خذوا دنياكم هذي!!

بقلم : نشأت الامام

 

تواصل الأجيال من سنن الحياة، ليس في ذلك من شك، وهذا التواصل يعتبر النتاج الطبيعي لتسلسل البشر، وحدوث فجوة أو هوة بين جيلين من شأنه أن يخلق نوعاً من عدم الانسجام، ويحدث عدم اتزان في شكل الطرح المقدم، مما يخلق نوعاً من النشاز غير المحبب، ويصبح انتقال الثقافات والفنون -وكل المعارف العامة- عبر طريق غير ممهد، وبالتالي يفتقد إلى الانسجام والتجانس بين القديم، والحديث.

لكن عند تناولنا لاشكاليات التمثيل التلفزيوني والسينمائي في السودان، خلصت معظم نتائج البحوث إلى أن أس بلاء أزمة التمثيل «تتمثل» في تتابع الأجيال هذا، وتواصلها!!

والعلة كما يصفها د. سعد يوسف، ومن بعده أشار إليها الأستاذ جلال البلال في ورقته التي قدمها في ورشة عقدت مؤخراً لبحث اشكالات الدراما، العلة تكمن في تراكم ارث من الأداء المفتعل، توارثته الأجيال الحالية ممن سبقتها، إذ أن الجيل الأول تأثر -إلى حد كبير- بالأداء الصوتي، وذلك عبر الدراما الوافدة اليه بشكل مسرحي من مصر، وتلقي عدد كبير من جيل الدراميين الأول كورسات في لندن، وتخصصوا في مسرح شكسبير الذي يعتمد على المبالغة في الأداء والاعتماد على الصوت، أضف إلى ذلك عدم إلمام المخرجين من الجيل الأول على فنون الاخراج أمام الكاميرا!!

كل ذلك انتقل من ممثلي الجيل الأول منذ الثلاثينات ليتم التأثير بصورة مباشرة على كل الأجيال اللاحقة، والتي تنهل من معين بعضها البعض، فما برح الأسلوب التمثيلي تتناقله الأجيال بكل ما فيه من ضعف ، وعدم تفريق بين أشكال التمثيل المختلفة، من مسرحي واذاعي، وتلفزيوني..

والحل حسب وجهة نظر الكثيرين من أساتذة الدراما يكمن في أخذ الواقع الدرامي مأخذ الجد، وذلك بالتعامل بعلمية ومنهجية مدروسة تتيح على المدى البعيد بلورة الفعل الأدائي أمام الكاميرا، حتى تبدو المشاهد أكثر مصداقية وأكثر تقبلاً من الجمهور حتى لا تصم آذاننا عبارة: «ياخي ديل بيمثلوا ساااي»!

وتبقى لدينا الكثير من الشواهد في عدد مقدر من الأعمال الدرامية السودانية التي حبست أنفاس المشاهدين أمام الشاشة، لكنها تبقى اجتهادات ومواهب فردية لم ترتق إلى درجة العمل المتكامل الجوانب بكل صوره.

وإلى ذلك الوقت الذي نتمنى فيه أن ترتقي درامتنا، نقول لأجيالنا السابقة من الدراميين: شكراً جميلاً لكم، فخبرتكم ربما تسهم في تقوقعنا على أنفسنا، وأفسحوا للأجيال القادمة بعضاً من مجال، وخذوا دنياكم هذي.. فدنياواتنا كثرُ!!










 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب