سـبــحـــــات

 

 

للشاعر :عبد الحليم سر الختم

 

بيـنـى وبينـك صبـوةٌ وتصـوُّفُ

روحٌ تشـفُ ، ومهجـةٌ تتـلهـفُ

 يا مـن له الأسـماء يكمـل حسنُها

لكنـه فـى ذاتــه لا يـُوصـفُ

تهفـو إليك جـوانحى وجـوارحى

     وتكاد من فـرطِ الصبابـة تتلـفُ

 أنت المليـك وفى يديـك مصيرها

وكمـا تشـاء ، فإنـها تتـصرفُ

وأنا المشـوق ، موحـدٌ ، متوكـلٌ

هيهـات من شـأن السِّوى أتخوفُ

*               *                *

 سبحان من عنـتِ الوجـوه لوجهه

يرعـى الوجـود بنظرةٍ لا تطـرفُ

يتشـوف المِثقـال فى جنح الدُجى

             ويُحيـط بالسـرِ الخـفىِ ، ويعرفُ

فى كـل يـومٍ شأنـه متـجـددٌ

      فى كـل شـئ آيـه يتـكـشـفُ

يُزجـى الرياح لواقحاً من فضله

      ويُسلـط الريـح العـتى فتعـصفُ

وهو الحكيـم اذا تنـزل حكمـهُ

       يقضى ، فيعدل فى القضاء وينصفُ

*               *                *

سبحـان ربـى مُبدعـاً ومُصوراً

نسـق الخلائـق لوحـةً تتـألـفُ

أرأيـت كيـف الراسيـات أقامها

ترنـو الى قُـلل السمـا ، تتشرفُ

 والأرض مهـدها ، وأخرج ماءها

     يجـرى عيـوناً ، نبعهـا لا ينشفُ

والبحـر سجـره أُجاجـاً مالحـاً

     والنهـر سيـره فُراتـاً يـرشِـفُ

والضـوء أرسله نهـاراً ساطعـاً

             والظِـل مـدده خـيـالاً يـزحـفُ

والليـل أسـدلـه رداءاً سـاتـراً

     كـم غافـلٍ فى جـوفـه يتغلـفُ

والزرع أنبـتـه بهيجـاً ناضـراً

     ورداً يفـوح ، وخضـرة تتـورفُ

والرعـد والسُحب الهمِيلة والنـدى

     والبـرق أشعلـه وميضاً يخطـفُ

والفـرث صيـرهُ حليبـاً سائـغاً

     صـرفاً يلـذُ مع المذاقِ ، ويُؤلـفُ

أيـن اتجهـت فثَـمَّ فـى آفاقـهِ

     معـنىً يُسافـر بالنهـى ويُطـوفُ

*              *               *

سبحـان ربـى ، خالقـاً متفرداً

    آثـاره فـى نـاظـرى تـتــرادفُ

ذرأ الـورى من حمأةٍ مسنـُونةٍ

   مِللاً ، شعـوبـاً ، ألسناً ، " لتعارفـوا "

والطير صآفاتٍ ، ترُوح وتغتـدى

جزلـى تُسـبـح باسمـه ، وترفــرفُ

والوحـش والأنعام ذلـل متنها

     والنحـل والنمـل الـذى يُستـضـعـفُ

يُهـمى عليها الرِزق فـى مقداره

     لا يُخسـرُ الميـزانَ ليـس يُطـفــفُ

*               *                *

سبحـان ربـى نعمـهُ موهوبةً

     للنـاس لا تُحـصـى ولا تتـوقـفُ

جعـل الحيـاة مطِيـة للقـائه

    لا يسـتبـيـك بريقـها ، والزخـرفُ

اقـرأ كتابـك لا تُغـادر صفحةً

    إن الخـوالــج كلهــا تتـصحـفُ

واختـر لنفسـك قدرها ومقامها

    يوم التـزاحُـمِ ، والرواجـف ترجفُ

فلقـد وجدت الجمـع إما ضاحكاً

    أو باكيـاً مـن ذنـبـه ، يتـنهَّـفُ

*               *                *

سبحانـه متعاليـاً فى عـرشـه

    نـوراً جلـيـاً بـاقيـاً لا يكـسِـفُ

الـروح والآجـال طـى غُيوبـه

    رُحمى ، ويفعـل ما يريـد ويهـدفُ

يشفـى السقيـم وقد تعـذر طِبهُ

    ويسـوق أسبـاب البـلاءِ ويصـرفُ

القادرُ ، الرحمنُ ، يمهـلُ عاصياً

    يُرجـى العقاب ، ووعـده لا يُخلـفُ

وإليـه ترتـفـع الرقـائق كلها

   يُجـزى الجميـل مثوبـة ، ويُضاعِفُ

     *            *              * 

سبحـانه ربـاً ، عفـواً ، غافراً

وهـو " الحليم " بعـبـده يتـلـطــفُ

يمحـو الذنوب جميعها من لوحه

ويُعـيـنـه فـى ما يبُـوء ويسـعِـفُ

يكسـوه من حـلل الرضـاء عباءة

مـن غيـره يحـنـو علـيـه ويـرأفُ

لا تقنـطـوا من رحمـة مأمـولة

يا من تمادوا فى الغـوايـة ، أسـرفـوا

فاستمسكـوا بطريقـه وتعاونـوا

وبحبـلـه هـذا المتـيـن تكاتـفــوا

       *             *                *

سُبحـان من ليـلاً سـما بحبيبـه

والكـون فى قيـد الضلالـة يـرسـفُ

يجتـاز آبـاد الفضـاء مصـعـداً

والرسـل والـروح الأميـنـة تهـتـفُ

وأراه مـن آياتـه ما قـد رأى

 يرجُــو ويـسـأل ربَـهُ ، فيُخـفِـفُ

سكـب الإلـه عليـه من قرآنـه

 ذِكـراً تَـرقُ بـه القلـوب وتـرهـفُ

فمشـى يُبـشـرُ بالصراط وبالتقى

 طَـوراً يليـنٍ ، وتـارةً لا يعــنــفُ

حتـى أتـمّ كتـابـه وأقـامــه

 لله مـن نــورٍ حـوتـه الأحـــرفُ

لو كـان أنزلـه على جبـلٍ هـوى

أو كـاد مـن فـرط المهابـة يُنـسـفُ

صلـى عليـك اللهُ يا فجـر الـدُنا

     ولـك الوسيـلـة والمـقـام الأشـرفُ

 

بمناسبة مهرجان حلقات القرآن الكريم الرابع والعشرون
ودمـدنــــى 15/4/2004هـ
عبد الحليم سر الختم

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون