطور وما بقع العكر بتصيد القرقور

خبر عبد المجيد(10)عن نفسه عن النور(11)وعن حسني(12)الوكيل في دولة المنصور

وعن أحمد(13) معاي بالتفة والقنبور إفراج في القطن صالب الخلق طابور

يقولي في العدم ما أظنه حث منظور يفكر مكي فيك ما تنتظر مسطور

المكي خوي ردك بدور لو شهور ما دام شايل الحرم(14) بكتب أنا المجبور

شمر بطونك وسوي وركك كور وكربت يا جمل دابك بقيت طرطور

واتهوزز سمح وانزل مع الدستور وسوي النوم تعال بعد الغنا الطمبور



(17)

منذ البداية وضعت الشركة الزراعية أساساً خاصاً عند توظيف مفتش الغيط كان أهمها ضمان سلوك الشخص من ناحية أخلاقه العامة وضمان صحته وتحمله للمشاق ورياضياً صبوراً، فإن وجدت هذه الصفات في زراعي فإنه يفضلونه عن الآخرين، وإن فقد الزراعي هذه الصفات فإنه لن يختار. وكان المطلوب من مفتش الغيط: طاقة وأمانة ومقدرة تنفيذية واحتمال المشاق ومقدرة على إدارة العاملين والعمل معهم والقدرة على تحمل الحياة الموحشة والقاتمة في الريف السوداني بأمراضه وانعدام سبل الترفيه وغير ذلك من المعوقات.

وكان مفتشي الغيط قد جاءوا من خلفيات مختلفة من معلمين وأساتذة جامعات وإداريين وزراعيين وفي البداية جاءوا جميعهم من البريطانيين، وكانت بداية المرتب أربعمائة جنيه سنوياً وتمنح علاوات سنوية مع بعض الامتيازات من إجازات وتأمين وكان يتم حثهم وتشجيعهم على تعلم اللغة العربية للتفاهم مع المزارعين دون وسيط. وبجانب البريطانيين عمل أيضاً مجموعة من الشوام والأقباط ولكن بمرتبات وامتيازات أقل من البريطانيين. أما الوطنيين السودانيين فلم تكن الشركة قد عينت منهم أحداً في تلك الفترة المبكرة واختصرت تعينهم في الوظائف العمالية والملاحظين وأخيراً الكتبة والمحاسبين وكتب السيد عمر محمد عبد الله الكارب في مذكراته عن مشروع الجزيرة موضحاً وشارحاً بتفاصيل دقيقة حالة السودانيين العاملين بالشركة والمعاناة الكبيرة التي كانوا يعانون منها من الباشكتبة وهم من الشوام والأقباط بالإضافة إلى معاملة المفتشين من البريطانيين وقد اضطر بعضهم إلى ترك الخدمة بالشركة بعد شهور أو أسابيع قليلة من التحاقهم بها وكان من هؤلاء محمد الباقر أحمد والذي التحق بالشركة في وظيفة كاتب وسجل تجربته المريرة مع الباشكاتب والمفتش مما دفعه إلى ترك الوظيفة والالتحاق بوظيفته في الحكومة وهو نفسه الفريق الباقر الذي أصبح قائداً للجيش السوداني فيما بعد.

أما أول من التحق من السودانيين بوظائف الشركة: السيد إمام وهو المسؤول عن البريد الوارد والصادر للمشروع، وعمر الكارب الذي تدرج في السلك الكتابي إلى أن وصل إلى وظيفة مساعد مدير، وعبد الله كرار وثلاثتهم تعينوا في العشرينات.

حياة الكتبة في المشروع:

ونموذج للمعاناة التي كابدها فئة الكتبة من السودانيين في ذلك الوقت المبكر نقتطف جزءاً من خطاب أرسله " محمد الباقر أحمد " لمؤلف الكتاب الكارب عندما قرر ترك الوظيفة بالشركة – ومحمد الباقر هو ذات القائد العسكري الذي قدر أن يلتحق فيما بعد بالكلية الحربية وتخرج منها وتدرج في الوظائف العسكرية ليبلغ درجة المشير وأصبح نائباً للقائد جعفر النميري.

ويقول الباقر في خطابه، وصلت التفتيش في المساء، أنزلني السائق في المكان المعد لسكناي ويتكون من (تكل) غرفة واحدة من الحجر بدون مطبخ وبدون حوش، نسيت أن أشتري لمبة أو كبريت فقضيت تلك الليلة في الظلام لم أستطع النوم، كانت ليلة مزعجة. لم أشاهد الباشكاتب في تلك الليلة وكان متزوجاً، ولدهشتي اكتشفت في الصباح أنه ليس هناك مرحاض، واكتشفت مرحاضاً مناسباً في طرف " أبو ستة " في العراء بالقرب من المكان !! لم أشرب شاياً في الصباح ولم أحضر معي قلة للشرب ولكني استطعت أن أتحصل على صفيحة بنزين فارغة وظللت أحضر الماء من الترعة للشرب والاستحمام. قضيت اليوم الأول عائشاً على الرغيف والجبنة التي اشترتها من مدني وجدت في اليوم الثاني لحماً ورغيفاً وبدأت الكفاح وترتيب أمري.

قابلت الباشكاتب وكان بارداً لدرجة أنني حسبت في بادئ الأمر أنه لا يتكلم ثم قدمت بعد ذلك للمفتش المسؤول والذي لم ينطق بكلمة واحدة. لم يسألني المفتش ولا الباشكاتب بخصوص سكني أو أي شيء آخر لم يقدم لي ولم يشرح لي أي عمل وظللت على ذلك أياماً، لقد بدأت رغبتي في العمل تتقلص، أصابتني الملاريا وقضيت يومين في التكل وحيداً، لا الباشكاتب ولا المفتش البريطاني كلفا خاطريهما لرؤيتي وفي اليوم الثالث لمرضي طلبوني بالتلفون وأخبروني أن الحكومة عرضت علي وظيفة للعمل معها. وسألوني عما كنت أريد البقاء أم الذهاب ؟ وليس هناك أي خيار لآي أحد في مكاني غير القبول والذهاب، انتهى الخطاب.

ويبدو أن هذه هي طبيعة الحياة الجافة وزاد من سوئها وجفافها المعاملة غير اللائقة وغير الكريمة من قمة المسؤولين في الأعمال الإدارية الباشكاتب والمفتش وكلاهما من الأجانب، والواضح أنهم لم يكن يرغبون في رؤية السودانيين في أي وظائف حتى وإن كانت وظائف في قاع السلم الإداري. ومع ذلك صمد البعض منهم وبرهنوا كفاءة ومقدرة وشجاعة وصبر وتحمل يفوق طاقة الإنسان العادي، وبعضهم أخذ الأمر كرسالة وواجب وطني تمليه عليه سودانيته ووطنيته. فكان لهم ما أرادوا فكانوا رأس الرمح الذي أتاح للكثير من السودانيين الالتحاق بتلك الوظائف وغيرها فيما بعد.

(18)

شخصيات في المشروع: السيد عمر محمد عبد الله الكارب:
السيد عمر محمد عبد الله الكارب – وهو مؤلف كتاب: الجزيرة قصة مشروع الجزيرة ورحلة عمر – والذي صدر في عام 1994م في (480)ص وكان واحداً من المراجع الأساسية التي اعتمدت عليها في إعداد هذه الحلقات وقد خصص الفصل الثالث والرابع من الكتاب لجانب من سيرته الذاتية وكان عنوان الفصل الثالث رحلتنا في مشروع الجزيرة. والفصل الرابع أخذ عنوان: وتتوالى ذكرياتي في الجزيرة.
يذكر السيد عمر محمد عبد الله الكارب بأن والده كان يعمل محاسباً بالحكومة وبعد تقاعده بالمعاش عمل مزارعاً بقرية (ود البر) – السيد عمر من مواليد عام 1910م تقريباً وولد بمدينة رفاعة حيث كان والده يعمل محاسباً بمركز رفاعة ودخل الأولية بمدرسة رفاعة وبعد إتمامها انتقل إلى مدرسة ودمدني الأميرية التي قبل فيها بالمجان عام 1921م وعاد والده إلى ودمدني في عام 1922م بعد تقاعده بالمعاش – وفي عام 1923م امتلك الوالد حواشة بالمشروع وحواشة أخرى باسم ابنه عمر – فكان بذلك عمر من أوائل المزارعين الذين امتلك حواشة بالمشروع في ذلك العمر وقد باشر بنفسه إدارة الحواشة مع معاونة والده مع مواصلة دراسته بالمدرسة الوسطى. وبعد إتمامه المدرسة الوسطى تعين موظفاً بالحكومة في وظيفة كاتب بمديرية كسلا في عام 1925م. واستقال من خدمة الحكومة والتحق بخدمة الشركة في وظيفة كاتب في عام 1929م عندما تم تعيينه إثر توصية من باشكاتب مديرية كسلا إلى صديقه الشامي الذي كان يعمل بمشروع الجزيرة ببركات. وفي تلك الفترة وجد بالمكتب موظفاً سودانياً واحداً السيد إمام الحاج عمر، الذي كان مسؤولاً عن البوستة وتوزيع الخطابات والذي كان يسكن في إحدى قطاطي المشروع ببركات، وقد رحب إمام باستضافة الكارب للسكن معه بالقطية والتي كان يطلق عليها الإنجليز (التكل) وكانوا أربعة أشخاص محشورين في هذا المبنى الضيق. وذكر أيضاً من زملائه الكتبة في ذلك الوقت محمد عبد الرحمن الأقرع الذي كان يعمل كاتباً بالقسم الميكانيكي. وبركات هي رئاسة المشروع ويذكر المؤلف أن التسمية قد جاءت من الشيخ أحمد ود الفكي شيخ حلة أم سنط النور، أما الرواية الثانية تزعم أن مفتش الجزيرة البريطاني في ذلك الوقت (1914م) هو الذي اقترح الاسم تيمناً باسم (الشريف بركات) ويذكر الكارب انضمام الموظف الوطني الثالث لهم في بركات في عام 1932م عبد الله كرار في وظيفة كاتب وهو الذي أشرف على دار الوثائق (بمشروع الجزيرة) وسافر إلى المملكة المتحدة لتلقي كورسات في الوثائق والأرشيف والمحفوظات سجل الكارب معاناة الوطنيين من الكتبة والمحاسبين في عملهم وفي حياتهم اليومية وما وجدوه من مضايقات من الأجانب ولكنهم تعاهد ثلاثتهم على الاستقامة في السلوك والمعاملات والأخلاق حتى لا يتركوا ثغرة للكيد لهم، مع الكفاءة في العمل والأداء بدرجة تفوق أقرانهم مع كسب ثقة البريطانيين من الرؤساء وتخطي الباشكتبة الذين يشكلون حاجزاً بينهم وبين القيادة وكانوا يهدفون إلى أن يبرهنوا على كفاءة المواطن السوداني، وإبعاد شبهة التواكل والكسل التي حاول بعضهم إلصاقها بهم. وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح فكانت هذه بدايات الثقة في الموظفين السودانيين وانفتح الباب أمام التعيينات الجديدة من الوطنيين في الكثير من الوظائف بما في ذلك وظائف المفتشين.

وظل السيد عمر الكارب بالمشروع مواكباً مسيرته بعزم وإصرار متقلباً في وظائفه بالسلك الكتابي حتى تبوأ وظيفة نائب المدير العام وظل طوال حياته متمسكاً بأهداف عليا وبمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات. كما أصبح عضواً في مجلس إدارة الجزيرة – وكانت أهم إنجازاته في المشروع اهتماماته بتدريب وتأهيل السودانيين وإتاحة الفرصة لهم لسودنة الوظائف من البريطانيين والأجانب. وقد نال عمر الكارب ثقة رؤسائه وخاصة من البريطانيين مثل المستر جيتسكل الذي كان يثق فيه كثيراً وبمثابة المستشار له وخاصة فيما يتعلق بالموضوعات والقرارات التي تخص المزارعين، اتسم وعرف بالشجاعة في الرأي وتميز بالحزم وكان يعمل بصمت ولا يحمل ضغينة على أحد كما وصفه زملائه وتلاميذه وأصدر كتابه عن المشروع كأول مذكرات لوطني بعد مذكرات المحافظ البريطاني جيتسكل.

(19)

الشخصيات :

من الشخصيات السودانية التي عملت بالمشروع وورد ذكرها في كتاب السيد الكارب:

- صلاح الدين متولي: والذي التحق بالمشروع في عام 1953م مفتشاً بالغيط ثم عمل مدير قسم المناقل ثم نقل إلى قسم الصحافة والإعلام بالمشروع وتوفي بلندن في عام 1965م.

- السيد عثمان الطاهر: التحق بالمشروع في عام 1932م في وظيفة عامل بالورشة رغم أنه تخرج من المدرسة الإرسالية الوسطى، وعندما تولى جيتسكل إدارة المشروع وفكر في إرسال عمال للتدريب بإنجلترا وقع الاختيار على عثمان الطاهر ويوسف عز الدين وتم إرسالهما لفترة تدريبية قصيرة في عام 1951م وعاد عثمان للورشة مواصلاً عمله ثم بعث مرة أخرى إلى المملكة المتحدة لفترة دراسية لمدة عامين عاد بعدها ليتسلم وظيفة مدير الورشة في عام 1957م وظل في العمل حتى وفاته رحمه الله.

- السيد عبد الله كرار تعين في عام 1932م في وظيفة كاتب بالمخازن وظل يتدرج في الوظائف الكتابية حتى عين أميناً لدار الوثائق برئاسة المشروع.

- يوسف عز الدين – التحق بخدمة الشركة في عام 1940م وهو يحمل دبلوم صناعي من القاهرة وعمل بورشة مارنجان – حتى ترقى إلى وظيفة مساعد ملاحظ في عام 1951م. حيث أرسل إلى فترة تدريبية لفترة إلى مدينة ليفربول البريطانية للتدريب على الآلات الزراعية وفي عام 1953م أرسل لفترة تدريبية لمدة عامين وبعد عودته أصبح المهندس المسؤول عن المحاريث ثم ترقى إلى وظيفة كبير المهندسين الميكانيكيين في عام 1975م حتى تقاعده للمعاش في عام 1981م بعد أن أمضى أربعون عاماً من الخدمة الطويلة الممتازة بمشروع الجزيرة وكان له الفضل في تطوير قسم المحاريث والذي يعتبر من أهم أقسام المشروع.

- الأستاذ محمد عمر أحمد: كان أستاذاً بمعهد التربية ببخت الرضا ويعتبر الرائد الأول لبداية تجربة تعليم الكبار في المشروع عام 1948م بالقسم الجنوبي – تفتيش الحوش، وكانت مهمة صعبة للغاية في ذلك الوقت كما وصفها الكارب. وبمثابرة وجهد الأستاذ محمد عمر أحمد نجحت التجربة. حيث اقتنع المزارعون بفائدتها الجمة خاصة في مجال الإرشاد النسائي والزراعي، وأخذ المزارعون يتسابقون لنقل التجربة إلى مناطقهم وقراهم، ما لبث أن نقل إلى الخرطوم ومنها للعمل بالجنوب ليصبح عميداً لمعهد التربية بمريدي ثم عاد مرة أخرى للعمل بالجزيرة في عام 1957م ضابطاً للخدمات الاجتماعية. ثم اختير للعمل سفيراً بوزارة الخارجية عقب الاستقلال. وخلال عمله بقسم الخدمات أسس وخطط ونفذ العديد من المشروعات التي عادت بالفائدة للمزارعين. وقد أقام له اتحاد المزارعين حفل وداع ضخم عند اختياره للخارجية وسفره للخرطوم.

- السيد علي أبو النجا: ويعتبر أبو النجا أول سوداني يدخل في خدمة الشركة الزراعية بالزيداب في عام 1918م – وكانت بداية عمله بالمحالج، وكان أول سوداني يصل وظيفة باشملاحظ بالمحالج وتوفي في عام 1934م.

- السيد إمام الحاج عمر: من مواليد 1907م من مواليد قرية ود سليمان (المسلمية)، تم تعليمه الأوسط بالخرطوم وعمل بالمشروع في عام 1925م في وظيفة كاتب وظل يتنقل في الوظائف الكتابية حتى وصل إلى وظيفة الضابط الإداري بالمشروع إلى أن تقاعد في عام 1962م.

- السيد محمد بليل: من مواليد تنقسي (1904م) عمل أول الأمر وزاناً للقطن في محطة طيبة ثم انتقل للعمل في محلج مارنجان عام 1924م حتى وصل إلى وظيفة ملاحظ ثم ترقى إلى وظيفة مفتش محلج حتى تقاعده للمعاش.

- السيد علي عبد الله الباشا (1890-1987م) كان من أوائل السودانيين الذين عملوا بمشروع الجزيرة وأوكلت له مهمة الإشراف على بيت الضيافة (استراحة بركات) والذي كان مقراً لكبار الضيوف والزوار للمشروع منذ التأسيس وإلى يومنا هذا كان يعتبر الباشا من الشخصيات الاجتماعية البارزة منذ إنشاء مدينة بركات.


(20)

شخصيات في المشروع:

نواصل العرض للشخصيات التي تركت بصماتها بمشروع الجزيرة وفقاً لرواية المرحوم عمر عبد الله الكارب التي سجلها في كتابه" الجزيرة: قصة مشروع ورحلة عمر".

- أحمد بابكر الازيرق – من مواليد قرية النعيم بالقسم الأوسط في عام 1890م بدأ حياته مزارعاً في عام 1912/1913م وترك الزراعة للعمل بالتجارة لفترة من الوقت ثم عاد مرة أخرى للمشروع بتفتيش درويش في سنة 1922م – ظهر كقائد للمزارعين في إضراب عام 1946م وتولي رئاسة اتحاد المزارعين في عدة دورات ومن إنجازاته شارك في اجتماع الجمعية التأسيسية للنظر في قانون مشروع الجزيرة عام 1950م. وكان لآرائه وزن كبير في بنود القانون واستمع له أعضاء الجمعية بكل حواسهم.ومن إنجمدني.عمل علمدني.د الاستراحات بالمستشفيات وإقامة أجزخانة للمدني.ن بود مدني. ساعد في فتح الكثير من المدارس الأولية والوسط بمدن وقري الجزيرة توفي رحمة مولاه في عام 1983م.

- السيد أحمد النوارني الزبير من مواليد 1909م بالمديرية الشمالية أكمل المرحلة الوسطي والتحق بالمشروع في وظيفة بالمخازن وتدرج فيها حتى وصل إلى وظيفة رئيس المخازن العمومية واشتهر بالأمانة والصدق ونزاهة اليد وظل بالخدمة لفترة خمسون عاماً حتى تقاعده للمعاش في عام 1968م.

- السيد محمد عمر عباس – من طليعة خريجي مدرسة أمد رمان الثانوية الصغرى التجارية والتحق بالعمل بالشركة في عام 1945م في وظيفة محاسب واستمر حتى عام 1954م عندما تم اختياره للعمل مفتشاً بالغيط وكان من ابرز المحاسبين بالمشروع كما كان من ابرز المفتشين في وظيفته الجديدة لما له من سابق خبرة وخلفية في المشروع وترقي إلى وظيفة باشمفتش في عام 1957م وكان من المبرزين في هذا المضمار عملا وسلوكاً ونزاهة بالمشروع حتى استقال في عام 1967م بعد رحلة حافلة بجلائل الأعمال والإنجازات.

- السيد احمد محجوب اختاره السيد مكي عباس محافظ المشروع آنذاك ليسودن وظيفة ضابط الصحافة والأعلام بمشروع الجزيرة وقد أسس المكتب بصورة جيدة وقدم خدمات عالية في مجال الأعلام للمشروع ومقابلة الزوار ثم انتدب للعمل ليكون وكيل إدارة الجزيرة في تسويق القطن في المملكة المتحدة، وظل بخدمة المشروع حتى تقاعده.

- السيد صالح محمد صالح – أول مدير سوداني لمشروع الجزيرة بعد تأميمه وكان من أوائل السودانيين الذين التحقوا بالعمل بالمشروع في وظيفة مفتش غيط (1951) وكان قبلها يعمل مهندساً في مصلحة المساحة في عام 1958م تمت ترقيته إلى وظيفة نائب المدير العام للمشتريات في رئاسة المشروع ببركات. وفي عام 1963م تمت ترقيته إلى وظيفة المدير العام وفي الفترة 1964-1966م كان يقوم بوظيفة محافظ المشروع بالإنابة ثم انتقل بعد إلى البنك الزراعي السوداني في وظيفة مدير عام ورئيس مجلس الإدارة. كان في كل المواقع التي عمل بها اتسم بالمقدرة والكفاءة العالية.

- السيد إبراهيم محمد احمد (رئيس العمال): عمل بالورش والمخازن والمحالج وعندما برزت نقابة العمال كان واحداً من قادتها وظل رئيساً للنقابة لعدد من الدورات وشهد له أقرانه بالكفاءة وحسن الإدارة وقوة الحجة.

- السيد تاج السر عابدون: كان أحد قيادات العمال بالمشروع وكان من المخططين البارعين في التنظيم وقيادة العمال وتنظيمهم – تعرض للسجن في أيام عبود واضطر للاستقالة وترك الخدمة ولكنه كشف عن معدن أصيل ومقدرة فائقة وحسن التنظيم.

- الشيخ احمد يوسف علقم كان من ابرز المتحدثين باسم المزارعين منذ إضراب عام 1946م عين عضو بالجمعية التشريعية في عام 1948م وعرف بالمدافع الأول عن حقوق مزارعي مشروع الجزيرة وراس هيئة المزارعين في مطلع الخمسينات عند تكوينها.

- الشيخ الأمين محمد الأمين – من قبيلة الحلاوين كان رجلاً ذكياً شجاعاً كانت فترة توليه لقادة اتحاد المزارعين من أصعب الفترات في مشروع الجزيرة وخلقت تلك الفترة وعياً لدي المزارعين واستطاعوا أن يتحصلوا علي حقوقهم والاشتراك في عضوية مجلس إدارة مشروع الجزيرة لأول مرة. اختير وزيراً في حكومة أكتوبر ممثلاً للمزارعين.

- السيد سالم عامر – عيين مساعداً لضابط البساتين البريطاني وبعد سودنة الوظائف تولي سالم إدارة قسم البساتين – أوفد إلى بعثات وزيارات لعدد من الدول، واستطاع سالم أن يجعل من الجزيرة وميادينها جنة خضراء.

- السيد عبد الجليل حسن عبد الجليل – كان والده من قادة المزارعين المرموقين تولي رئاسة اتحاد المزارعين في عدد من الدورات.

- الطيب العبيد النور ينتمي إلى المنزل الديني المعروف "ود بدر " اختير رئيس للاتحاد في عدد من الدورات وعضو مجلس الإدارة.

- الشيخ الأمين احمد الفكي – تولي سكرتارية وأمانة الاتحاد في عدد من الدورات وعرف بنزاهته ونطلعه نحو القيادة وخدمة المزارعين واشتهر بالتسامح وحسن إدارة الجلسات.


(21)
الحلقة الأخيرة
اتصل بي نفر كريم بعضهم من الرواد الأوائل الذين عملوا بالمشروع وآخرين من زملاء وتلاميذ وأبناء ذلك النفر العظيم من الشخصيات التي وردت في استعراضي لقصة مشروع الجزيرة بعضهم معقباً وآخر مصححاً لبعض الأخطاء والمغالطات التي صاحبت العرض..ولكن وكما ذكرت وفي كل ما كتبت اعتمدت في سرد تلك الوقائع علي مراجع محددة وقد أوضحتها في حينها ومن ابرز تلك المصادر ما كتبه وسجله المرحوم عمر عبد الله الكارب. الذي وضع كتاباً توثيقياً هماماً عن قصة مشروع الجزيرة كما رائها من خلال مذكراته وكما ذكرت فان السيد عمر والذي أسس دار الوثائق بمشروع الجزيرة رجل ذو حس وثائقي متميز فهو لم يكتب عن هؤلاء الشخصيات من الذاكرة بل اعتمد في كل كتاباته علي وثائق ومذكرات مدونة ومحفوظة بلمفات أولئك النفر وقد كان واضحاً اثر ذلك في كتابة التواريخ بالأيام والشهر والسنة وهو أمر لا يتوفر لشخص مهما أوتى من قوة الذاكرة إلا أن يكون قد رجع إلى مدونات ووثائق وهو الشيء الذي قام به السيد عمر الكارب من عمل توثيقي رائع وعليه فان الباب سيظل مفتوحاً لجميع الرواد وزملائهم وتلاميذهم وأبنائهم ليكتبوا عن تلك الأيام التي أمضوها في مشروع الجزيرة وعن الدور الذي قاموا به والأعمال التي أنجزوها لان الكتاب لم يتطرق إلى كل أولئك الرواد وإنما جاء بنماذج منهم والفرصة متاحة للجميع لمواصلة الكتابة والتوثيق.

وهناك سؤال يطرح نفسه لماذا كل هذا؟ والهدف من كل هذا ليس لاجترار الذكري وعودة الماضي ولكن القصد التطلع إلى المستقبل مع إمكانية عودة المشروع وإعادته إلى سيرته الأولى ولا نود أن نتباكي علي المشروع والعمود الفقري لاقتصادنا ( منجم الذهب الأبيض ) لا للدموع … ولا للأحزان بل هي دعوة للعودة وإمكانية إعادة سيرة المشروع الأول فان كان المشروع قد قام من عدم حتى أصبح اكبر مشروع زراعي بأفريقيا في ذلك الوقت فما المانع أن يعود المشروع على ما كان عليه ونحن نملك كل مقومات المشروع: الأرض والمزارع والآلة والإدارة.
ويمكننا أن نسأل نفسنا أين الخلل في ذلك ؟ وكيف نبدأ الإصلاح ؟ وغير ذلك كثير من الأسئلة التي تدور في الأذهان.

والرواد الأوائل وأصحاب التجربة الذين عملوا بالمشروع في مختلف المواقع وفي مختلف العهود لابد أنهم يملكون الإجابة علي بعض الأسئلة وأنهم يحملون تصوراً للخروج من الأزمة فلماذا لا نسمع رأيهم من إداريين وموظفين ومزارعين وعمال. والباب مفتوح لآراء هؤلاء. أملين أن يقدموا مقترحاتهم وعرض آرائهم والمشاركة في هذا الحوار الذي نأمل أن يمتد وان تتبناه إدارة مشروع الجزيرة بورشة عمل لعرض كل وجهات النظر. وأخيراً المعذرة لقراء الأيام الغراء لهذه الإطالة مع تحياتي.




المراجع والقراءات:-
- جيتسكل: مشروع الجزيرة ( كتاب باللغة الإنجليزية).

- د. عبد الوهاب بوب: محاضرات طلاب قسم التاريخ عن رسالته للدكتوراه عن " مشروع الجزيرة ".

- الكارب ( عمر محمد عبد الله ): الجزيرة: قصة مشروع ورحلة عمر.

- محاضرات ووقائع المجلس الاستشاري لشمال السودان (1946م).

- محاضرات ووقائع الجمعية التشريعية (1948م).

- التقارير المالية والإدارية لحكومة السودان (1900-1955م ).

- تقرير الحاكم العام (1900-1950م ).



--------------------------------------------------------------------------------

(1) الأناقي: جمع انقاية وهي من تقسيمات الحواشة لسهولة ريها.

(2) التقى: مكان جمع المحصول

(3) البور: الأرض الغير مزروعة

(4) الدر: النمل الأسود الصغير

(5) الطرماج: الترماي كناية إلى قطارات المشروع الصغيرة

(6) فبارك: الفوبريكة (ماكينات الحلج )

(7) العتمور: صحراء العتمور المشهورة

(8) الباجور: المشروع الزراعي

(9) مأسور: كان الأستاذ محمد عمر قد أسره المتمردين عندما كان يعمل مديراً لمعهد مريدي في عام 1955م.

(10) عبد المجيد عبد الرحيم: مدير المحلج

(11) النور محمد نور الهدى: المدير الزراعي

(12) حسني أحمد: مدير المبيعات

(13) أحمد: غير معروف المقصود

(14) الحرم: كريمة مكي عباس



مركز قاسم لخدمات المكتبات 2006م


[/size]

portbail
29-07-2007, 12:21 AM
أبو نبيل
والله بالجد إنت فخر المنتديات و هذا مجهود جبار وضخم ومقدر يوثق للمشروع وأري ضرورة الكتابة عن مشروع الجزيزة والمنطقة الوسطي بصورة عامة حتي يلم الجميع بتاريخهم المجيد ... لك حبي وشكراص علي إسهاماتك الرأئعة الجميلة وهذه والله بحوث لنيل الدكتوراة بلا منازع ...

السريالي
29-07-2007, 01:03 AM
سلامي اليك يا أبو نبيل ،

إنت فعلاً نبيل لأنو تاريخ مشروع الجزيرة هو تاريخ السودان ، والقطن هو الذهب الأبيض . ووقتها كان السودان من أغنى الدول العربية . هل تعلم في تلك الفترة أن الرواتب في السودان كانت أفضل من الرواتب في السويد بشهادة رئيس الوزراء السويدي .

يا أخي أبونبيل عليك الله دايرك توريني تاريخ إضراب مزارعي الجزيرة بالضبط وكم يوم استمر لأنو والدي عليه رحمة الله قال لي إنو سافر الخرطوم ومعاهو مجموعة من المزارعين ومكثوا عدة أيام . أرجوك رجاء خاص تحديد إضراب مزارعي الجزيرة باليوم والتاريخ والسنة . ولك مني ألف شكر .

مجدى سنجر
29-07-2007, 07:39 AM
الاخ ابو نبيل
ان كلمات الشكر لا تكفى ما قمت به من عمل عظيم ومجهود مقدر فى جمع المعلومات المفيدة.
والسؤال؟ هذا هو الماضى التليد. فاين الحاضر والمستقبل؟
المستقبل هو طموحنا.
لكم الود

محمد السر احمد
29-07-2007, 08:27 AM
العم ابو نبيل
لك كل الود والاحترام والشكر
علي المعلومات القيمة

ابوندى
29-07-2007, 11:03 AM
حقيفة لايكفى الشكر على هذا المجهود يا ابونبيل النبيل حقاً
فقد استقيت تاريخ المشروع من عرضك والذى بالرغم من طول الموضوع الا انه شيق وجذاب فقد قرأته كلمة ,كلمة ولكم تمنينا اكثر التفاصيل عن المشروع , وفى انتظار المزيد,,, المزيد
ربنا يحفظك ,,,,,,,,,,وتسلم

أبونبيل
29-07-2007, 11:50 AM
سلامي اليك يا أبو نبيل ،

إنت فعلاً نبيل لأنو تاريخ مشروع الجزيرة هو تاريخ السودان ، والقطن هو الذهب الأبيض . ووقتها كان السودان من أغنى الدول العربية . هل تعلم في تلك الفترة أن الرواتب في السودان كانت أفضل من الرواتب في السويد بشهادة رئيس الوزراء السويدي .

يا أخي أبونبيل عليك الله دايرك توريني تاريخ إضراب مزارعي الجزيرة بالضبط وكم يوم استمر لأنو والدي عليه رحمة الله قال لي إنو سافر الخرطوم ومعاهو مجموعة من المزارعين ومكثوا عدة أيام . أرجوك رجاء خاص تحديد إضراب مزارعي الجزيرة باليوم والتاريخ والسنة . ولك مني ألف شكر .

أول إضراب لمزارعي الجزيرة:

شهد اليوم التاسع من نوفمبر 1913م أول حركة للمزارعين نتيجة رفضهم لاتفاق الحكومة والشركة ونسب توزيع الأرباح وكان ذلك الاحتجاج بمحطة طيبة التجريبية عندما توقف المزارعين عن العمل وسيروا موكباً إلى مدينة ودمدني واعتصموا بمباني المديرية وتقدموا بعريضة طالبوا فيها بالعمل بنظام إيجار الماء الذي كان متبعاً من قبل – وقد علق مدير المديرية بقوله: " إن أولئك البسطاء يعرفون مصالحهم جيداً وكان ينبغي استشارتهم قبل الإقدام على العلاقات الجديدة للإنتاج وأضاف لابدّ من أخذهم بالحيلة واسترضاء زعمائهم وربطهم بالشركة فأصبح ذلك المنهج أساس السياسة التي سارت عليها الحكومة والشركة.

*****************
مطالب المزارعين بمشروع الجزيرة تنحصراجمالا فى ضرورة الاعتراف بحق المزارعين فى تنظيم أنفسهم في اتحادات تدافع عن مصالحهم ، ورفع نصيب المزارعين فى الشراكة ، وبيع الأقطان بالمزاد العلني ، واشراكهم في مراقبة حسابات المشروع وفرز وتسويق القطن.

كان لنشاط تنظيمات المزارعين المدعومة من نقابات العمال قبل وبعد تكوين اتحاد عام نقابات عمال السودان دورا كبيرا فى الحركة الوطنية خلال الفترة 1946-1954؛ وفى تقرير له فى 1952 صور اتحاد عام نقابات عمال السودان حركة العمال والمزارعين وكأنها جيش للتحرير يمثل الفلاحين جنوده بينما يشكل العمال قيادته.

دخل مزارعو مشروع الجزيرة فى صراع طويل مع حكومة الحزب الوطني الاتحادي االمكونة في 1954، فقد رفع اتحاد مزارعي الجزيرة مذكرات متعددة ابتداء من منتصف 1955 للحكومة تحوى مطالبهم وأهمها تعديل قانون مشروع الجزيرة لسنة 1950 بحيث ينص على اثبات شراكة المزارع الفعلية في الانتاج ورفع نصيب المزارع من 40% الى 50% وتقليل التزامات المزراع بنسبة 50% وتمثيل العاملين في لجنة ادارة المشروع ورفع ضريبة الدخل عن كاهل المزارع واخيرا بيع المحصول في المزاد العلني . ولكن كل هذه المذكرات لم تجد غير الاهمال، بل أن رئيس الوزراءافى لحكومة.الوطنية 1956رفض مجرد مناقشة المطالب وفى هذه الاثناء انحاز اتحاد عام عمال السودان والجبهة المعادية للاستعماربثقليهما الى جانب المزارعين؛ وبلغ الصراع ذروته بعد أن رفع تحالف العمال والمزارعين والجبهة المعادية للاستعمار مذكرة للحكومة مطالبا بتحقيق جميع مطالب المزارعين وضرورة الغاء كل القوانين المقيدة للحريات والغير ديمقراطية

إنهاء الإضراب:

لاعتبارات قومية من جهة ومسائل وحسابات تنظيمية وواقعية من جهة أخرى مثل صعوبة التحكم في إضراب لفترة تزيد عن الشهرين لمجموعة (2500) مزارع يمتدون على مساحة أرض الجزيرة الشاسعة وصعوبة وبطء الاتصالات بين القيادة والقاعدة. وتدخل الحكومة وإدارة المشروع والضغوط التي مارسها الزعماء الدينيون على قيادات المزارعين وغير ذلك من الاعتبارات وإزاء هذه الحسابات تقرررفع الإضراب والذى امتد لما يزيد عن الشهرين ودعوة المزارعين للعودة إلى حواشاتهم.

**************
عزيزى السر يالى
شكرا للمداخلة الصادقة منك *** هذة ليست كل الأجابة على تساؤلأتك بخصوص أضراب المزارعين ولكن توضيح فى نفس الأتجاة وسا وافيك أنشا ء اللة با لمزيد ***ودمت

أبونبيل
29-07-2007, 12:18 PM
موضوع لة صلة بمشروع الجزيرة ****وبعيدا عن السياسة*** أبونبيل


عن نضال المزارعين


مجدي الجزولي

كنت بين حضور ليلة سياسية أقامها الحزب الشيوعي السوداني بميدان الحرية في مدينة ود مدني مساء 11 ديسمبر 2005، أمها حشد غفير من مواطني الجزيرة، وتحدث فيها السيد محمد حمدنا الله عن تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، ثم السيد هاشم ميرغني عن الحزب الشيوعي بالجزيرة والمناقل. ختم بالحديث الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني. المناسبة المباشرة لهذه الليلة السياسية كانت دعم تحالف المزارعين، المكوّن من أحزاب الشيوعي والإتحادي الديمقراطي والأمة القومي والحركة الشعبية لتحرير السودان، في نضاله للفوز بانتخابات إتحاد المزارعين ضد قائمة المؤتمر الوطني. أما قضية الصراع الأولى بين الطرفين فهي قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 الداعي لخصخصة المشروع: تحويل الأراضي إلى ملكية خاصة، رفع يد الدولة عن التمويل، تحويل سلطات وإختصاصات مجلس الإدارة إلى روابط مستخدمي المياه بما في ذلك التصرف في حيازة الأرض والمياه، توجيه وإدارة العملية الإنتاجية واسترداد الرسوم على مستوى الشبكة الكبرى والصغرى.

المتابع لقضايا المشروع يعلم أن القانون الجديد جاء ختاماً ماسخاً لسلسلة من السياسات التي إتبعتها حكومات متعاقبة بغرض تصفية مكاسب مزارعيه وإتمام الاستيلاء على فائض إنتاجهم لصالح البرجوازية الزراعية التقليدية المتنفذة في قطاع الدولة في مرحلة سابقة، ثم الرأسمالية الطفيلية الوليدة في عهد جعفر نميري واليوم مستنسختها الإسلامية التي تغذيها شرايين غنية من بنك دبي الإسلامي وغيره من مؤسسات الرأسمال الخليجي، وفي كل هذه المراحل يقف شبح البنك الدولي خلف ستائر المصلحة الكلية المزعومة بلجانه وتوصياته "الأكاديمية". بإزاء ذلك طالما أفلح المزارعون عبر هذا الصراع الطويل، وفي كل معركة من معاركه، في تجميع قواهم والتضامن من أجل الحفاظ على مكتسباتهم وتعزيزها مهما كلف الأمر في مواجهة صلف واستغلال طبقي فاحش. عليه يتصل تحالف المزارعين، كعدوه الطبقي، بتاريخ ممتد يعود إلى بدايات النشاط النقابي المستقل للمزارعين السودانيين، والذي كان لشيوعيين صبورين فيه دور نضالي بارز. المهم هنا أن التحالف قد تشكّل برغبة شعبية، إذ لم تتفق الأحزاب في قيادتها على تكوينه عند لقاء زعيمين أو ثلاثة في صالون أحدهم، بل جاء ثمرة لجهد جماعي مثابر بذلته قواعد المزارعين، مما أجبر الأحزاب المعنية على تبنّي موقف قواعدها من القانون المذكور رغم سد المصالح الذي يفصل بين القيادات وجماهيرها من المزارعين، لكن المواتاة السياسية ما كانت لتسمح لهذه القيادات، في هذه المرحلة بالذات والاستقطاب قائم بين معارض للمؤتمر الوطني ومساند له، بسلوك درب آخر غير الاستجابة لنداء قواعدها. على هذا الأساس فإن التحالف يمثل قطيعة إيجابية بل تحررية مع تراث شديد الوطأة تسير بحسبه القرارات الحزبية حصرياً من أعلى الهرم إلى أسفله تبعاً للولاء وقنواته، وهو تطور "حميد" بلفظ السيد الصادق المهدي، إذ طالما كانت نفس الأحزاب ترتهن بإرادة دوائر مركزية فيها تجمع سلطة الحل والعقد والمال والطبقة، وتتسم علاقتها بقواعدها الشعبية بكثير من الانتهازية والاستغلال، لكن التحالف بتكوينه المشهود إستنّ سنة يصعب الرجوع عنها، وذلك بفرض الإرادة الشعبية على الأحزاب، أي دمقرطتها بصورة فعلية ملموسة وليس فقط من فوق منابر قاعات ورش العمل والندوات في الخرطوم وعواصم "الحرية" البعيدة، بل من "تفاتيش" الجزيرة وفصول مدارسها التي جمعت مناضلي التحالف من غمار المزارعين على قلب رجل واحد. لهذه القطيعة الصالحة سابقة قريبة في تحالفات حركة الطلبة في الجامعات، حيث كافحت دهراً حتى انتزعت منابرها النقابية من فك المؤتمر الوطني رغم الدعم الغامر الذي يجده الطلاب الإسلاميون من الدولة، ورغم الاعتقالات والارهاب والعنف وبالطبع التزوير. كما لها كذلك سوابق ثورية في اكتوبر الظافرة والانتفاضة المجيدة، فما يضيع نضال الشعب السوداني سدى بل تتراكم مكاسبه ودروسه وبفضله يحرز تغييرات نوعية كالتي بين أيدينا.

كما سبقت الإشارة، ليس الصراع الطبقي حول مشروع الجزيرة بمستحدث، حيث يعود بتاريخه إلى نشأة المشروع في العام 1924 كأعظم وأوسع قفزة رأسمالية في البلاد، أصبح بموجبها جهاز الدولة صاحب عمل يستثمر في البنية التحتية ويؤجر العمالة، بهدف تصدير القطن كسلعة أولية إلى المملكة المتحدة. المشروع مثل المنفذ الأساس للاستيلاء على فائض القيمة من المنتج السوداني، هذا بموجب التحكم الاحتكاري في أسعار القطن وتسويقه وتصديره، وبجانب الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وفي المقام الأول عبر الاستيلاء على الأرض، حيث تم في أول عام للحكم الثنائي فرض قانون يجعل جميع الأراضي التي يعجز أصحابها عن إثبات ملكيتها الخاصة ملكاً للدولة الاستعمارية. في العام 1902 تأسست رابطة زراعة القطن البريطانية ومقرها لندن بغرض دعم زراعة القطن في المستعمرات، يحفزها فشل محاصيل القطن طويل التيلة المصرية والأميركية سنة 1909. هذه الرابطة قامت بنشر معلومات تخص قدرات السودان في هذا المجال في دلتا طوكر والزيداب، مما فتح شهية الرأسمالية البريطانية للاستثمار فيه، وعليه قامت الرابطة بشراء أسهم في مؤسسة الزراعة السودانية، وهي من أول الجهات الأجنبية التي استثمرت في السودان، حيث أنشئت في العام 1904 نتاج فكرة للزراعي الأميركي لاي هنت، وأول نجاحاتها إنتاج القطن في الزيداب وفقاً لنظام أجرة يوظف المزارعين المحليين. النجاج النسبي لنموذج الزيداب شجع الحكومة والمؤسسة على التوسع في الزراعة الرأسمالية، فدعت الأولى نفس المؤسسة عام 1911 لإدارة نواة ما أصبح لاحقاً مشروع الجزيرة. في نفس العام أتمت رابطة زراعة القطن البريطانية شراء حصة في أسهم مؤسسة الزراعة السودانية وأصبح رئيس الرابطة عضواً في مجلس إدارة المؤسسة (تيسير محمد أحمد، 1989). سيطرة الإدارة على المزارعين كانت شبه كليه، فالمزارع في الجزيرة كان فيما يخص إنتاج القيمة بروليتارياً يعمل بأجرة، والإدارة تحتفظ بسلطة طرده أو عقابه بالغرامة.

