المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفاتحة



هشام شيخ الدين
20-06-2006, 10:24 PM
فى ودنوباوى عاش رجل جعلى بسيط وشجاع وكريم وأديب وشاعر وفنان وجميل ويدعى عبدالوهاب بابكر شندقاوى ، وهو خال والدنا شيخ الدين جبريل وشقيق حبوبتنا بتول ، وبالتالى كان هو جدنا وكان عميد الأسرة ، كان الرجل يلقب ب (الأسطى) ، وسبب تسميته أنه كان الترزى الأساسى لتفصيل ملابس السيد عبدالرحمن المهدى وآله ، وكان بيته فى المساء منتدى شعراء أم درمان ، وأمام ديوانه فى بيته الفسيح بنى (مسطبة) كبيرة ومريحة تصعد إليها بثلاثة أو أربعة درجات بالسلم ومساحتها حوالى عشرة فى عشرة متر وتسع خلق كثير ، وما من فنان ولا شاعر فى ذلك الزمان إلا وإعتلاها ، فكنا ننظر ونحن صغاراً إلى الفطاحلة من أمثال ود الرضى وسيد عبدالعزيز وعبيد عبدالرحمن وأبراهيم العبادى والأمى وميرغنى المامون وأحمد حسن جمعة وجدنا الفاضل الشيخ وعكير الدامر (من أقرباءنا) ، وغيرهم وغيرهم من فطاحلة شعراء وفنانى زمانهم ، ويأتون لبيت جدنا عبدالوهاب يرددون أشعارهم ويسمرون هنالك مراجعين كتاباتهم ومقضين أجمل الأوقات فى تلكم المصطبة ، بل يؤلفون القصائد الجديدة ، وكم من أغنية يتغنى بها شباب اليوم قد ولدت فى تلكم المسطبة المحببة إليهم ، وكان باب البيت كبيراً من خشب السنط ، ومفتاح الباب أيضا كان من خشب ويزن حوالى الثلاثة أو أربعة كيلوجرامات ، وأمام البيت وعلى الجدار تماماً كنت تشاهد حلقات حديدية مثبتة على الجدار الخارجى للمنزل ، وتستخدم هذه الحلقات لربط (حمير) الزوار ، وسيلة مواصلاتهم المفضلة فى ذلك الزمان ، فهى عبارة عن (الباركنق لوق) لهم أى موقف السيارات بلغة اليوم ، وعندما إنتقل جدنا عبدالوهاب فى نهاية الستينات وكان قد بلغ قرابة المائة عام من عمره المديد ، فكان تشييعه مهيباً ، وكانت جنازة لم أرى لها مثيلاً فى ذلك الزمان ، حضرها جمع مهول من احبابه ومن المجتمع الأمدرمانى البديع وقد بكاه الجميع بحرارة وحرقة شديدين ، ولما كنا صغاراً كنا نتفرس فى وجوه الناس المشيعيين من حولنا لننظر آثار فقد الرجل فى وجوههم ونتفرس ملامحهم ، وفجأة وجدت نفسى أمام رجل طويل وجميل وأنيق يرتدى بنطالاً رصاصى وقميص أبيض ناصع البياض كصاحبه ومشنط قميصه داخل البنطلون وفوق البنطلون حزام أسود لامع وينتعل حذاء أسود شديد السواد واللمعان رغم غبرة تراب مقابر أحمد شرفى ، وعلامات الحزن بادية على وجهه لفقد صاحبه ، وكان ذلك الرجل هو الفنان ابراهيم الكاشف بلحمه وعظمه وحزنه وأناقته وطوله الفارع وبساطة تعابير وجهه وشعره المسبسب الجميل رغم كبر سنه ، فتركت الجنازة والبكاء والمتباكين وصار لا هم لى وللصبية أقرانى سوى الحرص على الوقوف جمب الرجل ولم أفارقه حتى قاد عربته بعد إنتهاء مراسم الدفن وإنصرف ، ولم أره بعد ذلك اليوم ،

لم ينقضى إسبوع واحد على هذه الحادثة حتى جاءتنى الأنباء الحزينة ونعى لنا الناعى الفنان الكبير أبراهيم الكاشف ، فبكيته بحرقة وكم تمنيت وقتها أننى لو لم أره ، لكان الحزن سيكون بالتأكيد أخف واكثر إحتمالاً ، والحقيقة ولصغر سنى لم أتمكن من الذهاب إلى الخرطوم مع أهلنا الكبار لمراسم دفنه وإكتفينا بقشقشة الدمعات الحارة من على خدودنا الغضة فى ذلك الزمان ، وكانت الدهشة الكبرى عندما أتى الناعون من مراسم الدفن وقصوا علينا كيف واروره الثرى ، قالوا لنا كان الجمع كبيراً والحضور كثيف والحزن بادى على الجميع والبكاء كان عاليا من النساء والرجال على السواء والروؤس مطأطأة فأتوا بالجثمان الجميل بعد أن أعدوا قبره ووضعوه فيه ، وفى اللحظة التى بدأوا فيها مواراة التراب على الجثمان إنطلق صوت عالى جهور مغنياً (وداعاً روضتى الغناء) إلى آخر الأغنية ، وكان ذلك الصوت هو صوت الفنان صديق الكحلاوى ، فأجهش الناس بالبكاء ، ولم يقل له أحد أن يصمت أو أن ذلك (بدعة) لم يأتى بها أحد من قبل ، بل واصل غنائه الحزين مودعاً صديق عمره بتلكم الكلمات الشجية ، وسط دموع المشيعين ، وإنتهت مراسم الدفن وإنصرف الناس إلى أعمالهم ، ولذلك ظللت أقول أننا شعب عظيم نشيع موتانا بالغناء ولم يأتى غيرنا من العرب والمسلمين بمثل ما أتينا

رحمة الله وبركاته تتنزل على قبرك الشريف يا فنان السودان الأوحد أبراهيم الكاشف وصحبه الكرام

الفاتحة

خالد هاشم علي
21-06-2006, 01:41 AM
الرائع هشام شيخ الدين....
والله انا حسدتك عديل كده .... بالله شفت كل العظماء ديل؟؟؟؟ والله بختك.
تعرف ياهشام كل الذين ذكرتهم فطاحلة في كل شيء ... الكلمات تنساب منهم بكل سهولة... لا تحتاج لتعديل ولا لمراجعة.
عليك الله ياهشام زيدنا في الكتابة عن تلك الحقبة فانا من عشاق الزمن الجميل في الفن وواضح إنو عندك ذخيرة ممتازة في المجال ده...
عشان كده واصل .... واصل ....


مشاققة ( علي قول ود الماحي)
ياهشام إنت أصلك مواليد كم ؟؟؟؟ في الستينات كنت بتمشي المقابر هههههههههههههههههههههه
كان كده ياناس عم صالح ابو شوارب وود الماحي والخواجة عزيز وعمدة لقيتوا ليكم رفيق جديد إسمو هشام شيخ الدين

أبوبكرحامد
21-06-2006, 03:13 AM
الجميل فى كل حين ....هشام شيخ الدين
لا أندهش لجمال ماتكتب لأنك شاهد عيان للسودان حين كان فى أزهى حلله ، أضم صوتى لخالد هاشم ونرجوك مزيداً من التوثيق لهذه الفراديس.

هشام شيخ الدين
21-06-2006, 04:02 AM
الأساتذة / خالد هاشم على (أبوهاشم) و أبوبكر حامد

أسعد الله أوقاتكم

أشكركم على ردودكم المهذبة الجميلة ، والحقيقة نحن (عجايز) رغم أننا نبدو (صغارا) فى الشكل الخارجى ، وقد راينا العجب العجاب ولا مانع من نكتب لكم عن (الزمن السمح) حينما كانت النفوس (طيبة) وكانت الحارة كلها (تربى) الأولاد ولا نستطيع أن نرفع صوتنا أو نحتج على أحد ، وقد تغيرت عادات وأخلاقيات كثيرة فى هذا الزمن الردىء

نعم ، أرغب فى الكتابة لكم ، رغم أنى لآ أريد أن أخرج بالمنتدى عن هدفه الرئيسى ، ألا وهو مدينة (ود مدنى) العريقة ، ود مدنى الفن والجمال والأدب ، ولذلك سأحاول جاهدا كلما سنحت الفرصة

تحياتى وتقديرى يا حلوين

عزيز عيسى
22-06-2006, 07:12 AM
الزول السمح الأخ هشام شيخ الدين،

مرحب بيك بين أهلك وأخوانك..
ذكريات في غاية الجمال تخفى على العديد منا وخاصة الجيل الجديد..
يا ريت تزيد وتتحفنا بمثل هذه الروائع والسرد الجميل لأهل الفن الرفيع
لتلك الحقبة من الزمن الماضي.

zoolfrda
22-06-2006, 08:12 AM
http://www.asmilies.com/smiliespic/ar_welcome/ss1717.gif (http://www.asmilies.com)

هشام شيخ الدين
23-06-2006, 10:09 PM
عزيز عيسى وزول فردة

تحياتى وشكرى الجزيل على الإضافة وعلى وعد منى أن أواصل فى سرد بعض من أدب المصطبة فى ذلك الزمن الأمدرمانى الجميل حينما كانت الحياة هينة ، بسيطة وممتعة وأهلها طيبون بسيطون

أكرر الشكر والتحايا القلبية

السلامى
24-06-2006, 12:25 AM
العم هشام مدنى هى جزء أصيل من السودان أيام زمان وكل أنسان فى مدنى له جزور فى كل بقاع السودان لذلك لايوجد ما يمنع من التوثيق للرموز التى شقلت حيز من تاريخ السودان السياسى والاجتماعى والرياضى والادبى وهكذا فقط أكتب ونحن نقراء لك بكل نهم وشغف

هشام شيخ الدين
24-06-2006, 04:21 AM
العضو المجتهد السلامى

خلينى بالأول أرسل ليك سلامى

وبعدين أحييك على كلامك الجميل والواعى

تسلم يا سيدى وربنا يقدرنا نكتب وأنتم تقرأون ، وأنتم أيضاً تكتبون ونحن نقرأ

أكرر التحايا

mohammed ahmed
24-06-2006, 07:38 AM
كم وكم 00 وأتمني أن يوثق للكاشف من الوالد الجليل محمود أبو العزايم وفي سحارته الكثير00
حمام

هشام شيخ الدين
24-06-2006, 10:40 PM
ياريت ابوالعزايم يوثق لينا يا محمد احمد

تحياتى