بابكر
19-10-2006, 01:24 PM
صعد مجنون هارب من المستشفى منارة بقصد الانتحار , وحار الناس في اقناعه
بالعدول عن ذلك.. إلى أن جاءهم طبيب المستشفى بمجنون آخر , فما كان منه إلا
أن نادى المجنون الأول قائلاً: إذا لم تنزل فسأقص المنارة بالمنشار! وسرعان ما
نزل المجنون الأول راكضا طائعا هلعا .
حكاية طريفة ونكتة حارة ومسلية .. أليس كذلك؟؟..
أما أنا فأقول بأنها <باردة> مصنوعة وموضوعة من قبل شخص عاقل لادخال
السرور الى قلوب الناس على حساب المساكين التائهين, فما أبعدها عن حقيقة
تفكير من يُدعون بالمجانين , وإن دلت على شيء فعلى عدم فهم جمهور الناس
بما يجري في عقل المصاب وبماذا يفكر به فعلاً.. وهذا ماينطبق على معظم
حكايات المجانين.
من المفيد جدا أن نعرف كيف يفكر المريض العقلي ولا أدعي أن الطب النفسي قد
كشف بجلاء تام التسلسل المنطقي في تفكير المريض , إلا أن الشيء الاكيد هو
أن تفكير المريض يستمد أصوله ومادته واتجاهه من تفكير الانسان العادي أو
بالأحرى من تفكيره هو وحياته قبل مرضه . فلا شيء بغريب ولا جديد فيه إلا
الاسلوب والصيغة المستحدثة .
وليس من الصعب تفسير الاسلوب الجديد وفهمه إذا رجعنا الى تاريخ حياة المريض
وما صادفه من شدائد وعقبات وأزمات سواء بالتحليل النفسي أو بتسجيل وتدقيق
لتطور حياته العاطفية وعلاقته مع والدته وأفراد أسرته وأقربائه وأقرانه.. ومع
المحيطين به.. وبالدراسة النفسية والبحث الاجتماعي يرى الأطباء أنه يمكن وضع
الاعراض الغريبة والشاذة والغير سويّة في إطارها المناسب وإيجاد التفسير
المقبول لها. فالمريض بالشك والاوهام والعداوات إنما يشعر بذلك نتيجة سلسلة
من الأحداث والتجارب والظروف التي مرت به فاستجاب لها بطريقة شاذة لا يلجأ
اليها غيره من الأسوياء . والذي يشعر أنه بدون اسم وشخصيّة وكيان ربما يتنكر
لذاته ويمقتها , أو ربما يفقد كل أثر لارادة ذاته وحدودها .. والذي يؤمن أن عقله
قد ذاب وباطنه خاو ربما لانه يرى أن الآخرين قد طغوا عليه فمحوا كلّ شيء حيوي
فيه.. والذي يعتقد أنه القوي الجبار الملك القائد الذي يأمر فيطاع وينهى فيستجاب
له ربما لان شعوره بالنقص والضآلة دفعاه الى رد فعل شاذ من جنون العظمة
وهكذا حتى في حركات أيدي المريض وأصابعه وقسمات وجهه ولمعان عيونه هي
رموز ودلائل لها مغزى ومنشأ لمن أراد أن يسبر أغوار نفس المريض قبل أن
يسخر منه ..إذن فالتفكير لدى مرضى العقول هو أشبه بتفكير العقلاء مع فارق
في التسلسل والشدة والنوعية والعمق والصراحة والاسلوب.
فالانسان العاقل -الاجتماعي- لايبصق على الأرض ولا ينزع ملابسه أمام الآخرين
لاعتبارات كثيرة معروفة , لكن المريض العقلي وصل الى مرحلة أصبح فيها لسان
حاله وموقفه يقول: (أنا أحتقر هذا المجتمع الزائف الظالم .. إنه يستأهل البصق
ولا يستحق التردد والخجل .. وأنا هكذا دون ملابس .. فليخسأ المنافقون ..
وليضحكوا كما يريدون ..)
يمكن القول اذن وببساطة أن المريض العقلي في نظر الاطباء وعلم النفس قد وصل
مرحلة من توازن القوى النفسية ومن المعادلات الجديدة ومن القيم الخاصة به التي
تجعله يقنع بالعيش في عالمه الخاص وسط عالم العقلاء الأسوياء..
أما عند المشاهد السطحي فان عالم المجنون وتفكيره مجرد فوضى وأعمال مضحكة..!
بالعدول عن ذلك.. إلى أن جاءهم طبيب المستشفى بمجنون آخر , فما كان منه إلا
أن نادى المجنون الأول قائلاً: إذا لم تنزل فسأقص المنارة بالمنشار! وسرعان ما
نزل المجنون الأول راكضا طائعا هلعا .
حكاية طريفة ونكتة حارة ومسلية .. أليس كذلك؟؟..
أما أنا فأقول بأنها <باردة> مصنوعة وموضوعة من قبل شخص عاقل لادخال
السرور الى قلوب الناس على حساب المساكين التائهين, فما أبعدها عن حقيقة
تفكير من يُدعون بالمجانين , وإن دلت على شيء فعلى عدم فهم جمهور الناس
بما يجري في عقل المصاب وبماذا يفكر به فعلاً.. وهذا ماينطبق على معظم
حكايات المجانين.
من المفيد جدا أن نعرف كيف يفكر المريض العقلي ولا أدعي أن الطب النفسي قد
كشف بجلاء تام التسلسل المنطقي في تفكير المريض , إلا أن الشيء الاكيد هو
أن تفكير المريض يستمد أصوله ومادته واتجاهه من تفكير الانسان العادي أو
بالأحرى من تفكيره هو وحياته قبل مرضه . فلا شيء بغريب ولا جديد فيه إلا
الاسلوب والصيغة المستحدثة .
وليس من الصعب تفسير الاسلوب الجديد وفهمه إذا رجعنا الى تاريخ حياة المريض
وما صادفه من شدائد وعقبات وأزمات سواء بالتحليل النفسي أو بتسجيل وتدقيق
لتطور حياته العاطفية وعلاقته مع والدته وأفراد أسرته وأقربائه وأقرانه.. ومع
المحيطين به.. وبالدراسة النفسية والبحث الاجتماعي يرى الأطباء أنه يمكن وضع
الاعراض الغريبة والشاذة والغير سويّة في إطارها المناسب وإيجاد التفسير
المقبول لها. فالمريض بالشك والاوهام والعداوات إنما يشعر بذلك نتيجة سلسلة
من الأحداث والتجارب والظروف التي مرت به فاستجاب لها بطريقة شاذة لا يلجأ
اليها غيره من الأسوياء . والذي يشعر أنه بدون اسم وشخصيّة وكيان ربما يتنكر
لذاته ويمقتها , أو ربما يفقد كل أثر لارادة ذاته وحدودها .. والذي يؤمن أن عقله
قد ذاب وباطنه خاو ربما لانه يرى أن الآخرين قد طغوا عليه فمحوا كلّ شيء حيوي
فيه.. والذي يعتقد أنه القوي الجبار الملك القائد الذي يأمر فيطاع وينهى فيستجاب
له ربما لان شعوره بالنقص والضآلة دفعاه الى رد فعل شاذ من جنون العظمة
وهكذا حتى في حركات أيدي المريض وأصابعه وقسمات وجهه ولمعان عيونه هي
رموز ودلائل لها مغزى ومنشأ لمن أراد أن يسبر أغوار نفس المريض قبل أن
يسخر منه ..إذن فالتفكير لدى مرضى العقول هو أشبه بتفكير العقلاء مع فارق
في التسلسل والشدة والنوعية والعمق والصراحة والاسلوب.
فالانسان العاقل -الاجتماعي- لايبصق على الأرض ولا ينزع ملابسه أمام الآخرين
لاعتبارات كثيرة معروفة , لكن المريض العقلي وصل الى مرحلة أصبح فيها لسان
حاله وموقفه يقول: (أنا أحتقر هذا المجتمع الزائف الظالم .. إنه يستأهل البصق
ولا يستحق التردد والخجل .. وأنا هكذا دون ملابس .. فليخسأ المنافقون ..
وليضحكوا كما يريدون ..)
يمكن القول اذن وببساطة أن المريض العقلي في نظر الاطباء وعلم النفس قد وصل
مرحلة من توازن القوى النفسية ومن المعادلات الجديدة ومن القيم الخاصة به التي
تجعله يقنع بالعيش في عالمه الخاص وسط عالم العقلاء الأسوياء..
أما عند المشاهد السطحي فان عالم المجنون وتفكيره مجرد فوضى وأعمال مضحكة..!