salwa
29-05-2006, 03:10 PM
ما هو هذا الحب؟ إنه ليس أكثر من جوع من ضَربٍ آخر، غير الجوع إلى الطعام. والجوع العادي شعور يدفع إلى طلب الطعام، وليس الطعام مطلوباً لذاته، بل لما يفيده من القوة، وما يعين عليه من المحافظة على الذات. ومثله هذا الذي نسميه الحب؛ فهو شعور يغري رجلاً بامرأة، أو امرأة برجل، وليس الرجل أو المرأة بالغاية المنشودة من هذا الشعور الدافع الذي نسميه الحب، وإنما الغاية هي استخدام هذا الشعور، لاتصال الرجل بالمرأة اتصالاً يؤدي إلى التناسل، أي حفظ النوع.
فالحب إذن أداة ووسيلة لإدراك غاية، ولكن المتهوسين يعكسون القضية ويجعلون الأداة غاية، ويطلبون الحب لذاته ـ على نحو القول بالفن ـ وينسون أو يتناسون الغرض منه، ويدخلون على أنفسهم أوهاماً كثيرة، فيشتد تخليطهم وهُراؤُهم ويلهجون بألفاظ لا يفهمون لها معنى صحيحاً، أو قل إنهم يغالطون أنفسهم في معناها، مثل الوفاء! وهل رأيت محباً لا يدعي الوفاء!؟ أو شاعراً لا يبدئ فيه ويعيد؟ ومن سوء الحظ ـ أو حسنه، مَن يدري؟ ـ أن الوفاء ليس في الطباع، وأنه لا يكون إلا عن إفلاس وعجز، وأنا أرجو من كل قارئ أن يسأل نفسه، وأن يخلص ويصدق في الجواب فيما بينه وبينها: ألا تتطلع عينه إلى غير مَن يزعم أنه يحب؟ ألا يرفُّ قلبه لمرأى سواه؟ ألا يشعر باشتهاء لإنسان آخر؟ إنه قد يؤثر مَن يحب، ـ بحكم إعادة على الأقل ـ ولكن إيثاره له ليس معناه أن قدرته على الاشتهاء قد استنفدت، أو أنه يعجز عن إدراك معاني الجمال، أو المعاني التي تستهويه، في غير المحبوب، إلا إذا كان مغلق النفس، محدود الأفق جداً.
وليس الحب حين تغربله وتنخله وتصفّيه، وتنفي عنه ما علق واختلط به من الأوهام والخرافات والأضاليل، إلا اشتهاءً مَحضاً، والاشتهاء لا يقف عند حد، وقد تقول إن الكوخ الذي تملكه وتنفرد بالأمر فيه، خير من قصر لست بصاحبه. ولكن هذا كلام العجز الذي لا ينفي أنك تتمنى أن تكون صاحب القصر، وأنك متبرم بكوخك الآن، بعد أن كنت فرحاً به يوم أقمته.
وليس هذا برأي جديد أراه اليوم، فإنه هو رأيي من قديم الزمان.
وأنا أذهب إلى أبعد من ذلك، وأقول إن هذا الحب الذي يصدع به الشعراء رؤوسنا مظهر عجز، وأكاد أقول مظهر انحطاط، وليس يصدني عن هذا القول إلا الترفق بالقراء الذين حشيت رؤوسهم بالهُراء، أو الذين يعجزون عن إخلائها منه وتنظيفها وتهيئتها لتقبل الحقائق. ويجب أولاً أن ننحي هذه الهالات الخادعة التي يحفون بها الحب، وأن نقرر كما أسلفت أن الحب ليس إلا اشتهاءً محضاً، والاشتهاء يتعدد ويتنوع ويتفاوت في الأحوال المختلفة، وليس يمنعك اشتهاء شيء بعينه، أن تشتهي سواه غداً، في نفس الوقت.
ولنفرض أنك رجل أحببت امرأة، ومعنى أنك أحببتها هو أ،ك تشتهيها وتشعر أنها أوفق لك فأولى من غيرها بك، ولكنك في نشوة هذا الشعور تنسى أن في الدنيا ـ دنياك نفسها ـ غيرها، وتنسى أن هذه النشوة ستفتُر بعد حين ثم تزول، وأن نفسك ستتطلع، وعينك ستزوغ وتدور وتتلفت ـ هذا إذا لم تدر عينك في الساعة الأولى ـ وتروح تغالط نفسك في هذه الحقائق وغيرها. وليست هذه المغالطة مما يدل على أنك ما لك لزمام عقلك، أو أنك محتفظ بصحة إدراكك.. فأنت حين تحب تكون في حالة ضعف أو عجز. والحقيقة أن الحب لا يكون إلا في فترة تضعف فيها مقاومة النفس، كما يضعف البدن؛ فتتغلب جرثومة المرض.
ثم إن الحب وسيلة لغاية، هي حفظ النوع. فمعنى أنك تحب، هو أن الحياة استطاعت أن تسخرك لغايتها، وهي بقاء النوع، وليس في هذا ما يغض من قدرك أو يُطامن من شأنك؛ لأنه لا يسعنا إلا أن نخضع لقانون الحياة الذي ما وجدنا إلا بفضله. ولكن هناك فرقاً مبيناً......
- بين أن تحب وأنت مفتوح العين على حقائق الحياة
- او تحب وأنت مغمض العين عن هذه الحقائق.
ففي الحالة الأولى تكون محتفظاً بصحة إدراكك، ومتى احتفظت بها فأنت قادر على الاحتفاظ باتزانك، أي على ضبط نفسك، وعلى النظر النافذ إلى اللب والجوهر، وحينئذ تستطيع أن تتبين أن المرأة التي تحبها، ليست أكثر من امرأة تفضلها على سواها، أو امرأة راقتك ووقعت من نفسك، وأنت في حالة نفسية معينة.
وتستطيع أن تدرك أن من الهُراء أن تقول إن هذا النوع من الجمال هو الذي يسبيك دون غيره، وأنه سيجيء وقت آخر تحب فيه نوعاً آخر. وتستطيع أن تصارح نفسك بأن حبك لها لا يمنع أن تحس بحنّةٍ إلى سواها، أو باشتهاء غيرها، وأنك ستملّها كما تملُّك هي، وأنك على كل حال لست إلا أداة تسخرها الحياة لإدراك غايتها.
أما في الحالة الثانية، فأنت آلة عمياء جاهلة لا تفهم ولا تدرك شيئاً، ولا تدري ما هي صانعة، فلا فرق بينها ويبن آلةٍ يصنعها الانسان.
وبعد، فأحبُّوا إذا شئتم، فما لنا عليكم سلطان. وعسى ألاّ يكون لنا سلطان على نفوسنا إلا بقدر.
فالحب إذن أداة ووسيلة لإدراك غاية، ولكن المتهوسين يعكسون القضية ويجعلون الأداة غاية، ويطلبون الحب لذاته ـ على نحو القول بالفن ـ وينسون أو يتناسون الغرض منه، ويدخلون على أنفسهم أوهاماً كثيرة، فيشتد تخليطهم وهُراؤُهم ويلهجون بألفاظ لا يفهمون لها معنى صحيحاً، أو قل إنهم يغالطون أنفسهم في معناها، مثل الوفاء! وهل رأيت محباً لا يدعي الوفاء!؟ أو شاعراً لا يبدئ فيه ويعيد؟ ومن سوء الحظ ـ أو حسنه، مَن يدري؟ ـ أن الوفاء ليس في الطباع، وأنه لا يكون إلا عن إفلاس وعجز، وأنا أرجو من كل قارئ أن يسأل نفسه، وأن يخلص ويصدق في الجواب فيما بينه وبينها: ألا تتطلع عينه إلى غير مَن يزعم أنه يحب؟ ألا يرفُّ قلبه لمرأى سواه؟ ألا يشعر باشتهاء لإنسان آخر؟ إنه قد يؤثر مَن يحب، ـ بحكم إعادة على الأقل ـ ولكن إيثاره له ليس معناه أن قدرته على الاشتهاء قد استنفدت، أو أنه يعجز عن إدراك معاني الجمال، أو المعاني التي تستهويه، في غير المحبوب، إلا إذا كان مغلق النفس، محدود الأفق جداً.
وليس الحب حين تغربله وتنخله وتصفّيه، وتنفي عنه ما علق واختلط به من الأوهام والخرافات والأضاليل، إلا اشتهاءً مَحضاً، والاشتهاء لا يقف عند حد، وقد تقول إن الكوخ الذي تملكه وتنفرد بالأمر فيه، خير من قصر لست بصاحبه. ولكن هذا كلام العجز الذي لا ينفي أنك تتمنى أن تكون صاحب القصر، وأنك متبرم بكوخك الآن، بعد أن كنت فرحاً به يوم أقمته.
وليس هذا برأي جديد أراه اليوم، فإنه هو رأيي من قديم الزمان.
وأنا أذهب إلى أبعد من ذلك، وأقول إن هذا الحب الذي يصدع به الشعراء رؤوسنا مظهر عجز، وأكاد أقول مظهر انحطاط، وليس يصدني عن هذا القول إلا الترفق بالقراء الذين حشيت رؤوسهم بالهُراء، أو الذين يعجزون عن إخلائها منه وتنظيفها وتهيئتها لتقبل الحقائق. ويجب أولاً أن ننحي هذه الهالات الخادعة التي يحفون بها الحب، وأن نقرر كما أسلفت أن الحب ليس إلا اشتهاءً محضاً، والاشتهاء يتعدد ويتنوع ويتفاوت في الأحوال المختلفة، وليس يمنعك اشتهاء شيء بعينه، أن تشتهي سواه غداً، في نفس الوقت.
ولنفرض أنك رجل أحببت امرأة، ومعنى أنك أحببتها هو أ،ك تشتهيها وتشعر أنها أوفق لك فأولى من غيرها بك، ولكنك في نشوة هذا الشعور تنسى أن في الدنيا ـ دنياك نفسها ـ غيرها، وتنسى أن هذه النشوة ستفتُر بعد حين ثم تزول، وأن نفسك ستتطلع، وعينك ستزوغ وتدور وتتلفت ـ هذا إذا لم تدر عينك في الساعة الأولى ـ وتروح تغالط نفسك في هذه الحقائق وغيرها. وليست هذه المغالطة مما يدل على أنك ما لك لزمام عقلك، أو أنك محتفظ بصحة إدراكك.. فأنت حين تحب تكون في حالة ضعف أو عجز. والحقيقة أن الحب لا يكون إلا في فترة تضعف فيها مقاومة النفس، كما يضعف البدن؛ فتتغلب جرثومة المرض.
ثم إن الحب وسيلة لغاية، هي حفظ النوع. فمعنى أنك تحب، هو أن الحياة استطاعت أن تسخرك لغايتها، وهي بقاء النوع، وليس في هذا ما يغض من قدرك أو يُطامن من شأنك؛ لأنه لا يسعنا إلا أن نخضع لقانون الحياة الذي ما وجدنا إلا بفضله. ولكن هناك فرقاً مبيناً......
- بين أن تحب وأنت مفتوح العين على حقائق الحياة
- او تحب وأنت مغمض العين عن هذه الحقائق.
ففي الحالة الأولى تكون محتفظاً بصحة إدراكك، ومتى احتفظت بها فأنت قادر على الاحتفاظ باتزانك، أي على ضبط نفسك، وعلى النظر النافذ إلى اللب والجوهر، وحينئذ تستطيع أن تتبين أن المرأة التي تحبها، ليست أكثر من امرأة تفضلها على سواها، أو امرأة راقتك ووقعت من نفسك، وأنت في حالة نفسية معينة.
وتستطيع أن تدرك أن من الهُراء أن تقول إن هذا النوع من الجمال هو الذي يسبيك دون غيره، وأنه سيجيء وقت آخر تحب فيه نوعاً آخر. وتستطيع أن تصارح نفسك بأن حبك لها لا يمنع أن تحس بحنّةٍ إلى سواها، أو باشتهاء غيرها، وأنك ستملّها كما تملُّك هي، وأنك على كل حال لست إلا أداة تسخرها الحياة لإدراك غايتها.
أما في الحالة الثانية، فأنت آلة عمياء جاهلة لا تفهم ولا تدرك شيئاً، ولا تدري ما هي صانعة، فلا فرق بينها ويبن آلةٍ يصنعها الانسان.
وبعد، فأحبُّوا إذا شئتم، فما لنا عليكم سلطان. وعسى ألاّ يكون لنا سلطان على نفوسنا إلا بقدر.