هل الفرق الجماعية في مفترق الطرق؟!

بقلم : نشأت الامام

 

عقد الجلاد نموذجاً

هل الفرق الجماعية في مفترق الطرق؟!

الخرطوم: نشأت الإمام

الفرق والجماعات الغنائية تعد واحدة من مفردات الحراك الثقافي في السودان، ولكن يظل التساؤل حول هذه التجارب فيما أضافته للغناء في السودان، وتطور هذه التجارب إلى أي مدى وصل الآن، وهل أصبح لها وجودها الفاعل في محيطنا المحلي والإقليمي في ظل تشتت وتلاشي الكثير منها..؟

كانت هذه هي المحاور التي طرحها الأستاذ سعد الدين حسن وهو يقدم لندوة المجموعات الغنائية في السودان، التي نظمها منتدى روان الاسبوعي واستضاف فيها فرقة عقد الجلاد كنموذج للفرق الجماعية، وقدمت الفرقة عدداً من أعمالها، وتحدث فيها الأستاذ السمؤال خلف الله.. إذن دعونا نبقى مع حيثيات الندوة..

ظاهرة قديمة

الأستاذ السمؤال خلف الله أشار إلى قدم هذه اللونية من الغناء، وقال:

ظاهرة الغناء عند العرب ظاهرة جماعية، وكذلك الغناء بعد الاسلام، ولكن في الغالب كان الرجال ينشدون، فالأداء الجماعي للشعر المموسق الملحن لم يكن ظاهرة جديدة، لكن الفترة التي برزت فيها الفرق الغنائية السودانية كانت فترة نهضة للغناء الجماعي، وفترة تقديم لنماذج جديدة، فرأينا فرقاً مثل : عزة، ميلاد، نمارق، الخرطوم، السمندل، ساورا، لكن سبق كل ذلك المديح النبوي، فالمديح كان جماعياً فهناك قصائد ألفية في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، لذا تحتاج للتذكير فهي قصائد طويلة، لذا أعتقد جاءت الحاجة لوجود عدد من المادحين، وأعتقد أنه حديثاً خلقت هذه اللونية من الغناء تطويراً جيداً في أشكال التناول لموضوعات أغنياتها، وكذلك كيفية الأداء وأساليبه.

سرد تاريخي

الأستاذ عثمان النو بدأ حديثه بفذلكة تاريخية حول نشأة الغناء الجماعي في السودان، وأوضح قائلاً:

الحفريات الأثرية أظهرت أن الموسيقى والغناء الجماعي قديمة قدم التاريخ في السودان، فهناك الرسومات الدالة على جماعية الغناء من آلات ومؤدين، ولا توجد لدينا كتابات محددة سوى تواريخ تدل على الأسرة الثامنة عشرة، ولم يكن الغناء حينها اعتباطاً، فقد دلت الآثار الموجودة على تنظم هذا النوع من الفن، بل كان يوجد «مايسترو» يقود الفرق المغنية، وهذا ضرب بعيد -أحسبه- في تنظيم الفعل الغنائي، وكان النوبيون لديهم اغنياتهم الشعبية أيضاً، وكانت تؤدى بطريقة جماعية هي الأخرى وتعكس تلك الأغنيات معاناة الشعب وهمومه وآماله..

وهذا لا ينفي وجود الغناء الفردي في تلك الحقبة، بل كانت هناك طقوس فردية للغناء، وما ينطبق علينا نجده ينطبق في كثير من دول العالم من حيث قدم الأداء الجماعي للأغنيات..

وحينما بدأت فرق غنائية في السيتينات مثل مجموعة البساتين التي أسسها اسماعيل عبد المعين ومحاولات الأستاذ عبد الماجد خليفة في خلق فرق غنائية وكانت فرقاً موسمية يلتئم شملها في المناسبات، وينفض سامرها بعد ذلك لظروف أعضائها، وجئنا نحن في الثمانينينات، تعاملنا على أساس أننا نملك ارثاً تاريخياً يعيننا على أخذه بقوة..

وواصل النو مبيناً نشأة الفرقة والظروف التي جابهتها قائلاً:

عقد الجلاد انبثقت في وقت عصيب شهد الكثير من الحراك الاجتماعي المرتبط بعوامل سياسية واقتصادية، واستطاعت خلق قاعدة لا يستهان بها، وصمدت تجربتها في ظل تساقط الكثير من التجارب المماثلة لها وكانت بدايتها في العام 1984م، وعلى الرغم من اتهام البعض لها بالصفوية لما تناولته من أعمال تميل للرمزية، لكنها خلقت وجوداً كثيفاً لدى مختلف شرائح الشعب السوداني، وأيضاً التمييز الذي مورس على الفرقة وتصنيفها السياسي جعلها تواجه الكثير من الضغوطات، لكن الفرقة اجتازت كل ذلك بسلام حتى الآن..

حميمية مطلقة

تماسك عقد الجلاد طوال هذه الفترة جعل منها فرقة مميزة، وواحدة من أسباب التميز يذكرها السمؤال حين يقول:

الفنان المفرد يعتمد على الموهبة ومن ثم تتداعى له أسباب النجاح، لكن الفرق الغنائية تقوم أصلاً على الأهداف، لذا فالدراسة التي تتيح قدراً من تبيّن موضع الأرجل قبل الخطو أجدها مكتملة الرؤى في تجربة عقد الجلاد، بل عضوا عليها بالنواجذ، وأيضاً الدراسة العلمية التي أتيحت لأفراد عقد الجلاد عضدت استمرار الفرقة بهذا الألق السافر..

كذلك التنوع في تناول الموضوعات الغنائية أتاح فرصة كبيرة للمتلقي في اختيار ما يراه قريباً له، فالفرقة تغني بمختلف اللهجات المحلية في السودان، وعقد الجلاد مدرسة قامت على أسس أهمها على الاطلاق هذه الحميمية التي تجمع بين أفراد الفرقة، وهو ما أتاح لها لحد كبير هذا الاستمرار وذلك بتخطيها لكثير من عقبات واختلافات تحدث داخل الفرق من مثيلاتها، وتؤدي بها آخر الأمر إلى التشتت والتفرق..

تجارب موءودة

تجارب الفرق الموسيقية الأخرى دوماً تصاب بداء التمزق والانشطار، ومن ثم التلاشي، حول أسباب ذلك يتحدث السمؤال قائلاً:

تجربة الفرق الغنائية بدأت في شكلها الحديث منذ أكثر من عشرين عاماً، لكن هناك عدة أشياء اجتمعت وساعدت في رحيل هذه الفرق، فانعدام الروح الجماعية عندنا كشعب تتأثر به هذه الفرق في نسيجها المكون لها، وأيضاً استئثار قادة الفرق المكونة بسلطة تجعل من الآخرين مجرد كومبارس، فان حدث أي خلاف أو غيره يرحل القائد وترحل معه أعماله التي لا تملكها الفرقة ككل، كذلك الظروف المختلفة لأعضاء هذه الفرق تجعل أمرها شتى، ولا نغفل مشكلة التمويل، فهناك الكثير من الفرق تبدأ في الظهور ولكن لضيق ذات اليد تثقل الديون هذه الفرق حتى تعصف بها تماماً..

وهناك أيضاً التصنيف السياسي الذي يلاحق الفنانين والفرق الموسيقية فتبدأ جهات في محاولة استئناسها، وجهات أخرى تحاربها، وهكذا يتفرق أمرها بين الشد والجذب فتصبح نسياً منسياً..

العالمية والضرائب

وعن تجاوز المحيط المحلي والوجود العالمي للفرقة، أبان النو أن هناك عقبات كثيرة تقف أمام ذلك، الفرقة حجزت لها مكاناً في الخارج، لكن صعوبات جمة واجهتها ويذكر النو:

بعد مشاركات في عدد من الدول الغربية والمهرجانات العالمية واجهتنا مشكلة تؤرق منظمي هذه المهرجانات وهي كيفية الاتصال بنا، فهم يرون أن التعامل مع شركة معترف بها تمثل كياناً جامعاً للفرقة يسهل عليهم انجاز الكثير من المعاملات التي من شأنها تكثف وجود الفرقة ومشاركتها الخارجية، فلم نتأخر وكوّنا شركة عقد الجلاد، وبدأت الدعوات تصلنا بانتظام وكذلك العقود باسم هذه الشركة، لكن لاحقتنا الضرائب بفرض مبالغ طائلة على الشركة، والتعامل لا يختلف ولا يفرق بين الشركة الفنية والشركة الاستثمارية، لذا بعد عدد من المواقف التي حدثت لنا قررنا ايقاف الشركة، وكان تبعاً لذلك أن عدنا إلى المربع الأول في تعاملنا مع العالم الخارجي، وبالتالي حدت هذه الضرائب من فرص انتشارنا في العالم بالصورة التي نرغبها.

نحن نرى أن على الدولة رعاية الفنون، وأن تكون هناك عدة جهات تتحمل وتتبنى وتدعم الفرق الغنائية، لكن دوماً ننأى بأنفسنا عن الدعم المشروط، والذي يريد فيه الداعم تحقيق أجندة خاصة به عبر الفرقة..

ايقاع راقص

الغناء الجماعي في افريقيا ارتبط بالرقص، فطبيعة التكوين الايقاعي نجده في أغلب الأحيان ايقاعاً راقصاً، حول امكانية تصميم رقصات تتماشى مع أغنيات عقد الجلاد أوضح النو أنهم خاضوا مثل هذه التجارب، لكن لها أيضاً عقباتها، وقال:

تعاونا من قبل مع عدد من الأخوة أمثال جمال عبد الرحمن وصمويل ايوال وستيفن فير، وغيرهم، ورسموا لنا شكلاً للحركة في داخل الأغنيات، وقدمنا نوعين، بعد الحركات التي يقوم بها أعضاء الفرقة أنفسهم، والأخرى تجربة لفرق راقصة تقدم عرضها بمحاذاة الأغنيات، لكن واجهتنا مشكلة عدم جاهزية المسارح في السودان لمثل هذا النمط من الحركة، لكن لدى تصويرنا لأغنياتنا يمكننا فعل ذلك وذلك لسهولة ذلك خاصة مع تقنية الـ«بلي باك»، لكن الآن لا نستطيع سوى القليل من الحركة مع أغنياتنا..


 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب