آل شقدي  ( الجزء الثالث )

 جزيرة الفيل قرية ام حي من مدينة

بقلم / محمد عطا علي

 

       في إثناء الدارسة الجامعية في بالخرطوم سألني احد الأصدقاء عندما كنا نتكلم عن جزيرة الفيل ( انتو البنطون بتاعكم شغال للساعة كم ) ضحكت وأجبت ساخراً الساعة ستة مساءً ... في تلك اللحظة انتابني تسال هل مدلول الاسم هو الذي أوحي إلي صديقي بهذا السؤال .. ولكن بيني وبين نفسي أتسائل ( هل جزيرة الفيل قرية ام حي من إحياء المدينة  ) .. .

       هذا السؤال يراودني حتى ألان وذلك لأني عشت طفولتي في مدينة أخري وبعيداً عن جزيرة الفيل التي هي مرتع إبائي وأجدادي وعندما حضرت إلي جزيرة الفيل للاستقرار وجد هناك فرقاً كبير بين حي المدينة وبين جزيرة الفيل .

       ففي جزيرة الفيل تجد انك محاط بدفيء العائلة والأسرة الكبيرة فكل من حولك من أسرتك تتشابك البيوت ببعضها البعض حتى أنها تتمسك رافضة أن تخلق مساحة خوف من البعاد والجفاء في كل زاوية من الزوايا تجد فرع من فروع الأسرة قد بناء بيتاً ولم يتح مساحة لحاجز أو فاصل .. وهناك في الطرف البعيد قام شامخاً الديون الكبير الذي تقام عليه أفراح واتراح الأسرة. هذه هو وصفاً لجزيرة الفيل في معظم أجزاء هذا الحي نفس الشكل والوصف .

       بلا أحياناً تجد أن الحي تقسم حسب الأسر مثل فريق قدم  فريق الجعلين فريق المحس ، فريق العرب ، فريق الدناقلة و....

هكذا تجد جزيرة الفيل وحتى السنوات العشرة الأخيرة تحتفظ بظلال القرية الدافئ وترفض الدخول في خضم المدينة التي من النادر أن تجد ذلك الارتباط المتكامل بين أهل الحي الواحد .

وان كانت جزيرة الفيل وحتى ألان تحمل دفئ القرية في دواخل أهلها فهناك كثيرة من الصفات العامة التي ظلت ملازمة لها كقرية داخل مدينة فحتى ألان توجد تلك المحكمة الصغيرة والتي تعرف بالمحكمة الأهلية والتي تتم بمعرفة الشيوخ في جزيرة الفيل ليفصل في القضايا الصغيرة ... .

 

وهناك مشهداً كثيراً ما شهده في جزيرة الفيل هذا المشهد يندر أن تشاهده في إحياء المدينة هو منظر الغروب وفي لحظات الغروب منظر توافد أهالي الحي كل من عمله فذاك قد أتي من البحر حاملاً القش وذلك قد أتي حاملة اللبن وأخر أتي من بعيد يحمل تلك العصا بين كتفيه ومن سحنته تبدو الفرحة بنهاية يوماً شاق من العمل والسرور بما أنجزه خلال اليوم ... أما أكثر المشاهد إعجابه هو تلك الجلسات لأولئك الشباب ولكبار السن في تلك الأمكنة البارزة والذي اثروا أن يجتمعوا فيه ليقضوا الفترة بين صلاة المغرب والعشاء بين ضحكاً مجلجل وبين نقاش يثار فتعلو الأصوات بين لحظة وأخرى .

ما أبدع ذلك الدفئ وذلك الترابط الذي بداء يذوب اليوم مع كثيراً من كثير من صفات القرية التي كانت في جزيرة الفيل .

ومن أميز صفات الترابط القروي التي كانت تسود جزيرة الفيل وان وجد بعض منها حتى ألان .. ذلك التكافل الاجتماعي بين الأهل والمحاولة للتغلب على صعاب الحياة .. فجزيرة الفيل من أوائل الأحياء التي نشطت في ما يعرف بزواج الكوره ( وهو اتفاق بين أهل الحي على أن لا تتعدي تكاليف الزواج مبلغ معين ) .. هذا في الزواج أما الترابط في المأتم والوفاة فلا أقول إلا تك المقولة التي قالها احد الظرفاء عند زيارته لجزيرة الفيل وقد تصادف حضوره أحدى الوفيات وكعادة أهل جزيرة الفيل في الترابط والتعاضد حيث اجتمع الرجال والشباب وفي دقائق تم الانتهاء من كامل تجهيزات الدفن ( وذلك أكرماً للميت سرعة دفنه ) وفي دقائق أيضاً تم دفن الميت ومواراته القبر فما كان من ذلك إلا أن قال ( يا جماع كان موتى عندكم ما تدفنوني في جزيرة الفيل الناس ديل بيدفنو الميت بروحو ) اللهم ارحمنا وارحم موتنا واجزي خير الجزاء أولئك الذين ما فتأو يبذلون الجهد الجهيد لا يبغون شكراً ولأجزاء إلا من الله الكريم .

أهل جزيرة الفيل وذلك الطابع القروي البسط الذي تميزوا فيه فكانت ابعد ما يكـون عن المدينة والترابط الفاتر بين أهل الحي الواحد في المدينة ولا انسي أن اذكر تلك الوقفة التي ما زالت خـالدة وان كانت في أنحنا السودان ولكـن في

 

جزيرة الفيل كانت بشكل أخر وتلك كانت أيام فيضان النيل في عام 1988 عندما تجد الجميع صغيراً وكبيراً يقفون مبللين بالماء تقف أرجلهم تصارع الماء في تحدي وعناد وسواعدهم تعمل بقوة لتقيم ذلك السد الواقي لحماية حي جزيرة الفيل من خطر الفيضان .. بلا حتى بعد انتهاء الفيضان كانت تلك الاحتفالات التي تعبر عن انتصارهم وتضامنهم في در ذلك الخطر فكان تكاتفهم رمز قوتهم .

       كانت هذه جزيرة الفيل القرية أما ألان فقد بداء في الاختفاء ملامح القرية ودخلة فينا ملامح المدينة ولا أقول ملامح المدينة بمعني خدماتها أو تلك الوسائل التي تميزة بها المدن عن القرى فهذه لم تنعدم يوماً عن جزيرة الفيل بلا اقصد المدينة في طبائعها حيث يكون كلاً مشغول عن الأخر فلا تجد ذلك الدفئ بلا تجد ترابط فاتر تسود فيه المجاملة .

       وألان وقبل أن اختم هذه الموضوع الذي أتمني أن أكون قد ذكرت فيه شي عن جزيرة الفيل تلك القرية النائمة في أحضان المدينة تلك الدافئة بين أحضان النيل وقبل أن انهي موضوعي هذا إرسال هذه الدعوة إلي جميع أبناء جزيرة الفيل آلائك الذين انتشروا بين ربوع وطننا الحبيب وفي كل انحناء الدنيا فكانوا في أعالي مناصب الدولة فمنهم الوزير والقاضي وصاحب السلطة ومنهم الطبيب والمهندس أقول لهم تذكروا فانتم امتداداً لهذه القرية ولهذه المدينة فتذكروها فأنها تذكركم وأبداً لن تنساكم وكما تعلمتم من إبائكم فان من صفاتهم الكرم والجود فتذكروا منطقتهم وأهلكم وكون لهم كما كان إبائكم .

 

ولا أجد غير تلك الأبيات الشعرية التي قالها أبو القاسم الشابي وتغني بها الراحل احمد المصطفي :

 

   قالو سلوتك وليتهم نسبوا إلي الممكنه   

           فالمرء مهما سلا هيهات يسلو الموطنه

ود العطا

 

راسل الكاتب