بستوني
05-10-2004, 07:59 AM
أهم ما قام به المؤتمر الذي عقد في الجامعة الأميركية بين 5 و7 كانون الأول تحت عنوان <<الجنسانية في العالم العربي>> )سمٍِّّفٌىٌُّّ ىَ ُّوم ءْفق طٌُْل(، والذي نظمه مركز الأبحاث السلوكية في الجامعة بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط في سانت أنطوني كوليج في جامعة أكسفورد بدعم من مؤسسة فورد، هو فتح المجال واسعا لنقاش مواضيع حول الجنسانية والسلوكيات الجنسية ما زالت تعد في معظم مجتمعاتنا العربية من التابوات المحظور قبولها أو حتى مناقشتها.
الى جانب الاهتمام بقضايا الهوية الجنسية، والصحة الجنسية، والاعتداء الجنسي، عالج البحاثة والأكاديميون ألأجانب والعرب المشاركون قضايا الجنسانية عبر استكشاف أبعادها الثقافية، الاجتماعية والتاريخية. وكان للأدب والشعر والفن حصة في المؤتمر، إذ ناقشت جلسة السبت الثانية الجنسانية في الأدب شارك فيها أسعد خير الله الذي قدم موضوع جسد المرأة في قصائد الشاعرين أمجد ناصر وعبدو وازن، وماهر جرار الذي بحث في الجنسانية، الفانتازيا والعنف في الرواية اللبنانية ما بعد الحرب عبر مناقشة ومقارنة روايات ثلاث صدرت في السنتين الماضيتين وهي: <<تصطفل ميريل ستريب>> لرشيد الضعيف، <<يالو>> لالياس خوري، و<<مريم الحكايا>> لعلوية صبح. وقدم جوزيف مسعد ورقة حول شعر أبي نواس الذي نادرا ما خلا من الصور الجنسية، والقلق الذي أحدثته هذه الصور في الكتابات النقدية والتاريخية المعاصرة. سونيا مشجر اتاسي بحثت في موضوع الأنثى العارية في اللوحات الأوروبية.
جنسانية الهامش
قد تكون آراء الطلاب والشباب في ما يتعلق بالجنسانية هي الطاغي الأكبر على المؤتمر، ذلك أن غالبية الدراسات الميدانية والاستمارات التي قدمت حاولت تسليط الضوء على آراء الطلاب والشباب في مواضيع مفصلية وعلى فهمهم لقضايا محورية تتعلق بالجنسانية، وذلك لاستكشاف ظواهر التغيير ان وجدت في المواقف والسلوكيات. فقد اختير الطلاب كعينة أساسية بالإضافة الى عينة من البالغين كالدراسة التي قام بها كل من سمير خلف، ستيلا ميجر وشاهي كازاريان. هذه الدراسات تمحورت حول الاعتداء الجنسي على الأطفال (برنارد جرباقة وناتالي الشمالي اليسوعية، وبريجيت خوري الأميركية)، تطور الجنسانية والتعبير عنها (ماري تريز خير بدوي اليسوعية، وبريجيت خوري الأميركية)، الصحة الجنسية والجنسانية الصحية: في تحد لمعانيهما الثقافية (ستيلا ميجر مستشفى الجامعة ألأميركية، شاهي كازاريان وسمير خلف الجامعة الأميركية)، الثبات والتحول في الهويات الجندرية بين الطلاب ( عزة شرارة بيضون الجامعة اللبنانية)، وموضوع غشاء البكارة ومعناه الثقافي والاجتماعي كذلك المعنى الاجتماعي لفقدانه وإعادة ترميمه (جوني عواد مستشفى الجامعة الأميركية). روزان سعد خلف (الجامعة الأميركية) عرضت انطباعات عامة خرجت بها من قراءتها وتقييمها لكتابات تلامذة صفها في برنامج الكتابة الابداعية في الجامعة الأميركية بعد أن طلبت منهم كتابة ومناقشة موضوع الجنس. من الانطباعات ان أنماط الذكورة والأنوثة متداخلة ومتشابكة وأن كل التلامذة تقريباً دعوا إلى <<تحديث>> للجنس والتوقف عن إخضاعه لتفكير أخلاقي أو لمشاعر الذنب. سأعود في نهاية هذا المقال الى ورقة سعد خلف لأنها طرحت لدي سؤالا حول تأثير اللغة (سلبا أو إيجابا) على التعبير عن الجنسانية. معظم الدراسات التي ذكرت هنا ارتكزت على أسئلة واستمارات وزعت على طلاب منتسبين الى الجامعات اليسوعية، الأميركية، اللبنانية والعربية وغالبيتهم العظمى من اللبنانيين. الاستثناء الوحيد دراسة لعيّنة من الطالبات التونسيات في العاصمة تونس حول تحول أنماط الجمال وصورة الجسد بين الشابات أجرتها وقدمتها في المؤتمر انجيل فوستر (جامعة هارفرد). طرق البحث المعتمدة طرحت بالطبع أسئلة مهمة: هل عينة الطلاب عينة تمثيلية؟ وبالتالي الى أي مدى نستطيع الاستنتاج والتعميم في عملنا البحثي؟ هل نستطيع استعمال محصّل البحث كمؤشر تغيير في النظم السائدة للهويات والأنماط الجندرية؟ أم علينا التعامل مع عينة الطلاب كمجموعة مهمشة لا تؤثر في ديناميكيات تغيير ما هو سائد؟
لا تهدف هذه المقالة بأي حال الى تغطية مضامين الأوراق المهمة دون شك والتي قدمت خلال هذا المؤتمر بأيامه الثلاثة، بل الى إضاءة ومناقشة بعض النقاط المتعلقة ب<<ثيمات>> محورية مختارة أتاحت لمقدميها، وكغيرها من الأوراق، المساهمة في تقديم مفاهيم وأبعاد جديدة للموضوع. لذا اخترت أربع دراسات وجدت انها تشترك في أكثر من نقطة بينها رغم اختلافها في طرق البحث. هذه الدراسات هي لكل من راي جريديني (الجامعة الأميركية) الذي عالج الجنسانية لدى خادمات المنازل في لبنان والعالم العربي، وغسان حاج (جامعة سيدني/الجامعة الأميركية) حول الهجرة والجنسانية في العائلة اللبنانية، وسفيان مرابط (كولومبيا/مركز الأبحاث السلوكية في الجامعة الأميركية) حول سياسات تسجيل ونبذ الفروقات الجنسية في بيروت، وميلان بارديا (جامعة لندن) حول العلاقات المثلية في دمشق. أجد هناك أكثر من نقطة تجمع بين الدراسات تلك، قد يكون أهمها اختيار الباحثين فيها لمجموعات أو شخصيات مهمشة في المجتمع (منبوذة أحيانا) كمادة بحث وتحليل، وهي تبحث إما في تعبير تلك الشخصيات عن جنسانيتها (حاج، مرابط وبهارديا) أو في نظرة <<الآخر>> الى جنسانيتها (جريديني). هذا الاختيار فتح المجال لخوض مواضيع جديدة لم تناقش أو تبحث بعد في دراسات سابقة، إما لقصور أو إهمال في البحث كموضوع جنسانية خادمات المنازل، أو لاعتبارها من المحظورات أو التابوات في المجتمع العربي كموضوع العلاقات المثلية. المهمشون موضوع البحث في تلك الأبحاث الأربعة هم إما عمال مهاجرون كخادمات المنازل أو فئات مهمشة كاللبنانيين في أميركا الذين بقوا على الهامش ولم ينجحوا في تحقيق الثروة، أو أفراد يعانون من وضع هامشي ومنبوذ بسبب اختلاف ميولهم الجنسية كالمثليين في بيروت ودمشق.
الخادمة كما يراها المخدوم(ة)
مهّد راي جريديني في ورقته حول <<الجنسانية والخدم>> لتقديم وفهم الصور السائدة لجنسانية خادمة المنزل في الدول العربية عامة وفي لبنان خاصة. اعتمد في دراسته التي اقتصرت على رؤية الآخر للخادمة على مقاربتين: الأولى صورة الخادمة كما قدمت في الأفلام العربية وفي الأدب، واستعمل فيلمي <<الخادمة>> الذي مثلت الدور فيه ناديا الجندي، <<وأفواه وأرانب>> الذي لعبت الدور الرئيسي فيه فاتن حمامة. واعتمد ايضا قصة <<بطولة أم علي>> من كتاب <<الرحيل عن بيروت>> لمي غصوب والذي صدر باللغة الانكليزية عن دار الساقي عام 2000. أما المقاربة الثانية التي اعتمدها جريديني لمحاولة فهم الصورة السائدة حاليا لجنسانية خادمة المنزل الأجنبية في لبنان فهي عبر مقابلات عدة أجريت مع ارباب وربات المنازل ومع بعض الأفراد الذكور في العائلة.
في فيلم <<الخادمة>> تقدم خادمة المنزل (فردوس) على مساعدة الشاب ابن العائلة الثرية (علاء) على فقدانه لعذريته مما يوفر له انتقالا الى عالم الرجولة ويوفر لها هي بالطبع صعودا اجتماعيا سريعا من مهنة الخادمة الى زوجة للمخدوم ومديرة لأعماله. سلوكها بالطبع أثار منذ البداية ارتياب والدة الشاب المدلل. أما في أفواه وأرانب فيحصل الصعود الطبقي لنعيمة عبر تعبيرات أخرى لجنسانيتها وسلوكها الجنسي <<المحافظ والشريف>> وعبر صدق مشاعرها وحبها واهتمامها بمصالح مخدومها. خطيبة المخدوم ذات الانتماء الطبقي المشابه لانتمائه ترتاب هي الأخرى وتطلب منه التخلي عن الخادمة، لكن بدل التخلي عن نعمت يتزوجها متخليا عن الخطيبة. في قصة <<بطولة ام علي>> لمي غصوب نتعرف الى الخادمة المستغلة والتي تعيش علاقات أشبه بالعبودية فضلا عن اغتصاب ابن مخدومتها لها. أما الأم فلا ترى في سلوك ابنها أي اغتصاب بل تحمل الفتاة المسؤولية وتتهمها بوضع مشاريع للزواج من ابنها. المخرج الذي وجدته الفتاة للتحرر من علاقة الاستعباد والاستغلال الجنسي كان عبر الالتحاق بالمقاتلين خلال الحرب اللبنانية والتمثل بهم.
الأمثلة التي أوردها جريديني تثير عدة نقاط ذكر منها اثنتين هما: أولا، الخطر المتأتي من الخادمة ك<<غريبة>> أو <<دخيلة>> على العائلة والارتياب بجنسانيتها والتهديد الذي تحمله هذه الجنسانية بكافة صورها. وثانيا، احتمال أن تكون الخادمات طيبات أو شريرات وهذا أيضا ينطبق على المخدومين وربات المنازل. ساعدت المقابلات الميدانية التي أجريت مع ارباب وربات العائلة على تكوين صورة لموقع الخادمة المفارق، فهي <<الداخلة المهمشة>> لكنها <<الغريبة الحميمة>> في الوقت نفسه. في علاقة عمل مشابهة لعلاقة الخادمة والمخدوم(ة) يتداخل العام والخاص بمساحتيهما المتناقضتين، وتتفاوت سياسات التعامل مع جنسانية الخادمة ومع سلوكها الجنسي. هذه السياسات من المستحيل تعميمها لأنها تختلف دون شك بين منزل وآخر، تبدأ من اعتبار الخادمة لا جنسانية لها، مرورا بمحاولات قمع هذه الجنسانية لدى عائلات أخرى باعتبارها تهديدا لوحدة وتماسك العائلة خاصة عند حدوث أي علاقة جنسية مع أحد أفراد العائلة وتنتهي باعتبار ان الخادمة كائن بشري وبالتالي لها حق التعبير عن جنسانيتها والتمتع بحرية سلوكها الجنسي.
الجنسانية الذكورية وقلق الأداء الجنسي
قد يكون بحث غسان حاج هو الثاني فقط (بعد ماهر جرار الذي عالج مفهوم الرجولة في رواية رشيد الضعيف <<تصطفل ميريل ستريب>>) الذي أعاد تذكيرنا في المؤتمر أن للرجل جنسانيته أيضا رغم ان الكلام عن الجنسانية يتخذ منحى البحث فقط في إشكالية الجنسانية الأنثوية وفي سلوك المرأة الجنسي. وقد عبر سمير خلف عن هذه الإشكالية بالقول ان مشاكل الجنسانية ومفارقاتها تعاني منها المرأة أكثر من الرجل حيث المطلوب منها أن تكون جذابة ولكن غير نشطة جنسيا. الا أن في دراسته <<الهجرة والجنسانية الذكورية في العائلة اللبنانية>> بحث غسان حاج في إشكالية أخرى في العلاقة والتعبير عن الجنسانية. قدم شخصية معينة حقيقية بطلها رجل أسماه عادل وهو من بلدة مسيحية في شمالي لبنان ويعتبر نفسه ينتمي الى فئة الغالبين أو الفاتحين في الأداء الجنسي. شارك عادل في الحرب كمقاتل في القوات اللبنانية وأصيب في الانفجار الذي أودى بحياة بشير الجميل ثم هاجر بعدها بوقت قصير إلى أميركا ليعمل مع خاله ويعيش في فيلادلفيا. ركز حاج على كيفية تعبير هذا الرجل عن إشكالية موقعه ووضعه المادي والاجتماعي وفشله (كمهاجر لم يجمع ثروة) عبر الحديث عن جنسانيته والذي يدور أساساً حول مخاوف تتعلق بأدائه الجنسي أو <<قلق الأداء الجنسي>>. الأداء الجنسي الذي يعتبره عادل وهو المقاتل السابق حقلا لتأكيد رجولته ولتحقيق انتصاراته مرتبط، كما ورد في بحث حاج، ب<<الجنسانية المفترسة>> أو <<الضارية>> حيث يرى الرجل من خلالها المرأة أداة جنس أو ميدانا وجب الانقضاض عليه. ترتبط الجنسانية المفترسة بفحولة الرجل (المقاتل) وتتصف برغبة جنونية لا تشبع في <<تراكم>> مستمر للأداء الجنسي. لتحليل الصورة التي يقدمها عادل عن جنسانيته يشير حاج الى ارتباط هذه الصورة بعلاقات السلطة والديناميات الطبقية والى حقيقة أن الجنسانية أمر يكتسب، وبالتالي لا بد من فهم العوامل المتشابكة والمختلفة التي تبدأ من نشوء عادل في قرية مسيحية في شمال لبنان وسط علاقات بطريركية ودينية راسخة وحيث الفحولة صفة ذكورية معززة، ثم انخراطه كمقاتل في ميليشيا القوات اللبنانية ذات الثقافة الذكورية بامتياز، وأخيراً هجرته، مصطحبا ثقافته تلك، إلى أميركا وزواجه من احدى قريباته التي تمتاز عنه بعلمها ووضعها المادي وهي في الوقت نفسه ابنة خاله الذي ساعده في الفترة الأولى من هجرته وإقامته في فيلادلفيا.
المثلية بين الخطاب السائد والهوية المهمشة
قدمت في هذه الجلسة الأخيرة ورقتان عن العلاقات المثلية: سفيان مرابط حول سياسات تسجيل ونبذ الفروقات الجنسية في بيروت، وميلان بارديا حول المثليين في دمشق ومقاومة الخطاب السائد حول الهوية.
انطلق سفيان مرابط في بحثه من ان العاصمة بيروت تحمل كل المفارقات التي تجعل من الصعب على الباحث فهم سياسات بناء الهوية الجنسية وتحديدا هوية المثليين. لذا اعتمد في دراسته مقاربة اثنوغرافية عبر رصد الأماكن التي يلتقي فيها المثليون في أوقات معينة مثل كورنيش البحر ومقاهي معينة في وسط بيروت وساحة ساسين وانطلياس. ومقابلات مع تحليل لسياسات الهوية الجنسية المواربة غير المعلنة والتي يعبر عنها في تلك الأمكنة الخاصة وعبر سلوكيات معينة. اعتبر مرابط انه لا يوجد مجتمع <<مثلي>> بل أمكنة وسلوكيات تظهر لحظة الوجود في تلك الأمكنة. وإذا مالت تلك السلوكيات المتمظهرة والموصوفة غالبا ب<<غير اللائقة>>، نحو الأنثوية، يتعرض صاحبها الى النبذ وغالبا الطرد من بعض الأماكن العامة كما حصل مرة في <<دانكن دوناتس>> في وسط بيروت. والسؤال الأساسي التي تطرحه الدراسة هو كيف نفهم تلك الجماعة في ظل عدم إفصاح أفرادها عن هويتهم الجنسية بسبب الخوف. في مكان مثل بيروت حيث الهويات السائدة تستمد إما عبر الانتماء العائلي أو الطائفي، لا مكان للهويات الجندرية ومن الصعوبة بمكان أن يستطيع <<الآخر>> وتحديدا هنا <<المثلي>> أن يجد وسيلة لتأكيد هويته.
قام ميلان بارديا بمقابلة الشباب المثليين في دمشق وتحليل الخطاب السائد المنمط الذي يرفض المثلية كخطاب مغاير للهوية الجنسية. وهو في عمله الأثنوغرافي اعتمد أيضا على المقابلات الحية وعلى الملاحظات الشخصية التي سجلها حول سلوكيات المثليين أو <<الشباب>> كما يطلقون على أنفسهم. وكما بحث مرابط في العلاقة بين المكان والسلوكيات الجنسية حاول بهارديا تقديم امكنة لقاءات المثليين وسلوكياتهم كعناصر أساسية لمقاومة الخطاب السائد الذي يعتبر العلاقات المثلية واختلاف الهوية الجنسية تهديدا للهوية الوطنية ولصورة المجتمع المتجانس.
اللغة وسيلة تعبير أم إعاقة؟
أعود هنا الى بحث روزان سعد خلف (الجامعة الأميركية) التي عرضت انطباعات مهمة خرجت بها من قراءتها وتقييمها لكتابات تلامذة صفها في برنامج الكتابة الابداعية حول الجنس. مناقشة هذا الموضوع والتعبير عنه كتابة ساعد الشبان والشابات على رؤية اختلافهم عن الأهل واعتبار الأهل على أنهم <<الآخر>>. عكست الدراسة أيضا رغبة الطلاب في إعادة النظر بكل قيم الهوية الجنسية، واعتبار أن العلاقات الجنسية يجب أن تبنى لتناسب الحاجات الخاصة للأفراد. لم ينتقد الطلاب الجنسانية الخاصة عند أي إنسان، بل تميزت إجاباتهم بالتسامح والقدرة على احتمال الآخر وأظهروا رغبة في إزالة التصنيف خاصة في ما يتعلق بالأنماط الجنسانية والهوية الجنسية. عودتي الى دراسة خلف هي لطرح سؤال قابل للبحث وانطلاقا من ان الشباب (خاصة الفتيات) قد يجدون حرية أكثر في التعبير كتابة، أو حتى قولا، عن جنسانيتهم بلغة أجنبية وأن اللغة العربية قد تشكل إعاقة وذلك لأن المفردات الجنسانية والجنسية في اللغة العربية لم تتطور أو تتغير مع تطور وسائل الاتصال والتعبير الأخرى. ذكرت خلف في بحثها أن من المتعارف عليه أن ليس هناك من لغة مناسبة للتعبير عن الجنس، فاللغة المتداولة عادة ما تكون سوقية ويأبى التلامذة وخاصة الفتيات التكلم عنه. هذا الواقع يؤدي الى اختلاف في استعمال اللغة بين الذكور والإناث حيث المتوقع في الغالب أن تستعمل الفتيات لغة أكثر حميمية بينما يستعمل الشباب لغة أكثر عدوانية في التعبير. لكن تشير خلف الى ان الفتيات في كتاباتهن عبّرن عن الجنس بلغة مشابهة للغة الشباب. من البديهي ألا تشير خلف الى دور اختيار اللغة كعامل أساسي في التعبير، ذلك ان كتابات الطلاب كانت باللغة الإنكليزية، وهذا أمر بديهي حيث ان برنامج الكتابة الإبداعية الذي تديره سعد خلف تابع لقسم اللغة الأنكليزية. إلا أن السؤال يبقى مطروحا ومحاولة الإجابة عنه قد تكون في دائرة اللغة العربية في الجامعة.
بستوني (نقلا عن السفير)
الى جانب الاهتمام بقضايا الهوية الجنسية، والصحة الجنسية، والاعتداء الجنسي، عالج البحاثة والأكاديميون ألأجانب والعرب المشاركون قضايا الجنسانية عبر استكشاف أبعادها الثقافية، الاجتماعية والتاريخية. وكان للأدب والشعر والفن حصة في المؤتمر، إذ ناقشت جلسة السبت الثانية الجنسانية في الأدب شارك فيها أسعد خير الله الذي قدم موضوع جسد المرأة في قصائد الشاعرين أمجد ناصر وعبدو وازن، وماهر جرار الذي بحث في الجنسانية، الفانتازيا والعنف في الرواية اللبنانية ما بعد الحرب عبر مناقشة ومقارنة روايات ثلاث صدرت في السنتين الماضيتين وهي: <<تصطفل ميريل ستريب>> لرشيد الضعيف، <<يالو>> لالياس خوري، و<<مريم الحكايا>> لعلوية صبح. وقدم جوزيف مسعد ورقة حول شعر أبي نواس الذي نادرا ما خلا من الصور الجنسية، والقلق الذي أحدثته هذه الصور في الكتابات النقدية والتاريخية المعاصرة. سونيا مشجر اتاسي بحثت في موضوع الأنثى العارية في اللوحات الأوروبية.
جنسانية الهامش
قد تكون آراء الطلاب والشباب في ما يتعلق بالجنسانية هي الطاغي الأكبر على المؤتمر، ذلك أن غالبية الدراسات الميدانية والاستمارات التي قدمت حاولت تسليط الضوء على آراء الطلاب والشباب في مواضيع مفصلية وعلى فهمهم لقضايا محورية تتعلق بالجنسانية، وذلك لاستكشاف ظواهر التغيير ان وجدت في المواقف والسلوكيات. فقد اختير الطلاب كعينة أساسية بالإضافة الى عينة من البالغين كالدراسة التي قام بها كل من سمير خلف، ستيلا ميجر وشاهي كازاريان. هذه الدراسات تمحورت حول الاعتداء الجنسي على الأطفال (برنارد جرباقة وناتالي الشمالي اليسوعية، وبريجيت خوري الأميركية)، تطور الجنسانية والتعبير عنها (ماري تريز خير بدوي اليسوعية، وبريجيت خوري الأميركية)، الصحة الجنسية والجنسانية الصحية: في تحد لمعانيهما الثقافية (ستيلا ميجر مستشفى الجامعة ألأميركية، شاهي كازاريان وسمير خلف الجامعة الأميركية)، الثبات والتحول في الهويات الجندرية بين الطلاب ( عزة شرارة بيضون الجامعة اللبنانية)، وموضوع غشاء البكارة ومعناه الثقافي والاجتماعي كذلك المعنى الاجتماعي لفقدانه وإعادة ترميمه (جوني عواد مستشفى الجامعة الأميركية). روزان سعد خلف (الجامعة الأميركية) عرضت انطباعات عامة خرجت بها من قراءتها وتقييمها لكتابات تلامذة صفها في برنامج الكتابة الابداعية في الجامعة الأميركية بعد أن طلبت منهم كتابة ومناقشة موضوع الجنس. من الانطباعات ان أنماط الذكورة والأنوثة متداخلة ومتشابكة وأن كل التلامذة تقريباً دعوا إلى <<تحديث>> للجنس والتوقف عن إخضاعه لتفكير أخلاقي أو لمشاعر الذنب. سأعود في نهاية هذا المقال الى ورقة سعد خلف لأنها طرحت لدي سؤالا حول تأثير اللغة (سلبا أو إيجابا) على التعبير عن الجنسانية. معظم الدراسات التي ذكرت هنا ارتكزت على أسئلة واستمارات وزعت على طلاب منتسبين الى الجامعات اليسوعية، الأميركية، اللبنانية والعربية وغالبيتهم العظمى من اللبنانيين. الاستثناء الوحيد دراسة لعيّنة من الطالبات التونسيات في العاصمة تونس حول تحول أنماط الجمال وصورة الجسد بين الشابات أجرتها وقدمتها في المؤتمر انجيل فوستر (جامعة هارفرد). طرق البحث المعتمدة طرحت بالطبع أسئلة مهمة: هل عينة الطلاب عينة تمثيلية؟ وبالتالي الى أي مدى نستطيع الاستنتاج والتعميم في عملنا البحثي؟ هل نستطيع استعمال محصّل البحث كمؤشر تغيير في النظم السائدة للهويات والأنماط الجندرية؟ أم علينا التعامل مع عينة الطلاب كمجموعة مهمشة لا تؤثر في ديناميكيات تغيير ما هو سائد؟
لا تهدف هذه المقالة بأي حال الى تغطية مضامين الأوراق المهمة دون شك والتي قدمت خلال هذا المؤتمر بأيامه الثلاثة، بل الى إضاءة ومناقشة بعض النقاط المتعلقة ب<<ثيمات>> محورية مختارة أتاحت لمقدميها، وكغيرها من الأوراق، المساهمة في تقديم مفاهيم وأبعاد جديدة للموضوع. لذا اخترت أربع دراسات وجدت انها تشترك في أكثر من نقطة بينها رغم اختلافها في طرق البحث. هذه الدراسات هي لكل من راي جريديني (الجامعة الأميركية) الذي عالج الجنسانية لدى خادمات المنازل في لبنان والعالم العربي، وغسان حاج (جامعة سيدني/الجامعة الأميركية) حول الهجرة والجنسانية في العائلة اللبنانية، وسفيان مرابط (كولومبيا/مركز الأبحاث السلوكية في الجامعة الأميركية) حول سياسات تسجيل ونبذ الفروقات الجنسية في بيروت، وميلان بارديا (جامعة لندن) حول العلاقات المثلية في دمشق. أجد هناك أكثر من نقطة تجمع بين الدراسات تلك، قد يكون أهمها اختيار الباحثين فيها لمجموعات أو شخصيات مهمشة في المجتمع (منبوذة أحيانا) كمادة بحث وتحليل، وهي تبحث إما في تعبير تلك الشخصيات عن جنسانيتها (حاج، مرابط وبهارديا) أو في نظرة <<الآخر>> الى جنسانيتها (جريديني). هذا الاختيار فتح المجال لخوض مواضيع جديدة لم تناقش أو تبحث بعد في دراسات سابقة، إما لقصور أو إهمال في البحث كموضوع جنسانية خادمات المنازل، أو لاعتبارها من المحظورات أو التابوات في المجتمع العربي كموضوع العلاقات المثلية. المهمشون موضوع البحث في تلك الأبحاث الأربعة هم إما عمال مهاجرون كخادمات المنازل أو فئات مهمشة كاللبنانيين في أميركا الذين بقوا على الهامش ولم ينجحوا في تحقيق الثروة، أو أفراد يعانون من وضع هامشي ومنبوذ بسبب اختلاف ميولهم الجنسية كالمثليين في بيروت ودمشق.
الخادمة كما يراها المخدوم(ة)
مهّد راي جريديني في ورقته حول <<الجنسانية والخدم>> لتقديم وفهم الصور السائدة لجنسانية خادمة المنزل في الدول العربية عامة وفي لبنان خاصة. اعتمد في دراسته التي اقتصرت على رؤية الآخر للخادمة على مقاربتين: الأولى صورة الخادمة كما قدمت في الأفلام العربية وفي الأدب، واستعمل فيلمي <<الخادمة>> الذي مثلت الدور فيه ناديا الجندي، <<وأفواه وأرانب>> الذي لعبت الدور الرئيسي فيه فاتن حمامة. واعتمد ايضا قصة <<بطولة أم علي>> من كتاب <<الرحيل عن بيروت>> لمي غصوب والذي صدر باللغة الانكليزية عن دار الساقي عام 2000. أما المقاربة الثانية التي اعتمدها جريديني لمحاولة فهم الصورة السائدة حاليا لجنسانية خادمة المنزل الأجنبية في لبنان فهي عبر مقابلات عدة أجريت مع ارباب وربات المنازل ومع بعض الأفراد الذكور في العائلة.
في فيلم <<الخادمة>> تقدم خادمة المنزل (فردوس) على مساعدة الشاب ابن العائلة الثرية (علاء) على فقدانه لعذريته مما يوفر له انتقالا الى عالم الرجولة ويوفر لها هي بالطبع صعودا اجتماعيا سريعا من مهنة الخادمة الى زوجة للمخدوم ومديرة لأعماله. سلوكها بالطبع أثار منذ البداية ارتياب والدة الشاب المدلل. أما في أفواه وأرانب فيحصل الصعود الطبقي لنعيمة عبر تعبيرات أخرى لجنسانيتها وسلوكها الجنسي <<المحافظ والشريف>> وعبر صدق مشاعرها وحبها واهتمامها بمصالح مخدومها. خطيبة المخدوم ذات الانتماء الطبقي المشابه لانتمائه ترتاب هي الأخرى وتطلب منه التخلي عن الخادمة، لكن بدل التخلي عن نعمت يتزوجها متخليا عن الخطيبة. في قصة <<بطولة ام علي>> لمي غصوب نتعرف الى الخادمة المستغلة والتي تعيش علاقات أشبه بالعبودية فضلا عن اغتصاب ابن مخدومتها لها. أما الأم فلا ترى في سلوك ابنها أي اغتصاب بل تحمل الفتاة المسؤولية وتتهمها بوضع مشاريع للزواج من ابنها. المخرج الذي وجدته الفتاة للتحرر من علاقة الاستعباد والاستغلال الجنسي كان عبر الالتحاق بالمقاتلين خلال الحرب اللبنانية والتمثل بهم.
الأمثلة التي أوردها جريديني تثير عدة نقاط ذكر منها اثنتين هما: أولا، الخطر المتأتي من الخادمة ك<<غريبة>> أو <<دخيلة>> على العائلة والارتياب بجنسانيتها والتهديد الذي تحمله هذه الجنسانية بكافة صورها. وثانيا، احتمال أن تكون الخادمات طيبات أو شريرات وهذا أيضا ينطبق على المخدومين وربات المنازل. ساعدت المقابلات الميدانية التي أجريت مع ارباب وربات العائلة على تكوين صورة لموقع الخادمة المفارق، فهي <<الداخلة المهمشة>> لكنها <<الغريبة الحميمة>> في الوقت نفسه. في علاقة عمل مشابهة لعلاقة الخادمة والمخدوم(ة) يتداخل العام والخاص بمساحتيهما المتناقضتين، وتتفاوت سياسات التعامل مع جنسانية الخادمة ومع سلوكها الجنسي. هذه السياسات من المستحيل تعميمها لأنها تختلف دون شك بين منزل وآخر، تبدأ من اعتبار الخادمة لا جنسانية لها، مرورا بمحاولات قمع هذه الجنسانية لدى عائلات أخرى باعتبارها تهديدا لوحدة وتماسك العائلة خاصة عند حدوث أي علاقة جنسية مع أحد أفراد العائلة وتنتهي باعتبار ان الخادمة كائن بشري وبالتالي لها حق التعبير عن جنسانيتها والتمتع بحرية سلوكها الجنسي.
الجنسانية الذكورية وقلق الأداء الجنسي
قد يكون بحث غسان حاج هو الثاني فقط (بعد ماهر جرار الذي عالج مفهوم الرجولة في رواية رشيد الضعيف <<تصطفل ميريل ستريب>>) الذي أعاد تذكيرنا في المؤتمر أن للرجل جنسانيته أيضا رغم ان الكلام عن الجنسانية يتخذ منحى البحث فقط في إشكالية الجنسانية الأنثوية وفي سلوك المرأة الجنسي. وقد عبر سمير خلف عن هذه الإشكالية بالقول ان مشاكل الجنسانية ومفارقاتها تعاني منها المرأة أكثر من الرجل حيث المطلوب منها أن تكون جذابة ولكن غير نشطة جنسيا. الا أن في دراسته <<الهجرة والجنسانية الذكورية في العائلة اللبنانية>> بحث غسان حاج في إشكالية أخرى في العلاقة والتعبير عن الجنسانية. قدم شخصية معينة حقيقية بطلها رجل أسماه عادل وهو من بلدة مسيحية في شمالي لبنان ويعتبر نفسه ينتمي الى فئة الغالبين أو الفاتحين في الأداء الجنسي. شارك عادل في الحرب كمقاتل في القوات اللبنانية وأصيب في الانفجار الذي أودى بحياة بشير الجميل ثم هاجر بعدها بوقت قصير إلى أميركا ليعمل مع خاله ويعيش في فيلادلفيا. ركز حاج على كيفية تعبير هذا الرجل عن إشكالية موقعه ووضعه المادي والاجتماعي وفشله (كمهاجر لم يجمع ثروة) عبر الحديث عن جنسانيته والذي يدور أساساً حول مخاوف تتعلق بأدائه الجنسي أو <<قلق الأداء الجنسي>>. الأداء الجنسي الذي يعتبره عادل وهو المقاتل السابق حقلا لتأكيد رجولته ولتحقيق انتصاراته مرتبط، كما ورد في بحث حاج، ب<<الجنسانية المفترسة>> أو <<الضارية>> حيث يرى الرجل من خلالها المرأة أداة جنس أو ميدانا وجب الانقضاض عليه. ترتبط الجنسانية المفترسة بفحولة الرجل (المقاتل) وتتصف برغبة جنونية لا تشبع في <<تراكم>> مستمر للأداء الجنسي. لتحليل الصورة التي يقدمها عادل عن جنسانيته يشير حاج الى ارتباط هذه الصورة بعلاقات السلطة والديناميات الطبقية والى حقيقة أن الجنسانية أمر يكتسب، وبالتالي لا بد من فهم العوامل المتشابكة والمختلفة التي تبدأ من نشوء عادل في قرية مسيحية في شمال لبنان وسط علاقات بطريركية ودينية راسخة وحيث الفحولة صفة ذكورية معززة، ثم انخراطه كمقاتل في ميليشيا القوات اللبنانية ذات الثقافة الذكورية بامتياز، وأخيراً هجرته، مصطحبا ثقافته تلك، إلى أميركا وزواجه من احدى قريباته التي تمتاز عنه بعلمها ووضعها المادي وهي في الوقت نفسه ابنة خاله الذي ساعده في الفترة الأولى من هجرته وإقامته في فيلادلفيا.
المثلية بين الخطاب السائد والهوية المهمشة
قدمت في هذه الجلسة الأخيرة ورقتان عن العلاقات المثلية: سفيان مرابط حول سياسات تسجيل ونبذ الفروقات الجنسية في بيروت، وميلان بارديا حول المثليين في دمشق ومقاومة الخطاب السائد حول الهوية.
انطلق سفيان مرابط في بحثه من ان العاصمة بيروت تحمل كل المفارقات التي تجعل من الصعب على الباحث فهم سياسات بناء الهوية الجنسية وتحديدا هوية المثليين. لذا اعتمد في دراسته مقاربة اثنوغرافية عبر رصد الأماكن التي يلتقي فيها المثليون في أوقات معينة مثل كورنيش البحر ومقاهي معينة في وسط بيروت وساحة ساسين وانطلياس. ومقابلات مع تحليل لسياسات الهوية الجنسية المواربة غير المعلنة والتي يعبر عنها في تلك الأمكنة الخاصة وعبر سلوكيات معينة. اعتبر مرابط انه لا يوجد مجتمع <<مثلي>> بل أمكنة وسلوكيات تظهر لحظة الوجود في تلك الأمكنة. وإذا مالت تلك السلوكيات المتمظهرة والموصوفة غالبا ب<<غير اللائقة>>، نحو الأنثوية، يتعرض صاحبها الى النبذ وغالبا الطرد من بعض الأماكن العامة كما حصل مرة في <<دانكن دوناتس>> في وسط بيروت. والسؤال الأساسي التي تطرحه الدراسة هو كيف نفهم تلك الجماعة في ظل عدم إفصاح أفرادها عن هويتهم الجنسية بسبب الخوف. في مكان مثل بيروت حيث الهويات السائدة تستمد إما عبر الانتماء العائلي أو الطائفي، لا مكان للهويات الجندرية ومن الصعوبة بمكان أن يستطيع <<الآخر>> وتحديدا هنا <<المثلي>> أن يجد وسيلة لتأكيد هويته.
قام ميلان بارديا بمقابلة الشباب المثليين في دمشق وتحليل الخطاب السائد المنمط الذي يرفض المثلية كخطاب مغاير للهوية الجنسية. وهو في عمله الأثنوغرافي اعتمد أيضا على المقابلات الحية وعلى الملاحظات الشخصية التي سجلها حول سلوكيات المثليين أو <<الشباب>> كما يطلقون على أنفسهم. وكما بحث مرابط في العلاقة بين المكان والسلوكيات الجنسية حاول بهارديا تقديم امكنة لقاءات المثليين وسلوكياتهم كعناصر أساسية لمقاومة الخطاب السائد الذي يعتبر العلاقات المثلية واختلاف الهوية الجنسية تهديدا للهوية الوطنية ولصورة المجتمع المتجانس.
اللغة وسيلة تعبير أم إعاقة؟
أعود هنا الى بحث روزان سعد خلف (الجامعة الأميركية) التي عرضت انطباعات مهمة خرجت بها من قراءتها وتقييمها لكتابات تلامذة صفها في برنامج الكتابة الابداعية حول الجنس. مناقشة هذا الموضوع والتعبير عنه كتابة ساعد الشبان والشابات على رؤية اختلافهم عن الأهل واعتبار الأهل على أنهم <<الآخر>>. عكست الدراسة أيضا رغبة الطلاب في إعادة النظر بكل قيم الهوية الجنسية، واعتبار أن العلاقات الجنسية يجب أن تبنى لتناسب الحاجات الخاصة للأفراد. لم ينتقد الطلاب الجنسانية الخاصة عند أي إنسان، بل تميزت إجاباتهم بالتسامح والقدرة على احتمال الآخر وأظهروا رغبة في إزالة التصنيف خاصة في ما يتعلق بالأنماط الجنسانية والهوية الجنسية. عودتي الى دراسة خلف هي لطرح سؤال قابل للبحث وانطلاقا من ان الشباب (خاصة الفتيات) قد يجدون حرية أكثر في التعبير كتابة، أو حتى قولا، عن جنسانيتهم بلغة أجنبية وأن اللغة العربية قد تشكل إعاقة وذلك لأن المفردات الجنسانية والجنسية في اللغة العربية لم تتطور أو تتغير مع تطور وسائل الاتصال والتعبير الأخرى. ذكرت خلف في بحثها أن من المتعارف عليه أن ليس هناك من لغة مناسبة للتعبير عن الجنس، فاللغة المتداولة عادة ما تكون سوقية ويأبى التلامذة وخاصة الفتيات التكلم عنه. هذا الواقع يؤدي الى اختلاف في استعمال اللغة بين الذكور والإناث حيث المتوقع في الغالب أن تستعمل الفتيات لغة أكثر حميمية بينما يستعمل الشباب لغة أكثر عدوانية في التعبير. لكن تشير خلف الى ان الفتيات في كتاباتهن عبّرن عن الجنس بلغة مشابهة للغة الشباب. من البديهي ألا تشير خلف الى دور اختيار اللغة كعامل أساسي في التعبير، ذلك ان كتابات الطلاب كانت باللغة الإنكليزية، وهذا أمر بديهي حيث ان برنامج الكتابة الإبداعية الذي تديره سعد خلف تابع لقسم اللغة الأنكليزية. إلا أن السؤال يبقى مطروحا ومحاولة الإجابة عنه قد تكون في دائرة اللغة العربية في الجامعة.
بستوني (نقلا عن السفير)