يعود التاريخ المعاصر لحركة المزارعين السودانيين إلى العام 1946، حينما قررت مؤسسة الزراعة السودانية القائمة على مشروع الجزيرة خصم حصة مقدرة من دخل بيع القطن لإنشاء صندوق "لرفاهية المزارعين". أدى القرار إلى إضراب مزارعي الجزيرة وامتناعهم عن زراعة القطن. لم يكن الإضراب يحمل أي صبغة سياسية بينة وتم احتوائه عن طريق إتفاق وسط حول حجم الحصة المستقطعة، لكنه نبه الإدارة الاستعمارية إلى ضرورة وجود جسم يمثل المزارعين، عليه تم إنشاء هيئة لتمثيل المزارعين ذات صفة استشارية بحتة. الأثر الأكثر أهمية لهذا الإضراب "التجريبي" كان إيقاظ المزارعين في أرجاء البلاد لمكن قوتهم الجماعية خاصة بالنظر إلى انهيار أسعار القطن في إطار الأزمة الاقتصادية الكونية. أول جسم نقابي للمزارعين نال اعتراف الدولة كان إتحاد مزارعي جبال النوبة، في بداية الأمر زعمت السلطة الاستعمارية أن الإتحاد يسيطر عليه "الجلابة" والشيوعيون، وبالتالي لا يحمل صفة تمثيلية. لكن الإتحاد حافظ على خطه المناوئ للاستعمار ونجح في تنظيم إضراب دام لمدة شهر، بينما فشلت محاولات الإدارة البريطانية فرض هيئة استشارية كالتي في الجزيرة، مما أرغم الدولة الاستعمارية على الاعتراف بمشروعيته. في المديرية الشمالية، قامت الإدارة الاستعمارية عام 1952 بزيادة ضرائب الأرض والمياه، ما شجع المزارعين على تكوين إتحادات تمثلهم. في البدء كانت حركة محدودة لم تشمل جميع المشاريع الزراعية في المديرية، لكن عند نهاية العام تمت الدعوة لاجتماع عام في عطبرة. مرة أخرى وجهت الحكومة للمزارعين تهمة التآمر الشيوعي بحجة مكان الاجتماع والدعم الذي وجدوه من إتحاد نقابات عمال السودان. رغم السخط الحكومي نجح المجتمعون في تكوين مؤتمر عام لإتحادات المزارعين في المديرية كما طالبوا بإطلاق سراح من تم اعتقالهم في إضرابات سابقة. إبان نفس الفترة استبدلت الإدارة البريطانية الهيئة الاستشارية للمزارعين في الجزيرة بجمعيات للمزارعين كإجراء شكلاني استبقت به التوجهات النقابية، سيطرت على هذه الجمعيات القيادات القبلية والدينية، ومن بينهم كبار ملاك الأراضي وكبار المزارعين، بالتالي لم تكن بأية حال تمثل مصالح المزارعين "الأجراء". كرد فعل على هذه الخطوة تسارعت الجهود لإنشاء جسم نقابي مستقل؛ في فترة وجيزة تم انتخاب لجان قاعدية في كافة انحاء الجزيرة ثم توحدت هذه اللجان تحت مظلة واحدة – إتحاد مزارعي الجزيرة. المطلب المحوري لمزارعي الجزيرة كان تصحيح نسبة تقاسم عائد القطن التي تفرضها مؤسسة الزراعة السودانية منذ بداية عمل المشروع في 1925، أي 40% للمزارع و60% للمشروع. المطلب الثاني كان تغيير سياسات تسويق القطن: حتى عام 1952 كانت السياسة المتبعة تقوم على عقود إجمالية بأسعار ثابتة مع مفوضية القطن الخام البريطانية، بعدها، منذ العام 1953، كان التسويق يتم في مزادات مغلقة، حيث تقوم شركات خاصة بدور الوسيط لمشترين من أوروبا الغربية، أما مطلب المزراعين فكان تنظيم مزادات مفتوحة للقطن تمكّنهم من الحصول على أعلى الأسعار، لا يهم من الكتلة الشرقية أو الغربية. برغم رفض الحكومة الاعتراف بإتحادهم أو التعامل مع مطالبهم واصل المزارعون عقد اجتماعاتهم العامة في الجزيرة لمناقشة قضايا التمويل الزراعي والضرائب وكلفة عمليات الإنتاج، بجانب مسائل التعليم والصحة وشبكة الطرق في المنطقة، كما قاموا بتنظيم عدة مظاهرات وإرسال مذكرات إحتجاج إلى المسؤولين المحليين والحاكم العام في الخرطوم والصحف. الإدارة الاستعمارية من جهة أخرى لم تدخر وسعاً لتعبئة ودعم القيادات المحلية التقليدية في جمعيات المزارعين "الحكومية" عبر الإعفاءات الضرائبية والتسهيلات المالية والقروض الميسرة. بالمقارنة حُرم المزارعون "المعارضون" في المديرية الشمالية من ري محاصيلهم لأنهم عجزوا عن تسديد ضريبة الري نسبة لسوء حصاد الفول والقمح ذلك العام، كما نزعت الدولة في الجزيرة، بموجب قانون صدر عام 1925، ما يزيد عن 250 ألف فدان من الحيازات الصغيرة (5 فدان). بنهاية عام 1953 كان المزارعون في الجزيرة قد إتفق رأيهم على توحيد هيئاتهم النقابية في جسم واحد، ونظموا اجتماعات حاشدة دفعت 70% من عضوية هيئة المزارعين الحكومية للاستقالة الجماهيرية من مناصبهم والانضمام إلى إتحاد مزارعي الجزيرة، الذي أعلن رسمياً أسابيع قلائل قبل بداية الحكم الذاتي في 1954. بما أن مزارعي الجزيرة قد التزموا بالتصويت لصالح الحزب الوطني الإتحادي في الانتخابات التشريعية، ما أهل الحزب لنيل أغلبية مطلقة في أول برلمان سوداني منتخب، فقد توقع الإتحاد أن ينتبه الحكام الجدد إلى مطالبه وأولها الاعتراف الرسمي بإتحاد مزارعي الجزيرة، لكن ذلك لم يحدث، فواصل الإتحاد عمله في الخرطوم بتنظيم الندوات الجماهيرية في نوادي العمال والتي قاطعها الحزبان الكبيران الأمة والإتحادي. بالإضافة إلى ذلك تعرضت قيادات الإتحاد لتحرش الإعلام الرسمي والبوليس، وواجهت عضويته غرامات وجزاءات إدارة مشروع الجزيرة. خلال هذه الفترة حاول الحزب الوطني الإتحادي عزل قيادات الإتحاد عن قواعد المزارعين بالعزف على وتر الولاء للحكومة الوطنية وبالطبع تهمة الشيوعية، بينما إتبعت الحكومة كل السبل الممكنة لتسويف الاعتراف الرسمي بالإتحاد. من جانبه، إنضم إتحاد مزارعي الجزيرة إلى الحملة المناهضة للقانونين الاستعمارية التي تحد من الحريات المدنية والتي قادتها الجبهة المعادية للاستعمار بجانب إتحاد نقابات عمال السودان وحركة الطلبة. بقدوم عام 1955 لم يكن الإتحاد معنياً بإعتراف الحكومة، فقد كان أمراً واقعاً، بينما تعددت وتطورت مطالبه: نظام أفضل للتمويل الريفي؛ شراكة ذات مغزى في عمليات التسويق والإدارة؛ زيادة حصة المزارع من صافي الأرباح (المصدر السابق). منذ ذلك الحين وإتحاد المزارعين يأخذ موقعه في مجمل الحركة الديمقراطية كقوة نقابية وسياسية مهمة، ساهمت في قفزات البلاد الثورية، وأهمها ثورة أكتوبر 1964 حيث شارك الإتحاد في جبهة الهيئات التي جمعت كل القوى والجماعات السياسية التي ناهضت الديكتاتورية العسكرية الأولى، وكذلك كان حضوراً في حكومة أكتوبر الشعبية والتي جاء تشكيلها كما يلي: ممثلاً لكل من الحزب الشيوعي والأمة والوطني الإتحادي والشعب الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي، سبعة وزراء لتمثيل النقابات والمنظمات المهنية من بينهم السكرتير العام للإتحاد العام لنقابات عمال السودان ورئيس إتحاد المزارعين (محمد عمر بشير، 1978).

تكاد المقارنة بين النشأة الأولى لإتحاد المزارعين و بين حال اليوم تقفز إلى الذهن دون عون التفكير، فكما كانت جمعيات المزارعين في مرحلة سابقة تخدم مصالح كبار المزارعين والدولة في آن - أي السلطة في تجلياتها الاقتصادية والسياسية، وتقوم بدور المستشار لأجهزة السلطة بما يمكن من استباق وضبط العمل المستقل للمزراعين، كذلك إتحاد المزراعين الحكومي الراهن يقوم بتنفيذ أجندة طبقة متميزة من الرأسمالية الزراعية تجمعها بسلطة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية تحت لواء المؤتمر الوطني أواصر قربى ومناصرة ومناصحة. في الواقع، يصعب إدراك الفوارق بين الإثنين وقد تبلورت مصالحهما وتضامنت قواهما بالتواطؤ على نزع مشروع الجزيرة من مزارعيه بسلاح الخصخصة عبر سلسلة من الاجراءات جوهرها الفصل بين توزيع عائدات الإنتاج والجهد المبذول أي استغلال المنتجين من خلال إعادة الهيكلة وخصخصة الإدارات الخدمية التابعة لمجلس إدارة المشروع: الخدمات الآلية، إكثار البذور، السكك الحديدية ..، تمهيداً للانقضاض على ما تبقى من قواعد أساسية يرتكز عليها المشروع في أداء مهامه الإنتاجية الأساسية ممثلةً في الأرض ومياه الري. تبين اللوحة الاجتماعية للمشروع أن أكثر من 95% من القوى العاملة في المشروع تساهم بنحو 80% من الجهد الإنتاجي ولا تحصل إلا على أقل من ثلث عائد الإنتاج للقطن، بينما يحوز أقل من 5% ممن لا يساهمون بأي جهد في العملية الإنتاجية على حوالي 70% من عائد إنتاج القطن، والعائد يمثل صافي حصة المزارعين بعد خصم الحساب المشترك قبل تطبيق الحساب الفردي في بداية الثمانينات (سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، يونيو 2005). واقع اللامساواة والاستغلال الذي تكشفه هذه الأرقام لا يحتاج إلى أي تعليق ويفرض مطلوباته بصورة بديهية، وهي التي دفعت المزارعين إلى التكاتف والتضامن ودعتهم إلى تكوين التحالف عبر الحزبي الذي به طلبوا الانتصار على الإتحاد الحكومي عن طريق الانتخابات.

مرة أخرى تقفز المقارنة السابقة إلى الذهن فكما وظفت الإدارة الاستعمارية مفتشي المراكز وأجهزة البوليس لقهر وتفتيت الإتحاد الناشئ كذلك استحثت سلطة المؤتمر الوطني أجهزتها لضمان فوز قائمة الإتحاد الحكومي بسلسلة من الإجراءات جاء بعضها على لسان السيد محمد حمدنا الله: إخفاء النظام الأساسي للإتحاد عن مرشحي التحالف، تعديل لائحة الإتحاد جزافاً بحيث يدفع العضو اشتراكات أربعة أعوام بدلاً عن عام واحد كشرط للترشيح أو التصويت، رفض قبول اشتراكات المزارعين أو إعادتها لهم، الطعن في 90% من مرشحي التحالف بحجة عدم دفع الاشتراكات. النتيجة أن 80% من المزارعين لم يتمكنوا من تسديد اشتراكاتهم وحُرموا بالتالي من التصويت على خلفية تعديل اللائحة وأسباب أخرى شرحها عضو التحالف حسبو إبراهيم بقوله: "الاشتراكات لم تُسدد لأن 30% من 128 ألف مزارع هم الذين يزرعون القطن، لم يتمكن 10% من هذه النسبة من تحقيق أرباح وبالتالي لم يسددوا اشتراكات"، مضيفاً أن "المحرومين أمامهم خيار اللجوء إلى انتزاع حقهم الذي كفله لهم الدستور وإتفاقية السلام بحرية اختيار التنظيم الذي يمثلهم وممارسة حقهم الانتخابي وتكوين إتحاد جديد" (الأيام، 5 ديسمبر 2005). نتيجة الانتخابات النهائية، حسبما أعلنت، أن قائمة المؤتمر الوطني فازت بمجموع 402 من 420 دائرة في ولاية الجزيرة، بينما كان نصيب التحالف 12 دائرة انتخابية، والتحالف يجمع أحزاب الشيوعي والإتحادي الديمقراطي والأمة والحركة الشعبية (الصحافة، 14 ديسمبر 2005). ليس لنا إلا أن نقول "ده إيه الشفافية دي" – "هَبُوبْ سَاكِتْ يا مطر الشِتَا"!

دروس تاريخ عمل السودانيين الجماهيري تؤكد أن تحالف المزارعين سيستمر ويتطور ويتقدم، أولاًبسبب المطالب الموضوعية التي من أجلها وُجد وثانياً بسبب الإتحاد الحكومي فقير المشروعية، وتؤكد كذلك ألا سبيل لنيل الحقوق سوى تنظيم الجماهير لنفسها في نقاباتها وإتحاداتها ومنظماتها الفئوية؛ لن تتنزل الديمقراطية من سماء "حكومة الوحدة الوطنية" أو سماء "المجتمع الدولي"، فليس يحقق المصلحة إلا أصحابها!

ديسمبر 2005

paradaies
30-07-2007, 10:08 AM
الاخ ابو نبيل
تحية مباركة ان شاء الله
وربنا يديك الصحة والعافية ويجزيك للجهد الكبير الذى قمت به
حاليا اقيم واعمل بالمدينة المنورة مدينة رسول الله صلى الله وعليه وسلم فىمجال الزراعة
وقبلها عملت عشرة سنين بمشروع الجزيرة مفتش غيط تنقلت فى كل الاقسام ولى ذكريات
وطرائف ومواقف ومعظم مسميات اسماء الترع بالمشروع لها اسباب !!!
ارجو شاكرا اولا ادارة المنتدى تثبيت هذا الموضوع للاخ ابو نبيل .
ثانيا من الاخ ابو نبيل لو امكن مسميات الترع .
ثالثا اتمنى مشاركة القدامى والعاملين بالمشروع بالمشاكل والحلول
مع تحياتى

أبونبيل
30-07-2007, 11:13 AM
مشروع الجزيرة

بقلم : صلاح الباشا... الدوحة
الماضي والحاضر والمستقبل المجهول ؟؟



هذا المقال جزء من بحث كبير حول (سياسة تحرير الإقتصاد السوداني بين الحقيقة والخيال ) والذي سبق أن نشرناه بالرأي العام السودانية وبصحيفة اخبار العرب الإماراتية التي تصدر في أبوظبي ، ولأن هنالك العديد من القراء قد أن إتصلوا بنا طالبين نشر الجزء من البحث الذي يتحدث عن مشروع الجزيرة في موقع ودمدني الجميلة ، ولكي نقوم بتزويد أبناء ودمدني بالمعلومات الصحيحة عن مشروع مدينتهم العملاق ، فإننا نستجيب دون تردد وننشر هنا في ( ودمدني الجميلة) ماسبق أن كتبناه عن هذا المشروع حتي تدرك أجيال عديدة من أبناء الجزيرة علي وجه الخصوص أهمية الإلتفات التام لهذا الصرح الشامخ حتي لايختفي من الوجود لأنه ملك لكل أهل السودان وتزداد أهمية أكثر من الثروة النفطية التي غطت عليه مؤخراً،

كنا قد أشرنا في مقالاتنا بالصحف بأن هنالك مجموعة من المشاريع الزراعية كان لها إسهامها الإستراتيجي في مسيرة الإقتصاد السوداني عبر تاريخه الحديث وتعتبر تلك المشاريع من أكبر المرتكزات الإقتصادية الصلبة في السودان بما تمتلكه من أصول ثابتة مرتفعة القيمة عبر كل الأزمنة ، إضافة إلي إكتساب وتراكم الخبرات الإدارية والفنية والحرفية بها ، فضلاً علي ما ظلت تقدمه من خدمات إجتماعية للمجتمع الذي تتواجد فيه فتنهض بالتالي بالأحوال المعيشية والصحية والتعليمية في ذات المناطق مما يقود إلي إستقرار السكان في تلك المناطق الجغرافية المحددة 0 ويأتي - بالطبع-علي رأس تلك المشاريع مشروع الجزيرة وإمتداد المناقل ، وكما يعلم العديد من الناس أن هذا المشروع قد تم إختيار موقعه الحالي عن طريق (شركة السودان الزراعية- Sudan Plantation Sendicate) وهي شركة قد تم تسجيلها في لندن في بداية عهد الإدارة الإنجليزية للسودان مع بداية القرن العشرين ، أي منذ بداية الحكم الإنجليزي المصري للسودان بعد دخول حملة كتشنر والقضاء علي دولة المهدية في موقعة كرري عام 1898م ومابعدها ، حيث كانت التجارب الأولي لتلك الشركة هي زراعة القطن تحديداً ، وقد تمت تلك التجربة بعد عدة دراسات جغرافية وطبغرافية حيث كان الإختيار قد وقع علي قيام المشروع في منطقة الزيداب ( غرب نهر النيل) في قلب منطقة الجعليين بالشمالية ، غير أن الشركة الزراعية إكتشفت فيما بعد أن الرقعة الزراعية هناك ضيقة ومحدودة وغير قابلة للتوسع نظراً للإمتداد الصحراوي الذي يحيط بالمنطقة من جهة الغرب ، وكانت الكمية المنتجة من الأقطان بمشروع الزيداب الزراعي لا ترضي طموح الشركة الزراعية ، فلم تكن تكفي حاجة المصانع الإنجليزية في لانكشير وليفربول وليدز حيث تتركز صناعة المنسوجات التي كانت بريطانيا العظمي تشتهر بها في أسواق العالم في ذلك الزمان فجاءت فكرة البحث حول نقل التجربة إلي منطقة الجزيرة المروية الحالية نظراً لإتساع الأراضي وإنبساطها وخصوبتها وجودتها ، وهي كما نعلم ( تربة طينية) خصبة لوجودها بين النيلين الأزرق والأبيض ، فضلاً علي وقوع الجزيرة المروية داخل حزام منطقة السافنا حيث يتوفرهطول الأمطارالتي تستمر طوال فصل الخريف لفترة ثلاثة أشهر في السنة ، وأيضاً لتوفر إمكانية إنشاء سدود ( خزانات) لحجز المياه علي النيل الأزرق لخلق نظام الري الإنسيابي ( ترع وقنوات) ، وهنا أتت الإستفادة من شيئين ، هما فتح ترعة رئيسية من الخزان( في سنار) لتمر عبر أراضي مشروع الجزيرة كي تتفرع منها ترع وقنوات صغيرة لري الأراضي وتتوغل داخل الأراضي الزراعية ( الغيط) ، والشيء الثاني هو لتوليد الطاقة الكهربائية المائية من خزان سنار ، ومن المعروف أن الطاقة المائية هي من أرخص أنواع الطاقة في العالم 0

تأسس المشروع وتم إفتتاحه رسمياً في عام 1925م بعد إكتمال إنشاء الخزان في سنار والإنتهاء من حفر الترع والقنوات الفرعية ( أبوعشرينات) ، وتم التخطيط لتأسيس التفاتيش والأقسام وبناء كل مستلزمات العمل من مساكن للعاملين بمختلف أحجامها وإنشاء المخازن والورش والمحالج الضخمة في كل من مارنجان والحصاحيصا ، ثم الباقير في وقت لاحق ، كما تم تأسيس أحدث شبكة نقل داخلي لترحيل الأقطان من الغيط ( الحواشات) إلي منطقة المحالج عن طريق تخطيط قيام أكبر شبكة نقل بضائع محلية في أفريقيا وهي ( سكك حديد الجزيرة) تتبع للمشروع فقط وتم إستجلاب القاطرات والمقطورات المسطحة التي تنقل جوالات القطن من الغيط للمحالج تفادياً للترحيل باللواري المكلفة إقتصادياً ، كما تم تأسيس محطة الأبحاث الزراعية في ودمدني لتناط بها المهام العلمية والبحثية في تحسين البذور والتقاوي لبذرة القطن علماً بأن البحوث الزراعية كانت في سنوات المشروع الأولي هي التي تقوم بكامل العمليات الزراعية قبل إنشاء الإدارة الزراعية بالمشروع ، وبمرور السنين فقد أصبح مشروع الجزيرة من أكبر مناطق جذب العمالة في السودان من كل القبائل خاصة من أهل شمال السودان ، كما جذب إليه مختلف تخصصات أبناء العاصمة المتعلمين ، بل أصبح منطقة جذب للعمالة الأفريقية من عدة دول مجاورة لعمليات الزراعة ولقيط القطن ، ولقد كان أهل شمال السودان هم العماد الأساسي لعمليات الإنتاج بالمشروع ، ومن هنا أتت أهمية محصول القطن كمحصول نقدي إشتهر به السودان في منظومة التجارة الدولية وقد كان يسمي بالذهب الأبيض ، وأصبح صادر القطن لوحده يشكل ثمانين بالمائة من دخل البلاد من العملات الأجنبية ،فضلاً علي التطور الذي رافق توسع المشروع عاماً إثر عام مع تطور وسائل الحياة الإجتماعية بكافة اشكالها لسكان الجزيرة والمناقل ،مثل حفر الآبار الإرتوازية ونقاط العلاج في الشفخانات ومراكز تعليم الكبار ورياض الأطفال والأندية الرياضية والإجتماعية في كل قري الجزيرة وحملات مكافحة الملاريا طوال السنة وحملات التطعيم الإجباري ضد الأمراض المعدية حيث يوجد مجتمع المزارعين 0و كل تلك المنجزات كان يقدمها المشروع من صافي عائدات القطن عن طريق إدارة الخدمات الإجتماعية بالجزيرة حيث كانت تخصص لها نسبة معينة ( إثنين بالمائة) من ناتج أرباح بيع القطن0

وبالإضافة لما كان يقدمه مشروع الجزيرة من خدمات إجتماعية ضخمة كما ذكرنا سابقاً قبل إنهياراته في السنوات الأخيرة ، فإن آثار نجاحاته الجانبية الأخري كانت تتمثل في إنتعاش الأسواق المحلية بمدن وقري المشروع العديدة ، ومارافق ذلك من قيام صناعات وطنية هامة تعتمد علي الخام الزراعي الناتج من المشروع كصناعات النسيج ( مجموعة مصانع شرف العالمية ) في مارنجان ومعاصر الزيوت والصابون ، ثم مطاحن الغلال بعد التوسع في إدخال زراعة القمح في النصف الثاني من القرن العشرين، وقيام مصانع نسيج الصداقة في الحصاحيصا وغزل الحاج عبدالله وغزل سنار، وقيام صناعات غذائية في مدني و المناقل وسنار ، فضلاً علي إتباع نظام الدورة الزراعية الذي يتيح للمزارع زراعة المحاصيل الغذائية والخضروات والبصل والفول ، وهي محاصيل جانبية ولكنها مهمة للمزارعين ويدخل عائدها كاملاً ومباشرة إلي جيب المزارع وأسرته، فضلاً علي توفر الأعلاف الزراعية للحيوان في كل قري الجزيرة 0

ولذلك ، فإن الشركة الزراعية في الجزيرة كانت تقوم بأدوار هامة في الإقتصاد الوطني بالسودان عبر مسيرتها منذ عهد الإدارة البريطانية إلي أن تم تأميمها وتحويلها إلي مؤسسة وطنية مائة في المائة في عام 1950م فسميت بمجلس إدارة مشروع الجزيرة بالسودان ، حيث كان أول من ترأس مجلس إدارة الجزيرة المرحوم عبدالحافظ عبدالمنعم محمد ، كما كان يحتل منصب المحافظ بعد رحيل الإنجليز الراحل السيد مكي عباس خلفاً لآخر محافظ إنجليزي وهو المستر جيتسكل المشهور جداً لأنه كان قد تدرج في خدمة الجزيرة منذ أن كان خريجاً شاباً عمره 22 عاماً في عام 1930 حين أتي من لندن حتي مشارف الإستقلال في عام 1956م ، حيث عمل جيتسكل عند تعاقده من لندن مع الشركة الزراعية للعمل بالجزيرة مبتدئاً من وظيفة صراف صغير بالغيط وظل متدرجاً في الوظائف المختلفة عبر السنين الطوال حتي وصل لدرجة محافظ لمشروع الجزيرة0

ولقد ذكرنا كل هذه المقدمة الطويلة عن هذا المشروع حتي تدرك الأجيال الجديدة بما كانت تقوم به الزراعة في هذا الوطن العزيز من أدوار في مسيرة الإقتصاد السوداني حتي وصل عائد البلاد من الناتج الزراعي وحده في بعض المواسم الزراعية إلي قرابة المليار دولار في السنة ، ولقد كانت أقل سنوات المردود الزراعي في عام 1989م ( قبل الإنقاذ) حيث وصل الناتج الزراعي لوحده إلي ستمائة مليون دولار تقريباً ( أي تعادل نصيب السودان من إنتاج البترول حاليا) 0لذلك000 كان مشروع الجزيرة فيما بعد هو الغدوة لقيام مشاريع حكومية صغيرة مثيلة له كمشروع الرهد ومؤسسة حلفا والسوكي كي يزيد الناتج الزراعي للتصدير ولتستقر الحياة الإقتصادية لسكان تلك المناطق 0

وعند إتباع سياسة التحرير الأخيرة ، كانت من أكبر أخطائها تجاهل هذا المشروع بتقليل مساحات القطن فيه إلي أقل قدر وبنسبة إنخفاض وصلت إلي سبعين بالمائة في المساحة ، وإستبدلت تلك المساحات بتوسيع زراعة القمح الذي له مخاطره الأخري ، فهو محصول مكلف ويحتاج إلي مناخات شتوية محددة التوقيت وغير متقلبة ( كمناخات وسط السودان) حسب رأي الخبراء في هذا المجال، والقمح أصلاً عالمياً يعتبر متوفراً ومن أرخص المنتجات المطروحة في السوق العالمي وليس بالسلعة النادرة مثل القطن، ولا ندري حتي اللحظة من هو هذا الفيلسوف صاحب المشورة المدمرة الذي أدار عجلة الزمان بالجزيرة سبعين عاماً إلي الوراء بسبب الخوف من قيام حصار إقتصادي دولي علي السودان كإنعكاس لتداعيات أزمة الخليج الثانية في عام 1990م ومابعدها ، حيث اشار بتقليص مساحة زراعة القطن من مليون فدان إلي مائة ألف فدان فقط في معظم السنوات الأولي للإنقاذ ، مع إتساع مساحات القمح الذي كان وبالاً علي الدولة والمزارع علي السواء ، فإذا بكل دول العالم تسارع في إرسال إنتاجها من سلعة القمح والدقيق الفاخر إلي السودان بأرخص الأسعار ، مما أدي إلي كساد القمح السوداني الرديء والمكلف جداً للخزينة العامة ، وبدأ بذلك إنسحاب السودان من معظم أسواق القطن والغزول العالمية ، وقد إتجه وقتها الغزالون العالميون في غرب العالم وشرقه إلي مناطق أخري من الكرة الأرضية للبحث عن دول بديلة تغطي حاجاتهم من الأقطان طويلة التيلة وقصيرتها ، فبدأ العد التنازلي لهذا المشروع العملاق وتعطلت حركة الأبحاث الزراعية وتم إبعاد كل الكفاءات المتميزة بالمشروع بالكامل وتم إتباع سياسة القفز بالعمود في إدارة المشروع ،وإستشري التخبط وسط الإدارة التي ظل يتبدل مديروها كل سنة أو سنتين من عديمي الخبرة العريقة بعد أن إستغني المشروع من كل الجيل الخبير في شتي أقسامه منذ سنوات الإنقاذ الأولي ، فالكل كان يريد تكبير كومه من السلطات وحدث التضارب الإداري في القرارات ، وتقلص دخل صادر القطن من مئات الملايين من الدولارات إلي سبعين مليوناً فقط في عام 1999م إلي أن إنهار المشروع بالكامل بعد أن ظلت وظيفة المدير العام يتم التعيين لها من أصحاب الولاء - عديمي الخبرة - من خارج إطار المشروع ، وكلهم قد فشلوا فشلاً بائناً في إنقاذه مما دعا أصحاب التخصيص والتحرير في المركز لتكوين اللجان لدراسة إمكانية خصخصة وبيع هذا المشروع العملاق ( بأثمان بخسه) كما تعطلت إثر ذلك كل المصانع المحلية التي كانت تشتري موادها الخام من أقطان مشروع الجزيرة وتحولت تلك المصانع إلي ماكينات هامدة وتشردت العمالة واصبح سكان ولايات الجزيرة وحيواناتهم يتسولون لقمة العيش من خشاش الأرض ومن دواوين الزكاة ومن تحويلات المغتربين الذين هربوا من البلاد زرافات ووحدانا بعد أن سدت كل سبل الكسب أمامهم وهم يرون أهليهم تسوء أحوالهم المعيشية ، ورغم ذلك فإن البنوك الإسلامية بمرابحاتها العالية الفائدة التي تقارب الخمسين في المائة من أصل القرض قد ساعدت في عملية إعسار ثم إفلاس قطاعات هامة من المزارعين الذين باع معظمهم أصوله الإنتاجية القديمة كاللواري والجرارات ، وبعضهم باع منازله المرهونة للمصارف ، فأصبحت سياسة التحرير هذه قد أضرت بقطاعات هامة من جماهير الشعب السوداني بعد ان كانت كل حياتهم تسير في تناغم وتؤدة ونجاحات معقولة وسترة حال عبر عشرات السنين، ولم نشهد في تاريخ السودان كله أن قام الناس ذات يوم ببيع كل أشيائهم الجميلة والعريقة ومعها ذكرياتهم الحلوة خلال سنوات محدودة إلا في عهد تحرير الإقتصاد هذا الذي رافقته حملات دعائية كانت تشعرك بأن السودان سيكون جنة الله في الأرض بعد خمس أو ست سنوات ، فإذا بالسنوات العجاف تتزايد سنة بعد أخري ، وإذا بفلاسفة تلك السياسة التحريرية يصمتون صمت القبور ويشغلون أنفسهم بإختراع مؤسسات أخري لعلها تقنع الشعب في الداخل والعالم الحر بالخارج بأن بلادنا أيضاً تستطيع دخول عالم التجارة التقنية الحديثة من بيع أسهم وسندات وأسواق مالية ومضاربات ، ناسين أن السودان وإقتصاده المنهار لايمكن أن ترتفع فيه أسعار اسهم أو سندات لمؤسساته المصرفية المفلسة حيث ظلت تختفي مصارفه ومؤسساته المالية من الوجود الواحدة تلو الأخري شأنها في ذلك شأن البقالات التي تغلق أبوابها بسبب عدم وفاء الزبائن بسداد مديونياتهم ، ولنا أن نراجع الأداء المالي لأي مصرف سوداني خاص وهي كثيرة العدد لنري كم هي الأرباح التي تحققت للمساهمين في العشرة سنوات الأخيرة ، لا شيء ، فتات فقط 0 نعم فتات فقط 0أي والله0 ورغم ذلك لايزال البعض يتشدق بعبارات ( أسلمة البنوك) ذات الفائدة التي تصل إلي خمسين بالمائة من أصل القرض0 ( نذكر هنا أن فائدة البنوك قديماً كانت عشرة في المائة فقط) ، وكل الذي تغير أننا أبدلنا كلمة قرض إلي مرابحة فأصبح الأمر ( أسلمة البنوك) وهو مجرد شعار فضفاض فقط ، ثم رفعنا نسبة الفائدة إحتراماً لكلمة أسلمة هذه فقط ، وهذا رعب فكري أصولي بائن، والنتيجة كانت كلها إعساراً في سداد المرابحات ، وحصل ما حصل لعملاء المصارف0

لذلك نقول أن تحرير الإقتصاد إذا لم يرافقه تحرير لإرادة الناس وفتح المجالات الفكرية لإسهاماتهم فإن الموقف سيكون ( مكانك سر) ، وهذه طبعاً أفضل من ( إلي الخلف دور) التي حدثت للإقتصاد السوداني عبر سنوات تحرير الإقتصاد ، إذ لا زلنا نأمل في أن يعاد النظر في مسألة إعادة الحياة لمشروع الجزيرة ، وذلك لسبب بسيط لايخفي علي الإدارة الإقتصادية التنفيذية بالبلاد ، وهي أن هذا المشروع به من الأصول الثابتة ما لايحتاج بعده إلي إي إضافات أصول أخري لمدة خمسين سنة قادمة علي الأقل ، فهنالك قيمة أصل خزان سنار ولا نحتاج بالطبع إلي قيام خزان آخر لري أراضي المشروع تحديداً ، وهنالك وجود الأراضي نفسها كأصل قوي وثابت بذات تقسيماتها وتفاتيشها ، مع توفرمؤسسة أعمال الري بكل آلياتها الضخمة وخبراتها المعطلة ، ووجود قنوات الري والترع والتي تحتاج إلي تنظيفها فقط من الحشائش ، فلا نحتاج إلي إنشاء تفاتيش جديدة او شق قنوات جديدة في نظام الري ، وهنالك المكاتب والمساكن والمخازن والورش التي تغطي كل أقسام الجزيرة والمناقل ، وهنالك المحالج الضخمة في مارنجان والحصاحيصا والباقير ، وهنالك أصول رئاسة المشروع في تلك المنطقة الإستراتيجية الهادئة الجميلة ( بركات) ، وهناك أسطول قاطرات ومقطورات سكك حديد الجزيرة التي تنقل الإنتاج من الغيط إلي المحالج ، وهناك إدارة ومعامل وأراضي البحوث الزراعية بودمدني بكل علمائها وإدارييها المتفانين ، وفوق ذلك هناك الإنسان المزارع والإنسان الإداري والإنسان الزراعي والإنسان الفني ، وهناك العامل المتخصص في كل أمور وخبايا ومعدات هذا المشروع 0، وفوق ذلك 0هنالك القدرة الإلهية التي أبعدت شبح فكرة بيع المشروع في سنوات عتمة سابقة وحفظته للأجيال القادمة، فماذا يتبقي إذن كي نعمل لإعادة الحياة لتوظيف تلك النعم والموارد المعطلة التي تبلغ قيمتها السوقية الآن مئات المليارات من ( الدولارات)

إذن المسألة لا تستدعي الهروب والإلتفاف حول هذا الأمر ، ولا أدري كيف كانت لجنة الخصخصة التي تم تكوينها في السنوات القليلة الماضية تستطيع أن تجد مستثمراً لديه مايقارب الخمسمائة مليار دولار وهي القيمة التقديرية لأصول هذا المشروع المذكورة سابقاً ، كيف كانت خطة الخصخصة ستسير وماهي الجهات المحلية أو حتي الدولية التي تتوفر لديها مثل هذه القدرات المالية العالية لكي تشتري هذا المشروع ، أم أن المسألة سوف تسير علي نهج بيع المؤسسات المالية الرابحة مثل بيع البنك التجاري المتميز إلي بنك المزارع الخاص بأبخس الأثمان ، وبأغرب عملية بيع ، وقد كانت كالتالي: لم يقم بنك المزارع بدفع قيمة الشراء في وقتها فوراً ونقداً في عام 1991م ، بل كلنا يعلم بأن عملية السداد قد تمت من واقع عمليات ونشاط البنك التجاري القديم بعد عدة سنوات لاحقة ( في عام 1997م) مع ملاحظة إنخفاض أسعار الصرف خلال تلك المدة لأن البيع لم يتم بعملة الدولار ( تصور؟) ، أي تم بيع البنك وتم تركه يعمل كي يسدد ثمن أصوله للحكومة ، أي بعد أن حقق البنك أرباحاً عالية بموقفه المالي القوي وبأرباح معاملاته المصرفية لمدة سبع سنوات لاحقة ، ثم قام بعدها بسداد قيمة الشراء إلي بنك السودان دون تعديل في قيمة سعر البيع المقررة في عام 1991م رغم إنهيارات الجنيه المتلاحقة ، أي أن مساهمي بنك المزارع لم يوردوا قيمة الشراء إلي خزانة الدولة نقداً ومقدماً عند إستلامهم للبنك التجاري في عام 1991م ، وهذه لعمري أغرب طريقة للبيع وهي أن تبيع نفسك للغير وأن تعمل سبع سنوات إضافية لتحقق أرباحاً لكي تتمكن من سداد قيمة بيع نفسك للغير من أرباحك المحققة ، وهي تذكرنا بزمن تجارة الرق حيث يظل الرقيق يعمل عند مالكه حتي يتمكن من سداد المبلغ المتفق عليه لكي يتم عتقه بعد ذلك فهي أشبه بهذه المسألة تقريباً وهذا شيء مقلوب تماماً في عالم التجارة مائة في المائة، ولكنها فلسفة التحرير والخصخصة وفوضي المتابعة والإنشغال بالفعل السياسي فقط، فضلاً عن قرار بيع مؤسسة حكومية مصرفية ناجحة كالبنك التجاري الذي يعتبر من أميز البنوك في تاريخ السودان الحديث وله تقاليد تجارية راسخة وعملاء متميزون راسخون في الحركة التجارية السودانية ، فقد إختفي البنك التجاري العملاق إلي غير رجعة ودخل بكل نجاحاته إلي بطن بنك جديد خاص يحمل إسم المزارع ( بالعافية) والذي لم يسهم مطلقاً في حركة الإقتصاد الزراعي والوطني بعشرة في المائة مما كان يقوم به البنك التجاري الذي ( ذهب مع الريح)0

