راشد خضر
24-06-2006, 03:27 PM
قبل أن أغوصَ بكم في غياهبِ الهمِ والكدرِ ، دعوني آخذكم في نزهةٍ قصيرةٍ داخل هذه المدينة الحالمة ( عطبرة ) فإن كانت مدني( مهبط الجمال ) فعطبرة ( منبع الوصال ) فهي عاصمة الحديد والنار .
في خريف 1981 الثامنة صباحاً يومٌ سماؤهُ ملبدةٌ بالغيومِ . حركةٌ نشطةٌ للمشاةِ وراكبي الدراجات ( العجلات )ويكاد لاخلو بيت إلا وفيهِ دراجة . أسيرُ علي كبري الحرية وفي منتصفهِ يستوقفني صوت صافرة القطار القادم من الخرطوم ، أقف بالجهةِ الجنوبيةِ ممسكاً بالسياج الحديدي . نظرت إلي السماءِ فداعبت حبيبات المطرِ جبيني وشفتاي ، أغمضت عيناي واستنشقتُ نسماتَ الجنوبِ ملءَ صدري حـتي الأعماق فأسرتني تلك اللحظـة الجّياشة ثم خرجت من دواخلي تنهيـدةٌ مِلْؤُها الحممِ أكاد أجزم أنني سمعت صوتها وهي تنطفي تحت حبات المطرِ . يتقدم القطار ببطء ويتصاعد من الوابور عمودٌ من الدخانِ ، لم لاوهو يجـرُ خلفهِ ثلاثة وعشرون عربةً . يمر من تحتي ، تشرئبُ رؤوسٌ من نوافذه تعشقُ عطبرة وعلي سطحه أكثرهم عشقا . تختفي عربةٌ تلو الأخرى تحت الكبري الشامخ لتظهر بالجانب الآخر وأنا والكبري والقطار وراكبيهِ بل والمشاة،جميعنا تحت رزاز ودعاش المطر.
قبل أن تختفي آخر عربه وهي بُنِيّةُ اللّونِ خشبيةٌ ( الفرملة ) سارعت للجهة الشمالية من الكبري لأقف نفس الوقفة . في هذه الأثناء يتوقف القطارُ فلمحطة لاتبعد سوى بضع أمتار من الكبري الذي يطل عليها . ولب لأهل عطبره معه رزقاً وفيرا ، فالحمالين يحملون الأمتعةَ عن كاهلِ المسافرين . وأصحاب التاكسي حاملين مفاتيحهم يجوبون القطار ذهاباً وإيابا وسعيد الحظ من يحصل مشوار (2في1) . والكافتريات تغدق علي المسافرين بالساندوتشات ، ويمكنك سماع بائع (الباسطة) يصيح بصوتِ تمتمةٍ مفتعلةٍ ( ما..ما ..ما بالسمنه وكدا ياااا..) . وبأحد الخطوط الموازية يمر يمر بي نفس الوابور فقد انفصل عن العربات وفي طريقه للورشة حيث تتم مراجعته وتغيير زيوتهِ وربما استبدالهِ بآخر .
لن أنتظر عودته ، قد يستغرق ذلك غرابة الساعة فعطبره ليست كأي محطة فهي عاصمة الحديد والنار . يدرك المسافرون ذلك فتجد بعضهم يذهب للتسوقِ وبعضهم للزيارة الأهل والأحباء والبعض الآخر ليس له في ذلك ناقةٌ ولاجمل فافترش أرض المحطة وراح في نومٍ عميق جراءَ عناء تلك الرحلة .
تركت هذه الحركة الدؤوب وسرت منحدرا نحو الشرق وينما نزلت من الكبري نظرت يمنةً حيثُ عمارة عباس محمود ويسرةً تسطعُ كلية الصناعة وفي الواجهة ( التلفاز ) الذي ينعطف عنةُ الطريق وعلي بعد 150متر ،نجد مبني المحكمة يساراً وبنك السودان يميناً .
وبعد 450متر. وصلتُ إلي السوقِ حيث قادتني الأقدار لأكتشف سراً غامضاً سوف أرويهِ لكم .
هذا الجو الشاعري المرهفُ للأحاسيس ، ضبابٌ ورزازٌ ونسماتٌ عليلةٌ ينقُصهُ بعض الفاكهة وما أعشق منها ( الجوافة والعنب ولا بأس قليلٌ من الموز ). وبينما أنتقي ما أشتهي من ( العم ) صاحب البسمة الرقيقة . سمعتهُ فجأةً يقولُ : ( لا حولَ ولاقوة إلا بالله..سبحان مبدل الحال إلي حال ) . فنظرتُ إليهِ فإذا بي أري الحزن والأسى قد ملآء
وجههُ الصبوح ، وهو ينظر نحو ذلك الرجل حافي القدمين ذو الثياب الرثة الممزقة والشعر الأشعث . فدلتني غريزتي وأحاسيسي إلي أن هنالك سر خلف هذا المجنون ، وبدافع حب الاستطلاع سألتهُ من ماذا أصاب ذلك الرجل . فكانت القصة المحزنة والسر الدفين الذي سأرويه لكم في مقامٍ آخر.
بعنوان : نذوةٌ خسر بسببها كل شئ ( فترقبوها ) . .
في خريف 1981 الثامنة صباحاً يومٌ سماؤهُ ملبدةٌ بالغيومِ . حركةٌ نشطةٌ للمشاةِ وراكبي الدراجات ( العجلات )ويكاد لاخلو بيت إلا وفيهِ دراجة . أسيرُ علي كبري الحرية وفي منتصفهِ يستوقفني صوت صافرة القطار القادم من الخرطوم ، أقف بالجهةِ الجنوبيةِ ممسكاً بالسياج الحديدي . نظرت إلي السماءِ فداعبت حبيبات المطرِ جبيني وشفتاي ، أغمضت عيناي واستنشقتُ نسماتَ الجنوبِ ملءَ صدري حـتي الأعماق فأسرتني تلك اللحظـة الجّياشة ثم خرجت من دواخلي تنهيـدةٌ مِلْؤُها الحممِ أكاد أجزم أنني سمعت صوتها وهي تنطفي تحت حبات المطرِ . يتقدم القطار ببطء ويتصاعد من الوابور عمودٌ من الدخانِ ، لم لاوهو يجـرُ خلفهِ ثلاثة وعشرون عربةً . يمر من تحتي ، تشرئبُ رؤوسٌ من نوافذه تعشقُ عطبرة وعلي سطحه أكثرهم عشقا . تختفي عربةٌ تلو الأخرى تحت الكبري الشامخ لتظهر بالجانب الآخر وأنا والكبري والقطار وراكبيهِ بل والمشاة،جميعنا تحت رزاز ودعاش المطر.
قبل أن تختفي آخر عربه وهي بُنِيّةُ اللّونِ خشبيةٌ ( الفرملة ) سارعت للجهة الشمالية من الكبري لأقف نفس الوقفة . في هذه الأثناء يتوقف القطارُ فلمحطة لاتبعد سوى بضع أمتار من الكبري الذي يطل عليها . ولب لأهل عطبره معه رزقاً وفيرا ، فالحمالين يحملون الأمتعةَ عن كاهلِ المسافرين . وأصحاب التاكسي حاملين مفاتيحهم يجوبون القطار ذهاباً وإيابا وسعيد الحظ من يحصل مشوار (2في1) . والكافتريات تغدق علي المسافرين بالساندوتشات ، ويمكنك سماع بائع (الباسطة) يصيح بصوتِ تمتمةٍ مفتعلةٍ ( ما..ما ..ما بالسمنه وكدا ياااا..) . وبأحد الخطوط الموازية يمر يمر بي نفس الوابور فقد انفصل عن العربات وفي طريقه للورشة حيث تتم مراجعته وتغيير زيوتهِ وربما استبدالهِ بآخر .
لن أنتظر عودته ، قد يستغرق ذلك غرابة الساعة فعطبره ليست كأي محطة فهي عاصمة الحديد والنار . يدرك المسافرون ذلك فتجد بعضهم يذهب للتسوقِ وبعضهم للزيارة الأهل والأحباء والبعض الآخر ليس له في ذلك ناقةٌ ولاجمل فافترش أرض المحطة وراح في نومٍ عميق جراءَ عناء تلك الرحلة .
تركت هذه الحركة الدؤوب وسرت منحدرا نحو الشرق وينما نزلت من الكبري نظرت يمنةً حيثُ عمارة عباس محمود ويسرةً تسطعُ كلية الصناعة وفي الواجهة ( التلفاز ) الذي ينعطف عنةُ الطريق وعلي بعد 150متر ،نجد مبني المحكمة يساراً وبنك السودان يميناً .
وبعد 450متر. وصلتُ إلي السوقِ حيث قادتني الأقدار لأكتشف سراً غامضاً سوف أرويهِ لكم .
هذا الجو الشاعري المرهفُ للأحاسيس ، ضبابٌ ورزازٌ ونسماتٌ عليلةٌ ينقُصهُ بعض الفاكهة وما أعشق منها ( الجوافة والعنب ولا بأس قليلٌ من الموز ). وبينما أنتقي ما أشتهي من ( العم ) صاحب البسمة الرقيقة . سمعتهُ فجأةً يقولُ : ( لا حولَ ولاقوة إلا بالله..سبحان مبدل الحال إلي حال ) . فنظرتُ إليهِ فإذا بي أري الحزن والأسى قد ملآء
وجههُ الصبوح ، وهو ينظر نحو ذلك الرجل حافي القدمين ذو الثياب الرثة الممزقة والشعر الأشعث . فدلتني غريزتي وأحاسيسي إلي أن هنالك سر خلف هذا المجنون ، وبدافع حب الاستطلاع سألتهُ من ماذا أصاب ذلك الرجل . فكانت القصة المحزنة والسر الدفين الذي سأرويه لكم في مقامٍ آخر.
بعنوان : نذوةٌ خسر بسببها كل شئ ( فترقبوها ) . .