(2-2)

إبراهيم الكاشف000ذلك البلبل الغريد

بقصائد سيد عبدالعزيز000كان الكاشف يحلق بصوته

 عالياً000في تلك الرحلة00000بين طيات السحاب

 

سيد عبدالعزيز000ذلك الشاعر الذي عاصر شعراء الحقيبه ، فكتب عدة قصائد، ثم كان مواكباً فكتب الغناء الحديث حيث وجد في صوت الكاشف وإمكانياته اللحنية الجديدة ما يستوجب التعاون معه في هذا المجال ، فكانت عدة روائع تغني بها الكاشف من كلمات شاعرنا الراحل سيد عبدالعزيز، فهو قد كتب له (إنت عارف) ، والتي وضع لها الكاشف لحناً فرائحياً خالداً ، كان يرتفع فيها بصوته العالي ذاك ، كان صوتاً نقياً ، لا خدش فيه أو(شخشخة) ، وهذه ميزة الراحل الكاشف ، حيث يُجمع كل محبي الفن أن صوته كان ملائكياً و كان صوتاً به إمكانيات هائلة وعالية جداً ، خاصة في الغناء الذي يتتطلب جهداً بطبقة صوت عالية ، كان يؤديه وهو في غاية الإرتياح ، دون أن تري أي إجهاد علي تقاسيم وجهه0كان يقول والجمهور يطرب له -:

زورنا مره00يا حبيبنا مره00

بلاك 00أشوف النور ظلام

وأذوق00 طعم  الحاجه مُـّره

لما رأيتك 00بالقرب مني

بسعد أظني 00هل تدري إني

أحس بعظمه00وشان كبير

أفرح كتير 00فرح كبير

وأكاد أطير00من الفرح

والأمل أحيا 00وأحالف المسره

بس زورنا مره00تاني مره

أما رحلة بين طيات السحاب000فكانت بحق رحله شيقه00ورحم الله شاعرنا الفخم سيد عبدالعزيز، ورحم الله مطربنا الضخم إبراهيم الكاشف00فقد كانت الكلمات واللحن لتلك الرحلة  كالسهل الممتنع، تلك الأغنية تقول في بعض مقاطعها الرقيقة:-

ياحبيبي00 قلبي حاب00

رحلة00 بين طيات السحاب

وحدنا00إنت وأنا

 ********

حبيبي00هاك يوم الذهاب

في بساط الريح المهاب

حبيبي عاتبني00سميري عاتبني

بعيونو كان العتاب

وللأحباب لغة العيون 00

أبلغ خطاب

قال عنك00قلبي داب

أنا خايف 00وإنت شايف

طوينا الجو00 طي الحجاب

وبقوا لينا الأنجم قراب

من هنا 00طارن هنا 00من جنبنا

  ************

وأكاد لا أتصور كيف كانت تخرج تلك الألحان الشجية من خيال ذلك الفنان العظيم ، بل كيف كانت لديه تلك المقدرة الهائلة علي الحفظ للمئات من الأغنيات والقصائد الخالدة وهو الذي لم يدرس تعليماً نظامياً في حياته غير تلك الخلاوي التي كان يرتادها الناس الذين لم يسعفهم  الحظ في ولوج المدارس التي كانت أصلاً محدودة0

ثم كان الكاشف مبدعاً عندما كان يغرد بتلك الأغنية التي لها في وجدان الشعب السوداني المحب للفنون والتطريب مكانة خاصة ، فهي أغنية ( أنا مابقطف زهورك 00بعاين بعيوني):

يالغصن00 الفي نضورك

ياالبدر00 الفي خدورك

ومترقب ظهورك

وأتامل في محاسنك

وأتمتع بمناظرك

واتوسع في سروري

أنا مابقطف زهورك بعاين

بس بعاين بعيوني

*********

ولعبت بي دورك

واصبحت مسحورك

وسبحت في بحورك

وعرفت أهوالك

وعزفت الحانك

آهات تواريني

**********

لازلت مأسورك

وماقادر ازورك

ملأ العهود نورك

أتمهل في بسمك

ويتجلي لي رسمك

شخصك ملأ عيوني

 أنا مابقطف زهورك

 بعاين00(بَس ) بعاين بعيوني

 ********

تلك الأغنية ومعها لفظ (بس) التي يستخدمها الكاشف في سياق أدائه لها ، تعتبر من الأغاني التطريبية المحببة ككل غناء الكاشف المحبب للنفس كثيراً حيث لايزال الناس يتذكرون بها صوت إبراهيم الكاشف ، فهي ذات لحن هاديء وبموسيقي أيضاً مبسطة وغير معقدة مطلقاً وبإيقاع هاديء جداً ،الشيء الذي أكسبها لمسة الجمال هذه ، ويمكن أن نطلق عليها أنها من الأغاني الرشيقة000نعم هنالك غناء رشيق وخفيف ومتوفر بكثرة في التراث الغنائي السوداني  بمثلما نجد أيضاً أن هنالك غناءً متمهلاً طويلاً يحتاج إلي وقت متمهل للإستمتاع به ، فهو بالطبع غناءً ممتازاً لكنه يحتاج وقتاً كافياً في الإستماع0

   ولازلت أذكر أنه في الذكري الأولي لرحيل الفنان إبراهيم الكاشف والذي توفي في عام 1969م بعد مرض عضال (مرض السكر) الذي اتعبه في سنواته الأخيرة كثيراً ، لا زلت أذكر تلك السهرة الإذاعية التي إشترك فيها لتخليد ذكراه كل من الراحل أحمد المصطفي وسيد خليفه والراحل الشفيع وآخرون من جيل الكاشف  حيث كانوا يتحدثون عن ذكرياتهم معه وعن السفر للقاهرة للتسجيل في الأسطوانات وكذلك الغناء في إذاعة ركن السودان من القاهرة (وادي النيل) حالياً ، حيث تغني الجميع في تلك السهرة بأداء مشترك لأغنية الكاشف (حجبوهو من عيني 00إلاّ من قلبي لا 00ماقدرو حجبوهو) ، فكان كل من الحاضرين يغني مقطعاً محدداً من مقاطع تلك الأغنية الخالدة ، فبكي سيد خليفة من فرط حزنه أثناء الغناء0

   أما من الأغاني التي تعتبر أيضاً محطة هامة في مسيرة اعمال الراحل الكاشف ، هي أغنية (حبيبي أكتب لي ) والتي تسمي رسائل- حيث كتب كلماتها الشاعر الراحل (عبيد عبدالرحمن) ، كانت الرسائل جميله وهي الوسيلة الوحيدة للتعبير بين الأحباب والمخطوبين ، حيث كان الزمان لايسمح بمثل هذه اللقاءات الحديثة التي تتم عبر الهاتف أوالتي تتم وجهاً لوجه في الكافتيريات الشاعرية  أوتحت أشجار دور التعليم العالي، فلم يكن أحد يجرؤ علي مقابلة خطيبته حتي إن كان وسط اهلها ، فلاسبيل إذن غير كتابة الرسائل وبسرية شديدة :-

حبيبي أكتب لي 00وانا أكتب ليك

بالحاصل بي00والحاصل بيك

الحاصل بي 00أنا شوق وحنين

وأقيم الليل00آهات وأنين

فارقني حبيب00فارقني سنين

أتحكم بيني00 وبين البين

ماليك أمان00 ياذا الزمان

آه000 ياليالي زمان 00الله عليك

   *************

أنا أكتب ليك وأنت اكتب لي

ياحبيبي روحي 00يانور عيني

ياوحيد عمري 00المادمت حي

أكتب لي 000عن كل شيء

ارحم بعاد00بعادي

ياحبيب فؤاد00فؤادي

أرعي الوفاء00وأدع الجفاء

واذكر صفاء 00وايامنا ديك

    *********

نعم00كان شعراً (هيناً 00ليناً) ومباشراً لا يحتمل أي تأويل ولا رمزيات فيه ، ويبدو لي ان سهولة الحياة ايام زمان، ومحدودية الطموحات، وعدم وجود التأزم الطبقي الذي أصبح بائناً في واقع السودان الآن ، جعل كل أشعار جماعتنا القدماء  أشعاراً بسيطة ترمي الهدف مباشرة0  فكانت  مفردات قصائد جيل سيد عبدالعزيز وعبيد عبدالرحمن والبقية في ذلك العصر الجميل تأتي تتمخطر بكل كبرياء وتخاطب المشروع (عديل كده) بدون أي تعقيدات أولفه طويله ، كحال شعر الشعراء (المثـقفاتيه) اليوم ، وبالتالي تأتي الألحان أيضاً تحمل كميات من الحنية والدفء 0 لذلك وعندما حدث بعض الخواء الشعري رغم كثافته مؤخراً ، رجع المطربون الشباب للغناء الذي يعود إلي نصف القرن من الزمان كأغنيات الحجل بالرجل يالأفندي سوقني معاك، وكأغنية نعيم الدنيا ، وغيرها وغيرها كُثر0

وقد كان الكاشف يطل علينا بتلك الرائعة التي نصطبح بها مع إشراقات كل يوم جديد ، إنها (صابحني دائماً وإبتسم) والتي كتب كلماتها الشاعر خالد عبدالرحمن أبو الروس كعمود إرتكاز لأغنيات الكاشف  وكأروع ماتغني به هذا الراحل المقيم ، وغناؤه كله كان عظيماً:-

صابحني دايماً وإبتسم

أشوف جمالك وفتنتك

صابحني دايماً وإبتسم

ألقي الملاك بان مترسم

والنور يلوح من وجنتيك

والخضره زانت ضفتيك

موتي وحياتي بكفتيك

إنت الشرف صار ليك إسم

والعفه دائماً حفتك

 *******

صابحني مابين الخميل

وتغني في الروض يا جميل

تجد الأزاهر حفتك

ومالت طرب حين شافتك

عشقت جمالك وخفتك

وبنضارا بسمت ولفتك

إتهادي خلي الناس تميل

يزدان جمالك وعفتك

صابحني دائماً دايماً وإبتسم

  ************

كانت تلك الأضواء0000 غيض من فيض اعمال ذلك الفنان الخالد إبراهيم الكاشف الذي ادي دوراً هاماً في مسيرة الأغنية السودانية الحديثة تحت ظل ظروف نشر كانت محدودة ، ورغم ذلك فإن تلك الأعمال إستطاعت أن تصمد وتتلألأ وتتوهج عبر هذه السنوات الطويله، بل هي ينبوع من الإبداع يظل المطربون ينهلون منه كلما نضب معين إنتاجهم000

رحم الله إبراهيم الكاشف ذو الصوت الملائكي العجيب والذي قلّ أن تجود ساحة الغناء في بلادنا بمثيل له00وستظل تلك الأغنية الظريفة والخفيفة والظريفة (انا ياالحبيب وين000 قالوا لي 000سافـَر) تعيد لنا كل ذلك الإرث من الإبداع الذي تركه إبراهيم الكاشف خلفه ثم رحل  وبهدوء شديد عن دنيانا في عام 1969م000فله الرحمة والمغفرة00 ورحم الله كل شعرائه الذين تغني بأشعارهم الخالدة000

الصفحة 1-2

 

راسل الكاتب

معلومات عن الكاتب