العميري

بقلم : نشأت الامام

 

العميري.. 17 عاماً على رحيل (زول ليهو قيمة)
الخريف يبشر بعناق حنون على تلك الرمال البيضاء في ذلك الوقت من العام 1954، وما أن لامستها حبيبات المطر ، إلا وانفلق عنها هذا الإنسان الجميل الذي جاء مع أول ومضة برق، وأول زخة مطر، فلون حي القبة بمدينة الأبيض بعطره، وأطرب مسامعها بصرخة شجية معلناً عن ميلاد خليل آخر ناصية الغرب، ومؤكداً بأن حواء السودانية حُبلى بالكثير فجاء هذا الصوت الذي أضحى حلقة الوصل بين الأجيال، ولد هذا الطائر الذي يساوره القلق منذ أن كان زغباً، حيث كان يبحث عن جناحين لكي يلحق بهما، يريد أن يتجاوز مرحلة الطفولة لكي يعلو في سماء عالية من شفافية الروح، يتمرد على النصوص، فيخرج، بضجة راقية من الصور الجميلة، يعرف ماذا يريد، هو نفسه عبد العزيز عبد الرحمن العميري، وقد غلب اسم العائلة على اسمه ولقب به....

أما الحديث عن هذا المبدع فإنه منقوص، مهما استهلك فيه من لغة، ومن نغم وأشعار، فكيف نتحدث عن طاقة هائلة من الإبداع، فالعميري يدخل المسرح بكل حواسه ويكون تركيزه عالياً، يعرف كيف يتقمص الدور،، ولكنا نذكر «برامج المحطة الأهلية» وأدواره الفنية التي قام ببطولتها، وعندما يغني يحرض ملكاته وموهبته الكبيرة في هذا المجال، فمنذ جينا نخت ايدينا الخضرا فوقك يا أرض الطيبين، ومروراً بثنائيته مع الجابري، ومع سمية حسن، فما أن يتناول نصاً مكتوباً إلا ويدخل عليه هالة من السحر بصوته الدافئ المليء بالشجن والتطريب...

وعندما يكتب شعراً تسكت الحروف وتنتظر دورها، حتى ينظمها في عقد دُري:

مكتوبة في الممشى العريض

شيلة خطوتك للبنية

مكتوبه بالخط العنيد

في ذمة الحاضر وصية..

فكيف لا نشعر بفقده، وقد كان هو صاحب الأفكار الجميلة واللفتات البارعة، فكان يغيب عن التلفزيون وعندما يعود من غيابه تعود معه الأفكار الجديدة التي لم تخطر ببال، هو الوحيد الذي كان يحول أي مكان يلجه إلى جنة تعج بالطرفة والبسمة حيث كان له سُر عجيب بين أحبابه وأصدقائه من وجوده الحي في الخواطر الجميلة، وفي الغناء العذب، وفي بحثه عن نكتة جديدة يحكيها في مرح عجيب.

وللعميري روح ساخرة ومتأملة ومتطلعة في الوقت نفسه، فكان لابد أن تجد هذه الروح القلقة مرفأ يستوعب هذه الطاقات الكثيرة فالتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح في سبعينات القرن الماضي لينثر ابداعاته، وخفة روحه على الجميع، وتأتي ملكاته ومهاراته وتتفجر هذه الطاقات وتعلن عن ميلاد فنان شامل، وقد تخرج من المعهد العالي للموسيقى بمسرحية ''شريط كراب الأخير'' للكاتب العالمي ''صموئيل بيكيت'' وحتى نعرف أنه كان يريد أن يتفرد وأن يكون له لون خاص به في كل ما يقدمه.

العميري يعرف كيف تكون السخرية عميقة ، يبحث دائما عن الضحكة و حين لا يجدها يتعب و لكنه لا يعدم حيلة في أن يخترعها، يعرف كيف يمارس الحياة، ممارسة الحياة تحتاج إلى بصيرة نافذة تعرف كيف تنسجم مع التناقضات، كتلة من النشاط و الحيوية، إن الحزن على العميري كان عظيماً، ولغرابة الأشياء كما بدأنا الحديث أن ميلاد العميري كان تواصلاً لجيل خليل فرح، فقد أخذ الكثير من ملامح خليل فرح، فآثر أن يودع الدنيا في الشهر الذي غادر فيه خليل فرح في العام 1932، وقد غادرنا العميري في 4 يوليو .1989

. وكأنه كان يشعر بأنه مودع فقد كان في عمق ظرفه يقول لأصحابه ''أنتو يا اخوانا 35 سنة مش كفاية'' ويترنم ويقول:

أديني سمعك في الأخير

أنا عمري ما فاضل كتير

شالوهو مني الأمنيات

الضايعة في الوهم الكبير

و الدنيا ما تمت هناء

لسه فاضل

ناس تعاشر

وناس تضوق طعم الهناء

بكرة أجمل من ظروفنا

و لسه جايات المنى

...............................

الممشى العريض

مكتوبة..

في الممشى العريض

شيلة خطوتك للبنيه

مرسومة بالخط العنيد

في ذمة الحاضر وصيه

شاهدة التواريخ

والسير والانتظار

أدوني من قبلك

مناديل الوصول

وفردت أجنحة العشم

في ساحة الوطن البتول

وضحكت ما هماني شي

وبكيت ولا هماني شي

عندك وقفتا عن المشي

وغرقتا في ضو النهار

كانوا يتمنوك لو

.. ترتاحي

لحظة على الدرب

حبوك حبّ

قدر الحروف الحايمه

في بطن الكتب

قدر الخيال

ما مد ايدو على السحب

كل خاطر كان بريدك

الا ريدك

كان رسول الدهشة

في كل الديار

وانا زي عوايد الشعر

فارس

شد خيل الكلمة ليك

مصلوب

على وتر البدايه

القالوا اخرا بين يديك

وسرحتا يا مهون تهون

شان آجيك

كان أصل

يوم لحضورك

كت بريدك مشتهيك

انهزم فيني الترجي

ونلت من سفري الخسار

بس داير أقولك

يا أصيله

لو تعب فينا التمنى

وانهتك وتر المغني

يوم تسدي علينا

طاقات البشاير

ينهزم.. يوم التجني












 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب