yamn990
22-04-2007, 07:48 AM
في قرية نائية من بلادنا الحبيبة يتعلم الناس من التلفزيون والوسائط المتعددة أكثر مما يتعلمون من المدرسة والجامع, ومع كثافة التلقي وسرعته وتركيزه حدث النوع الثالث من التغير المجتمعي وهو النوع العنيف الذي يرتبط عادة بالثورات , ونحن حقيقة نعيش ثورة اتصالية هائلة . في تلك القرية البعيدة عن كل شئ سوي الفضاء يتراجع جيل كهل أمام مد الشباب الرقمي , فالأب والأم أمام خيارين : إما مسايرة الشباب والرقص علي إيقاع قنوات التغيير الرقمية , أو الانزواء في حجرة معتمة في رحاب الماضي بتفصيلاته الموسومة علي تجاعيد وجوههم وفي الخيارين مصيبة تتجاوز الأسر البسيطة إلي قرية بأكملها , ثم مجتمع بأسره . في مدرسة البنات الثانوية في تلك القرية تمارس طالبتان سلوكيات خاطئة أمام بعض الزميلات فتنهار طالبة من هول ما رأت , فتصرف اهتمام الطالبات عن ( المنظر ) غير المستغرب لهن إلي استنكارها المستهجن ويسألنها السؤال الطامة : من أية داهية قدمت ؟ إذ من وجهة نظرهن علي هذه الطالبة أن تراجع حساباتها في التعرف علي الثقافة الجديدة وبعيدا عن تلك القرية تقف طالبة في واحدة من أحدي الجامعات الكبيرة حيث الناس قريبون من كل شئ بما فيه الفضاء وحيث الآباء والأمهات من جيل كهول القرية قد اختاروا طواعية منفي الأصدقاء والعمل والسفر بعيدا عن مزاحمة الشباب علي منافذ الترفيه وعدم إعاقة تلقيهم الحضاري من العالم من حولهم في هذه المدينة تقف طالبة جامعية في محاضرة دينية وتطالب الشيخ المحاضر بأن يفتي بجواز العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج ومن المؤكد أنها ستسوق من الأدلة المنطقية المستوحاة من المجتمع ( الجديد ) ما يفحم الشيخ عن الجواب لأن المفاجأة قد ترمي به في ملعب الحوقلة والدعاء لها بالهداية , ونصيحتها بالتوبة , لكن أحدا من المصلحين لن يلامس القضية في عمقها فما زلنا نتمسك بوهم مجتمع الفضيلة ومن منا لا يتمني أن يكون مجتمعنا فاضلاً مجتمعنا أيها السادة تغير كثيراً , والهروب من وجه الحقيقة لن يدفنها لقد تجاوزنا مرحلة المعالجات السطحية فالعمق الآن بحاجة الي معالجة والمعالجة لن تكون فاعلة دونما تشخيص والتشخيص قد يكون أكثر إيلاما من الدواء نفسه . لا احد ينكر أن الخير ظاهرة غالبة أن شاء الله كما أن أحدا لا ينكر أن في التغيرات المجتمعية إيجابية فما توفر لهذا الجيل من مصادر التغيير يعد فرصة كبيرة لتجاوز حدود المكان بثقافته وقيوده وعيوبه الي فضاء أرحب بثقافة كونية ومنجزات حضارية ونماذج مبدعة وتجارب تنموية مذهلة , ولكن كما ننتقد ثقافة الانغلاق الأحادية علينا أن نصدق أن لثقافة الانفتاح عيوبها الكبيرة لأن عولمة القيم والثقافات تتصادم في حالات معينة مع خصوصية المجتمعات وهنا يحدث الصراع بين مقاومة لا تعتمد علي كثير من المعلومات ولا تستند الي خلفية دينية أو قيمية واعية , وإنما الي محددات مجتمعية وقبلية وقيم العيب الاجتماعي والتمسك الظاهري بالدين وبين تدفق مقنع لثقافة لديها القدرة علي التحاور مع الرافضين وإخضاعهم بقوة المنطق وفاعلية الوسيلة لسلطانها . أدواتنا أيها السادة في التحكم في مستوي ونوعية التغير الاجتماعي باتت بالية , والمسؤولية الآن ليست حكومية فقط ولكنها مدنية وعلي الجانبين التعاون في تقديم العون والنصح والمشورة , وعلينا ممارسة نقد موضوعي لواقعنا وتقييم شامل لما وصلنا إليه تحت السطح البراق الذي يخدعنا وميضه .
محمد عمر
moh_omar245@hotmail.com
محمد عمر
moh_omar245@hotmail.com