لا عزاء.. للمؤدي

بقلم : نشأت الامام

 

خلط غير محبب اطلاقاً، أصبح ملازماً للأغنية السودانية وربما يتهدد مسيرتها المتعثرة أصلاً، والغريب أن هذا الخلط «قانوني» أي يسنده قانون ويقنن له، وهو قانون المصنفات الفنية والأدبية، و«المشكلة» أن الفنانين الذين سمعنا أغنياتهم وارتبطت في الوجدان الجمعي للمستمع السوداني، هم أصحاب حق مجاور ليس إلا..
والحق المجاور سادتي بالنسبة للفنانين الذين لم يكتبوا كلمات أغنياتهم أو يلحنونها يكون حقهم عند سماع صوتهم فقط، ولكن لا ملكية لهم على هذه الأغنيات، فكل من يأنس في نفسه الكفاءة أو يتراءى له ذلك، ما عليه سوى الاتصال بالشاعر والملحن، ليحصل على أغنية عاشت في وجدان المتلقي السوداني ردحاً من الزمن، ويصبح من حقه التغني بها متى وأنما شاء، وإن كان له من الذوق ما يجعله يتصل بالمغني.. فنعم.. وإن لم يكن كذلك فله مطلق الحق والحرية في تجاوز الفنان الذي أعطى هذه الأغنية من قبل احساسه الخاص حتى تمكنت من قلوب المستمعين.
العلاقة بين الثالوث المكوّن للأغنية «شاعر، ملحن، مؤدي» علاقة ارتبطت قديماً بوشائج اجتماعية عميقة كانت تقيم أود التعاون بينهم، ولم يكن حينها الشاعر والملحن لهما غير الحق الأدبي فقط، ولم تكن هناك حاجة لابرام اتفاقات وعقودات حول ملكية الأغنيات، فكانت الأغنية تخرج للناس، ويصبح صاحب الحق المطلق فيها هو المغني دون أن يكون هناك عائد مادي يترتب عليه الايفاء به تجاه ضلعي المثلث الآخرين.
لكن الآن المشرع حسم المسألة لصالح المؤلف لأنه قام بعمل خلاق وأوجد عملاً يستحق أن يستفيد من مردوده، وهذا ما حدا بالشعراء والملحنين لأن يعيدوا استثمار أعمالهم من جديد وبالكيفية التي يرونها مناسبة.
نعم.. مازال الكثير من الفنانين يردد أغنيات الحقيبة باعتبارها تراثاً، وبعض الشباب يؤدون أغنيات لفنانين رحلوا عن الدنيا، ويمكننا اعتبار كل ذلك حفظاً لهذا الفن من الاندثار، ولخلق نوع من التواصل بين الأجيال الفنية، لكن الآن الآمر تعدى ذلك، وأصبح عدد من الفنانين الكبار يفاجأون بأغنياتهم على ألبومات الكاسيت دون الرجوع اليهم واستئذانهم، وإن كان هناك ثمة اتصال، فللعلم فقط.. لا أكثر!!
بين احتفائنا بأغنيات ادمناها من فنان بعينه، وأصبحت راسخة فينا بصوته، وبين حق المؤلف والملحن في أن يستفيد مما أبدع خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة، تضيع ملامح كثيرة من مكونات الثقافة الغنائية السودانية..
ولا عزاء للمؤدي

 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب