salwa
03-06-2006, 12:02 PM
ربما لايجد المرء في حياته محطة كالمرض, تشده, ترغمه على كبح جماح السرعة التي يمضي بها في هذه الحياة, ليقف ويفكر بصورة مختلفة, وليرى الحياة من زاوية مغايرة .
كاد المرض بعد رحيل وفقد الأحبة أن يصبح الفرصة الوحيدة في حياتنا والتي تجعلنا نعيش حالة المحنة - المنحة, التي تتكشف فيها البصائر, ويستطيـع
الواحد منا فيها ومن خلالها أن يعيد حساباته كلها من أولها الى آخرها.
المرض يمنحنا ضعفا انسانيا يذكرنا بحاجتنا إلى الله, وحاجتنا إلى الآخرين, ودورنا في هذه الحياة, ويضعنا وبالضبط في نظر أنفسنا, وربما في نظر الآخرين في مكاننا المناسب وحجمنا الطبيعي.
إنه يعطينا شعورا إنسانيا غريبا بالعجز, ويذكرنا بأننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا, فيرغمنا على التخلي عن الشعور بالبطولة والنجومية ونحن نمتطي صهوة جياد العمل والأمل والتنافس والهرولة نحو قمم كثيرة صغيرة وكبيرة, كلما بلغ المرء واحدة منها, شعر بطعم مرارة الوصول إلى الهدف لأنه إنما يمنح الحياة طعمها الحلو الجهاد للوصول وليس الوصول في حدّ ذاته, ولأن المرء يشعر أنه قطع أشواطا وبقي أمامه أشواط, وعليه أن يغذّ السير حثيثا وسياط تسارع العمر وضيق الوقت تلسعه, فلا هو يستطيع أن يحيا كما يريد ولاهو يعرف الراحة ولا الأمن والطمأنينة, فيأتيه المرض وهو على هذه الحال, ليقنعه وبصعوبة بالغة بأن عليه أن يوغل رويدا رويدا, لأن المّنبت لا أرضا يمكنه أن يقطعها, ولا هو أبقى خيلا يستخدمها في ماتبقى له من رحلة.
يضطرنا المرض إلى الاعتراف بأن الحياة يمكن أن تمضي من دوننا, ومن دون هذا الدور الصغير أو الكبير الذي طالما ظننا أن أحدا غيرنا لا يمكنه أن يسد هذه الثغرة التي نقف عليها.
مع المرض يكتشف المرء أن أولاده يمكنهم التكيف مع الحياة من دونه, وأن أعماله يمكنها أن تسير دون إذنه, وأن بيته لن ينهدم في حال إزاحته من الطريق, فالحياة تمضي لاتلوي على أحد, ولا تتوقف لمرض أحد, ولا تغير مسارها لموت أحد.
المرض فرصة شبه وحيدة ليعرف المرء مشاعر الآخرين الحقيقية نحوه, وليكتشف كم هي هائلة وقذرة أكوام المشاعر المزيفة التي كانت تحيط به من كل حدب وصوب.
كم هو كبير وخطير حجم النفاق وحجم الوصوليين, وحجم هؤلاء الذين يعتبرونك دخيلا على حياتهم, فتكتشف على حين غرة أنك كنت أخا لبعض من لا يريدون أخوتك, وصديقا لبعض من ينفر من صداقتك, ولعل الواحد منا أن يعيش عمرا عريضا يداري إخوانه وأصدقاءه, وهو يعلم حقيقة مشاعرهم نحوه ولكنه يخدع نفسه محبة وإخلاصا لهم, أو حرصا عليهم وخوفا من نأيه وبعده وبقائه وحيدا, حتى يأتيه المرض فيكشف له كل الأقنعة, ويريه بأشعة خاصة حقيقة كل الوجوه التي كان يحب رؤيتها, وحقيقة كل الأصوات التي طالما تلهف لسماعها, وحقيقة كل القلوب التي طالما جعلها في مكانة الملك والسلطان في قلبه ونفسه.
المرض محطة, ولعلها المحطة الوحيدة الأكثر أهمية وإثارة ومنفعة في حياة الإنسان, لأنها تشعره بإنسانيته وعجزه وتكشف له عن حقائق طالما جبن عن أن يكشف الستار عنها, فتريه طبيعة الأشياء في حياته, وطبيعة الحياة وحقيقة مكانه في هذه الحياة.
المرض..إنه الفرصة شبه الوحيدة في حياتنا التي تجعلنا نفهم بكل أبعاد الفهم حاجتنا إلى الله, ومكاننا في هذه الأرض نسبة إليه, وافتقارنا الشديد إلى الاتكاء على نافذة الألم التي يفتحها لنا كل صباح ومساء لنعيش تنفس الفجر ونسائم السلام والطمأنينة, خاصة عندما يقف الطب عاجزا عن مساعدة المريض, وبعد اللهاث والجريان تعود الآمال يأسا, والدواء علقما لايضر ولا ينفع, ويلتفت المرء إلى أول الطريق من حيث أتى, ومن حيث بدأ ليرفع رأسه إلى الأعلى, لعل نسائم الرحمة تأتيه بالفرج , ليتذكر أنه لاشاف الا الله , ولارافع للبلاء الا هو.
المرض..آلام تصفي الروح مما علق بها من شوائب, ومعاناة تجعل القلب رقيقا, وتسمو بالروح الى عوالم حب خاصة, يكتشف فيها المرء كل أولئك المحبين المخلصين الذين طالما جعلهم على هامش حياته دون أن يلتفت إليهم, وهو يهرول نحو قلوب متصحرة عاجزة عن مبادلته الحب أو الأخوة...أو حتى الرثاء.
نوال السباعى .
كاد المرض بعد رحيل وفقد الأحبة أن يصبح الفرصة الوحيدة في حياتنا والتي تجعلنا نعيش حالة المحنة - المنحة, التي تتكشف فيها البصائر, ويستطيـع
الواحد منا فيها ومن خلالها أن يعيد حساباته كلها من أولها الى آخرها.
المرض يمنحنا ضعفا انسانيا يذكرنا بحاجتنا إلى الله, وحاجتنا إلى الآخرين, ودورنا في هذه الحياة, ويضعنا وبالضبط في نظر أنفسنا, وربما في نظر الآخرين في مكاننا المناسب وحجمنا الطبيعي.
إنه يعطينا شعورا إنسانيا غريبا بالعجز, ويذكرنا بأننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا, فيرغمنا على التخلي عن الشعور بالبطولة والنجومية ونحن نمتطي صهوة جياد العمل والأمل والتنافس والهرولة نحو قمم كثيرة صغيرة وكبيرة, كلما بلغ المرء واحدة منها, شعر بطعم مرارة الوصول إلى الهدف لأنه إنما يمنح الحياة طعمها الحلو الجهاد للوصول وليس الوصول في حدّ ذاته, ولأن المرء يشعر أنه قطع أشواطا وبقي أمامه أشواط, وعليه أن يغذّ السير حثيثا وسياط تسارع العمر وضيق الوقت تلسعه, فلا هو يستطيع أن يحيا كما يريد ولاهو يعرف الراحة ولا الأمن والطمأنينة, فيأتيه المرض وهو على هذه الحال, ليقنعه وبصعوبة بالغة بأن عليه أن يوغل رويدا رويدا, لأن المّنبت لا أرضا يمكنه أن يقطعها, ولا هو أبقى خيلا يستخدمها في ماتبقى له من رحلة.
يضطرنا المرض إلى الاعتراف بأن الحياة يمكن أن تمضي من دوننا, ومن دون هذا الدور الصغير أو الكبير الذي طالما ظننا أن أحدا غيرنا لا يمكنه أن يسد هذه الثغرة التي نقف عليها.
مع المرض يكتشف المرء أن أولاده يمكنهم التكيف مع الحياة من دونه, وأن أعماله يمكنها أن تسير دون إذنه, وأن بيته لن ينهدم في حال إزاحته من الطريق, فالحياة تمضي لاتلوي على أحد, ولا تتوقف لمرض أحد, ولا تغير مسارها لموت أحد.
المرض فرصة شبه وحيدة ليعرف المرء مشاعر الآخرين الحقيقية نحوه, وليكتشف كم هي هائلة وقذرة أكوام المشاعر المزيفة التي كانت تحيط به من كل حدب وصوب.
كم هو كبير وخطير حجم النفاق وحجم الوصوليين, وحجم هؤلاء الذين يعتبرونك دخيلا على حياتهم, فتكتشف على حين غرة أنك كنت أخا لبعض من لا يريدون أخوتك, وصديقا لبعض من ينفر من صداقتك, ولعل الواحد منا أن يعيش عمرا عريضا يداري إخوانه وأصدقاءه, وهو يعلم حقيقة مشاعرهم نحوه ولكنه يخدع نفسه محبة وإخلاصا لهم, أو حرصا عليهم وخوفا من نأيه وبعده وبقائه وحيدا, حتى يأتيه المرض فيكشف له كل الأقنعة, ويريه بأشعة خاصة حقيقة كل الوجوه التي كان يحب رؤيتها, وحقيقة كل الأصوات التي طالما تلهف لسماعها, وحقيقة كل القلوب التي طالما جعلها في مكانة الملك والسلطان في قلبه ونفسه.
المرض محطة, ولعلها المحطة الوحيدة الأكثر أهمية وإثارة ومنفعة في حياة الإنسان, لأنها تشعره بإنسانيته وعجزه وتكشف له عن حقائق طالما جبن عن أن يكشف الستار عنها, فتريه طبيعة الأشياء في حياته, وطبيعة الحياة وحقيقة مكانه في هذه الحياة.
المرض..إنه الفرصة شبه الوحيدة في حياتنا التي تجعلنا نفهم بكل أبعاد الفهم حاجتنا إلى الله, ومكاننا في هذه الأرض نسبة إليه, وافتقارنا الشديد إلى الاتكاء على نافذة الألم التي يفتحها لنا كل صباح ومساء لنعيش تنفس الفجر ونسائم السلام والطمأنينة, خاصة عندما يقف الطب عاجزا عن مساعدة المريض, وبعد اللهاث والجريان تعود الآمال يأسا, والدواء علقما لايضر ولا ينفع, ويلتفت المرء إلى أول الطريق من حيث أتى, ومن حيث بدأ ليرفع رأسه إلى الأعلى, لعل نسائم الرحمة تأتيه بالفرج , ليتذكر أنه لاشاف الا الله , ولارافع للبلاء الا هو.
المرض..آلام تصفي الروح مما علق بها من شوائب, ومعاناة تجعل القلب رقيقا, وتسمو بالروح الى عوالم حب خاصة, يكتشف فيها المرء كل أولئك المحبين المخلصين الذين طالما جعلهم على هامش حياته دون أن يلتفت إليهم, وهو يهرول نحو قلوب متصحرة عاجزة عن مبادلته الحب أو الأخوة...أو حتى الرثاء.
نوال السباعى .