ناقش تجاربها عدد من المختصين

أغنيات الفيديو كليب في الميزان

بقلم : نشأت الامام

 

الأغنية المصورة أو الفيديو كليب، تاريخها، تكنيكها والسبيل إلى تطويرها، اضافة إلى تقييم ما نقدم في السودان من أعمال غنائية مصورة وإلى أي مدى من التقدم وصلنا، كل هذه المحاور وغيرها تمت مناقشتها في مقهى الصحافيين ببحري في المنتدى الذي نظمه واستضاف فيه عدد من المختصين والمهتمين، ومن المنصة قدم الندوة الأستاذ مصعب الصاوي وتحدث فيها المخرجون شكر الله خلف الله ولؤي بابكر صديق ومعتصم الجعيلي، وحضرها لفيف من الصحافيين والمخرجين الذين قدموا رؤيتهم حول هذا الموضوع ومنهم صالح عبد القادر وسيد أحمد احمد ومجدي عوض صديق وايمن بخيت وعوض الزين.. معاً نقرأ ما قدم في ندوة الأغنية المصورة بالسودان..

الخرطوم: نشأت الإمام


خربشات

« ما يقدم من تجربة في أجهزة التلفاز بالسودان حول انتاج الغناء والموسيقى الى اية درجة يرقى لهذه التسمية.. وهل تتميز التجربة السودانية عن غيرها؟ هكذا استهل الأستاذ مصعب الصاوي محاوره، وأجاب المخرج شكر الله خلف الله: كل الذي نقوم به في مجال الأغنية المصورة -ان جاز التعبير- خربشة، اذ لم نقم حتى الآن بعمل الملامح الرئيسية، والشكل الواضح، لأن الأفكار الموجودة في مخيلة كثير من الفنانين هي محاولات ليس الاّ.. ومن الصعب في مجال الفنون أن نحتكم إلى نقاط ثابتة بتواريخ محددة لان فكرة الأغنية المصورة في السودان -اذا حاولنا رصد مراحلها التاريخية- سنكتشف علاقتنا ومدخلنا الأساسي بهذا الفن كان عبر مصر والتي شكلت نواة أساسية في نوعية اختيارنا، واستطاعت مصر أن تقدم نماذج لأشكال غنائية مرتبطة بتاريخ اللغة البصرية في عالمنا العربي بأغنيات الأفلام، لأن بداية الأغنية المصورة كانت عبر تفاصيل نص مكتوب عبر فكرة درامية محددة يمارس عليها تكثيف عن طريق نوع الشكل المعروض، وهذه الفكرة بدأها اليونانيون الذين أسسوا لتاريخ السينما في مصر لأنهم استعانوا بارتباط هذا المنهج لأن حالة المشاهد العربي لم تكن تحتمل المشهد الدرامي المجرد لذا كان هذا التقليد يشكل نوعاً من الجذب للشاشة السينمائية.

تجارب سودانية

ويواصل شكر الله: لا ننكر دور مصر في اسهامها الفعال في تثبيت نوع الطرح المتحرر في اللغة البصرية في الأغنية المصورة، وحتى الآن نجد المصريين يتعاملون بهذا المنهج، وقديماً في السودان استطاع بعض الرجال العظماء في مجال السينما ان يجاروا هذا الطرح، بل ويحاولون خلق تجارب مرئية موجودة، مثل تجربة جاد الله جبارة في أغنية «الخرطوم» للفنان حسن عطية، وتجربة كمال محمد ابراهيم «لا وحبك» لعثمان حسين، وتعاملا من خلال نص مكتوب وشكل غنائي مطروح، وتحويله للغة بصرية، بغض النظر عن الفكرة أو طريقة كتابة السيناريو، لكن أعتقد أن الأغنيتين يمكن أن يحدث عبرهما استهلال تاريخي لحركة الثقافة التي كان يعتقدها المجتمع في تلك الفترة مثل نوع الأزياء، وقصات الشعر، وشكل العمران وغيره.. فالمرجع التاريخي للمخزون البصري لهذه الأغنيات يمثل حالة كاملة تمثل تفاصيل ذاكرة حية في حركة الصورة التي تعكس واقع المجتمع.

انقطاع

بعد ذلك حدث انقطاع طويل جداً، فمنذ أواخر الخمسينات، كان جاد الله، وبداية السبعينات كان كمال محمد ابراهيم، ثم جاء شرحبيل أحمد في التسعينات حينما قدم الليل الهادي، التي تم تصويرها بمنطقة الهرم بمصر ونفذها فريق عمل عربي، لكن استطاع شرحبيل أن يثبت من خلالها حالة بصرية متعلقة به، واستعان بها شرحبيل في مقاضاته للفنان محمد فؤاد، لأن الأغنية لاتزال مسجلة لدى التلفزيون المصري.

والأغنية المصورة السودانية أؤكد أنها محاولات، لأننا لو قلنا غير ذلك عن تجربتنا فيفترض بنا أن نجيب على التساؤل القائل: هل الأشكال التي ننتجها في شكل أغنيات مصورة الآن تتوافر لها الظروف الانتاجية المتوافرة لعداها؟ وهل اكتمل بهذه الأغنيات نصاب أحلامنا في انتاج مثل هذا الفن؟ ذلك يقودنا إلى كثير من التفاصيل، أهمها على الاطلاق الموزع الذي أصبح طرفاً جديداً في تكوين هذه الأغنيات، وهو ليس الموزع الاوكسترالي الأساسي، صاحب مهمة التوزيع الموسيقي، لكن هذا الموزع الجديد يقوم بدور جديد في الصورة، بمعنى أنه يعطي النغمة المناسبة للتقطيع المرتبط بحركة الصورة..

وربما نختلف أيضاً مع ما هو مطروح الآن، ونتساءل: هل الكلمة المطروحة في الوطن العربي الآن لديها امكاناتها؟ إذ يرى البعض ان الأغنية المصورة لا تعتمد على قوة الكلمات في المقام الأول، إذ ينشغل المشاهد بتتبع الصورة فيتغاضى عن ركاكة ربما تصاحب كلمات الأغنية.. ولكن نحن نرى أن الشعر السوداني غنى جداً، ويشجع للحد البعيد في التعامل مع نصوصه في الأغنيات المصورة..

سطحية وعمق

والآن هناك تجربة رأيتها في القاهرة وهي خلق سيناريو بفكرة درامية داخل الأغنية، وأصبح المجال مفتوحاً أمام أهل الدراما ليتعاملوا مع الأغنية على أنها مدخل لتوصيل رسالتهم في الأشكال الدرامية، وبدأت خطوات لاخراج الأغنية المصورة من حالة السطحية التي تعرض بها، وادخالها في مراحل أقرب إلى العمق في التناول والعرض.

وهكذا نرى أن هناك استمراراً في الانتاج، وهذا ما ينقصنا، فالتجريب المستمر يساعد إلى حد كبير في تجويد الأعمال المقدمة، لكن الانتاج المتقطع لا نستطيع أن نرتكز عليه في نقد ومحاولة تقويم الواقع الذي نقدمه، وهنا تكمن مشكلة الانتاج الذي يعتمد على المبادرات الشخصية، فطريقة الانتاج تتم وفق شروط الانتاج الحقيقية للأغنية المصورة..

وحول صناعة الفيديو كليب واصطدامه بالتقاليد الموروثة أوضح شكر الله أن ذلك لا يمثل هاجساً لديه، وقال: العادات والتقاليد لا تشكل عقبة في خلق أفكار جديدة، لأن الجانب الفني والتعامل معه لا يحتم بالضرورة الخروج عن مألوف ثقافتنا، فيمكننا خلق الكثير من الجماليات دون أن نحيد قيد أنملة مما نعتقده ونؤمن به..

تساؤل

المخرج لؤي بابكر صديق قدم خلال مسيرته الاخراجية عدداً منوعاً من التجارب لأغنيات مصورة، واستهل لؤي مشاركته في المقهى بطرح سؤال حول الفرق بين الاغنية المصورة والفيديو كليب، واجاب الأستاذ معتصم الجعيلي بأنه لا يوجد فرق بين الاثنين، فالأغنية المصورة وغيرها من مكونات العمل التلفزيوني يمكن اعتبارها فيديو كليب، حتى الأخبار، وتحدث عن ذلك أيضاً المخرج مجدي عوض صديق الذي أوضح أن الأغنية المصورة كانت بداية الفكرة للفيديو كليب، وكانت مبنية أساساً على مطابقة الصورة للصوت، ولكن الآن الفيديو كليب لو افترضنا أن الاسم تغير فكذلك تغيرت الأفكار بل تطورت، وأصبحت فكرة الصورة موازية للعمل الغنائي، وكذلك شارك في الاجابة المخرج عادل والذي أبان ان الاصطلاح ربما قادنا لاشكالات جدلية، وواصل عادل كلامه قائلاً: حسب التعريف الذي أعتقده أن الفيديو كليب قطعة درامية تعبر عن أفكار مختلفة، فتوافر عناصر الدراما في الفيديو كليب تجعل من الأغنية مخلق ابداعي يحوي مختلف الأفكار الابداعية المختلفة، ومن بينها بلا شك الدراما.

حرية تعبير

وواصل المخرج لؤي افاداته مرة أخرى متسائلاً حول النظرة الدونية التي نعطيها لأعمالنا، فلدينا أعمال جيدة كثيرة، فقد فاز من قبل في العام 2000 المخرج شكر الله خلف الله في مهرجان القاهرة للاغنية المصورة باغنية زولي هوي لعمر احساس، وأيضاً فاز في العام الماضي المخرج مجدي عوض في نفس المهرجان بأغنية لشرحبيل أحمد، فنحن هاجسنا يقبع في الغرب وفي ما يأتي إلينا من الدول العربية، ولدينا أغنيات كثيرة لكنها تعاني من مشكلة حرية في التعبير، ومشكلة انتاج تلفزيوني من ناحية الادوات وتكلفة الانتاج، وكذلك مشكلة ثقافة وتقاليد فالمدى المحلي للاستطراد الفكري يحدنا بشكل كبير.. الأغنية المصورة عبارة عن تكنيك معين لصورة يتم بشكل محدد عبر رؤية مخرج العمل لما يتناسب مع النص المطروح، وربما يحدث نوعاً من التطابق بين الصورة والصوت مثل بعض تجارب الراحل عيسى تيراب، لكن تبقى المشكلة في كيفية هذه المطابقة، وهي تحتاج إلى خيال، ونحن نعانى في هذا الجانب نسبة لأن ثقافتنا وتقاليدنا تحد من انطلاق هذا الخيال، وهموم المخرجين الشباب ربما تتطابق في هذه النظرة التي أحسبها تعيق افكارهم..

غياب التوزيع

وعن تجربتهم في قناة النيل الأزرق مع الأغنيات المصورة قال لؤي: بدأنا في خلق صورة ذات شكل مختلف من حيث الكادر والاضاءة وحركة الكاميرا والمونتاج، بعد ذلك فكرنا في تطوير العمل في مثل هذه الأغنيات، وواجهتنا أيضاً اشكالية في نوعية الايقاع الذي يتطلبه العمل، ولا أعتقد بأن هناك أغنية سودانية في المكتبة الصوتية تناسب فكرة الفيديو كليب، فمشكلة التوزيع تظل عائقاً لتنفيذ بعض هذه الأغنيات كأغنيات مصورة، لغياب التوزيع بطرقه الحديثة المستخدمة في العالم الآن، ونتمنى أن تتواصل الجهود لاخراج أعمال سودانية تضع بصمتها في صحيفة الغناء المصور العربي والعالمي، وهذا لن يتأتى الا بانتاج أغنيات جديدة نستطيع من خلالها الوصول للمشاهد بشكل مقنع، ويصبح لبنة في طريق تطور واستمرار انتاجنا للاغاني المصورة.

بطء شديد

الأستاذ معتصم الجعيلي له اسهامه المقدر في اخراج الأغنيات المصورة، ولكنه غاب مؤخراً عن طرح الجديد، وتحدث عن ذلك قائلاً: منذ خمس سنوات لم أخرج فيديو كليب، وقبل ذلك كان لي نشاط مكثف في هذا الجانب، لاعتقادي التام بأن مسألة الفيديو كليب غير متطورة وذلك لأسباب كثيرة، كل المهتمين بهذا الفن اعتقد أنهم يغفلون شيئاً مهماً للغاية وهو أن هذا البطء او الدوران في حلقة واحدة مرده عدم وجود منافذ يعبر من خلالها هذا العمل للمشاهد، وهذه المنافذ المتاحة لنا نواجه فيها صعوبات جمة، والسرد التاريخي الذي قدمه شكر الله أعتقد أن التطور فيه سار ببطء للغاية ولم يصنع ارثاً تستفيد منه الأجيال القادمة، وما يقدمه البعض الآن ونعتقد أنه مكتسب أتى بعد ظهور الثورة الفضائية العالمية، لذا حاولنا أن نعمل لنصبح مثل الآخرين جزءاً من المنظومة الاعلامية العربية أو العالمية، وحينما تلفتنا لم نجد الأرضية الصلبة التي يمكننا أن نرتكز عليها ونحن نسعى لتطوير هذا الفن، فليس هناك منهج مدروس لهذه الصناعة وجدناه أمامنا كتجارب سودانية يمكننا الافادة منها..

صناعة

ويستطرد الجعيلي: الفيديو كليب صناعة وليس عملاً تلفزيونياً للتسلية والامتاع فقط، بل أصبح عملاً يقع على عاتق المهتمين بصناعة الغناء بل حتى منتجي الأفلام أصبح الفيديو كليب أحد أبرز المروجين لهذه الأعمال، فالفيديو كليب لا يمكننا تصنيفه مع نوع آخر من الفن، ففي اعتقادي أنه حالة ابداعية قائمة بذاتها لها مقوماتها، ولها شكلها.. فنحن حينما نحاول أن نصنع فيديو كليب اما ان نقلد ما يصل الينا ونحاول ان نخلق حالة سودانية مشابهة له، واما ان يأتي مخرجون بأفكار ورؤى مختلفة كي ينتجوا شيئاً مختلفاً عن المألوف.

وأيضاً لصناعة الـ«فيديو كليب» لابد من توفر مقومات عدة من ناحية جودة الصورة، وجودة الأدوات المستخدمة في المعالجة، وتجويد التسجيل الصوتي، بل حتى الأغنية يجب وضعها في قالب يساعد على تصويرها، فلا تصلح أية أغنية لتصويرها بالشكل المطلوب، فنحن نسمع الأغنيات ومن ثم نحاول تصويرها، ولكن الصحيح أن يتم انتاج الأغنية بكل مراحلها ونحن نضع في أذهاننا بأنها ستصبح فيديو كليب، وما قدمته انا من قبل كان لأغنيات أصلاً موجودة وحاولت تصويرها وفق ما أحسها.. لكن ان اردت الآن اخراج عمل جديد فهناك الكثير من الأشياء التي أصبحت مهمة بالنسبة لي.

بدون املاءات

والمخزون البصري الموجود في السودان اكاد أجزم بأنه يكفي تماماً لانتاج الكثير من الأفكار الجيدة، لكنا نحتاج إلى حرفية عالية، والشيء الأكثر أهمية هو مساحة للحرية في القنوات التي تعرض هذا الفن، فلا نريد أن يحدد لنا البعض مسار وطريقة عملنا، فنحن كمخرجين لنا رؤى خاصة نحتاج لتطبيقها وفق ما نراها لا وفق املاءات معينة، وربما ضيق المنافذ للعرض هو ما جعلنا نبتعد أو نقلل انتاجنا، لكني ابشر بان هناك العديد من القنوات الخاصة التي ستدخل الساحة الفضائية في الفترة المقبلة، اراهن على أننا سنقدم عملاً مقنعاً ويستطيع أن ينافس خارجياً باذن الله.

أثر بيّن

ويتختتم الجعيلي حديثه موضحاً أن: الأغنية المصورة تساعد على خلق وجدان جمعي للأمة، وذلك لامكانية حشدها بقيم عالية تساعد في خلق التواصل بين أطراف الوطن الواحد، ويجب أن يأخذ الفهم مكانه الطبيعي بيننا لأن للأغنية المصورة أثراً لا يقل عما تقدمه الدراما أو الشعر الوطني في ايصال رسائل ذات مدلول جمالي يرتق النسيج الاجتماعي للوطن.





 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب