أبونبيل
02-05-2007, 11:29 AM
شؤون السودانيين العاملين بالخارج
بين الواقع والأحلام
محمد أحمد الخضر
مسقط ،سلطنة عمان
makhader90@hotmail.com
كنت من بين الذين حضروا الاجتماع الذي انعقد بالنادي الاجتماعي للجالية السودانية بمسقط، سلطنة عمان، بمناسبة زيارة البروفسير عبد الرحمن موسى أبكر،وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء، والأستاذ صلاح عمسيب، نائب مدير عام جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج والوفد المرافق لهما. لقد اتسم الاجتماع بنقاش ساخن حول الدور الذي يقوم به الجهاز، وما له وما عليه، وفي الحقيقة أن جميع المتحدثين قد جأروا بمر الشكوى من جراء ما يلاقونه في الجهاز من معاملة سيئة، وما يدفعونه من إتاوات للدولة دون عائد يذكر. حاول الأستاذ صلاح عمسيب أن ينسب ذلك بكل ما فيه من قصور وسلبيات إلى مرحلة تاريخية مضت لا داعي للتباكي عليها الآن، وبشر الحضور بالمرحلة القادمة، وطلب منهم التطلع إلى المستقبل بتفاؤل وثقة، خاصة وأن السيد رئيس الجمهورية في لقاء سابق قد شكر المغتربين على ما قدموه من تضحيات، مؤكداً لهم أنه قد آن الأوان لمكافأتهم وإنصافهم.
لقد أتيح لي أن أتقدم بمداخلة ضمن النقاش الذي كان دائراً في هذا الاجتماع، فقلت إننا نبالغ إذا توقعنا من هذا الجهاز تقديم أي عائد أو أي خدمة يستفيد منها العاملون بالخارج، رغم أنه كان من المأمول فيه أن يخدم أهدافهم الاستثمارية، وإيجاد الحلول لمشاكلهم المختلفة، فهو في الواقع لم يعدو كونه مجمعاً لعدد من المصالح الحكومية المناط بها تحصيل ما يسمى بحقوق الدولة كالضرائب، ورسوم جوازات السفر، وتأشيرات الإقامة، والزكاة المثيرة للجدل .. الخ. وفي مقابل ذلك وذراً للرماد على العيون تقوم الدولة ممثلة في جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج بعمليات ديكورية وتجميلية تتمثل في مؤتمرات المغتربين التي لم تسفر حتى الآن عن أي حل جذري لقضاياهم الهامة، إلى جانب إقامة بعض المعسكرات لأبنائهم التي لا طائل منها. لقد ظلت الكثير من مشاكل العاملين بالخارج معلقة لفترة طويلة، كرسوم تعليم الأبناء التي تدفع بالعمل الصعبة أو ما يعادلها بالعملة السودانية، وتقييم ما يسمى بالشهادات العربية، وإعفاء سيارات المغتربين من الجمارك، والاستيعاب الحقيقي للعائدين وأخيرا الانخفاض الكبير في قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني وما ترتب عليه من انخفاض كبير في دخولهم. وإن كان لهذا المجمع من إيجابية واحدة فهو، وقد تم تشييد مبانيه من أموال المغتربين، قد وفر لهم مشقة التنقل من وزارة إلى أخري وما كانوا يلاقونه من عنت ومشقة في سبيل إنهاء المعاملات المذكورة. أما بخلاف ذلك فقد أصيب هذا المجمع بكل أمراض الخدمة المدنية المزمنة والمتفاقمة المتمثلة في عدم المبالاة، وسوء التعامل مع الجمهور وإذلاله دون أن يبذل المسئولون أي جهد يذكر لمعالجة هذه الأمراض، أو تدريب موظفي الجهاز على كيفية التعامل مع جمهور المغتربين الذين اعتادوا على نوع من التعامل الراقي في بلاد المهجر يختلف كثيرا عما يلاقونه من أهلهم وبني جلدتهم في مكاتب الخدمة المدنية داخل الوطن. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على استخفاف الدولة بأقدار مواطنيها، دون أدنى اعتبار أو تقدير لكبير أو صغير.
وللخروج من هذا النفق المظلم، ولإيجاد البديل الناجع، وطالما أن الدولة على مستوى رئيس الجمهورية أصبحت في وضع يمكنها من رد الجميل لأبنائها العاملين في الخارج، فقد تمنيت على الحاضرين أن يكفوا عن التباكي والشكوى، ويتركوا الجهاز وشأنه، وينصرفوا إلى التفكير الجاد في إقامة اتحاد للسودانيين العاملين بالخارج، يباركه ويدعمه السيد رئيس الجمهورية كرد لجميلهم، لينضم إلى منظمات المجتمع المدني المشروعة وليتولى التصدي لقضايا المغتربين الاقتصادية والاجتماعية عن طريق إنشاء مؤسسات مالية وتجارية وتربوية لتخدم أهدافهم الفردية والجماعية، وتسهم في مشاريع التنمية وبناء الوطن. ولعل ذلك سيفتح فرص العمل للكثير من العائدين نهائيا، ويفتح الباب للمشاركة في شتى مجالات الاستثمار بالاستفادة من الخبرات المكتسبة في الخارج، والاستعانة بالخبرات الأجنبية متى ما دعت الحاجة إلى ذلك.
لقد ظل العاملون في الخارج يدفعون للدولة طوال العقود الثلاثة الماضية أموالا طائلة تجاوزت مليارات الدولارات سنويا، بمعدل لا يقل عن 200 دولار من كل منهم سنويا، فماذا يضيرهم الآن إذا دفع كل منهم 100 دولار فقط للاتحاد المقترح، على أن يشرع الاتحاد فور تأسيسه في إقامة مجموعة شركات استثمارية بحيث لا تتجاوز قيمة السهم الواحد في رأسمالها المبلغ المذكور، مع فتح الباب بالطبع لمن يرغب في المزيد من الأسهم. دعنا نفترض أن إجمالي عدد السودانيين العاملين الذين سيلبون هذا النداء سيبلغ مليون شخص، فمعنى ذلك وبعملية حسابية بسيطة سيبلغ رأس المال المبدئي 100 مليون دور أو ما يعادل 200 مليون جنية بالعملة السودانية الجديدة. قد يتخوف البعض من عدم نجاح هذه الفكرة، وقد يتشكك البعض في صدق النوايا، ولكن ألا يستحق الموضوع أن يحظى بما يستحقه من النقاش الهادف البناء الذي يضمن نجاحه ويحقق مقاصده ومراميه؟ أما فيما يتعلق بالاتحاد وتفاصيل كيفية تكوينه ووضع لوائحه التنظيمية، فهذه أمور ستتم بلورتها من خلال النقاش الذي أدعو إليه كل أخواننا العاملين بالخارج المنتشرين في شتى أنحاء المعمورة بكل فئاتهم، وكل الحادبين على مصلحة الوطن من أخواننا الصحفيين، والمفكرين، والاقتصاديين بشتى مدارسهم. إنني على ثقة بأنه إذا صدق العزم وسلمت النوايا، فيمكن للسودانيين العاملين بالخارج أن يشكلوا قوة اقتصادية وطنية ضاربة، ويساهموا بفعالية واقتدار في دعم الاقتصاد الوطني بما يعود عليهم بالكثير من النفع والخير إن شاء الله.
ترى هل أنا أحلم؟ ولم لا؟ من قال أن الأحلام ممنوعة؟ أليست كل الأفكار والمشاريع الكبيرة تبدأ بحلم أو فكرة بسيطة تشع في ذهن شخص ما، ثم تنمو وتتطور؟
بين الواقع والأحلام
محمد أحمد الخضر
مسقط ،سلطنة عمان
makhader90@hotmail.com
كنت من بين الذين حضروا الاجتماع الذي انعقد بالنادي الاجتماعي للجالية السودانية بمسقط، سلطنة عمان، بمناسبة زيارة البروفسير عبد الرحمن موسى أبكر،وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء، والأستاذ صلاح عمسيب، نائب مدير عام جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج والوفد المرافق لهما. لقد اتسم الاجتماع بنقاش ساخن حول الدور الذي يقوم به الجهاز، وما له وما عليه، وفي الحقيقة أن جميع المتحدثين قد جأروا بمر الشكوى من جراء ما يلاقونه في الجهاز من معاملة سيئة، وما يدفعونه من إتاوات للدولة دون عائد يذكر. حاول الأستاذ صلاح عمسيب أن ينسب ذلك بكل ما فيه من قصور وسلبيات إلى مرحلة تاريخية مضت لا داعي للتباكي عليها الآن، وبشر الحضور بالمرحلة القادمة، وطلب منهم التطلع إلى المستقبل بتفاؤل وثقة، خاصة وأن السيد رئيس الجمهورية في لقاء سابق قد شكر المغتربين على ما قدموه من تضحيات، مؤكداً لهم أنه قد آن الأوان لمكافأتهم وإنصافهم.
لقد أتيح لي أن أتقدم بمداخلة ضمن النقاش الذي كان دائراً في هذا الاجتماع، فقلت إننا نبالغ إذا توقعنا من هذا الجهاز تقديم أي عائد أو أي خدمة يستفيد منها العاملون بالخارج، رغم أنه كان من المأمول فيه أن يخدم أهدافهم الاستثمارية، وإيجاد الحلول لمشاكلهم المختلفة، فهو في الواقع لم يعدو كونه مجمعاً لعدد من المصالح الحكومية المناط بها تحصيل ما يسمى بحقوق الدولة كالضرائب، ورسوم جوازات السفر، وتأشيرات الإقامة، والزكاة المثيرة للجدل .. الخ. وفي مقابل ذلك وذراً للرماد على العيون تقوم الدولة ممثلة في جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج بعمليات ديكورية وتجميلية تتمثل في مؤتمرات المغتربين التي لم تسفر حتى الآن عن أي حل جذري لقضاياهم الهامة، إلى جانب إقامة بعض المعسكرات لأبنائهم التي لا طائل منها. لقد ظلت الكثير من مشاكل العاملين بالخارج معلقة لفترة طويلة، كرسوم تعليم الأبناء التي تدفع بالعمل الصعبة أو ما يعادلها بالعملة السودانية، وتقييم ما يسمى بالشهادات العربية، وإعفاء سيارات المغتربين من الجمارك، والاستيعاب الحقيقي للعائدين وأخيرا الانخفاض الكبير في قيمة الدولار مقابل الجنيه السوداني وما ترتب عليه من انخفاض كبير في دخولهم. وإن كان لهذا المجمع من إيجابية واحدة فهو، وقد تم تشييد مبانيه من أموال المغتربين، قد وفر لهم مشقة التنقل من وزارة إلى أخري وما كانوا يلاقونه من عنت ومشقة في سبيل إنهاء المعاملات المذكورة. أما بخلاف ذلك فقد أصيب هذا المجمع بكل أمراض الخدمة المدنية المزمنة والمتفاقمة المتمثلة في عدم المبالاة، وسوء التعامل مع الجمهور وإذلاله دون أن يبذل المسئولون أي جهد يذكر لمعالجة هذه الأمراض، أو تدريب موظفي الجهاز على كيفية التعامل مع جمهور المغتربين الذين اعتادوا على نوع من التعامل الراقي في بلاد المهجر يختلف كثيرا عما يلاقونه من أهلهم وبني جلدتهم في مكاتب الخدمة المدنية داخل الوطن. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على استخفاف الدولة بأقدار مواطنيها، دون أدنى اعتبار أو تقدير لكبير أو صغير.
وللخروج من هذا النفق المظلم، ولإيجاد البديل الناجع، وطالما أن الدولة على مستوى رئيس الجمهورية أصبحت في وضع يمكنها من رد الجميل لأبنائها العاملين في الخارج، فقد تمنيت على الحاضرين أن يكفوا عن التباكي والشكوى، ويتركوا الجهاز وشأنه، وينصرفوا إلى التفكير الجاد في إقامة اتحاد للسودانيين العاملين بالخارج، يباركه ويدعمه السيد رئيس الجمهورية كرد لجميلهم، لينضم إلى منظمات المجتمع المدني المشروعة وليتولى التصدي لقضايا المغتربين الاقتصادية والاجتماعية عن طريق إنشاء مؤسسات مالية وتجارية وتربوية لتخدم أهدافهم الفردية والجماعية، وتسهم في مشاريع التنمية وبناء الوطن. ولعل ذلك سيفتح فرص العمل للكثير من العائدين نهائيا، ويفتح الباب للمشاركة في شتى مجالات الاستثمار بالاستفادة من الخبرات المكتسبة في الخارج، والاستعانة بالخبرات الأجنبية متى ما دعت الحاجة إلى ذلك.
لقد ظل العاملون في الخارج يدفعون للدولة طوال العقود الثلاثة الماضية أموالا طائلة تجاوزت مليارات الدولارات سنويا، بمعدل لا يقل عن 200 دولار من كل منهم سنويا، فماذا يضيرهم الآن إذا دفع كل منهم 100 دولار فقط للاتحاد المقترح، على أن يشرع الاتحاد فور تأسيسه في إقامة مجموعة شركات استثمارية بحيث لا تتجاوز قيمة السهم الواحد في رأسمالها المبلغ المذكور، مع فتح الباب بالطبع لمن يرغب في المزيد من الأسهم. دعنا نفترض أن إجمالي عدد السودانيين العاملين الذين سيلبون هذا النداء سيبلغ مليون شخص، فمعنى ذلك وبعملية حسابية بسيطة سيبلغ رأس المال المبدئي 100 مليون دور أو ما يعادل 200 مليون جنية بالعملة السودانية الجديدة. قد يتخوف البعض من عدم نجاح هذه الفكرة، وقد يتشكك البعض في صدق النوايا، ولكن ألا يستحق الموضوع أن يحظى بما يستحقه من النقاش الهادف البناء الذي يضمن نجاحه ويحقق مقاصده ومراميه؟ أما فيما يتعلق بالاتحاد وتفاصيل كيفية تكوينه ووضع لوائحه التنظيمية، فهذه أمور ستتم بلورتها من خلال النقاش الذي أدعو إليه كل أخواننا العاملين بالخارج المنتشرين في شتى أنحاء المعمورة بكل فئاتهم، وكل الحادبين على مصلحة الوطن من أخواننا الصحفيين، والمفكرين، والاقتصاديين بشتى مدارسهم. إنني على ثقة بأنه إذا صدق العزم وسلمت النوايا، فيمكن للسودانيين العاملين بالخارج أن يشكلوا قوة اقتصادية وطنية ضاربة، ويساهموا بفعالية واقتدار في دعم الاقتصاد الوطني بما يعود عليهم بالكثير من النفع والخير إن شاء الله.
ترى هل أنا أحلم؟ ولم لا؟ من قال أن الأحلام ممنوعة؟ أليست كل الأفكار والمشاريع الكبيرة تبدأ بحلم أو فكرة بسيطة تشع في ذهن شخص ما، ثم تنمو وتتطور؟