السقطة

بقلم : نشأت الامام

 

مع بداية دخولنا الى المرحلة الجامعية, كان الصراع الحزبي يرمي بظلال كثيفة على الحركة الطلابية, إذ كانت الاستقطابات الحزبية على اشدها وخاصة في استقطاب الطلاب الجدد.

كان شعارات الشيوعيين تبهرنا, ونحن يهزنا زهو الشباب, ونجد في أشعار محجوب شريف وحميد والقدال ما يمثل لنا انعتاقاً وحلماً جميلاً يدغدغ حواسنا, فتأخذنا الدهشة الآسرة نحو الكثير مما يهتفوا به..

ما تبقى رقراق..

أبقى يا ضل.. يا شموس..

أبديت تعاطفاً لا بأس به معهم, خاصة وان فناني المفضل الاستاذ مصطفى سيد احمد كان من المحسوبين لهم –او عليهم- وكنت اتعشق اغنياته بكثافة.

لم يحل بيني وبين انضمامي نهاراً جهاراً الى الحزب الشيوعي, سوى بعض من عثرات عايشتها, وفي بادئ الأمر لم تكن الرؤية واضحة بالنسبة لي, لكن بعد مشاهدتي لها عن كثب, انجلت لى الرؤى بوضوح, وكانت هذه المواقف تمثل لي (سقوط) مريع للهتافات التي سحرتني يوماً.

ذلك أن شيوعيي الجامعة الأهلية –حينها- كانوا يتكسبون من انتصارات الآخرين, هم دوماً لا يبادرون, بل ينتظرون أن يحين قطاف النجاح, (فيستلموه على حسابهم).. فكم من اشكالات اكاديمية تحولت بفعل شعار أو تجمع يقوده الشيوعيون الى مطالبات ومزايدات سياسية.. ومثل ذلك الكثير!!

لا قمحة في الأرض تنبت

دون رأي أبي لهب..

............... أبي لهب..

لا سجن يفتح..

دون رأي أبي لهب..

لا رأس يقطع

دون أمر أبي لهب..

وتذكرت (رحيق) نزار قباني الذي اعتصره من (ثمرة) حزنه على بلقيس, عندما دعانا صديق علينا عزيز (لسماية) مولوده الجديد, وأغلظ علينا للحضور, فداعبه صديق لنا ساخر بقوله:

(ليه.. اصلو سمايتك دي تحت رعاية الخرطوم عاصمة للثقافة؟)!!

ما بال الأمانة التي هبطت عليها (نبوءة) الثقافة فجأة تتحفنا بالسخريات من (غارها) الذي تخيم عليه خيوط الآسى والعنكبوت.. ما بالها تسد رمق فقرها وشح خيالها (بفيتامينات الصدفة) واهتبال السوانح واقتناص الأهداف (الاستروبيا) التي يهلل لها اللاعبين البائسين, فقط لأن بطيخاً من تلك العينة التي تنبت في استاد الخرطوم حولت اتجاه الكرة لتدخل المرمى.. وذلك ديدن الأمانة العامة للعاصمة التي قررت (فجأة) أن تكون ثقافية!!

فسقطة كاظم الساهر وحفله الذي تبنته (الأمانة) بدون وجه حق - بعد أن أشاعت أنه برعايتها وجعلتنا نستبشر خيراً- والصاقها لشعار العاصمة الثقافية –الذي أضحى باهتاً لكثرة استهلاكه- على لافتات الحفل, يعد تعد مريع على مكتسبات آخرين.

وليس ببعيد حديث وزير الدولة للثقافة الأستاذ صديق المجتبى, وحديث د. ابراهيم دقش عضو اللجنة العليا للعاصمة الثقافية, وكلها أحاديث نأخذها مأخذ (وشهد شاهد من أهلها), وهما لولا بقية من عشم, لربما تبرآ من هذه الأمانة.

الآن (حسكنيت) الفاضل سعيد يقف على حلق الأمانة, ويكشف بجلاء عشوائية التبني, إذ لم تعرض مسرحيته (الحسكنيت) حتى الآن, وهي التي أعلن لها الأول من ابريل, ونحن الآن شارفنا على نهايته.!!

يجب على الأمانة أن تحاسب نفسها قبل أن يحاسبها أحد غيرها, وهي تضطلع بهذه المسؤولية الكبيرة, وعلى عاتقها الكثير مما نرجوه من صنع يدها, لا من (سقط) متاع الآخرين.


 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب