المايسترو.. أوجاع الرحيل المر
.. ورحيل النوارس خلسة

بقلم : نشأت الامام

 

مقطع أول:
ارتجفت يداها وهي تنظم في مسبحتها, وكانت تتمتم ببعض من مقاطع في ابتهال.. فجأة انفرط عقد المسبحة, وانزلقت حبة لؤلؤية الى باطن الأرض.
مقطع ثان:
أصبر بي هواك البال
وازرع قلبي بالآمال
عشقتك وكنت عندي خيال
مجرد حبي ليك محال..
ويساب اللحن ذو الوجد المدنف, يأسرك خلسة, يجعلك تستكين وتسترخي في حضرته, يباعد ما بينك وبين العنت, يستبيح كل مداخلك ويلج الى سويداء فؤادك عبرها, مشكلاً طيفاً لازوردي التفاصيل في وسامة متناهية.
......
عبد الله ابراهيم أميقو, ذلكم الباحث والمنقب والمثقف جداً في مجال الموسيقى السودانية, والذي بدأ حياته الفنية عضواً بفرقة فنون كردفان, ومن ثم جاء يحمل أشواقاً وآمالاً ليلتحلق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح, ليتخصص في آلة (الكلارنيت) تلك الآلة التي صاحب بالعزف فيها العديد من الفنانين, وبعد ذلك بفترة سافر طلباً للعلم الى روسيا وفيها اجرى دراساته العليا, وبهر بأدائه الراقي والمتمكن العديد من الموسيقيين الذين زاملوه, وبدأت مواهبه في التجلي, وظهر ذلك جلياً في التوزيع الموسيقي الذي كان يقوم به.
ويعتبر أميقو أحد مؤسسي منهج تدريس الموسيقى السودانية, وذلك بمشاركة زملائه أساتذة المعهد ترنين, وجراهام عبد القادر, والدرديري أحمد الشيخ, فلآصبحت الموسيقى السودانية تدرس بلونيتها الخاصة, ومن ذلك كانت انطلاقة الفرق السودانية للفنون الشعبية, وكان الراحل أول من أسس فرقة للفنون الشعبية تتعامل مع الموسيقى وفق منهج علمي مدروس.
ولأميقو اسهامات لا حصر لها ولا عدد في اثراء الأغنية والموسيقى السودانية, وذلك من خلال الاذاعة والتي عمل في فرقتها الى أن اصبح مستشاراً موسيقياً بها, وله برنامج مع رواد أغنية أم درمان الذي كان هو وزميلاه ترنين وذو النون بشرى يغوصون من خلاله في بحور الأغنيات السودانية ويخرجون الدرر واللآلئ.
وأميقو وضع تجارب متميزة في استخدام الكلارنيت وذلك في المؤثرات السمعية والحركية وشعارات البرامج, اضافة الى الأفلام الاذاعية والتلفزيونية.
وللأستاذ أميقو عطاء وافر أسهم في ابراز مواهب العديد من الفنانين الواعدين والذين أصبحوا الآن نجوماً يشار اليهم بالبنان, ومنهم عبد القادر سالم, وأبو عركي البخيت, والفنانة الانسانة حنان النيل والتي قام أميقو بتوزيع الكثير من الأغنيات التي أدتها.
وكذلك أثر توزيعه واشرافه على الفنان عمر احساس في فوز الأخير بأغنية (زولي هوي) في مهرجان الأغنية العربية الأخير, وكذلك فوز الفنانة الشابة أسرار بابكر في مهرجان الاذاعات العربية.
ويعتبر أميقو محققاًفي الألحان والتجارب الغنائية السودانية لأنه كما أسلفنا كان باحثاً ومدوناً لكثير من الأعمال الغنائية السودانية ودون عبر النوتة الموسيقية الكثير من ألحان قدامى الفنانين السودانيين, وذلك يعتبر توثيقاً لتلك الألحان لأنه قد حفظها بصورة علمية.
مقطع أخير:
بعدما صلى العشاء بدار اتحاد الفنانين بأم درمان, استلقى على ظهره مرسلاً بصره نحو أفق بعيد, لعله كان يغازل نجماً غاب من بعد طلوع وخبأ بعد التماع, وعقد ذراعيه فوق صدره.. ثم.. ثم أسلم الروح الى بارئها..
رحمك الله أميقو بقدر ما أعطيت وقدر ما خرجت حروفك ونوتك الموسيقية لتشكل متكأً وواحة نتفيأ ظلالها من هجير الحياة, ونوراً يشع مبدداً دياجر ارواحنا التواقة لك, ولموسيقاك.. يا أيها المايسترو العظيم.
 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب