(1__3)

 عند وصول جثمان الراحل مصطفي سيد أحمد للسودان

 كنت متواجداً مع الطيور

المابتعرف ليها خرطه000 ولا في إيدها جواز سفر

بقلم: صلاح الباشا0000الدوحة    

 نعم000كنت متواجداً  بالسودان عند وصول نبأ رحيل الفنان مصطفي سيد أحمد في شتاء عام 1996م ، وتحديداً ، كنت في مدينتي ودمدني، تلك المدينة  الهادئة ليلاً ونهاراً والتي أشعر فيها بإطمئنانِِ وحنانِِ ودفيءِ لاحدود له، فأدخل  إلي سوقها الكبير  بإنتظام صباح كل يوم ، أحضر إليها من مقر سكني في( بركات)  حيث رئاسة مشروع الجزيرة هناك في تلك المنطقة الجميلة المخضرة، ساعياً وراء الرزق اليومي بسوق ودمدني 0 وفي ذات صباح بارد من شهر فبراير وأنا  بشارع السوق الكبير الرئيسي الممتد من بوابة السكه الحديد بنهاية شارع بركات-مدني والذي يعبر السوق ماراً بصينية المستشفي والبنوك والدكاكين وينتهي بمبني المديرية(الولاية) علي شارع النيل الأزرق الخالد(شارع البحر) كما يحلو  لسكان المدينة ان يطلقوا عليه ، كنت استمع في طريقي في ذلك الصباح مسجلات الكافتيريات وهي تدير شرائط كاسيت محددة في إستيريوهاتها حيث اصبحت موضة بث الأغاني والمدائح منتشرة منذ فترة في اماكن بيع المشروبات الباردة والسندوتشات في كل مدن السودان0 وقد كانت تلك المسجلات تبث أغاني مصطفي سيد احمد ، فتسمع  هنا  000بنبقي نحن مع الطيور المابتعرف ليها خرطة 000ولا في إيدها جواز سفر0 وهناك تجد : نمشي في كل الدروب الواسعه ديك00والرواكيب الصغيره تبقي أكبر من مدن0 وتنطلق من كافتيريا أخري : نحن باكر ياحليوه لما أولادنا السمر000يبقوا أفراحنا البنهزم بيها أحزان الزمن0 وينبعث صوت مصطفي من موقع مشروبات آخر: حاجه فيك لا بتبتديء ولابتنتهي 000خلتني أرجع للقلم00 وأتحدي بالحرف الألم 0000ولازلت مواصلاً سيري راجلاً في ذلك الشارع وسط ذلك السوق العريق بودمدني تجاه البحر، فيأتيني أيضاً صوت مصطفي سيد احمد  فتساءلت في نفسي: ماذا هناك00؟؟ لماذا كل هذا البث المكثف لأغاني هذا الفنان في كل المحلات في هذا الصباح؟؟ 000وتتواصل الأغاني : إيد مبسوطه تقابل الحناء 00نغم الليل السال شبال000 وعند وصولي إلي المكان الذي اجلس فيه يومياً بعمارة الدمياطي في مواجهة حديقة سليمان وقيع الله الوارفة الأشجار والظلال حيث يوجد موقع المكتبه الوطنيه (بيع الصحف)00وقد كانت البضائع التي أتاجر فيها تأتيني من الخرطوم في موقع دكان (حسن الإمام) المشهور بتجارة القماش  الفاخر سابقاً ، وقد إستأجر  ذلك الموقع أحد أقربائي، فجلست معه ولاحظت الإزدحام  من الشباب بالذات نحو مكتبة الجرائد الرئيسية في المدينة بطريقة ملفتة للنظر ، فخطوتُ نحوها   لأستطلع الأمر ولأشتري جرائدي، فكان الخبر الرئيسي لمعظم الصحف تنعي للشعب السوداني رحيل الكروان(مصطفي سيد احمد) بالدوحة وسيصل الجثمان بعد يومين0 وعندها عرفت سبب تشغيل أغنيات مصطفي في كل الكافتيريات  في ذلك الصباح حيث تم إلتقاط الخبر من نشرة أخبار راديو أم درمان،  وذلك  الإهتمام يدل علي حقيقتين:

*الأولي:- أن للراحل شعبية واسعة  لا تخطِؤها العين وسط الشباب وخصوصا في أوساط طلاب الجامعات والثانويات من الجنسين حتي هذه اللحظة0

*والثانية:- أن الشعب السوداني شعب يمتاز بحس راقي وبنوع من الحنية ورقة القلب والمشاعر والتأثر برحيل  رموزه  الفنية والرياضية أو الأكاديمية ، فيعبِّر عن تلك المشاعر بوضوح شديد ، ويبدأ في سرد مآثر الراحل مهما كان موقعه، ولكن وبالمقابل فإن  هذا الشعب لا يهتم كثيراً إذا كان من يرحل قد سـبّب له أذيً  واضحاً ذات يوم فيقلب له (ظهر المجن) ، فهو شعب لايجامل في التعبير عن مشاعره الحقيقة تجاه أي حدث0

      ثم توالت ألأحداث بعد ذلك ، فكانت الجماهير الغفيرة تذهب يومياً لمطار الخرطوم لإستقبال الجثمان ، وكانت الصحف تنشر صور الطلاب والطالبات وهم يربطون  أربطة  سوداء علي الرأس رمزاً  للحزن ، وبعضهم يكتب أسماء أغنيات الراحل علي تلك الأربطة ، كما لاحظنا أن لافتات الشوارع قد إمتلأت بكلمات الحزن لرحيله، فكانت ظاهرة تستحق فعلاً التأمل والبحث ، حيث أنها المرة الأولي التي يحدث فيها إنفعال شبابي لهذه الدرجة ، فالكثير من المطربين رحلوا عن دنيانا وسيظلوا يرحلون ، وهذه سنة الله في الأرض ، ولكن التعبير بالحزن عند  رحيل الفنان  مصطفي سيد احمد كان تعبيراً كبيراً ولافتاً للأنظار0 ووصلت مبيعات البوماته الغنائية أرقاماً قياسية ، بل لاتزال تلك الكاسيتات تباع بكميات هائلة يومياً وهي ظاهرة  تشبه  لحظات  وصول جثمان الفنان عبدالحليم حافظ من لندن إلي القاهرة0

 و صحيفة (الدار)  مثلاً كان لها قصب السبق في مواصلة نشر المعلومات والمقابلات مع أصدقاء الراحل في الداخل والخارج لعدة أيام بعد إنتهاء أيام العزاء0ولقد كانت مراسم دفن جثمان الراحل قد أخذت حيزاً كبيراً في الصحافة السودانية حيث تدفقت الجماهير صوب قرية( ودسلفاب)بمحافظة الحصاحيصا بولاية الجزيرة منذ الصباح الباكر لوصول الجثمان ، وكانت أرتال السيارات  كثيفة من مطار الخرطوم بشارع مدني صوب الجزيرة  فاصبح ذلك الشارع الذي يبلغ طوله مائتي كيلو متراً مزدحماً في ذلك اليوم،وإستقل الطلاب بصات السوق الشعبي ، حيث كانت السيارات أولها في قرية( ودسلفاب) وآخرها في مدينة الحصاحيصا0

وبعد إنقضاء أربعين يوماً علي رحيل الفقيد مصطفي سيد احمد ، أقام له الشعراء والمطربون والطلاب حفل تأبين ضخم بإستاد الحصاحيصا الرياضي حتي يسع الناس0

وخلاصة الأمر، أن هذا الراحل مصطفي سيد احمد كان يتغني بآمال كل الناس ، وكان يدقق في إختياراته للأعمال التي يؤديها ، وكانت له شفافية عالية تكشف له مضامين الشعر وأهداف الكلمة، وبالرغم من أن البعض كان ولازال يفسِّر إختياراته من القصائد بأنها ذات أفكار محددة ، إلاّ أن واقع الحال ومن خلال محاولة فهم تلك المفردات فإنه سيكتشف أن الراحل كان يتغني بآلام وآمال كل الناس وينشر القيم النزيهة والمحببة لدي قطاع كبير من جماهير شعبنا ، ولم يحصر نفسه في لونية معينة من التفكير ، ولم يصرِّح هو بأي إنتماء ، فلقد كان فناناً يخاطب الناس بأحاسيسه هو ، ويصل إلي عقولهم وقلوبهم بطريقته الخاصة التي يرسلها في شكل ترانيم والحان شجية تتوشح برداء السودان وتمنيات الخير لأبنائه0 وهذا هو السبب الذي أكسبه هذا الزخم المكثف من الإعجاب الجماهيري اللا محدود سواءً في حياته أو بعد رحيله إلي دار الخلود0 وقد وقف معه العديدون في محنته الإنسانية (والمؤمن مصاب)  حيث وجد الشهامة من الخيرين في كل بقاع الدنيا من أبناء شعبنا السوداني في السودان و  في مصر والسعودية وفي دولة قطر المضيافة0

ونواصل إلقاء الضوء علي جزء كبير من أعماله ونستعرض الشعراء المبدعين الذي تغني بقصائدهم التي لازالت تحتل المقدمة في ساحة الشعر الغنائي بالسودان000000

الصفحة 3-3 الصفحة 2-3

 

راسل الكاتب

معلومات عن الكاتب