شعراء ولكن..

 

 

  للشاعر : قصي مجدي سليم

 

     أحاول هنا أن أقوم بتتبع خطوات بعض الشعراء - سودانيين وغير سودانيين - من أبناء مدينة ودمدني . وقد يستغرب البعض ويقول هل هناك شعراء غير سودانيين بودمدني ؟ ولعل المصادفة العجيبة قد جعلت اسم أحدهم (محمد مدني) وهو-أي صاحب الاسم- إرتري الجنسية .

    من اعنيهم هنا هم شعراء أصحاب لونية مختلفة ، يكتبون الشعر الحر ، ويعالجون القصيدة النثرية ، ويمارسون أدب الحداثة بصورة عامة، برز من هؤلاء كثيرون ولكن جهلي جعلني اذكر منهم القليل، ولذلك اسأل المولى عز وجل أن يعينني على أن أوفيهم حقهم في هذه الصفحات .

محمد محي الدين

محمد عز الدين

محمد الشيخ (مدني)

عادل عبد الرحمن

مصطفى محمد عثمان (ساكس)

 

محمد مدني

شاعر وثوري في المقام الأول، يقيم الآن بالمملكة العربية السعودية، شارك في تحرير إرتريا مع أخويه الشهيدين

  (عمار) و (حكيم ) ، فأثبت أنه بحق فارس الفوهتين (البندقية والقلم ) .

ورغم أن السودان كان بالنسبة له وطنا لا يقع في شرك الترقيم الحسابي، إلا أن الاغتراب يبدو - كحالة شعرية- واضحا في قصائده:

 

           أنا غاضب يا رسول

          فبعض الحكومات

          تختار ان تشترينا بحسن الجوار

           وبعض الرفاق يبيعوننا بالحوار 

 

ورغم أن مدني قد بدا كتابة الشعر في السبعينيات إلا انه ظل مجهولا، إلا للقاصدين، بل ربما يجهل البعض انه صاحب الرائعة التي تؤديها فرقة ( عقد الجلاد ) والتي تقول:

 

                 احتاج دوزنة وترا جديدا

                  لا يضيف إلى النشيد سوى

                              النشاز

 إلا أن هذا الجهل به يقابله حالة من الاندهاش (الحميد) لمجرد سماع شعره، فهو بحق شاعر الكلمة المدهشة الأخاذة . ولقد برع مدني في التصوير الشعري البليغ، وْضرب النماذج البشرية والطبيعية:

    ((لملاكي)) بعض الاغاني

    و (( تمساح)) يرتاح بين القصيدة

           والاجتياح .            

 

 وإدخاله لمفردات جديدة داخل بنية النص:

                 للبنات الجميلات في مكاتب الأمن

                    وللاجئين

                    وللصبية الضائعين

                بين صوت المغني وبين الكمين

 

 كما تميز بموسيقاه الشعرية المتفردة:

 

                 فقط إفهموا ألا وثيقة أو وفاق

                  ولا خديعة أو نفاق

                  نخفي عن الأطفال عورة من دفنتم

                   من رفاق

 

هذا بالإضافة إلى ثورته الدائمة على كل شئ ، فهو الثورة عندما ننسى وجود الثورة فعلا ، فنراها أين ما حل شعرا وفعلا:

 

                  الرسالة قبل الاخيرة لمن لا

                          يهمهم الامر

(إنذار أول : قصيدة لن تتم )

  للبنات الجميلات في مكتب الامن واللاجئين

وللصبية الضائعين

بين صوت المغني وبين الكمين

وللمغنين من الشعراء يهزون عرش الخلافة

   بالشعر والخمر والاعتراف

         لتلك الضفاف

        التي عمدتني نبيا يخاف

            على الحرب من ضدها

        وعلى العشق من حامليه الخفاف

       وللقائمين ثلاثة ارباع ليل الغريب،

وكامل  ليل البلاد ،

           مقابل خبز الجفاف

-        وفي احسن الامر –

موت الكفاف

ومن اجل من؟

   كيف نفعل؟

       ماذا ؟                                                
نواجه فصلا جديدا تماما ، كما ندخل الان في موتنا من جديد

ولا الوطنية لا الباطنية اجدتْ

لا الملكية لا المالكية  افتتْ

لا العمرية لا العامرية مدتْ

         -ستار-

فقد ندخل الان في مشهد المستفيد

وقد يدخل الموت فينا قبل صلاة العشاء

يفاجؤنا قبل بدء المسلسل او يتريث حتى انتهاء النشيد .

فيا ايها الموت

يا ايها الصرت منا

اعنا على كل شيء سواك

فإنا نفتش عن نبضة في القتيل

وعن وردة في عروق الحديد

ويا ايها العشق ، يا ايها المستبد نود ..

إذا غبت بين البنادق او غيبتك البنادق ، ان نستعيد ملامحك الشوهت

نوهت ،

ان نعيد صياغة هذا النشيد ، نرى وجهنا ونراك

فيقترب الوعد ذاك البعيد .

ويا ايها الوعد يا ايها الكنت فينا إلينا

فبعض القبيلة يهتز

والبعض يلتذ

ان قد احالك يا وعد، جهرا، وعيد .

ويا ايها الامراء شيوخ القبيلة هل فاتكم

ما فعلتم ب (اعلى*) و (عامة*)

وفالول*، منكع*، مبعوث باعوث

ويا أيها المراء فناء قضاء عليكم به قد يضاء على

الدرب خط لرهط العبيد .

ويا ايها الشهداء هنا الداء مستفحل بعدكم

فالبنادق ليست

                بنادق

اما الجيوش

        فصارت بيادق

                    ((ان المسافة في فهم امي

                         ليست بعيدة

                            بين الشهيد وبين البليد ))

                 ************************

        ( لملاكي*) بعض الاغاني ، (وتمساح*) يرتاح بين القصيدة

               والاجتياح

        اذا اتفقنا على نشر كل الغسيل علام السكوت ايا شهرزاد؟

                                                   ولم يات بعد الصباح ؟

         وهل جاز للبعض ان ينتقوا ( هيلى قرزا*)

          وينسون ان ميكائيل فوضه الرب امر الرياح .

    اذن يا شهيدي تعالى ونم فوق حد الرماح الكسالى

     وسمي الذي لا يباح ،

      فكل الكتوف تساوت،

      وبعض الرؤوس تهاوت،

       فلا فرق بين السكوت وبين الصياح .

       انا غاضب يا رسول

         ( ...............................................)

ايا رب هذا الكساح

فبعض الحكومات تختار ان تشترينا بحسن الجوار

            وبعض الرفاق يبيعونا بالحوار

                ورفع المصاحف فوق

                         الرماح

     اذن :

             يا عنادا تجلى ،وقاوم ، حتى لعل ، وهدد، فلت.... والا ..

                       وتف السماح

هوامش القصيدة

اعلى وعامة قيادتان تاريخيتان لجبهة التحرير الارترية .  فالول ومنكع تنظيمين قاما احتجاجا لبعض اخطاء الثورة الارترية . ملاكي وتمساح وهيلي  أسماء لبعض شهداء الثورة الارترية .

 

عادل عبد الرحمن

(الفنان هو الذي لا يتعطل عن صنع الجديد)

وهكذا فعل بنفسه عادل .

فهو من رواد القصيدة النثرية في السودان - بل لعله أول من كتبها في السودان .

ولد بودمدني (1958) ، وكان كثير التنقل ، وصديقا لعدد كبير من الشعراء السودانيين والعرب ، محمد مدني، القدال، محمد عبد الخالق ، عادل القصاص، محمد محي الدين، يحيى فضل الله الخ.......،، الشيء الذي ساعده أن يدرس كل المدارس السودانية الحديثة عن قرب، وهو لا يقل عن رصيفه محمد مدني في الثورية بل تعدت عنده حدود قضيته الضيقة فحمل السلاح مع اخوته في إرتريا إيمانا منه بقضيتهم التحريرية، ومع هذا فقد كان لا يتوانى عن خدمة السودان وفق ما يراه ويتفق معه من مبادئ وأفكار:

 

(( أسمه السودان ، في العام 1986 كانت مساحته مليون رطل من

الفقر . به ثمانية عشر مليون جاهل . ومليونان من المغتربين  و

الانتهازيين . أنا أحد من يدعون حبه . من اقسموا على خوض

الحرب بكل شراسة ضد الظلم والقهر ))

 

هكذا بدأت القصيدة النثرية عند عادل ، محاولات مستميتة للتمدد في اللغة و إخراج كل ما هو ممكن منها ولكن وفق القاعدة الجمالية التي  يضفيها الشعر - بطبعه - على الأشياء . ولعل البعض يعتبره مغاليا أو متطرفا في تشاؤمه تجاه العالم:

 

       (( هذا العالم كذبة ، وانا أتان مشلوح

                     هذا الوطن غربة، وأنا تعب مستريح ))

 

             أو في قوله :

 

               (( أخ .... رائحة الكون تزكم أنفي

                  أين ما ذهبت تلاحقني أخبار الكواكب

                  كلما ما مت تلسعني انشوطة الانتباه  ))

 

ولكن هؤلاء بنفسهم - وهذا إذا إتفقنا مع زعمهم هذا - لا ينكرون انه شاعر الحب وقاصه . وهو أينما يكون لا يبعد قيد أنملة عن أنين الضعفاء ومحاولاته المستميتة لقتل الحزن والقهر والاستغلال:

 

            (( هذا العالم ليس كذبة بل فرح

                                    مٌحتل

                         وأنا الآن بي رغبة كي أصير

                                 ملكاً للقبل                 ))

 

ويتجلى حبه - كأي فنان - حين تصبح أمانيه معتقلة لدى الآخرين:

 

                  (( لو كنت فارساً لعبأت نشابي بالفرح

                                   وصوبت نحو البشرية جمعاء

                                       لا أخطئ أحدا        ))

 

وعادل من الشعراء المفكرين، فهو أين ما يذهب يخلف من وراءه الأسئلة الحائرة الساخرة. ويجعل الجميع في حالة تفكير ، تكتنف ما تبقى من اليوم أو ربما قد تكتنف حياتك كلها:

 

       ( يا شعوب العالم " ضعوا المعاول والطباشير ، اتركوا مقابض المكاين

        وعد النقود ، عطلوا المجاديف ولحظات العشق ،

        اجلسوا حلقات حلقات ، ضعوا إبهاماتكم على أطراف

         الجباه ، قطبوا قليلاً ، فكروا معي .....................

         في البدء كان الناس   أم

        المسخرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟  "  ))  

 

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون