الإمبراطور

بقلم : نشأت الامام

 

الزمان: مساء الجمعة الماضي, أو أمسية ناعمة من مساءات الخرطوم الندية.. حسب ما يترأى لك اعلاناً بذلك.
المكان: نادي التنس بالخرطوم, وربما أية بقعة أخرى في حدود الوطن العريض. كل الأجواء مع بداية الحفل الذي استهله الفنان الهادي حامد, كانت تشي بأمر ذلك الترقب المثير لقادم آخر, نعم.. تفاعل الجمهور مع إبداعات ود الجبل, لكن وكما يقال ما خفي أعظم, فقد كانت الرؤوس تدور في اتجاه عقارب الساعة و(عكسها) لاهثة في بحثها الدؤوب عن ذلك القادم المرتقب, تبدو الرؤوس في وحشة فنار بحري في ليل ممطر عسى قوارب الشوق الشتوي تجنح بهذا القادم إليهم.

انقضت أكثر من ساعة.. ولاح في الأفق, ذلك الوعد البشارة, وقبل الترجل من سيارته, قضى نصف الساعة بداخلها ومعجبوه يحيطون به احاطة السوار بالمعصم, يحملقون بعنف... علهم يكسرون انعكاس صورهم من الزجاج المظلل الذي عكر عليهم صفو الرؤية. وحينما ترجل.. وبدأ التقدم نحو خشبة المسرح (يحيط به ثلة من خلصائه, وأرتال من معجبيه) بدأ المشهد أكثر وضوحاً, إذ تعالت الصرخات وارتفع الصفير في هيستريا باذخة, والجميع يتهافت عليه ويهتف له, حتماً تحس (إذ أنت رأيتهم) بمقدار هذا الحب العميق الذي يحملونه له, لا يسعهم إلا أن يحتفوا به, ويقتفوا أثره أينما حل.. وكان هو الأدق جسماً فيمن حوله, نحيلاً حد الخيلاء, بسيطاً فيما يرتدي, مهندماً حد الإهمال.. وهذا سر جاذبية مظهره. .. منذ بداياته الأولى أدهش الجميع, الخرطوم بحري, امدرمان, الأبيض, ودمدني, وأخيراً الخرطوم, لم يترك في كل هذه المدن -التي استقر بها ردحاً من الزمن- أثراً, أبلغ من الدهشة على هذه الحنجرة التي منّ الله بها عليه.

الآن هو الفنان الأول بلا منازع, وعشاقه مولعون به حد الجنون, يرون في هذا الصوت انعتاقهم مما يكبل ويقيد انطلاقهم نحو عوالم لا خوف فيها ولا قيد, يرتحلون عبر صوته في رحلة الانعتاق المطلق.

ولكن.. هل ستصمد هذه الحنجرة طويلاً في ظل اهمالها وارهاقها المتواصل؟ بالطبع لا.. ولا مناص من انحسار ذلك الدفق الزاهي من الابداع, وإضمحلال مساحات الروعة في هذا الصوت إن استمر في اهمال هذه النعم, نعمة الصوت, ونعمة هذا القبول والحب لدى جمهوره العريض. حتى الآن.. هو امبراطور مُعمد على عرش من الأفئدة, سلطانه يمتد فيها من الشريان الى الشريان.. هذا حتى إشعار آخر..!

نشأت الامام

 

راسل الكاتب