قريباً ..... ودمدني تعيد ذكري الكاشف

 

  للكاتب : صلاح الباشا... الدوحة

 

قريباً ..... ودمدني تعيد ذكري الكاشف
بقلم صلاح الباشا
salahelbasha@hotmail.com
كان قراراً جميلا قد إتخذه السيد وزير الثقافة والإعلام بولاية الجزيرة بودمدني الأخ الشقيق الشريف الهندي وهو يعيد ذكري ذلك المبدع الضخم إبراهيم الكاشف بمهرجان يأتي خلال الأيام القادمة .
وعندما نتحدث عن مدي التأثير الذي تركه المبدعون السودانيون في مجال فن الغناء ، فإننا يجب أن نقف إجلالاً وتعظيماً للراحل المقيم (إبراهيم الكاشف) ، وذلك لسببين ، الأول هو أن الكاشف وبحسه العميق وموهبته الفذة وألحانه الشجية إستطاع أن ينقل فن الغناء السوداني من الطابع الروتيني في اللحن وفي الأداء المتوارث في طريقة أغاني الحقيبه ،إلي طريقة الغناء الحديث الذي تصحبه الموسيقي الوترية، بل حتي قصائد شعر الحقيبة الخالدة ،قام الكاشف بإعادة تبويبها واضفي عليها الكثير من إحساسه الفني الفطري وأخرجها للجمهور بذلك الطابع التطريبي الذي إشتهرت به. أما السبب الثاني فهو أن إبراهيم الكاشف قد صمد أمام دعاة عدم التجديد الذين كانوا يعتقدون بأن الإبتعاد عن أدب قصائد الحقيبه أو تعديل المسار في البناء اللحني لها يعتبر إنحرافاً بالفن في ذلك الزمان.
وهنا... لقد بذل الراحل الكاشف مجهوداً لا مثيل له في إقناع المستمع السوداني بقبول أدبيات الفنون الحديثة سواءً من حيث التجديد في الكلمات الغنائية أو في الموضوعات التي تتناولها الأغنية الحديثة، وقد قاوم الرجل كل إنتقادات الرعيل المحافظ ، إلي أن إنتصر وإلي ان تمت ولادة المنحي والمسار الجديد في الهيكل اللحني للأغنية السودانية، فاشاد بها القدامي بمثلما أحسن إستقباله الجمهور الجديد، لذلك فإن ما قام به إبراهيم الكاشف وبكل مقاييس وظروف ذلك الزمان (بداية الأربعينيات ) من القرن الماضي يعتبر إنجازاً ضخماً أضاف إلي التراث الغنائي في السودان كل هذا الزخم المكثف من جماليات الغناء السوداني الحديث والذي نتج عنه هذا الإستحداث الواضح في الآلات الموسيقية التي تزخر بها ساحة الغناء في السودان الآن ، وقد أتي نتيجة لتراكم تلك المجهودات اللحنية التي وضع أسسها الفنان الكاشف.
ومن المعروف سلفاً أن إبراهيم الكاشف أتي من مدينة الفنون والأداب والسياسة والرياضة، أتي من ودمدني (المدينة الشاملة) ، فهي كما قلنا كثيراً من قبل وكعادتها دائماً ، إنها مدينة تذخر بشتي ألوان الإبداع ، وتعطي بلا حدود . أتي الكاشف إلي الخرطوم في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وقد كان مسلحاً بالكلام الجميل من شاعر ودمدني الفذ (علي المساح) الذي كان يمسح شوارع ودمدني طولاً وعرضاً علي قدميه ، فأطلقوا عليه لقب المساح ... فهو كما يقول ( أنا المساح دمع البكا) في أغنية الشاغلين فؤادي للكاشف.
جاء الكاشف يغني أجمل غناء ذلك الزمان في قالب جميل ، فلم يعترض احد بعد ان فرض الحداثة علي تلك القصائد الخالدة ، فلم يغير النص ولم يبتعد كثيرا عن مسارات اللحن القديم لتلك الأغاني ، لذلك وجدت محاولاته تلك إستجابة حسنة من الجمهور في ذلك الزمان ، وكيف لنا أن ننسي هذه الرائعة: وداعاً روضتي الغنـّاء.. وداعا معبدي الحُسـن. ثم يردفها الكاشف بأخري من الحقيبة مع التحديث بالأركسترا وهي : داخل روضه غنـّاء .
وعندما بدأت أغاني الكاشف تطغي علي الساحة ، بدأ سيل من الشعراء في التعامل معه ، وكان من بينهم ومن أهمهم الراحل عبيد عبدالرحمن في أغنيتي ظلموني الناس ورسائل، ثم خالد عبدالرحمن أبو الروس في تلك الرائعه(صابحني دائماً وإبتسم) والتي كم شهدنا مطربنا عبدالعزيز المبارك يبدع في ادائها فيما بعد.
وجد الكاشف تعاوناً تاماً من شعراء عديدين وقد كان في مقدمتهم مفخرتنا الشاعر الغنائي والملحن والكاتب المسرحي الكبير ، إنه الرجل الذي لازالت إسهاماته مستمرة حتي في أعمال الفنانين الشباب ، إنه الأستاذ الفخم الضخم (السر أحمد قدور ) أمد الله في عمره ومتعه بكل الصحة والعافية ليواصل إبداعاته وإشراقاته من قاهرة المعز لتغطي كل سماء الوطن الجميل بأعماله الإبداعية الخالدة.. وأذكر من الأغنيات التي كتبها الأستاذ السر قدور للراحل الكاشف (الشوق والريد) ، ولكن كانت وستظل أنشودة قدم الخير (انا أفريقي .. أنا سوداني) للسر قدور من المحطات الإبداعية والوطنية الراقية التي إقتحم إبرايهم الكاشف بها الساحة الغنائية والوطنية عندما كانت حركة التحرر الوطني تخاطب وجدان كل شعوب القارة الأفريقية في سنوات الكفاح والتحرر من الإستعمار في منتصف القرن الماضي ، وهي بلاشك تعتبر من أهم الأعمال التي كتبها الشاعر المتعدد الآفاق السر احمد قدور وتغني بها الكاشف .
كانت تلك الأضواء غيض من فيض اعمال ذلك الفنان الخالد إبراهيم الكاشف الذي ادي دوراً هاماً في مسيرة الأغنية السودانية الحديثة تحت ظل ظروف نشر كانت محدودة ، ورغم ذلك فإن تلك الأعمال إستطاعت أن تصمد وتتلألأ وتتوهج عبر هذه السنوات الطويله، بل هي ينبوع من الإبداع يظل المطربون ينهلون منه كلما نضب معين إنتاجهم.
رحم الله الكاشف الذي ترك أجمل موروث الغناء السوداني الحديث قبل رحيله في نيار من عام 1969م ... وشكرا لوزارة الثقافة والإعلام بودمدني ولوزيرها المتألق ... وإلي اللقاء بودمدني مدينة الأحلام .. في مهرجان الكاشف قريباً ،،،،،








 

 

 

 

راسل الكاتب