مدني زمان واليوم

شيخ الأندية

 بقلم : مبارك محمد المبارك

 

 

** مجلة الرياضة العدد 112 – 1/5/1964م **

نادي النيل أحد الأندية التي أرست دعائم النهضة الرياضية في عاصمة الجزيرة ... ونلتقي بالعم الشيخ بله شدو رئيس النادي والأب الروحي لأعضاء نادي النيل ... يحدثنا عم بله وحديثه لا يخلو من طرافة ... عن تاريخ النيل ... والعم بله يمتاز بروح رياضي مرح وخلق طيب يقول :
كنت مغرم بالكرة .. عندما كنت طالبا بالمدرسة الوسطى في مستهل العشرينات .. وكنا نمارس رياضة كرة القدم مع الخريجين من الكلية ... وأذكر أن بعض الخواجات كان عندهم (( تيم )) ومن هنا بدأت قصة تنظيم الفرق في مدني .
طبعاً الفترة ما قبل 1932 كان في اتيام .. لكن ممكن نستطيع القول بأن هذه الفرق انتظمت جديا منذ العام 1932 حيث تأسس ناديي النيل والأهلي ..
أولاً فكرنا نكون فريق للتجار .. ولكن العدد كان كبيرا جدا وانقسمنا إلى فريقين .. ناس ( النيل ) وناس ( السكة حديد ) .. نحن كنا ناس النيل واخترنا لفريقنا اسم النيل !! أما جماعة السكة حديد ... فقد اختاروا اسم الأهلي ..!! ونشأت المنافسة بين الفريقين واستمرت إلى فترة زمنية طويلة ... ومازال الناديين النيل والأهلي في مقدمة الأندية الكبرى في مدني ..
أول لجنة للنيل : قال أول لجنة لنادي النيل كانت من لاعبي النادي وكنت أحدهم ، في مستهل الثلاثينات أخذت الكرة تنتظم في أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري فبدأنا نتصل بهم وندعوهم للتباري ضد فرقنا كفريق بري والهلال والمريخ ..، ومما هو معروف أن الجمعيات كانت ممنوعة في تلك الفترة زمن الاستعمار فكنا نقوم بالأعمال الخيرية .. ساهمنا في نجاح مشروع المدرسة الأهلية .. كان النادي وما زال يقوم بنشاط إجتماعي واسع ..
قصة الانشقاق : ويحكي العم بله قصة الانشقاق الذي نتج عنه ميلاد فريق الاتحاد فيقول : انقسم نادي النيل إلى جناحين .. أحد الجناحين أسس نادي الاتحاد .. والجناح الآخر بقى في النيل .. وقام هؤلاء بمجهودات ضخمة لضم مجموعات من الأشبال لتدعيم الفريق بهم .. ونذكر من لاعبي النيل على سبيل المثال لا الحصر على مرجان وادم بخيت وعلي الجزار وعمر فرج الله . وفي المباريات الهامة لعدم وجود نظام التسجيل كنا نستعين بلاعبين من الخرطوم ، ومما نذكره أن فريق الاتحاد لم يستطع أن يلحق بنا أي هزيمة لمدة خمسة عشرة عاما !!
لاعب الأمس في رأي عم بله : لم تكن لديه أي مطالب كل المعدات يقوم بها بنفسه ومواظب على التمارين ، لاعب الأمس أحسن من لاعب اليوم بكثير كان يحب النادي .. وزمان المصاريف كانت قليلة والآن الزمن تغير .. وكثرت المصاريف والالتزامات .
ميدان النيل : ويستعيد عم بله ذكريات قديمة في تلذذ التفت نحوي وقال في مرح أحكي لك قصة دار الرياضة الخاصة بالنيل .. قلت وبي لهفة .. أيوه .. يا عم بله .
قال : قبل بناء دار الرياضة في عام 1935 سورنا ميدان النيل وعملنا نظام التذاكر بقرش صاغ عندما كان يلعب فريقان غير فريق النادي كنا نؤجر لهم الميدان بمبلغ معين ..أما عندما يكون فريقنا ضد أحد الفرق فإننا نتفق مع الفريق الآخر على أن نمنحه جز من الدخل ..
من مؤسسي النادي :قال السادة المرحوم عبده الخانجي وأحمد سليم وأحمد الحضري وموسى الليثي وعبد الرحمن علي شدو والسيد محمود حشاش ومصطفى البوشي وصالح باخريبه وعلي شدو ( كابتن ) وهؤلاء هم لاعبي النادي ومؤسـسيه في نفس الوقت .

وقفة :تأسس نادي النيل العريق في العام 1928 كأقدم نيل في كرة القدم السودانية ، ويعتبر الضلع الثالث لفرق المقدمة في مدني بجانب الأهلي والاتحاد حتى بداية الثمانينات الميلادية .. ومن أهم إنجازاته في موسم 52/1953م حاز على كل الكأسات المطروحة في الساحة الرياضية بمدني وعددها ( 13 كأساً ) كرقم قياسي محفوظ في سجلاته وهي كأس المستر بليدنغ ، كأس التعليم ، كأس أندية الجزيرة ، كأس المديرية ،كأس جتسكل ، كأس المستر ملوتي ، كأس المستر وينت ، كأس المرأة ، كأس البيبسي كولا ، كأس مشروع الجزيرة، كأس البوليس ، كأس المدرسة الأهلية ، كأس عيسى أبو عيسى ، وفي أشهر مشاركاته ضد الفرق الزائرة في 12/12/1969م جمعته بالنادي الأهلي المصري حيث فاز النيل 3/1 في تلك المباراة الحبية الرائعة باستاد مدني وكان الأهلي المصري بقيادة الكوتش عبده صالح الوحش ومجموعة لاعبين من ألمع نجوم الكرة المصرية في ذلك الوقت ، وفي عام 54/1955م حصل على المركز الثاني في بطولة كأس السودان الذي فاز بها المريخ العاصمي ، وقد حصل على المركز الثاني ثلاث مرات في أعوام 1970-1972-1974 في بطولة الدوري الممتاز ، وكانت المراكز الأولى يتبادلها الهلال والمريخ العاصميين ، أحرز بطولة الدوري المحلي بمدني موسم 71/1972م ، وفي موسم 82/1983م أحرز بطولة الإقليم الأوسط للأندية ، إلا أنه بعد ذلك التاريخ أصبح في تدهور مستمر حتى هبط للدرجة الثانية في موسم 90/1991م ( سبق هبوطه للثانية موسم 60/61 لكن عاد سريعاً للأولى موسم 62/63) وفي موسم 90/91 تم استثنائه من الهبوط للثانية بقرار حيث صادف ذلك اليوبيل الذهبي لمدرسة الأهلية التي ساهم في إنشائها وبالتالي عرفاناً له ولدوره الكبير في التعليم والعمل الإجتماعي والثقافي والرياضي تم هذا الإستثناء الذي عاد عليه بمردود سلبي حيث أصبح الفريق في تدهور مستمر من سيء إلى أسوء وغاب عن المشاركة في المنافسات القومية ، بعد أن كان أحد فرسان المربع الذهبي مع فرق الهلال والمريخ في منافسات الدوري الممتاز .
النيل ذلك الفريق الذي يلعب أفراده بالكرة حيثما أرادوا بكل رشاقة وفن بمهارات عالية تُمتع الجمهور وتسحره ، وظلت أسماء لاعبيه محفورة في الأذهان حيث أجاد لاعبوه عبر الأزمان لعب المثلثات والمربعات والكرات العالية والعاب الون تو ، في عروض أشبه بالسيرك العالمي فسطر الجيل الأول إسماً لهذا النادي ظل لسنوات وسنوات يردده معجبوه بكل فخر .
مَن مِن الجماهير لا يطرب للفنانين أمثال عُلما ، شيخ إدريس بركات ، سيد سليم ، بشرى وهبه ، الريشة ، النيل حسن المتخصص في ركلات الجزاء ، المايسترو أمير حفرة جميعهم في منطقة الوسط والمناورة .... ومَن مِنا لم يسعد بأهداف الساحر القاطرة البشرية حموري الكبير ، وصاحب الرأس الذهبية الأسيد ، والمدفعجي سانتو المناقل ، والحريف عبد الفضيل ،والود الشقي عَبدُ الله عَبدَ الله وعمر ميكي وجمعة الزين والفنان الوالي صاحب الأهداف المستحيلة والرائعة ... ودفاع في قمة الترابط فيه الدولي سماره ماشي ( سمير صالح فهمي ) صاحب أعلى رقم قياسي في مشاركته مع المنتخب السوداني بـ 65 مباراة دولية وفي نفس الترسانة الجسورين عبد المنعم أبجرفل ، محمد جلودي ، دفع الله قرز ، الجيلي يونس ، الريح محمد الحسن ، علم الدين بابكر ، وعز الدين الجعلي صاحب الهدف الذي لا ينسى في مباراة النيل والمريخ العاصمي الذي أحرزه من خارج خط 18 كأروع الأهداف التي شهدها إستاد مدني وإنتهت المباراة بنتيجة 3/3 في منافسات كأس السودان في السبعينات ، وفي الحراسة الأمن والأمان على مر العصور العبقري محمد كرار النور ،إبراهيم بدوي أبو حمامة ، عبد العال ساتي ، عصام محجوب ، الهادي سليم ، هشام الريح ، عادل يسن ، كمال بله سليم ... قائمة فناني النيل تطول وبالتأكيد ليس هؤلاء وحدهم النجوم فهم كُثر فالنيل مدرسة خرجت أفذاذ كرة القدم على مستوى مدني والسودان عامة ، ومرت على النادي العديد من الإدارات الكفؤة والمدربين الجيدين مازالت بصماتهم واضحة حيث وضعوا أسس وقواعد متينة يسترشد بها الجيل الحديث حتى الآن .
كان دور النادي رياضياً وثقافياً وإجتماعياً ، وفي الجانب الرياضي كان فريق كرة القدم في طليعة أندية مدني بالإضافة للمناشط الأخرى مثل كرة السلة وكرة الطائرة وتنس الطاولة والجمباز
وألعاب القوى ورفع الأثقال والملاكمة والسباحة وحققت جميعها نتائج طيبة وأرقام هامة في مسيرة النادي ، أما في الجانب الإجتماعي كان النادي لصيقاً بالمجتمع يتحسس مشاكله ويتفاعل معه فبادر بإنشاء المدرسة الأهلية في مجال التعليم ، أما من مشاكل المجتمع الأخرى التي قام بحلها وهي توصيل المياه للمقابر التي كانت تعاني نقصاً شديداً ، وفي جانب آخر سعى مسئولي النادي للحصول على تصديق لإنشاء ورشة تستوعب عدد ثلاثة وثلاثين نجاراً المشتركين بنادي النيل توفر لهم سبل العيش الكريم بعد إنعدام العمل وكثرت البطالة في العام 1933م وإثر خلاف في الرأي حول إنشاء الورشة أدى إلى إنشقاق بعض الأعضاء الذين كونوا فيما بعد فريق الإتحاد .
 
على الصعيد الثقافي كانت دار النادي تذدحم بالمثقفين والخريجين و طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس ، وشهد مسرح النادي العديد من النشاطات الثقافية والحفلات الغنائية والمسرحية ، و كانت بالنادي فرقة مسرحية تقدم عروضها داخل النادي وخارجه في مدن السودان المختلفة ، وفي الجانب الفني كان أبو الفن إبراهيم الكاشف بُلبلاً صداحاً يغرد مُتنقلاً من غصن لأخر وفي ذلك الوقت إلتف حوله الطلاب والمثقفون ، وكان بجانب الكاشف رفيقه الشاعر الفذ على المساح الذي نظم أيضاً الأشعار الرياضية ومنها قصيدة عن نادي النيل تغنى بها الكاشف في إحدى المناسبات ومقطعها يقول:

تيم النيل الهدد الأتيام * * * * أهنيك بالنصر ما دامت الأيام

ونظم المساح قصيدة أخرى طلبها رئيس النادي شيخ بله شدو بعد فوز النيل على الهلال العاصمي في إحدى المباريات الحبية التي جمعت الفريقين بمدني مطلعها :

بقدرة الحي ذو الجلال * * * * طمح النيل وغطى الهلال

الحديث عن شيخ الأندية شيق فهل عاد النيل كما كان يوماً يجري من الجنوب والشرق نحو الشمال ويغمر الأرض بمائه العذب ويسقي الزرع والحرث ويفرح به الناس إينما مر بهم لكرمه وهو نيل الحياة.
مؤخراً تم تشكيل مجلس إدارة جديد للنادي برئاسة السيد محمد عبد القادر وسكرتارية الأستاذ/ مامون إسماعيل قديم وكونت عدة لجان للإستثمار وللدار والعضوية وللقطاع الرياضي ، ويعول على هذا المكتب الجديد العديد من الخطوات الجادة والفعالة لعودة النادي لسابق عهده الذهبي وتبوءه المراكز المتقدمة في المنافسات والصعود للممتاز وهذا غير مستحيل وممكن . والثقة متوفرة في هذه الإدارة حيث وضعت إستراتجية واضحة لو طبقت على أرض الواقع لرأينا نيل مارد تهابه الفرق ..

 
 

مبارك محمد المبارك

 

راسل الكاتب

 ودمدني الرياضيه