الذكرى في الأغنية السودانية

بقلم : نشأت الامام

 

الأغنية السودانية، هذا النسيج كلمات بعينها ظلت تتردد في أكثر من أغنية وتتباعد أو تتقارب معانيها حسب التركيبة في القصيدة التي وردت فيها.

ونحن هنا نتناول مفردة «ا

أول ما نبدأ به هو أغنية الفنان عثمان الشفيع «الذكريات» وهذه الأغنية ظلت تمثل شرحاً وافياً لمختلف اتجاهات الذكرى، ويفصل لنا الشفيع الذكرى كما يلي:

الذكريات في كل ليله

توحي للحبايب أشياء كثيرة

فمن يغني يذكر خليله

ومن بينعي ماضٍ جميلا

ومن بعيد وقد طال ليله..

ثم يأمل من أحبائه أن يذكروه لأن الذكرى تمثل مرتعاً جميلاً لأيامٍ خوالٍ:

فلتذكرونا كثيراً أو قليلا

فالذكرى تجمعنا ونمرح طويلا

أما عثمان مصطفى فهو على العكس من ذلك، إذ يطالب محبوبه بأن لا يذكره بما قد مضى، لأن ذلك الماضي يمثل مرارات لا يحب اجترارها:

ذكرياتنا مهما كانت

برضو ترديدها بيألم

كيف تردد ذكرياتنا

ويوم ألاقيك ما بتسلم..

ثم يعلنها داوية، بأنه يحاول جاهداً نسيان كل ذلك بل ونسيان الحب أيضاً:

أنا بحاول أنسى ريدك

وأنسى ماضي الذكريات..

وخالد الصحافة ايضاً يقرر أن لا جدوى من ترديد الذكرى لان الزمان الذي ولى لن يعود:

ما بفيد أنا لو ألملم من عيونك ذكريات

او اصحي الماضي فيهم وانسى حزن الامسيات

برضو زمن البهجة عدى وعمري فات فيهو الفوات

 

والبعض الآخر يستجدي الذكرى من محبوبه، علها توقظ فيه ما انطفأ من بريق الحب، وتبعث أوار حب طال عليه الزمن.. فيتغنى أحدهم:

أذكريني يا حمامه..

ولعل وردي يطلب ممن يحومون حول حبيبه أن يذكروه في حالة نسيانه، ويؤمن على أن هذا التناسي ليس من محبوبه بل من عوازله:

لما ينسى ذكروه

بي غرامي.. فكروه

أنا عارف قلبو طيب

والعوازل بدلوه..

ويغني ابراهيم الكاشف -رائد الأغنية الحديثة- مذكراً محبوبه بتلك الأيام الخوالي.. أيام الصبا:

أذكر جلوسنا على الربى

نستعرض أسراب الظباء

نسمع لهمسات الصَباء

ونحن في عزّ الصِبا

ويحاول مصطفى حمزة أن يستدعي كوامن وجوده داخل محبوبه، فيقول:

حاول إتذكر إنو زمان

بدري زمان

ليك حبيب

كنت تحس في حضنو أمان

ويحكي البعض لأحبائهم عن ذكرياتهم وما الذي تحدثه حينذاك:

فبعد مقدمة عن تساؤل يطرحه محمود عبد العزيز، يعلن لمحبوبه أن ذكراه تتصل دوماً بشوقه إليه، ويقول:

منو القال ليك

بنتحمل فراق عينيك؟

وحياة الريدة يا أسمر

فراقك لحظة ما بنقدر

لكن غايتو نتصبر..

وكل ما ليك نتذكر

تنزل دمعة تتحدر

نرجع تاني.. نشتاق ليك!!

وعماد أحمد الطيب حينما يبعث بأشواق الغريب لأهله وأحبابه في الوطن حينما تطل ذكراهم عليه:

ولما بتهل ذكرياتكم

القلوب يزداد حنينا

يا ما نبكي ونرتجف

لمن خطاب بس يجينا

يا حبايب صدقونا

والله ده الحاصل علينا..

والموصلي أيضاً له احساس ينتابه حينما تجتاحه الذكرى:

حوافر الذكرى لو نادت

مشاعري تجيك في أول فوج!

فهو لا ينكر أنه ومتى ما دق للذكرى حافر في وجدانه، فإن مشاعره على أهبة الاستعداد للإجابة.

ويخبر معتز صباحي محبوبه بأن لذكراه نكهة خاصة:

ذكراك ليها لذة..

يا سيد المعزة..

أما كمال ترباس فهو يحلق بمحبوبه بعيداً ليرجعه لأزمان جميلة قضوها سوياً، ويصور لنا مشهداً رائعاً تحفه الطبيعة الأخاذة:

أذكري أيام صفانا

والليالي الفيها متبادلين وفانا

اصطفينا ظروفنا والحظ اصطفانا

إلى أن يقول:

كنا داخل روضة مافيش حد سوانا

غير أن القمري يهتف بي هوانا

من أغاريد فنو يسمعنا اسطوانا

والنهر لينا اقترب

والطيور تسجع طرب

عاملة مزيكة قرب..

انها لعمري ذكرى رائعة ولا شك في أن ايقاظها في محبوبته سوف يذيب الكثير من جليد الصد والهجران.

وحينما تحدث الذكرى الكثير من التداعي وتأخذ نفسك لاتون التحرق بنيرانها، فإنا لا نجد أصدق تعبيراً من ابراهيم عوض وهو يقول:

هيجتني الذكرى..

ولك عزيزي القارئ أن تسرح كما تشاء مع حالة الهيجان التي اعترت فناننا الذري..

والكاشف مرة اخرى يخبرنا بأن للذكرى صدى يكفي ان يحيا عليه الانسان:

طويت الماضي في قلبي

وعشت على صدى الذكرى

وهذا الدمع قد ينبئ بظلم المهجة الحيرى

والنور الجيلاني صاحب أداء مفعم بالشجن والحنين، وخاصة عندما يردد أغنية الذكرى المنسية، وهي أغنية له بها ارتباط وجداني عميق:

يا صحو الذكرى المنسية

من بعدك وين الحنية

بتعدي مواسم وتروح

والذكرى بتصبح أبدية..

وللنور الجيلاني أيضاً رائعة الشاعر التيجاني حاج موسى:

لو حاولت تتذكر

تعيد الماضي من أول

تلقى الزمن غيّر ملامحنا

ونحنا بقينا ما نحنا

وأنا الصابر على المحنة..

وهي القصيدة التي لحنها أيضاً سفير النوايا الحسنة، الأستاذ عبد الكريم الكابلي، وحينما سئل شاعرها عن أي اللحنين أجود، رد عليهم بالقول، أنه يؤديها بلحن الكابلي، ولكن لحن النور الجيلاني «صعب عليهو»!!

وبآخر الأغنية نجد تأملاً للذكرى ومحاولة لايجاد ما يفصلها عن نقيضها النسيان:

وبين الذكرى والنسيان

مسافة قريبة يا إنسان..

ونختم بالرائع مصطفى سيد أحمد صاحب التأملات العميقة، وهو يقول:

لولا الذكرى مافي أسف

ولا كان التجني وقف

ولولا الذكرى.. مافي وصول..

 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب