أشجان الغرفة الوحيدة

 للقاصة : رانيا مأمون

 


- أمي جائعٌ أنا ..

قال الصغير بسنواتِ عمره الأربع ، مخاطباً أمه .. نظرت إليه .. قلبها يتمزق من كل زاوية .. ألم .. حزن .. قهر.. جوع ، قالت :

- أصبر أصبر يا بُنى..

خمسةٌ أطفال وأمهم فاتحون أعينهم وأفواههم وأيديهم ويدعون الله ، في منزلهم الغرفة الوحيدة ، يلفهم ليلٌ موحش كئيب .. برد مضى و.. و.. وجوع قاس يمزقُ أحشاءهم ..

وسط الغرفة وضع موقد به قليلٌ من الوقود ، بضعةُ أعوادٍ أتى بها أكبرهم ذا الإثنى عشر عاماً ، عساها تعينهم وتُسرى الدفء فى أوصالهم وتجعلهم يمارسون على الأقل شيئاً ممَّ يمارسه البشر وإن كان ببضعةِ اعواد ، الشعور بالدفء ..

أمهم وضعت على الموقد إناءاً به ماء ، عساها تجعلهم ينامون وعلى شفاههم شبح إبتسامة وهم يحلمون بأكل اللحم ككلِ ليلة … يمارسون على الأقلِ شيئاً ممَّ يمارسه البشر .. الحلم ..

- اليومَ رأيتُ عم صلاح صديق أبى ومعه ذاك الطويل الذي لم أكن أحبه وكان يقول أنني لا أتمتع بالذكاء مثل أبنه .. وهو يقود عربة جميلة لم أستطع تمييز لونها ، سمعتُ من أحد المارة أن ثمنها باهظاً جداً جداً ..

قال أكبرهم ..

أجابه صمت أمه وربما شجنها .. حاول أن يجعلها تتكلم فقال : 

- أليسوا هم من رافقوا أبى إلى الحرب .. أستشهد أبى وعادوا هم ..؟ 

أجابه الصمت أو .. الشجن مرة أخرى

- هل لو أن أبى قد عاد كان سيمتلك عربةً كتلك التى رأيتها..؟ 

- لا ..

- لماذا يا أمى ..؟

- لأنهم أبناءُ النظم .. أو فلنقل أبناء النظام ..

- ولماذا إذن..؟

- أصمت ولا تتحدث ..

على الركن القصي كانت القطة تشاركهم في كل شئ ، الحوار .. البرد .. الجوع ..

- إنها جائعة ..

- لقد رأيتها بالأمسِ تأكلُ إبنها الصغير ..

- نعم فقد مات البارحة ..

- لماذا يا أمى ..؟

- يقال أن القطط تأكل أبنائها عندما يموتون ، هذا لحبها لهم 

قال الأكبر 

- لا أصدقُ هذا الكلام .. إنه الجوع ..

- أمى هل ستأكلينا عندما تجوعين ..؟

سأل الصغير بسنوات عمره الأربع .. ابتسمت .. أجابته نفياً .. احتضنتهُ .. ذهبت مع شجنها تفكر بالسؤال …!!
 

 رانيا مأمون

 

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون