عزيز عيسى
08-01-2007, 03:24 PM
علوية بنت نعمان، عظيمة الشأن، ذات الحسب والنسب ست الحسان، قليلة الحظ مع العرسان، خلوقة مهذبة محافظة على سمعتها وسمعة أهلها. يحبها ويحترمها كل أهل الحارة. تزوجت نعمان السعران وأنجبت منه ولد وبنت ندان. هذا النعمان لا خلقة لا خلق ولا إيمان. لا يعرف اللطف والرأفاة والشفقة والحنان. عديم العطف والإحسان. دائما سكران وحيران.
في البداية كانت حياتهما هانئة هادئة لا تشوبها شوائب.. ولكن بعد مدة من الزمن إجتمع نعمان بأصدقاء من أهل السوء وعلموه كل الأعمال التي تؤدي الى إرتكاب الذنوب. وكان نعمان يقضي معظم أوقاته مع أصدفاؤه في الحوانيت ليحستي الخمر ولعب القمار. وتظل علوية المسكينة ساهرة طوال الليل في إنتظار عودة زوجها نعمان لتحادثه في شؤون إسرتهم الصغيرة ولكن نعمان يعود كل يوم قبل شروق الشمس بقليل ويسبب لأسرته إزعاج شديد بصياحه وحركته المتكررة وبعيون يتطاير منهما الشرر ليوقظ زوجته علوية ليشتمها أمام أطفالها دون أي سبب تقترفه.. ويطلب منها أن تدله الى المكان الذي وضعت عليه العشاء.. مع إنه مكان معروف إعتادت علوية أن تضع الأكل عليه كل يوم..
تحولت حياة علوية الى جحيم.. وشكت الى والديها معاناتها وعما تلاقيه هي وأطفالها كل يوم من زوجها.. طلب منها والدها أن تتحلى بالصبر وتحاول أن تتحدث إليه بهدوء وتنصحه بعدم شرب الخمر والإلتفات الى عائلته وأطفاله والأهتمام بحوائجهم وأهمية وجوده بينهم.
حاولت علوية جاهدة عدة مرات وجربت كل السبل لإقناع زوجها نعمان بالعدول عن عادته السيئة والتوقف عن شرب الخمر. لكن وعلى الرغم من محاولتها لم تفلح في أقناعه، بل ظل نعمان يشتمها بإستمرار ويلعن أهلها واليوم الذي جمعه بها وأحيانا يؤذيها بالضرب المبرح على جسدها.
في ذات يوم حضر نعمان كعادته الى البيت متأخرا. قابلته علوية التي كانت في إنتظاره وقالت له بأن الأطفال جياع ويضايقونها بصياحهم وإزعاجها بسؤالهم المستمر عن الطعام. طلبت علوية من نعمان مصروف البيت لأعداد الطعام لأطفالها وعن المصروف المدرسي.. أجابها نعمان بأنه لايملك قرشا واحدا.. سألته عن راتبه الشهري وأين ذهب.. كالعادة لم يجاوبها على سؤالها بل ظل يشتمها ويلعنها وطلب منها أن تتصرف هي.
ساءت حالة علوية وأطفالها ولم تستطع مقاومة طلبات أطفالها، أخيرا لجأت الى صديقتها المقربة تشكي لها حالها وما أصابها ويصيبها مع أطفالها من جراء أفعال زوجها السكير، وأنها لاتستطيع أن توفر لهم قوت اليوم.. قالت لها صديقتها تنصحها بأن تجرب تجارة بسيطة قد تكفي لتغطية حوائج أطفالها وهي بيع التسالي والنبق والتمر واللالوب والعجور والتبش للأطفال في الشارع أمام منزلها. بدأت على وجه علوية ملامح الخجل من البدء في مثل هذا النوع من التجارة لأنها لم تتعود عليها، ولكن صديقتها شجعتها على ذلك وذكرت لها بأنه الحل الوحيد الذي يجب أن تطرقه، ومن جهة أخرى من باب السترة، ثم أعطتها مبلغا من المال لتشتري بيه تلك الحوائج لتبدأ العمل.
إستمرت علوية مجبرة في تلك التجارة لعدة أيام وبدأت تدر عليها أرباحا لابأس بها كانت كافية لتغطية إطعام أطفالها ومصاريف حوائجهم المدرسية. كانت علوية تضع النقود في جرة صغيرة وتدسها تحت الدولاب. أستطاع زوجها السكير أن يعرف المكان الذي تخبيء فيه علوية النقود. لم يختشي من أفعاله ولكن هذه المرة إمتدت يده ليأخذ منها قوت أبناؤها من بضعة النقود التي إدخرتها علوية لرعاية أطفالها قصبا من أجل إشباع متعته في إحتساء الخمور ولعب القمار. أحست علوية بخطر مد يد زوجها على أموال أولادها، لذلك طلبت من صديقتها أن تحفظ لها ما تدخره من نقود.
ونظرا لدخول سيدات أخريات في مثل تلك التجارة سبب ذلك منافسة بالنسبة لعلوية وبدأت تقل مبيعاتها تدريجيا كل يوم، وأصبحت تعاني من الكساد. ساءت حالة أسرة علوية مرة أخرى وحاولت أن تطرق أبوابا أخرى للعمل الشريف لتكسب بها العيش الكريم ولكن أطفالها كانوا يقفون عائقا أمامها في الإستمرار في أي وظيفة أخرى لصغر سنهم وحاجتهم للرعاية. إنسدت كل أبواب الأمل أمامها للخروج من هذا المأزق الذي تعيش فيه مع أطفالها. أصبحت هزيلة ضعيفة وقلت عزيمتها.
شعرت صديقة علوية بسوء حالها لذلك كانت تسارع بمساعدة علوية وأطفالها ومدهم كل يوم بالطعام. تضايقت علوية جدا من التحامل على صديقتها لأنها تستقطع من قوت أطفالها لتساعدها. حاولت علوية مرارا مع زوجها ولكنه إستمر في أفعاله السيئة والتنكيد عليها وعلى أطفالها مما أدي الى زيادة سوء حالتهم.
في يوم من الأيام إنتابت علوية حالة هستيرية ونفسية قوية وعنيفة لم تستطيع أن تقاوم أو تتمالك نفسها، لذلك قررت أن تنصاع لعمل الشيطان. عندما أقترب الليل من منتصفه جمعت علوية أطفالها الإثنين وأدخلتهم معها في غرفة النوم ثم ذهبت الى المطبخ وأحضرت قارورة مملؤة بالجاز وعلبة الكبريت وأغلقت الباب بالمفتاح وأحكمت إغلاقه وقامت بصب الجاز على ملابسها. وقبل أن تشعل النار على ملابسها فكرت قليلا وقالت في نفسها طالما أنها هي التي عانت وتعاني من ظلم زوجها وإيزائه لها بإستمرار فما هو الذنب الذي إقترفه هؤلاء الأطفال. لحسن الحظ كانت غرفة النوم لديها شباك مطل على الشارع الرئيسي. قامت بفتح الشباك وطلبت من طفليها الخروج. وتحت إلحاح طفليها وصراخهم المستمر قامت بدفعهم خارج الغرفة ثم أشعلت عود الثقاب في ثيابها لتسري النار في جسدها بسرعة كالهشيم.
صادف مرور أحد الجيران بالقرب من المنزل وسمع صراخ الأطفال وشاهد تصاعد الدخان والنيران تشتعل في غرفة النوم. كان الطفلان يصرخان ويشيران إليه بأن أمهما ما زالت بالداخل وطلبا منه بأن ينقذها من النيران المشتعلة. قام بأبعاد الطفلين وبدأ بالصياح مستنجدا بالسكان الأخرين وقفز من فوق الحائط ودخل الى الغرفة بصعوبة ووجد علوية مستلقية على الأرض تصرخ والنار مشتعلة في ثيابها وجسدها وفي كل مكان داخل الغرفة. وجد بطانية على السرير وبسرعة أخذها وغطى بها على جسم علوية وسحبها الى الخارج في محاولة لإخماد النيران من جسدها. كانت النيران قد قضت على 90 في المائة من جسدها ولم يتبق في رأسها سواء منطقة العينين. حضرت سيارات المطافيء وقام رجال الإطفاء بإخماد نيران الحريق وتم نقل علوية على إسعاف الى المستشفى وهي مازالت على قيد الحياة.
في اليوم الثاني طلبت من والدتي وقد كانت صديقة لعلوية بأن أذهب معها الى المستشفى لزيارة علوية، وكان عمري آنذاك لايتعدى الثانية أو الثالثة عشر. كنت حينها أذهب الى منزل علوية كل يوم للعب أمام منزلهم مع بقية أولاد الجيران في الحي الذي نسكن فيه. وقبل أن أعود الى منزلنا كانت علوية في كل مرة تنادينني لتملأ جيوبي الصغيرة بالحلوى والتسالي والتمر والنبق واللالوب والقنقليس والدوم حتى التنبش والعجور (كنا نسميها التحلية) كنت أخذهما منها وتعطيني لهما مجانا دون أي مقابل وهي في إبتسامة ورضاء تام وتعاملني كواحد من أبناءها، لذلك كنت إرتاح إليها كثيرا.
ذهبت مع والدتي الى المستشفى وبعد إلحاح وافق الممرضين لي بزيارة علوية ولفترة وجيزة من الزمن. دخلت غرفة حوادث الحريق بصحبة والدتي وتمكنت من زيارة علوية حيث ترقد في حجرة مخصصة، شاهدت كل جسمها ملفوف بقطع من الشاش الطبي المعروف ومغطاة بقطعة طويلة من الالمنيوم لحمايتها من الجراثيم. لم أخف من منظرها البشع بل تشجعت وإقتربت من علوية وسلمت عليها مشيرا بيدي من بعيد. كانت علوية في كامل وعيها ولكنها كانت تصيح بإستمرار من شدة الألم. وحينما شاهدتني نادتني بإسمي وطلبت مني بأن أحضر لها جرعة من الماء. ونظرا لصغر سني وعدم إلمامي بمتطلبات مرضي الحريق جريت مسرعا الى غرفة الممرضين كالمجنون وأنا أبكي وأصيح بشدة بأن يعطوا علوية شربة ماء. أمسكني أحد الممرضين وأخذني الى خارج عنبر الحوادث وأفهمني بأن الشخص الذي يصيبه الحريق لا يعطي ماء وحتي هذه اللحظة لا أدري ما السبب في ذلك.
كانت تلك آخر مرة أشاهد فيها علوية المرأة الطيبة الحنونة المحبوبة التي كافحت من أجل أبناءها. بعد ساعات من عودتنا الى منزلنا جاء الخبر يعلن وفاة علوية متأثرة بحروق النيران. بكاها الجميع في حسرة وحرقة على فراقها. وحتى يومنا هذا عندما أتذكر ما حصل لعلوية وما مرت به من مأسي تدمع عيني مشفقا على الحالة التي مرت بها.
هكذا عاشت علوية حياة تملأها البؤس والشقاء والنكد لم تتذوق فيها طعم السعادة وكل ذلك بسبب زوجها السكير الذي لايعرف معنى الإنسانية والحياة الزوجية وعدم الإهتمام بأطفاله.
هذه قصة حقيقة حدثت خلال السبعينيات لم أذكر الأسماء الحقيقية للأشخاص حفاظا على خصوصية العائلة.
في البداية كانت حياتهما هانئة هادئة لا تشوبها شوائب.. ولكن بعد مدة من الزمن إجتمع نعمان بأصدقاء من أهل السوء وعلموه كل الأعمال التي تؤدي الى إرتكاب الذنوب. وكان نعمان يقضي معظم أوقاته مع أصدفاؤه في الحوانيت ليحستي الخمر ولعب القمار. وتظل علوية المسكينة ساهرة طوال الليل في إنتظار عودة زوجها نعمان لتحادثه في شؤون إسرتهم الصغيرة ولكن نعمان يعود كل يوم قبل شروق الشمس بقليل ويسبب لأسرته إزعاج شديد بصياحه وحركته المتكررة وبعيون يتطاير منهما الشرر ليوقظ زوجته علوية ليشتمها أمام أطفالها دون أي سبب تقترفه.. ويطلب منها أن تدله الى المكان الذي وضعت عليه العشاء.. مع إنه مكان معروف إعتادت علوية أن تضع الأكل عليه كل يوم..
تحولت حياة علوية الى جحيم.. وشكت الى والديها معاناتها وعما تلاقيه هي وأطفالها كل يوم من زوجها.. طلب منها والدها أن تتحلى بالصبر وتحاول أن تتحدث إليه بهدوء وتنصحه بعدم شرب الخمر والإلتفات الى عائلته وأطفاله والأهتمام بحوائجهم وأهمية وجوده بينهم.
حاولت علوية جاهدة عدة مرات وجربت كل السبل لإقناع زوجها نعمان بالعدول عن عادته السيئة والتوقف عن شرب الخمر. لكن وعلى الرغم من محاولتها لم تفلح في أقناعه، بل ظل نعمان يشتمها بإستمرار ويلعن أهلها واليوم الذي جمعه بها وأحيانا يؤذيها بالضرب المبرح على جسدها.
في ذات يوم حضر نعمان كعادته الى البيت متأخرا. قابلته علوية التي كانت في إنتظاره وقالت له بأن الأطفال جياع ويضايقونها بصياحهم وإزعاجها بسؤالهم المستمر عن الطعام. طلبت علوية من نعمان مصروف البيت لأعداد الطعام لأطفالها وعن المصروف المدرسي.. أجابها نعمان بأنه لايملك قرشا واحدا.. سألته عن راتبه الشهري وأين ذهب.. كالعادة لم يجاوبها على سؤالها بل ظل يشتمها ويلعنها وطلب منها أن تتصرف هي.
ساءت حالة علوية وأطفالها ولم تستطع مقاومة طلبات أطفالها، أخيرا لجأت الى صديقتها المقربة تشكي لها حالها وما أصابها ويصيبها مع أطفالها من جراء أفعال زوجها السكير، وأنها لاتستطيع أن توفر لهم قوت اليوم.. قالت لها صديقتها تنصحها بأن تجرب تجارة بسيطة قد تكفي لتغطية حوائج أطفالها وهي بيع التسالي والنبق والتمر واللالوب والعجور والتبش للأطفال في الشارع أمام منزلها. بدأت على وجه علوية ملامح الخجل من البدء في مثل هذا النوع من التجارة لأنها لم تتعود عليها، ولكن صديقتها شجعتها على ذلك وذكرت لها بأنه الحل الوحيد الذي يجب أن تطرقه، ومن جهة أخرى من باب السترة، ثم أعطتها مبلغا من المال لتشتري بيه تلك الحوائج لتبدأ العمل.
إستمرت علوية مجبرة في تلك التجارة لعدة أيام وبدأت تدر عليها أرباحا لابأس بها كانت كافية لتغطية إطعام أطفالها ومصاريف حوائجهم المدرسية. كانت علوية تضع النقود في جرة صغيرة وتدسها تحت الدولاب. أستطاع زوجها السكير أن يعرف المكان الذي تخبيء فيه علوية النقود. لم يختشي من أفعاله ولكن هذه المرة إمتدت يده ليأخذ منها قوت أبناؤها من بضعة النقود التي إدخرتها علوية لرعاية أطفالها قصبا من أجل إشباع متعته في إحتساء الخمور ولعب القمار. أحست علوية بخطر مد يد زوجها على أموال أولادها، لذلك طلبت من صديقتها أن تحفظ لها ما تدخره من نقود.
ونظرا لدخول سيدات أخريات في مثل تلك التجارة سبب ذلك منافسة بالنسبة لعلوية وبدأت تقل مبيعاتها تدريجيا كل يوم، وأصبحت تعاني من الكساد. ساءت حالة أسرة علوية مرة أخرى وحاولت أن تطرق أبوابا أخرى للعمل الشريف لتكسب بها العيش الكريم ولكن أطفالها كانوا يقفون عائقا أمامها في الإستمرار في أي وظيفة أخرى لصغر سنهم وحاجتهم للرعاية. إنسدت كل أبواب الأمل أمامها للخروج من هذا المأزق الذي تعيش فيه مع أطفالها. أصبحت هزيلة ضعيفة وقلت عزيمتها.
شعرت صديقة علوية بسوء حالها لذلك كانت تسارع بمساعدة علوية وأطفالها ومدهم كل يوم بالطعام. تضايقت علوية جدا من التحامل على صديقتها لأنها تستقطع من قوت أطفالها لتساعدها. حاولت علوية مرارا مع زوجها ولكنه إستمر في أفعاله السيئة والتنكيد عليها وعلى أطفالها مما أدي الى زيادة سوء حالتهم.
في يوم من الأيام إنتابت علوية حالة هستيرية ونفسية قوية وعنيفة لم تستطيع أن تقاوم أو تتمالك نفسها، لذلك قررت أن تنصاع لعمل الشيطان. عندما أقترب الليل من منتصفه جمعت علوية أطفالها الإثنين وأدخلتهم معها في غرفة النوم ثم ذهبت الى المطبخ وأحضرت قارورة مملؤة بالجاز وعلبة الكبريت وأغلقت الباب بالمفتاح وأحكمت إغلاقه وقامت بصب الجاز على ملابسها. وقبل أن تشعل النار على ملابسها فكرت قليلا وقالت في نفسها طالما أنها هي التي عانت وتعاني من ظلم زوجها وإيزائه لها بإستمرار فما هو الذنب الذي إقترفه هؤلاء الأطفال. لحسن الحظ كانت غرفة النوم لديها شباك مطل على الشارع الرئيسي. قامت بفتح الشباك وطلبت من طفليها الخروج. وتحت إلحاح طفليها وصراخهم المستمر قامت بدفعهم خارج الغرفة ثم أشعلت عود الثقاب في ثيابها لتسري النار في جسدها بسرعة كالهشيم.
صادف مرور أحد الجيران بالقرب من المنزل وسمع صراخ الأطفال وشاهد تصاعد الدخان والنيران تشتعل في غرفة النوم. كان الطفلان يصرخان ويشيران إليه بأن أمهما ما زالت بالداخل وطلبا منه بأن ينقذها من النيران المشتعلة. قام بأبعاد الطفلين وبدأ بالصياح مستنجدا بالسكان الأخرين وقفز من فوق الحائط ودخل الى الغرفة بصعوبة ووجد علوية مستلقية على الأرض تصرخ والنار مشتعلة في ثيابها وجسدها وفي كل مكان داخل الغرفة. وجد بطانية على السرير وبسرعة أخذها وغطى بها على جسم علوية وسحبها الى الخارج في محاولة لإخماد النيران من جسدها. كانت النيران قد قضت على 90 في المائة من جسدها ولم يتبق في رأسها سواء منطقة العينين. حضرت سيارات المطافيء وقام رجال الإطفاء بإخماد نيران الحريق وتم نقل علوية على إسعاف الى المستشفى وهي مازالت على قيد الحياة.
في اليوم الثاني طلبت من والدتي وقد كانت صديقة لعلوية بأن أذهب معها الى المستشفى لزيارة علوية، وكان عمري آنذاك لايتعدى الثانية أو الثالثة عشر. كنت حينها أذهب الى منزل علوية كل يوم للعب أمام منزلهم مع بقية أولاد الجيران في الحي الذي نسكن فيه. وقبل أن أعود الى منزلنا كانت علوية في كل مرة تنادينني لتملأ جيوبي الصغيرة بالحلوى والتسالي والتمر والنبق واللالوب والقنقليس والدوم حتى التنبش والعجور (كنا نسميها التحلية) كنت أخذهما منها وتعطيني لهما مجانا دون أي مقابل وهي في إبتسامة ورضاء تام وتعاملني كواحد من أبناءها، لذلك كنت إرتاح إليها كثيرا.
ذهبت مع والدتي الى المستشفى وبعد إلحاح وافق الممرضين لي بزيارة علوية ولفترة وجيزة من الزمن. دخلت غرفة حوادث الحريق بصحبة والدتي وتمكنت من زيارة علوية حيث ترقد في حجرة مخصصة، شاهدت كل جسمها ملفوف بقطع من الشاش الطبي المعروف ومغطاة بقطعة طويلة من الالمنيوم لحمايتها من الجراثيم. لم أخف من منظرها البشع بل تشجعت وإقتربت من علوية وسلمت عليها مشيرا بيدي من بعيد. كانت علوية في كامل وعيها ولكنها كانت تصيح بإستمرار من شدة الألم. وحينما شاهدتني نادتني بإسمي وطلبت مني بأن أحضر لها جرعة من الماء. ونظرا لصغر سني وعدم إلمامي بمتطلبات مرضي الحريق جريت مسرعا الى غرفة الممرضين كالمجنون وأنا أبكي وأصيح بشدة بأن يعطوا علوية شربة ماء. أمسكني أحد الممرضين وأخذني الى خارج عنبر الحوادث وأفهمني بأن الشخص الذي يصيبه الحريق لا يعطي ماء وحتي هذه اللحظة لا أدري ما السبب في ذلك.
كانت تلك آخر مرة أشاهد فيها علوية المرأة الطيبة الحنونة المحبوبة التي كافحت من أجل أبناءها. بعد ساعات من عودتنا الى منزلنا جاء الخبر يعلن وفاة علوية متأثرة بحروق النيران. بكاها الجميع في حسرة وحرقة على فراقها. وحتى يومنا هذا عندما أتذكر ما حصل لعلوية وما مرت به من مأسي تدمع عيني مشفقا على الحالة التي مرت بها.
هكذا عاشت علوية حياة تملأها البؤس والشقاء والنكد لم تتذوق فيها طعم السعادة وكل ذلك بسبب زوجها السكير الذي لايعرف معنى الإنسانية والحياة الزوجية وعدم الإهتمام بأطفاله.
هذه قصة حقيقة حدثت خلال السبعينيات لم أذكر الأسماء الحقيقية للأشخاص حفاظا على خصوصية العائلة.