مصطفى.. علي بابك !!

بقلم : نشأت الامام

 

يظل الأستاذ مصطفى سيد أحمد علامة فارقة في مسيرة الأغنية السودانية, وما آنفك الأدب الجديد الذي أرسى دعائمه شاهدا له بالتميز والتفوق والنبوغ في مجال فن الغناء.
فمصطفى ليس مرددا لكلمات عبر ألحان مموسقة, لكنه بؤرة تعيد تكوين الضوء بتدرجاته وألوانه, لتعيد عسكه على الوجه الذي يحسه به.
قد خلت الأغنية السودانية -أو فلنقل قد أقلت- من الأغراض التي خاض فيها مصطفى وذلك عبر (الوطن الذي يصبح حبيبة تناجى وتستمد منها القدرة لمواصلة المشوار) و(الحبيبة التي تتسامى لتصبح وطناً يطمئن الانسان في كنفه), ففي اغنيات الحقيبة نجد القليل جدا ومنها أغنية -فلق الصباح- وفيها:
عزة قومي كفاك نومي
كفانا عتاب يومي
انتي يا الكبرتوك البنات فاتوك
في القطار الطار
وهي ربما التجربة الوحيدة التي ضمت رمزا يشير الى الوطن, ومن بعد ذلك كانت أغنيات الدوش, ومنها أغنية -أقابلك-:
اقابلك في زمن جاي وزمن ماشي وزمن لسه
اشوف الماضي فيك بادي تقول هسه
وهذه الأغنية تم ايقاف بثها لأن السلطات منعتها لان مضمونها يحث على الثورة. وجاء عركي وغنى -اضحكي_ والتي تنتمي لنفس النمط من الأغاني..
ومما سلف يتضح لنا أنها أغنيات تعد على أصابح اليدين, ولكن مصطفى, فاننا قد ننسى عشرات الأغنيات التي تحمل هذه المضامين ان نحن حاولنا حصرها.
ومصطفى الذي قضى عمراً -ليس باليسير- بعيدا عن وطنه, بين القاهرة وموسكو وأخيراً الروحة حتى فاضت روحه الى بارئها, لم تزده غربته تلك الا التصاقاً بوطنه:
كل ما تباعد بينا عوارض
ألقى هواك يا طيبه مكني
وأحس مصطفى بوطنه وامتدت يده تكرح مع الغبش الذين لونت الشمس ظهورهم, وعانق النيل شرايينهم وجرى فيها مجرى الدم, حباً وعشقاً أبدياً لا يفنى, وظل يقاسمهم همومهم وتستحيل أناتهم على حنجرته شدواً محبباً تتكئ النفس عنده فيزيل عنها كثيرا مما علق بها من وعثائها:
أغني لشعبي ومين يمنعني
اغني لقلبي اذا لوعني
وبرغم كل المواجع فان ايمانه بأن صبح الخلاص الآتي من زمان ارتجاه ردحاً من الزمن, ظل لا يتزعزع, وهو يدعو غده هذا اقترابا:
متين ايد الغبش تتمد
لا قدام ولا قدام
تتش عين الضلام بالضو
تفرهد شتلة لا هدام
ويبقى الحلم مترعا بالأماني السندسية, ليس لوطنه فقط, بل يتمدد الحلم ليسع العالم باجمعه وهو يردد:
حلم العالم
ناس تتسالم
والبني آدم صافي النيه
لا يطلب اكثر من الالفة والمحبة والسلام.. ولا يهمه ما الثمن الذي يكلفه تحقيق هذه الأحلام, فهو يرتجي غد لابد أنه آت..
كان مصطفى يغني وهو على فراش المرض, وكم نصحه الأطباء بخطورة ذلك على صحته, ولكنه كان يجد شفاءه في هذا الغناء, ويتمنى أن يخفف غناؤه على الكثيرين بعضا من رهق أصابهم واحس به مصطفى:
هردت لهاتي بالغنوات
و (قت) يبرد حشاك يمي
من التعب البلا حاصل
تقيفي تروقي تنجمي
لله درك مصطفى.. الكلام عنك لا ينتهي.. والمساحات لا تكفي أن نورد عن حياة هذا الانسان الشامخ بعطائه وانسانيته, ونحن الآن وفي هذه الأيام نسترجع ذكرى مرة لرحيله, ونلوك صبرا مراً على فراقه.. ولكن يظل الارث الابداعي الذي تركه مصطفى ملهماً لنا, علنا نعطي الرجل بعضا من حب أهدانا اياه, وطوق به جيدنا, وجعله اكليلاً يزين هامة كل سوداني يعتز بوطنه وبسودانه.
 

نشأت الامام

 

راسل الكاتب