عبد القادر الكتيابي

 

بقلم : نشأت الامام

 

يركب للهوى عمداً قطارات الجنون..
الكتيابي:لا يجدر بنا أن نُحمل الوطن ذنب هؤلاء..!!
أنتمي لهذا الوطن.. ولا أنتمي للمؤسسات السياسية
حل اتحاد الكتاب صواب.. ولا يصح إلا الصحيح
أستغرب لهؤلاء الذين يهاجمون «أمدرمان»!!
الثقافة تحولت إلى سلعة استثمارية تدعمها الدولة



مِن جِبِة دِروِيْش آتِي، تَحْت هَدير النَوْبةَ يتسلل دِرويْشاً أسمر
يَتَسلَّح بِلُغته الفصحى، ويَتغنَّي بِزفافِ النِيلِ الأخضرْ
يعتزُ كثيراً بِمَدينتنا الحُبلى أم درمان...! ويَعشُقها أكثر
يَتحرر من قيد الأسياد! وتَثُور ثَورته الكبرى في المِنْبَر
هو: عبد القادر الكتيابي ..نحن: محبيه لوجه الله بل أكثر
ليس لي الآن غير أن أقول أننا بضيافة الكتيابي؛ وليس العكس، فنحن أمام قامة أسهمت إسهاماً بالغاً في حركة الأدب والإبداع في هذا الوطن الجميل برغم المنافي التي اعترته حيناً من الزمن، الكتيابي الذي ينحدر من أسرة عريقة في أم درمان، تربى على حفظ القرآن والأدب والشعر، فقد امتزجت الموهبة بالإطلاع الكثيف ببواطن اللغة العربية؛ المستقاه من القرآن الكريم، وقد لمسنا هذه الثقافة النادرة في مفردته المتميزة والتي تميزها بين آلاف الشعراء والمبدعين، فالحديث مع الكتيابي تنوء عنه صفحات الصحف، ولكن الرفقة معه أشبه برحلة نيلية على زورق يتمايل طرباً من فرط السُكر الذي يسكبه عليه، يبحر بنا عبر القرون منذ عهد الخلفاء الراشدين لما تحسه من ملامح إلى أن يصل بنا إلى أدوات الحكم في الألفية الجديدة، يفك رموز مفردته الشعرية ويجاهر بالحياد السياسي متأبطاً جبته العتيقة، حملنا أقلامنا وأوراقنا إليه، فصمتنا وتحدث إلينا شعراً ووددنا أن نصبحكم معانا في هذا الزورق الهاديء وندفعه إلى الوادي إلى أفق أنيق النجم صداح البساتين، ونشدو حين نسمعه ونشد ساعد على المجداف...فيقفز بنا أحياناً من عالم الإبداع إلى عالمه الصوفي وإلى رؤيته في الكثير من القضايا الخاصة بالوطن، وفي غفلة من الزمن نعود معه ونحن على بساط الشعر فترقص رقصة الهياج، دعونا نغوص أكثر معه في هذه العجالة:

حاوره: نشأت الإمام



- الكتيابي.. ألا زال على كيفه بعد كل هذه السنين..؟

= أظن أنني كذلك طالما أنني لا أنتمي الى مؤسسة سياسية بعينها ولا أنتمي إلا إلى هذا الوطن.

- ما بين "رقصة الهياج".. و"هي عصاي" هل لتقدم السن أثر في ما يمليه على روح الشاعر..؟

= "رقصة الهياج" اسم لديواني الأول.. وفضله الناشر على اسم "وهوى الفراش" وكانت القصيدة تحمل ترميزاً وليس مباشرة لمعنى الرقص..وكانت موجهة للصوفي "الحلاج" وهي ذات أبعاد وجدانية صوفية..

"هي عصاي" مجموعة نشرتها بعد اثنتي عشر عاماً من ذلك.. وكنت أرمز فيها إلى آيتي أو صفتي.. وهي مستمدة مما ورد بأحد نصوص القرآن الكريم، وجعل في هذه السر لنبي الله موسى، وكان ظني فيها قولي أن هذا الشعر "هي عصاي".

- أهاجر عنك يا وطني ليقوى لديك العذر في نسيان عهدي

قصدتك قلت تدرك ما أداري وتشري رونقي فأبل كبدي

كيف يرى الكتيابي هجران الوطن له.. ومن منكما هجر الآخر..؟

= ما يلي ذلك من أبيات يبين بعض الرؤيا حول ذلك.. فهي تقول:

لقد أوصدت بابك دون نشري فلا تفتحه في اعصار ندي

كانت هذه الأبيات في أوائل الثمانينات نتيجة لانفعالات بعينها نتجت عن مواقف، لمؤسسة سياسية كانت تمثل سلطة الوطن في ذلك الحين، وكنا نستشعر المظالم الواقعة علينا كجيل متطلع من المبتدئين الداخلين على الساحة الأدبية، كانت هذه المظالم تقع علينا من المؤسسات ابتداءاً من الصحافة الأدبية العامة، وإلى التنظيمات الكبيرة.. فلكل منهم بطانة.. وهذا ما يقوده دوماً إلى إقصاء الآخر وتهميشه.

- وتعرضتم للإقصاء..؟

نعم.. حدث ذلك ومن المعروف أن المؤسسة السياسية سواء أكانت النظام الحاكم أو الحزب أو القبيلة، تمارس الاحتواء والاملاء على أصحاب الهم الابداعي وحملة القلم.. وفي هذا الاحتواء وهذا النوع من العلاقات والحلقات المتصلة، لذا تحدث أحياناً تصفيات خصومات وصراعات الغرض، وخاصة إذا كان على سدة الأمر ليسوا من أصحاب الهم الثقافي، والمكتوين بنار قضاياها.. فمن الطبيعي أن يكون شعوره بها سطحياً..

لذا عانينا الأمرين في التعامل مع الصحافة أو المهرجانات.. أوحتى النشاط المعتاد كالأمسيات الشعرية، فقد كان للدولة فريق معتمد لتمثيل السودان في المنافسات الخارجية ويسيطر بشكل كبير على النشاط والحراك الثقافي داخل الدولة..

في تلك السن كان انفعالي تجاه ذلك كبيراً.. لكن الآن علمت أنه لا يجدر بي أن أحمل الوطن ذنب هؤلاء.

- اتحاد الكتاب والأدباء دار حوله لغط كثير أثمر أخيراً عن لجنته التنفيذية.. ما رأيك في هذه الخطوة..؟

= الاتحاد الذي يقوم بالتوجيه الرسمي يفقد صفته الشعبية، والمفترض أن يكون شعبياً وأن تتم تكويناته على أسس الطبيعية، لا أن يولد بالوجع الصناعي استعجالاً لمناسبة ما أو العاصمة الثقافية تحديداً.. وذلك لذر الرماد في العيون، وكان الأيسر أن ينسخ قرار تكوين اتحاد الكتاب، ليعود كما كان.. والآن أرى أن حله كان صواباً.. ولا يصح إلا الصحيح..

- مكاني آخر الطابور..

والجلاد يرضع من لسان الصوت شهوته..

هل هو تنبوء بحتمية نهايات ينتظرها الكتيابي ليلحق بمن سبقوه..؟

= لكثرة ما شهدنا حولنا من قامات من الشعراء والكتاب والأدباء والعلماء الشعبيين الذين نحسب أنها قد صدقت الوطن حقه، تساقطت وقضت نحبها ولم تجد من الدولة إلا أكاليل الزهور على قبورها بعد موتها، وحفلات التأبين، والبرامج التي لا تعدو أن تكون موضوعاً لمعد برنامج.

كل تلك المشاعر لم تكن فيا وحدي بل حتى أساتذتي الذين كنت أتأثر بهم وبما يحملون من أفكار كانوا يحملون هذا الهم ويؤمنون بهذه الحقائق.. فقد كان بشير عتيق يستشعر هذا الظن، عبد الله الشيخ البشير، حسين حمدنا الله، عبد الله حامد الأمين، حسن عباس صبحي، مبارك المغربي..

- إذن كيف ينظر للكتيابي لدور الدولة تجاه المبدع.. وأين يبتدئ وأين ينتهي..؟

= هذا سؤال كبير حقيقة، وكنا نظن فيما مضى أن الدولة متمثلة في الوزارة المختصة بالشأن الثقافي عليها أن تمهد لأصحاب المواهب الشابة الطريق وتيسر لهم السبل لاستثمارهم مستقبلاً، لأن الثقافة حولنا في كل أنحاء الدنيا تحولت من رمز للتفاهم بين الشعوب إلى مادة وسلعة استثمارية، وترصد لها ميزانيات ضخمة..

- برأيك ان هناك تقصيراً من الدولة تجاه المبدع..؟

نعم.. فكاتب مثل محي الدين فارس أصدر ثلاث دواوين خلال سبعين سنه.. لو وجد اهتمام الدولة وكفايتها له.. لكان قد أنتج كماً هائلاً خلاف هذه الثلاث دواوين، فلو قارناه بغيره من الأدباء المصريين لوجدنا البون شاسع بين انتاجهم.. لذا فعلى الدولة أن تنصف أصحاب الابداع كما تنصف كبار التجار، وكما تهتم بثرواتها الأخرى الطبيعية.. كالبترول وغيره.. لأنهم أيضاً ثروة لهذه الدولة.. والأمم المتقدمة هي التي تعرف كيف تتعامل مع هذا المنتج التلقائي..

- وما هو دور الإعلام لنشر هذه الثقافة..؟

= الثقافة هي المصهور الابداعي والاعلام هو القنوات التي تجري داخلها هذه المادة.. فلا معنى لاعلام بلا ثقافة.. لأنه لا يكتمل دور الإعلام إلا باستصحاب الثقافة بمختلف أوجهها معه..

وخذ مثلاً غياب الثقافة السودانية عن الموسوعات الالكترونية، إذ لا توجد لدينا حتى الآن موسوعات لأدبائنا وكتابنا وعلمائنا والشخصيات السياسية والوطنية.. فواجب الوزارة المعنية بهذا الشأن أن تنسق للتبادل الثقافي كسراً للعزلة التي تعانيها ثقافتنا بين الثقافات العربية الأخرى..

- التوجه العقائدي للدولة.. إلى أي مدى يؤثر في المنتوج الإبداعي للمبدعين..؟

= أولاً لا تصدق أن دولة تخلص لتوجهها العقائدي، العقيدة شعارات ترفع.. في ميدان السياسة، والدولة تدعم المنتوج الإعلامي الذي يسير وفق نهجها وخطها الذي اختطه.. أما ما دون ذلك فتنأى بنفسها عن طرحه..

- فكيف بغير أمدرمان شعراً..

وأمدرمان هيكل كل فنِ..

لماذا أمدرمان بالذات.. وكيف ينظر الكتيابي لاتهام امدرمان بالتعصب، ومحاولات تقليل شأنها..؟

= أنظر لذلك بدهشة واستغراب.. لسبب أنه لم يحدث في ثقافات الشعوب أن تكالبت مدن ضد مدينة.. هذا مجافي للحس الوطني الموحد.. وأن امدرمان هي سودان مصغر.. في تكوينها وفي تركيبتها السكانية.. وهي علبة ألوان لكل الأعراق والأديان والسحنات، وهي بوتقة انصهار لكل ذلك.. وامدرمان ليست شخصاً، ولا يجب أن تحاكم بخطأ فرد، وأستغرب لهؤلاء الذين يقودون الحملة ضد أمدرمان يحملون درجات علمية يفترض فيه أن يكون على درجة من عالية من الوعي..

- البعض يتهمها بأنها مدينة مصنوعة..؟

= أمدرمان ليست مدينة مصنوعة ذلك ضرب من العبث لمن يقولون ذلك.. ففيها وجدت الحياة أولاً.. ثم جاء فيها الإنسان.. وهذا ينفي عنها شبهة الصناعة..

- شارك الأستاذ الكتيابي في أمسية بنادي الشارقة بعنوان "كيمياء التعايش بين الأنساق" كيف تنظر لهذا العنوان وإلى أي مدى يمكن معايشته على أرض الواقع..؟

= منذ أن شق الله هذا النيل والناس بقبائلهم المختلفة وسحناتهم المتباينة، يتعايشون في سلام، هذه فطرة الله.. والسؤال هنا.. هل يمكن أن يعودوا إلى صفائهم الذي كانوا فيه؟..

وكي يتم ذلك يجب أن تزول أسباب العداء، من صراع حول المادة بين أبناء الوطن الواحد.. ولا ننسى الأيدي الخفية التي يهمها ألا يستقر السودان.. فهي تنخر كالسوس في عود هذا الوطن..

- على ذكر الأمسية التي سمعنا بأنها تحت رعاية الخرطوم عاصمة الثقافة العربية..و

=مقاطعاً: هذه معلومة خاطئة لم تكن تحت رعاية العاصمة الثقافية..

- ولكن هذا خبر أوردته صحيفة البيان الاماراتية..؟

= الصحيفة مسؤولة عن هذا الخطأ.. الدعوة كانت أن النادي الثقافي بالشارقة ينظم اسبوعاً ثقافياً للجاليات العربية.. وأنا حاولت الاعتذار لمشاغلي الخاصة واتصل بي بعض الاخوة السودانيين بدعوى أن غياب متحدث سوداني قد ينعكس على الجالية جميعها.. وجئت للندوة ولم تكن هناك أية اشارة لما يسمى بالخرطوم عاصمة الثقافة العربية..

- حسناً.. هل ترى أن مشروع العاصمة الثقافية آتى أكله..؟

= أنا لم أتابعه بسبب بعدي وبسبب انشغالي.. وكان لي موقف منذ العام 2004م، وهو أنني دعيت للاجتماع في النادي الايراني بأخ يدعى الجميعابي -كان أميناً عاماً لهذه الفعالية- ولم تكن اللغة بيني وبينه موفقة.. فاعتذرت له، فأجابني بالحرف الواحد:( إن غياب شاعر عن هذه الفعالية لن يؤثر شيئاً، والسودان ملئ بالشعراء).. فكانت هذه الاجابة من مسؤول كافية بالنسبة لي مخبرة عن مستوى القائمين على هذا المشروع..

وأنا الآن قدمت لي دعوة للمشاركة في ليلة ثقافية.. تحت رعاية العاصمة الثقافية في الامارات، وقد أبدى الملحق الثقافي حرصه على حضوري، ووعدته خيراً، وبأذن الله أنا على وعدي له من أجل السودان، وليس من أجل هذه المشاريع المطروحة جانبياً، والتي لها ميزانياتها الخاصة.. وأنا لا أحب أن أستثمر في فعاليات كهذه..

- وماذا عن مشاركتك في منتدى "أروقة" الأخيرة..؟

= هي استجابة لدعوة من الأخ السموأل خلف الله الكتيابي، وهناك الكثير الذي يربطني بهذا الرجل.. منذ الثمانينات كان حريصاً على مشاركاتنا، وكذلك عرفني على مؤسسة أروقة باعتبارها المؤسسة الطوعية ذات النفع العام.. واطلعت على مكتبتها وهي مكتبة ذاخرة.. ولذلك فأنا قدرت أن السموأل لا يريد أن يتكسب من وراء ذلك باسم العاصمة الثقافية..

- ردد البعض أنك ذكرت في تلك الليلة أن اليمنيين هم أشعر العرب بعد السودانيين.. أصحيح ذلك..؟

= هذا الفهم أنا استغربته.. أنا كنت أتحدث عن تعدد اللونيات الثقافية التي تميز فيها انتاجنا بالعراقة والكثرة، كأدب المدائح والأغنية الشعبية، الشعر الشعبي، وقلت أن أشبه الشعوب بنا في كثافة هذا المنتج هو الشعب اليمني.. وأكثر الشعوب تقبلاً لأدبنا هذا هو الشعب اليمني.. وأنا ضد اطلاق الأحكام أصلا..

- لك اهتمامات بالمديح النبوي.. الآن هناك موجة لتفريغ محتوى الاغنيات ووضع كلمات المديح بدلاً عنها.. ما رأيك في ذلك..؟

= هذه قضية كبرى، أنا أعتبرها جزء من تخريب العملية الثقافية في السودان، وتخريب أدب المدائح وهذا أمر مؤسف.. لأنه يتصل بأمر الأمدوحة.. فالأمدوحة لود سعد أو ود تميم أو حاج الماحي، حينما تفرغ من محتواها ونصها العميق الملئ بالسيرة والعلوم ويعبأ مكانها نص ضعيف.. هذا يجرد الأمة من تراثها..

- هذا ابدال واحلال في المدائح.. لكن اليوم تستخدم الأغاني لهذا الغرض..؟

= حينما تفرغ الأغنيات من محتواها وتعبأ بنصوص يُدعى فيها أنها للدعوة.. وهذا باطل لا محالة.. هذا ضرب من الجهل، واضح في أن الأغنية دائماً تخاطب الذاكرة.. فهي موجودة في الوجدان الجمعي للأمة.. ومهما يكن حينما أسمع لحنها لن تقودني إلا لتلك الجاذبة الوجدانية المحددة التي سمعت بها..

فإذا وضع فيها "بلح المدينة" أو غيره لن يستطيع أن يغادر بها هذا الفاعل مكانها في الذاكرة..

- لكنها تبدو في ظاهرها محاكاة للأغنيات وذلك لجذب الشباب إلى هذا الأدب..؟

نحن نعرف الغناء ونكتبه، ونعرف أيضاً المديح.. ولا نحب الخلط بينهما، فهذه مناخات نفسية يعيشها الانسان ويغيب عن كثير من الناس.. ألحان المدائح نسق له ثوابته المتعارفة من مسمياته وايقاعاته الخاصة.. وهذه الأشكال لم توضع اعتباطاً، إنما وضعها أهلها من المشائخ مراعين فيها ألا تتحول الأمدوحة إلى مدعاة رقص.. فيفقد الموضوع وقاره..

وأنا أتساءل بدهشة.. هل نفذت الخواطر اللحنية وأجدبت؟.. أنا أتأسف كثيراً لهؤلاء الذين يحاولون جر هذا الأدب الرفيع إلى مساحات أقرب إلى الطقوسية.. وهي ليست من الدين في شيء.. بل هذا يستعدي الذين يقولون ببدعية هذا المديح..

- أترى في ذلك عدم تدبر من القائمين على أمر اذاعات الـ"اف.ام" والذين يروجون لهذه اللونية..؟

= أنا لم أرتضها.. واعتبرها اذاعة مخصصة للتخريب الثقافي في التراث الإسلامي السوداني.. والأدهى من ذلك أن توجد اذاعة رسمية اسمها "اذاعة القرآن الكريم" وهي مؤسفة حقاً في تخطيطها الإعلامي وفي أدائها وفي تنفيذها وفي مستوى مراقبة التلاوات واللغة المستخدمة وحتى الاخراج..

- هل هناك قصور في مستوى برامجها..؟

ليس قصور فحسب، بل تشويه لفكرة اذاعة القرآن الكريم، إذ أن هناك ضوابط علمية مراعاة في اذاعات القرآن الكريم، فهذه الاذاعات يجب أن يكون بث التلاوات القرآنية المراقبة مراقبة علمية يشكل 80% من الزمن المتاح، وتكون نسبة 20% للآذانات وللربط وللأحاديث الصحيحة، وفي اذاعتنا المسماة "القرآن الكريم" لا يوجد هذا، بل لا تختلف كثيراً عن اذاعات الاف ام من حيث استخدام الموسيقى والمذيعات اللائي يتفنن في مصادمة النصوص والخطأ فيها، وأنا غاضب لذلك..

- هل لا زال الشاعر بذلك البريق الذي يدعو الناس ليتفوا حول قضاياه التي يطرحها..؟

= الشاعر ليس طارحاً لقضية بطريقة مباشرة، الشاعر هو مؤثر يرتقي بأذواق الناس ومفاهيمهم بطريق غير مباشر.. فالشاعر ليس رئيس حزب أو متحدث في مخاطبات جماهيرية.. إننا نقوم بهذا الدور بطريق غير مباشر من بوابة الوجدان والاحساس، وليس بمصادمة العقول والأفهام.. ولا زال للشعر تأثيره مادام في الناس وجدان واحساس.

- مدارس كثيرة أصبحت تنادي بالشعر الحر أو الشعر المنثور ألا يفقد هذا الشعر خصوصيته..؟

= الشعر هو روح.. ولا تحسب أن ما وضع في الماضي من بحور وقوافي وقوالب هو الشعر.. بديهياً هذه القوالب هي تأطير ذهني للنص، لأنها لا تتم إلا بمراقبة الوعي الكامل والذهنية الحاضرة، فهذه القوالب لا تصنع شاعراً.. إنما هي تؤطر تقنية النص الشعري، أو الجانب الفني فيه..

وأنا مع الشعر في كل أشكاله متى ما كان غنياً بروح الشعر، فروح الشعر لا تخفى حتى في كتابة القصة.. ناهيك عن القصيدة..

- ولكن القافية وجرسها الموسيقى هي ما تميز الشعر عن سواه من ضروب الأدب..؟

= القافية هي شرط تقليدي كانت في مرحلة متقدمة.. والشعر له موسيقاه الداخلية غير هذه "التكات" الموسيقية المعروفة في التفاعيل.. وأنت تشعر بها في نفسك.. وحتى هذه التفاعيل التي قعد لها الخليل الالتزام المفرط بها يحول النص إلى "طوب مرصوص" فحتى المعلقات هناك تجاوزات وخروج عنها.. وهذا الخروج يعتبر جمالية اضافية وليس منقصة..

فالكتابة الموزونة المقفية هي كـ"الرقص في القيد" فهذه درجة مهارية.. وأن ترقص بدون قيد ذلك لا ينفي كونك راقصاً..

- وأخيراً.. هل هناك أصوات شعرية جديدة لفتت انتباه الكتيابي على الساحة السودانية..؟

= بالنسبة للشعر عامة أقرأ على شبكة الانترنت نت أعمال لكثير من الشباب، وأخصص يوماً في الشهر للقاء بهم ، ولأسمع منهم وأسمعهم.. وفي كثير من الأحيان تستوقفني هذه الحماسة المتنامية لدى شبابنا خاصة في مجتمعنا السوداني للابداع وللعطاء وللشعر، واستمعت للكثيرين لا أريد أن أخصص منهم أحداً لسبب تربوي وأخوي.. لكنني أظن أن الجيد هو الذي يفرض نفسه..









 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب