التيمان
16-07-2006, 10:14 AM
احتلت إسرائيل أجزاء من جنوب لبنان عام 1978، وفي عام 1982احتلت بيروت، ثم انسحبت وبقيت في الجنوب حتى عام 2000 حيث انسحبت دون اتفاق مع لبنان، وكان باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وعد في حملته الانتخابية بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان قبل شهر يوليو/تموز 2000 وقد انسحب الجيش الإسرائيلي بالفعل في 24/ مايو/أيار 2000 بسرعة مخلفا الميليشيا المتعاونة معه بقيادة أنطوان لحد تواجه مصيرها بنفسها.
كان الدخول العسكري الإسرائيلي إلى لبنان ضمن سلسلة أمنية بعيدة المدى، فماذا كان الانسحاب؟ هل أجبرت المقاومة إسرائيل على الانسحاب؟ هل تغيرت الأولويات الأمنية الإسرائيلية؟
لقد نفذت إسرائيل قبل احتلال الجنوب اللبناني مجموعة من العمليات الخاطفة استهدفت المقاومة الفلسطينية وأشهرها اغتيال ثلاثة من قادة فتح، وبعد انفجار الحرب الأهلية عام 1975 عملت على التسلل الاستخباري والسياسي وساعدت الظروف القائمة على إنشاء كيانات طائفية موالية لها، وفي عام 1978 اجتاحت جنوب لبنان وأقامت حزاما أمنيا متعاونا معها بقيادة الرائد سعد حداد ثم انطوان لحد، وأقيمت أيضا منطقة دولية عازلة بواسطة قوات متعددة الجنسية استقدمت بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، وفي صيف عام 1982 غزت إسرائيل لبنان واحتلت أكثر من نصفه بما في ذلك بيروت. وبلغ ذلك الاحتلال ذروته بفرض اتفاق 17/مايو/ أيار 1983 على لبنان وتدمير البنية العسكرية الفلسطينية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ونشوء خريطة سياسية عربية جديدة بعد حرب الخليج الثانية تكون اتجاه جمعي للتفاوض السياسي بين العرب وإسرائيل، وبدا الحزام الأمني كما وصفه زئيف شيف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس مثل طوق نجاة مثقوب ويشكل عبئا عسكريا تسعى إسرائيل إلى إنهائه، وكانت المفاوضات التي أطلقت في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 فرصة للانسحاب من خلال اتفاق يجري توقيعه ولكن لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وتعثرت المفاوضات.
لقد كان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان يفسر على أنه توسع إسرائيلي يستهدف مصادر المياه وتكوين عمق جيواستراتيجي فهل تخلت إسرائيل عن هذه الإستراتيجية؟ أم أن تكاليفها كانت أكثر من مكاسبها؟ ويرى محللون أيضا أن الولايات المتحدة بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية تؤدي دورا إستراتيجيا مباشرا في المنطقة ولم تعد بحاجة إلى دور غير مباشر تقوم به إسرائيل لأنها غدت أكثر قدرة على ذلك، ولم يعد دورها المباشر مكلفا ولا يواجه بتحد ورفض كما كان الأمر في أثناء قوة الاتحاد السوفياتي وقدرته على الموجهة والمنافسة.
المقاومة الوطنية والإسلامية وعلى رأسها حزب الله في لبنان أدت دورا كبيرا في استنزاف قوات الاحتلال وجعله عبئا عسكريا واقتصاديا وأخلاقيا، وتهيأت لها ظروف معقولة تساعدها على الاستمرار والقوة، دعم لوجستي وسياسي وإعلامي من الدولة اللبنانية، وتأييد سوري وإيراني، وتمويل شعبي ورسمي، وشعبية كبيرة بين اللبنانيين والعرب، ومصداقية عالية جدا، فلم تقع المقاومة اللبنانية في التعصب أو الفساد والغرور والاعتداء على الناس والمؤسسات الرسمية والشعبية، ولم تحاول استغلال شعبيتها في مكاسب تتجاوز الخدمة المباشرة للمقاومة. ويمكن اعتبارها حالة نموذجية في تاريخ المقاومة الشعبية.
ماذا تبدو الخريطة السياسية اليوم بعد عام من الانسحاب الإسرائيلي؟
انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان
بالنسبة لإسرائيل بعد عام من الانسحاب فقد حققت استقرارا وهدوءا في الجليل، وتحدث نهضة اقتصادية وزراعية وسياحية في المناطق التي كانت متوترة والحياة فيها مقتصرة على الضرورات، وتوقفت العمليات العسكرية والقصف بالكاتيوشا إلا في مناطق مزارع شبعا، وتراجعت الخسائر الإسرائيلية من 22 ـ 23 قتيلا في السنة إلى ثلاثة قتلى وثلاثة مخطوفين. وربما تراهن إسرائيل بعد الانسحاب على اختراقات سياسية في لبنان بتحريك قضية الوجود السوري في لبنان والخلافات الداخلية التي كانت مؤجلة أو خمدت بعد حرب أهلية استمرت قرابة الخمس عشرة سنة، والتناقض بين أجنده الدولة والمقاومة، فالأولى ترى أولويتها في إعادة البناء والتنمية وتحريك الاقتصاد، وقد يقتضي ذلك وقف العمل العسكري لتحقيق استقرار وترميم العلاقات مع أميركا والغرب وجذب الاستثمارات، وربما كانت إسرائيل تريد الدخول في مفاوضات مع سورية وهي خاسرة لورقة المقاومة. ولكن وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد واشتعال انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر/ 2000 جعل استئناف المفاوضات مستبعدا.
هل يبدو مبالغة القول إن إسرائيل تتكيف مع مرحلة جديدة لم يعد فيها مكان لدور إقليمي عسكري وسياسي في المنطقة؟ وكان الانسحاب اعترافا بتراجع مكانة إسرائيل كقوة ردع إقليمية وتحولها إلى حرب مع الفلسطينيين، أم أن الانسحاب كان عملية ذكية أوقفت النزف وأربكت الساحة السورية واللبنانية وحققت الوحدة الداخلية في إسرائيل؟
وبالنسبة إلى لبنان والعرب فإن الانسحاب يبدو نصرا كبيرا فقد حررت أرض محتلة، وأعاد الانسحاب الاعتبار للمقاومة في الوقت الذي فشلت التسوية السياسية في تحقيق شيء يذكر، وتأكد دور العقيدة في حياة الشعوب وتحررها، وحققت الحركات الشعبية مكاسب سياسية ومعنوية وأكدت قدرتها على العمل والتعاون برغم الاختلاف المذهبي والعقائدي والسياسي وهي تجربة كبيرة للعمل الشعبي والأهلي العربي. ويشجع الانسحاب المسؤولين والسياسيين العرب على مزيد من الجرأة والتحرر وجعل الهيمنة الإسرائيلية والأميركية أمرا يمكن مواجهته. وكان الانسحاب الإسرائيلي المتعجل والتخلي عن الميليشيات المتعاونة ذا تأثير كبير إن على العرب أو الإسرائيليين.
ولم تحدث نتائج إيجابية حاسمة، بل إن بوادر تصدع يمكن ملاحظتها بوضوح في الجبهة الداخلية اللبنانية، مثل الخلاف بين حكومة الحريري وحزب الله، والخلاف اللبناني حول الوجود السوري في لبنان، وزيادة ضغط الحاجات الاقتصادية والمعيشية التي كانت مؤجلة أو منسية والربط الأميركي بين دعم الاقتصاد اللبناني وموقفه السياسي. ولكن ربما يكون لتصاعد المقاومة الفلسطينية بوتيرة عالية غير مسبوقة، وتزايد الضغط والطلب لتطبيق حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم المكرس دوليا بالقرار رقم 194 علاقة بالانسحاب، وربما يكون الموقف السوري ازداد قوة أيضا بفعل الانسحاب، وعلى أية حال فإن غياب التنسيق العربي وقابلية الوضع الداخلي للاختراق والعبث سيقلل كثيرا من جدوى الانسحاب الإسرائيلي وإمكانية توظيفه.
المصدر: الجزيرة
كان الدخول العسكري الإسرائيلي إلى لبنان ضمن سلسلة أمنية بعيدة المدى، فماذا كان الانسحاب؟ هل أجبرت المقاومة إسرائيل على الانسحاب؟ هل تغيرت الأولويات الأمنية الإسرائيلية؟
لقد نفذت إسرائيل قبل احتلال الجنوب اللبناني مجموعة من العمليات الخاطفة استهدفت المقاومة الفلسطينية وأشهرها اغتيال ثلاثة من قادة فتح، وبعد انفجار الحرب الأهلية عام 1975 عملت على التسلل الاستخباري والسياسي وساعدت الظروف القائمة على إنشاء كيانات طائفية موالية لها، وفي عام 1978 اجتاحت جنوب لبنان وأقامت حزاما أمنيا متعاونا معها بقيادة الرائد سعد حداد ثم انطوان لحد، وأقيمت أيضا منطقة دولية عازلة بواسطة قوات متعددة الجنسية استقدمت بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، وفي صيف عام 1982 غزت إسرائيل لبنان واحتلت أكثر من نصفه بما في ذلك بيروت. وبلغ ذلك الاحتلال ذروته بفرض اتفاق 17/مايو/ أيار 1983 على لبنان وتدمير البنية العسكرية الفلسطينية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ونشوء خريطة سياسية عربية جديدة بعد حرب الخليج الثانية تكون اتجاه جمعي للتفاوض السياسي بين العرب وإسرائيل، وبدا الحزام الأمني كما وصفه زئيف شيف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس مثل طوق نجاة مثقوب ويشكل عبئا عسكريا تسعى إسرائيل إلى إنهائه، وكانت المفاوضات التي أطلقت في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 فرصة للانسحاب من خلال اتفاق يجري توقيعه ولكن لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وتعثرت المفاوضات.
لقد كان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان يفسر على أنه توسع إسرائيلي يستهدف مصادر المياه وتكوين عمق جيواستراتيجي فهل تخلت إسرائيل عن هذه الإستراتيجية؟ أم أن تكاليفها كانت أكثر من مكاسبها؟ ويرى محللون أيضا أن الولايات المتحدة بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية تؤدي دورا إستراتيجيا مباشرا في المنطقة ولم تعد بحاجة إلى دور غير مباشر تقوم به إسرائيل لأنها غدت أكثر قدرة على ذلك، ولم يعد دورها المباشر مكلفا ولا يواجه بتحد ورفض كما كان الأمر في أثناء قوة الاتحاد السوفياتي وقدرته على الموجهة والمنافسة.
المقاومة الوطنية والإسلامية وعلى رأسها حزب الله في لبنان أدت دورا كبيرا في استنزاف قوات الاحتلال وجعله عبئا عسكريا واقتصاديا وأخلاقيا، وتهيأت لها ظروف معقولة تساعدها على الاستمرار والقوة، دعم لوجستي وسياسي وإعلامي من الدولة اللبنانية، وتأييد سوري وإيراني، وتمويل شعبي ورسمي، وشعبية كبيرة بين اللبنانيين والعرب، ومصداقية عالية جدا، فلم تقع المقاومة اللبنانية في التعصب أو الفساد والغرور والاعتداء على الناس والمؤسسات الرسمية والشعبية، ولم تحاول استغلال شعبيتها في مكاسب تتجاوز الخدمة المباشرة للمقاومة. ويمكن اعتبارها حالة نموذجية في تاريخ المقاومة الشعبية.
ماذا تبدو الخريطة السياسية اليوم بعد عام من الانسحاب الإسرائيلي؟
انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان
بالنسبة لإسرائيل بعد عام من الانسحاب فقد حققت استقرارا وهدوءا في الجليل، وتحدث نهضة اقتصادية وزراعية وسياحية في المناطق التي كانت متوترة والحياة فيها مقتصرة على الضرورات، وتوقفت العمليات العسكرية والقصف بالكاتيوشا إلا في مناطق مزارع شبعا، وتراجعت الخسائر الإسرائيلية من 22 ـ 23 قتيلا في السنة إلى ثلاثة قتلى وثلاثة مخطوفين. وربما تراهن إسرائيل بعد الانسحاب على اختراقات سياسية في لبنان بتحريك قضية الوجود السوري في لبنان والخلافات الداخلية التي كانت مؤجلة أو خمدت بعد حرب أهلية استمرت قرابة الخمس عشرة سنة، والتناقض بين أجنده الدولة والمقاومة، فالأولى ترى أولويتها في إعادة البناء والتنمية وتحريك الاقتصاد، وقد يقتضي ذلك وقف العمل العسكري لتحقيق استقرار وترميم العلاقات مع أميركا والغرب وجذب الاستثمارات، وربما كانت إسرائيل تريد الدخول في مفاوضات مع سورية وهي خاسرة لورقة المقاومة. ولكن وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد واشتعال انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر/ 2000 جعل استئناف المفاوضات مستبعدا.
هل يبدو مبالغة القول إن إسرائيل تتكيف مع مرحلة جديدة لم يعد فيها مكان لدور إقليمي عسكري وسياسي في المنطقة؟ وكان الانسحاب اعترافا بتراجع مكانة إسرائيل كقوة ردع إقليمية وتحولها إلى حرب مع الفلسطينيين، أم أن الانسحاب كان عملية ذكية أوقفت النزف وأربكت الساحة السورية واللبنانية وحققت الوحدة الداخلية في إسرائيل؟
وبالنسبة إلى لبنان والعرب فإن الانسحاب يبدو نصرا كبيرا فقد حررت أرض محتلة، وأعاد الانسحاب الاعتبار للمقاومة في الوقت الذي فشلت التسوية السياسية في تحقيق شيء يذكر، وتأكد دور العقيدة في حياة الشعوب وتحررها، وحققت الحركات الشعبية مكاسب سياسية ومعنوية وأكدت قدرتها على العمل والتعاون برغم الاختلاف المذهبي والعقائدي والسياسي وهي تجربة كبيرة للعمل الشعبي والأهلي العربي. ويشجع الانسحاب المسؤولين والسياسيين العرب على مزيد من الجرأة والتحرر وجعل الهيمنة الإسرائيلية والأميركية أمرا يمكن مواجهته. وكان الانسحاب الإسرائيلي المتعجل والتخلي عن الميليشيات المتعاونة ذا تأثير كبير إن على العرب أو الإسرائيليين.
ولم تحدث نتائج إيجابية حاسمة، بل إن بوادر تصدع يمكن ملاحظتها بوضوح في الجبهة الداخلية اللبنانية، مثل الخلاف بين حكومة الحريري وحزب الله، والخلاف اللبناني حول الوجود السوري في لبنان، وزيادة ضغط الحاجات الاقتصادية والمعيشية التي كانت مؤجلة أو منسية والربط الأميركي بين دعم الاقتصاد اللبناني وموقفه السياسي. ولكن ربما يكون لتصاعد المقاومة الفلسطينية بوتيرة عالية غير مسبوقة، وتزايد الضغط والطلب لتطبيق حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم المكرس دوليا بالقرار رقم 194 علاقة بالانسحاب، وربما يكون الموقف السوري ازداد قوة أيضا بفعل الانسحاب، وعلى أية حال فإن غياب التنسيق العربي وقابلية الوضع الداخلي للاختراق والعبث سيقلل كثيرا من جدوى الانسحاب الإسرائيلي وإمكانية توظيفه.
المصدر: الجزيرة