النتائج المدرسية

 

 بقلم : مبارك محمد المبارك

       منذ دخول الطفل للروضة أو المدرسة يحس بتحول غريب في حياته ، بتركه أمه وأبيه وباقي أفراد أُسرته ، ويجد نفسه في عالم جديد وسط مجموعة من الأطفال في سنه ..... في بداية الأمر يكون منطوياً خجولاً ، وما هي إلا أيام وينخرط في المجتمع الجديد ويصبح عضو فعال فيه ..... وتبدأ شويه شويه الدروس والتعليم من أ ب ت ث حتى ما بعد الجامعة ، وكم يتمنى المرء أن يكون طالباً على الدوام لجمال تلك الفترة وحلاوتها ...

       الدراسة بمراحلها المختلفة ومسمياتها التي تغيرت من فترة لأخرى تظل عالقة في الأذهان ... وكم هائل من ذكريات قديمة تتجدد عندما يقابلك زميل دراسة بعد فترة من الزمن وتدور بينكم أحاديث عن المدرسة وأستاذ فلان الصعب وأستاذ فلان الطيب والناظر وعمي فضل الله الفراش وحاجة فاطمة بائعة الفطور ويوم التسميع وجداول الضرب وحصص الرياضة وجمعية فلاحة البساتين وطابور الصباح و....و....

       والإمتحانات النهائية سواء كانت من فصل لآخر أو من مرحلة لأخرى تمر بفترات حرجة صعبة .... مجهود عام كامل أو مرحلة تُقيم من خلال الإمتحان ، وهو الفيصل بين التلميذ المجتهد والمهمل ، وإذا حدث خطأ في فهم السؤال أو نسيانه يكون دفع الثمن غالياً .

       ونتيجة الفصول الدراسية تكون أسهل من المراحل ... ومع ذلك يكون إهتمام المدرسة والأسرة بها كبيراً ... وكثيراً ما وجه إليك السؤال التقليدي جيت الكم ؟ أو طلعت الكم ؟ ومن هو أول فصلكم ؟ والفضوليين يسألون عن الطيش منو ؟

       توزع النتائج في نفس الفصل ويبدأ بالمراحل الأدنى من أولى حتى سادسة وهكذا ... يصفق للأول وبقية العشرة الأوائل ...... أما الطيش يكون موقفه صعب في ذاك اليوم وكم راجع نفسه وندب حظه .

       تُطبع النتيجة المدرسية عن طريق ( اللف بالشمع ) وتدون فيها المواد الدراسية مع الدرجات وفي أسفلها توجه رسالة لولي أمر التلميذ من ثلاثة أسطر فحواها : مُهذب مُطيع مُتعاون مع زُملائه ومُدرسية ... تأخر ( أو تقدم ) مستواه عن السابق عليه الإهتمام والمثابرة في المواد (    ) و (      ) ... تفتح المدرسة أبوابها في يوم ........ توقيع المدير وختم المدرسة .

       أما إمتحانات المرحلة تصاحبها تجهيزات أكبر وإهتمام .... وقبل الجلوس للإمتحانات توزع أرقام الجلوس ، على أن يكون الإمتحان في مدرسة أخرى ومراقبين من خارج المدرسة وكنترول و ....

       توزع نتائج المراحل بالمدارس التي ينتمي لها الطالب ، ويستلمها المدير من وزارة التربية والتعليم ، وشاهدت هذا المنظر كثيراً حيث كان الوالد مديراً للعديد من المدارس الإبتدائية بمدني ، وعايشت لحظات فرح الناجحين وحزن الراسبين ..... بعد إنتهاء الدوام اليومي بالمدرسة يأخذ الوالد النتيجة معه للبيت حيث لا يتوقف قرع الباب من الطلاب وأُسرهم .

       العديد من المواقف تحدث في هذا اليوم ، امرأة أحضرت معها إبنها وقالت : يا حاج محمد كدي شوف أحمد ولدي جاب كم ؟ وبحكم خبرة الوالد يعرف الطلاب ومستوياتهم والجيدون منهم بمجرد سماعهم بوصول النتيجة يهرعون لمعرفتها في المدرسة ، أما الضعفاء ( البلداء ) يقل ترددهم في الحضور للمدرسة لمعرفتها وتحت ضغط الأهل يكون الحضور  لمنزل المدير  أهون من المدرسة وسؤال الناس .

       يرد الوالد يا حاجة الود ساقط ما جاب مجموع ، ترد سجمي كيف يسقط ده قال شغال كويس .... وفي الحقيقة مع ضعف مستواه لا يسلم من المشاوير من أمشي دقق العيش ، وحش القش للغنم و.... ومع ذلك يُلأم .

       نتيجة الثانوية أكثر تنظيماً وترسل بعد معرفتها بالبوستة لولي أمر الطالب ، وساعتها كانت البوستة في قمة أدائها وكنا نشكر ساعي البريد أسفل الظرف عندما نبعث برسائلنا قبل ظهور البريد الممتاز و DHL .

        نتيجة الدخول للجامعات هامة لأنها حصاد سنين ولأهميتها كانت تذاع عبر الإذاعة والتلفزيون وتنشر في الجرائد اليومية ويسبقها مؤتمر صحفي من وزير التربية والتعليم مع نشر أسماء العشرة الأوائل لكل السودان بكافة أقسام التعليم الأكاديمي والفني والتجاري ... ومؤخراً أصبحت تعلن عن طريق الهاتف والانترنيت في عصر الإتصالات .

يُهيأ للطلاب في هذه المرحلة جو دراسي مناسب حسب وضع الأسرة ، وكم من طالب مكافح حقق نتائج مُمتازة بمساعدة أهله والمدرسة .

       زمان التعليم الحكومي حلم كل الطلاب ومفخرة يعتز بها ، والآن تبدل الحال وأصبح الحلم التعليم الخاص والنموذجي ...... زمان المدارس الحكومية توفر كل شيء من كتب ودفاتر وأقلام وحتى الحبر ..... واليوم المدرسة الحكومية مُهملة خربة ذات جدران مُهدمة وسقوف مُشققة وكنب مُكسر وكتب ُممزقة وقليلة وأشجار ذبلت ونشاطات رياضية وثقافية إندثرت ... وأساتذة تتأخر مُرتباتهم لشهور يعملون بدون نفس واليك نموذج لحال المدارس الحكومية في جزء من الرسالة التالية :

       فإنه لا يخفى عليكم أن مدرسة (      ) بنين للأساس ( بمدني ) واحدة من أعرق المدارس الأولية في السودان حينذاك إذ أنشئت عام 1903م وظلت تخرج لهذا الوطن العشرات من الكوادر التي ساهمت في قيادة ومسيرة التنمية للسودان . كانت وما فتئت تدفع في شرائين الوطن من أبنائها المؤهلة .

       ولكن هذه المدرسة وبرغم عراقتها لم تمتد إليها يد الصيانة أو التجديد منذ عهود خلت وقد تصدعت فصولها وتشققت ومكاتب المعلمين والمعلمات فيها ، فإنك ترى الشمس من خلال سقوفها ، وهي تحتاج لعمل صيانة ومرمات للحوائط و...... الخ ( لا تعليق ) .

       أما التعليم الخاص فعبارة عن مدارس خمسة نجوم ..... حافلات مكيفة تأخذ الطالب من البيت للمدرسة وبالعكس ، فصول دراسية نظيفة ومرتبة ذات تهوية وتبريد جيد ، دفاتر وكتب وملابس مدرسية بألوان براقة تميز كل مدرسة عن الأخرى ، طلاب يحملون الهواتف النقالة تساعدهم في السؤال والجواب والإستفسار في نفس اللحظة ، الاساتذه على مستوى عالي من التحصيل وكمان مبسوطين لهذا الوضع ومرتباتهم أول بأول وفيها زيادة والنتيجة الطبيعية نجاح باهر وتفوق مدرسة أهلية وإندثار مدرسة حكومية عريقة .

       إتصل صديقنا هاتفياً ذات مرة على أخته و أبلغته  بأنهم كانوا في تخرج حمادة ابن صلاح خالهم ، على الفور قال ليها  صلاح منو العندو ولد في سن التخرج ، ده اتزوج منذ سبعة سنوات ، ردت بأن حمادة إتخرج من روضـة (     ) النموذجية وكان تخرجهم بنادي الجزيرة ، عرفت بعدها أن النموذجي والخاص غطى على كل شيء حتى رياض الأطفال .

       عمنا ذهب ليدخل أولاده لمواصلة تعليمهم بالسودان بعد أن أصبح التعليم في بلاد الإغتراب صعباً ومُكلفاً وشاءت الظروف أن سجل أبنه ذا العشرة أعوام في مدرسة حكومية تجاور مدرسة (    ) الخاصة ، فوجد الطفل الفرق والإختلاف وشاف بنفسه المميزات بين المدرستين وطالب والده بالتسجيل في تلك المدرسة الخاصة وإلا لن يذهب مرة أخرى للمدرسة الحكومية التعبانه حسب كلام الطفل ، أقنعه والده بالاستمرار فيها حتى السنة القادمة ليسجله في الخاصة ، سألت العم طيب حا تعمل شنو السنة الجايه ؟ قال لي ربنا كريم يحلها ألف حلال السنة الجايه .

       الدراسة الآن تحتاج لإمكانيات ضخمة خاصة المادية وإلا يستحسن أن تختصر الطريق وتبحث ليك على وظيفة بدلاً من ضياع الوقت في إمتحانات ورسوم ودروس خصوصية ونتيجة ما معروفة .

       أما النسب فأصبحت ذات أرقام فلكية تستغرب لها ، مـن الأول حتى الـ 200 تقريباً أحرزوا نسبة فوق 95% ، طيب مصير الذين أحرزوا 70% شنو ، بالتأكيد الإعادة أو جامعة في آخر الدنيا وكلية أي كلام يوزع فيها بدلاً عن الإعادة ومشاكلها .

       وزمان من يحرز نسبة 70% توزع له الحلوى والبسكويت وتسمع زغاريد الأمهات مع حفلات الفرح ، والآن من يحرز نسبة 85% أمكن ما تشوف حتى مويه زرقاء لزوم النجاح ، وتؤجل مراسيم الفرح لحين معرفة نتيجة القبول بالجامعات .

صادفت العام المنصرم  في إجازتي بالسودان ظهور نتيجة الشهادة باركت لجارنا نجاح ابنه الذي أحرز 75% فقال لي ده ما نتيجة الود ما فاضي من الأنترنيت والدش  عشان كده جاب نتيجة ذي وشو ، قلت في نفسي زمن كل حاجة تبدلت ، زمان الذي يفشل في الدخول للجامعة يقولوا ليك ده ما فاضي من السينما أو التلفزيون أو الكورة والآن الأنترنيت  والدش السبب .......

       الدراسة الجامعية في كثير من الدول تجد إهتمام كبير من قبل المسؤولين لان الشباب مستقبل الأمة الزاهر ، وإذا ضمن الشباب ضمن المستقبل ، وعند دراستنا الجامعية بالعراق الشقيق الذي أكن له كل إعزاز ومحبة وجدت الإهتمام بالطالب الجامعي منذ دخوله الكلية حتى تخرجه من سكن مُميز عبر داخليات مُجهزة مع إعانة شهرية للطالب العراقي وللطالب العربي تستلم يوم 20 في كل شهر ميلادي وقبل وصولها تفيدك السكرتيرة بموعد الإستلام ، وتُوزع مُخصصات إضافية لكسوة الشتاء والصيف مع تذاكر السفر ، ويوظف الطالب قبل التخرج حسب رغبته للعمل في الجهات التي يرغب العمل فيها بموجب إستمارات مُخصصه تعبأ قبل الإمتحانات النهائية لهذا الغرض .

       وإلي وقت قريب كانت المدارس الثانوية والجامعات بالسودان تقدم كل سبل الراحة الأكاديمية والفنية والترفيهية والعلاجية من السكن والأكل والترحيل ، ويتفرغ الطالب للمذاكرة والدروس وهو مُرتاح نفسياً مما يدفعه لتحقيق نتائج جيدة تساعده في التوظيف بعد التخرج في أحدى المصالح الحكومية أو الأهلية .

مبارك محمد المبارك

 

راسل الكاتب