لذلك فإننا نتحدث بإصرار شديد في أن مسألة تحرير الإقتصاد وخصخصة مشاريع وبنوك الدولة رغم صحة نظرياتها من الناحية الفنية البحتة ، إلا أن تطبيقاتها كانت كلها تنم عن إنعدام خبرة في العمل الوطني السوداني ، وعن قلة تجربة في العمل الديواني ، حيث لاحظنا أن هنالك أسماء معينة ظلت ولمدة عشره سنوات تتنقل في نفس وظائف مديري البنوك التجارية والزراعية ، فيتم تحريكهم من بنك إلي آخر كل فترة ، مثل تغيير مدرب الكرة لخانات اللاعبين داخل الملعب مع الحفاظ علي نفس التشكيلة ، وبالتالي لا يحدث إستقرار إداري في البنك المحدد ولاتجديد في سياساته كي يتطور ويصمد ، وذلك بسبب تقلب السياسات وتبدل المهارات ،مما أدخل إقتصاد البلاد بذلك في حقل تجارب ظللنا ندفع ثمن إخفاقاتها المتواصلة فقراً ومرضاً وجوعاً ومهددات للهوية تطل برأسها من وقت لآخر ، وغاردتنا إلي غير رجعة كل قيم وتراث التسامح السياسي والتكافل الحياتي في المعاش والحاجات ، وإفتقدنا معظم مكونات إستمرارية مشروعاتنا الزراعية الضخمة ، وإنهارت الخدمة المدنية التي إشتهر بها السودان بين الشعوب ، وهاجرت العقول المتميزة المبعدة من الخدمة تلعق جراحاتها الغائرة وتتذوق مرارة العلقم إلي مهاجر بعيدة تستصعب العودة بعدها 0ومنهم من بحث عن إكتساب جنسيات أخري فوجدوها علي طبق من ذهب في العالم المتقدم 0فتأمل!!!0

ولكن رغم ذلك يبقي الأمل متقداً في نفوسنا 0 وسنظل نتفاءل بالخير حتي نناله ، ولا نملك إلا أن ندعو الله أن يحفظ سوداننا الحبيب من كل شر وفتنة وأن يهدي كل قادتنا إلي سواء السبيل ، وأن يعم السلام الذي غاب طويلاً كل أرجاء البلاد ، وأن تعود لمجتمعنا مرة أخري كل قيم التسامح والأدب الرفيع والتعامل الراقي بين كل فئاته ، وأن تنتصر قيم الحق والجمال وأن تندحر وتغادرإلي غير عودة كل مشاريع الظلام وأجندة الحرب ، وحينذاك0 سنجد كل أسراب الطيور التي إرتحلت بعيداً جداً ولسنوات طويلة قد حزمت حقائبها لتعود إلي مراتع صباها لتجدد ذكرياتها رغم مرحلة كهولتها فتعود وفي معيتها كل تجاربها الثرة وكل أجيالها الجديدة التي ترعرعت بالخارج بكل ما إكتسبته تلك الأجيال من علم حديث ومن تقنية متقدمة ومن أفق متسع ومتقدم كإتساع بلادنا الشاسعة كي يحدث تواصل وتوارث للخبرات والتجارب في شتي الميادين مرة أخري بعد هذا الإنقطاع الطاريء رغم طول مدته ، وعند ذلك0ستتفتح ملايين الزهور في أرض بلادنا بعد أن أصابها الذبول زمناً ليس بالقصير وختاماً نأمل بأن يكون هذا الجهد المتواضع قد فتح المجال واسعاً كي يسهم أهل السودان بإبداء ملاحظاتهم حول الأداء الإقتصادي في بلادنا طالما كان أمر الإقتصاد يهمهم كلهم وليس الجهاز الحاكم فقط ، حتي لا تتكرر تلك الأخطاء القاتلة مرة أخري 000، وحتي نستطيع إبعاد شبح المعاناة التي واجهتها جماهير شعبنا ، وأن نتمكن من إغلاق ذلك الفك المفترس والمتمثل في حزام الفقر والجوع الذي أصبح سمة لازمة يُدمغ بها شعب السودان في كل الميديا العالمية كما نراها من وقت لآخر ….والله المستعان ، وإلي اللقاء0

موقع ودمدنى

أبونبيل
03-08-2007, 10:50 AM
sudaneseonline.com


مشروع الجزيرة يحتضر


مشروع الجزيرة المنارة الاقتصادية الشامخة والصرح التاريخي العملاق المتاصل في اعماقنا ظل صمام امان السودان لسنوات طويلة فبه شبكة للري تعتبر من احدث ما توصلت اليه هندسة الري في العصر الحديث
وظل المزارع يعمل في جد واجتهاد وكد وتعب ليل نهار من اجل اداء الدور المنوط به في عمله وكل افراد الاسرة تشاركة العمل ايمانا منهم بان الارض هي كنزهم الرابح وكانت تعطيهم بقدر ما يعطونها ولاتبخل عليهم باي شي بل تبادلهم حبا بحب المزارع يعشق ارضه كما تعشق الارض المزارع
وكان انتاج الذرة الرفيع كبيرا وكذلك الفول السوداني والقمح وكل الخضروات وفوق هذه المحاصيل كان محصول القطن هو الذهب الابيض ومصدر العملة الصعبة في البلاد قاطبة مع الصمغ العبي وكانت ميزانية الدولة تعتمد باكبر نسبة مئوية علي مشروع الجزيرة
ومشروع الجزيرة كان قبلة العمالة من كل انحاء السودان من الشمال حيث كان يعمل اهل الشمال غ البيتهم في مشروع الجزيرة اما عمال في الاليات التي تنظف القنوات التي تاتي بالماء او بالقناطر التي كان في كل مكان تتابع سير انسياب الماء وتدفقها وفي كل قنطرة كان يوجد تلفون لاسلكي للتواصل مع القنطرة الاخري الي اخر المشروع بل والي خزان سنار وكانت محطات السكك الحديدية والقطار لنقل القطن والاتيان بالاسمدة وكل ما يخص المشروع وطائرات الرش التي كانت تحلق في سماء المشروع طيلة ايام النهار في حركة دؤوبة حتي تحس انها حرب النجوم بمعني اخر ان كل اهل السودان يعملون في المشروع اما فنيين او سواقين للاليات الزراعية او القطار والسكة حديد او اداريين وعمالة ومستثمرين
وكان لمشروع الجزيرة اتحاد له نشرات دورية توزع في كل التفاتيش بصورة دورية والاتحاد كانت له صولات وجولات من ايام المستعمر وكان شعاره يا مزارعي الجزيرة اتحدوا ولا ومكان هنا للحديث عن الاتحاد وانجازاته حاليا
الان مشروع الجزيرة يحتضر فقد تهدمت وتكسرت كل القناطر التي بناءها الخواجات وعلي فكرة اقول ان الخواجات كانوا يعملون في مشروع الجزيرة سواقين طائرات بي فهمنا نحن وبي فهمهم هم كابتن طائرة المهم كانوا شغالين عندنا
هذه القناطر كانت مبنية من الحجر يعني ما في اي قوة امطار او غيرها تسيطع ان توثر فيها ولكن في عهد الجماعة ديل وبي قدرة قادر تحطمت المباني واصبحت اطلالا وسرقت التلفونا ت واعمدتها وكذلك دمرت السكة حديد وسرق الناس قضيب السكة حديد ولم نري القطار منذ سنين طالت ولم نري الطائرات تحلق في سماء المشروع الا لماما واحدة او اثنين واتعدمت السلفيات ويا حليل زمن الحساب الفردي وهجر الناس المشروع واصبح المشروع طارد للجميع الا اصحاب الوجعة والجمرة بتحرق الواطيها والقطن اصبح لايجد اهتماما من اي احد اللهم الا محاولات خجولة من قلة قليلة فقنوات المياه اصبحت تعاني من الاهمال تاتي المياه في غير وقتها لتغرق الجميع وتغيب في وقتها لتحرق النبات وهكذا عشوائية في الادارة وفوضي لم نشهد لها مثيل من قبل في تاريخ المشروع هل نقول ان المشروع نحروه ولم ينتحر
شباب الجزيرة كلهم هجرو البلد والمشروع الي خارج السودان والي المدن الاخري لاسيما الخرطوم وسابقا كان الطالب الجامعي يفتخر بالعمل مع والده واخوانه في المشروع لان الارض كانت تمثل لهم شي غير عادي الان الجميع يتاففون من العمل كيف اعمل وتنقطع مني الماء في عز وقتها لاخسر كل شي فمثلا واحيانا كثيرة تاتي المياه في وقتها وعندما يوشك النبات المعني علي الاستواء تنقطع الماء فجاءة وتاتي بعد ان يمرض النبات ويصاب بسوء التغذية وتكون النتيجة هي حصاد فاشل ومريض يصيب الناس بخيبة الامل
لاادري ماذا يقصد الذين تسببوا في هذه الازمات للمشروع هل هنالك نية مبيتة للقضاء علي الشروع ام ان الامر اهمال من الجهات المختصة ام ضعف اداري من من اوكل اليهم امر المشروع في هذا الزمان الغابر والكالح
اننا بكينا حتي جرت دمعنا علي خدودنا دمنا من اجل ارضنا ومشروعنا وصرخنا حتي بحت اصواتنا ولا يسعنا الا نقول الشكية لغير الله مذلة اللهم اقتص لنا من الذين تعمدو قتل مشروعنا وارينا فيهم يوما كيوم هامان وفرعون
ونداء الي اهل مشروع الجزيرة المروية الخضراء ان تعالوا نرفع يدا بيد من اجل اعادة المشروع سيرته الاولي وقيل ان الـــــحـــــــــقوق تــــــــوخـــــــــــــــذ غــــــــــلابـــــــــــــــــه
عمر عبدالله فضل المولي
السعودية الرياض

بورتبيل
03-08-2007, 11:20 PM
ابو نبيل ... يحكي تاريخ الحياة الماضية في مشروع عملاق

لك الود ابو نبيل فقد اوجزت .. وتعمقت في قصة احد اهم ركائز البلاد الاقتصادية لاكثر من 70 عاماً .. ولكم جعلتني اتالم غاية الالم .. وانا اقراء تلك المجهودات الجبارة التي بذلت لقيام اعرق المشاريع الاقتصادية في القارة الافريقية. وتحسرت الى مآل الحال..
لك الود ابو نبيل